التقازم المتزايد والمحير – حال مغاربة الجامعة بعد مشارقتها

****،

حتى يفهم القارئ هذا العنوان “التقازم المحير” حال مغاربة الجامعة بعد مشارقتها بعد كلامي المطمئن أمس عن التناوب بين المعركة الدبلوماسية والمعركة العسكرية لا بد أن يتخيل ما كان سينتهي إليه أبطال ليبيا من دون السند التركي الذي أتى في الغاية فساعد على الحسم.
لا شك أن هؤلاء الابطال كانوا عظاما لكن ليس من اليسير أن يطاول شعب شبه منزوع السلاح ومحاصر من فرعي الثورة المضادة التي تحتمي بإيران وروسيا والتي تحتمي بإسرائيل وفرنسا.
حرب لا هوادة فيها يمدها جيش بلحة عميل ممولي الحرب عليهم ورغم ذلك صمدوا سنة كاملة لحماية طرابلس من مليشيات آتية من كل صوب وحدب بما فيها مليشيا المافيوزي بوتين دون حسبان ما تقدم على ذلك خلال عقد الثورة من جهاد يمكن أن يجعلنا نعتبر روح المختار ما تزال سارية في شباب ليبيا.
وليتصور أن تركيا لم تأت للنجدة – وسنرى أنها لم تأت مختارة بل لأنها هي بدورها مستهدفة ومحاصرة من نفس الأعداء والحلف مع ليبيا كان المخرج لهما معا من العدوان – فإن كل هؤلاء الاعداء كانوا سيكونون على حدود تونس وعلى حدود الجزائر. ولا أحد يفهم في الاستراتيجيا التي تقود هذه المعركة لا يفهم ذلك بداهة.
وهي معركة ستزداد هولا بعد الشروع في علاج نتائج كورونا على اقتصادياتهم ومحاولة التعويض من استعادة استعمار افريقيا مرورا بشمالها الذي لم يخرجوا منه بعد. فهم مسيطرون على اقتصادها وثقافتها وحتى سياستها المباشرة إذ هم من يعين حكامنا ولنا في تونس ما يكفي دلالة.
فأتساءل:
ما الذي جرى لشباب تونس وشباب الجزائر وشباب المغرب وشباب موريتانيا فيقف متفرجا ولا يساعد شباب ليبيا في معركة ستحدد مستقبل الاقليم كله؟
هل عادت إليهم روح الهزيمة التي عرفها الاقليم بعد سقوط الاندلس وشروع شارل الخامس في حرب الاسترداد في القرن السادس عشر؟ هل ماتت فيهم روح المقاومة؟
أين أبطال تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا الذين قاوموا الاستعمار الأوروبي منذ احتلال الجزائر مقاومة شعب واحد بحيث إن الحدود لم يكن لها أدنى أثر على مشاركتهم في نجدة بعضهم البعض؟
ألا نرى أن ما بلغ إليه أمر المشرق من تفتت وتحالف ضد بعضهم البعض قد وصل إلى المغرب فصار الامر لا فرق فيه بين محاصرة قطر من اجوارها العملاء ومحاصرة ليبيا ولو بالسكوت من دول المغرب وأن السند لم يأت في الحالتين إلا من تركيا؟
ما السر في ذلك؟
لماذا كل أبواق الثورة المضادة التابعة لإسرائيل وفرنسا في المغرب والمشرق وكل أبواق الثورة المضادة التابعة لإيران وروسيا في المشرق والمغرب على حد سواء تستهجن هذا النجدة التركية باسم مقاومة من هم ذيله في الحالتين أذيال إيران يدعون مقاومة إسرائيل وأذيال إسرائيل يدعون مقاومة إيران؟
ولأحسم تعليل التدخل التركي قبل محاولة فهم السر في ما عليه التقازم المتصاعد في المشرق وفي المغرب.
ووجوه الشبه مع ما حصل في بداية حروب الاسترداد من قبل البرتغال في الجزيرة العربية وما حولها.
وكذلك حروب الاسترداد من قبل اسبانيا في شمال افريقيا والسند العثماني الذي حال دون زوال الإسلام مما يسمى حاليا دول الجامعة العربية والتي هي في الحقيقة جامعة الانظمة العميلة لأعداء الامة.
لو تمكن الغرب في حرب الاسترداد في المشرق بالحلف بين الدولة الصفوية والبرتغال وحلف بقية أوروبا واسبانيا بقيادة شارل الخامس قيصر أوروبا الكاثوليكية في حرب الاسترداد الاسبانية المقدسة لكان الإسلام قد حصل له في الجزيرة وفي شمال افريقيا ما حصل للأندلس.
تركيا كانت حينها على قدر كبير من القوة العسكرية.
لكنها كانت فاقدة لسر القوة التي بدأت أوروبا تتمكن منها أعني الثورة الفلسفية والعلمية والتقنية وحتى السياسية التي جعلتها تسيطر على العالم وتخرج الإقليم كله من دورة الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك فقد استطاعت المحافظة على سلطانها في البحر الأبيض المتوسط وهو ما مكنها من منع سقوط مصر والجزيرة وشمال افريقيا والهلال.
وقد بقيت تقاوم حتى خربت من الداخل بجرثومتي القومية والعلمنة اللتين فتتا ارضها بما أن كل الشعوب التي كانت تابعة للخلافة اصيبت بهما.
أوروبا الحالية وخاصة روسيا وفرنسا بدآ يتحالفان على تركيا الحديثة ومحاولة حصرها في الاناضول واخراجها من الحلف الاطلسي حتى يستفردا بها ويعيداها إلى التبعية من جديد.
ولولا من لم أكن أمزح بوصفه بمعاوية الثاني – أقصد أردوغان واستاذه من قبله أربكان – لنجحوا في جعلها جزيرة محاطة من كل جانب بالأعداء أي روسيا واوروبا والعرب والفرس وبقايا الصليبية والباطنية من عرب الشمال.
فقد استطاعوا – على الاقل في المشرق – جعل من يحسبون على العرب جزءا من سايكس بيكو ثانية بعد الأولى لاستكمال مشروع دولة إسرائيل الكبرى وانهاء القضية الفلسطينية واستعادة امبراطورية فارس وربما استعادة ما بقي من تركيا في أوروبا إلى روسيا وريثة الارثودوكسية.
تركيا لها قيادات تفهم الرهان.
لكن من يسمون أنفسهم عربا في المشرق ومن يسمون أنفسهم مغاربة في المغرب كلهم دون استثناء سيطرت عليهم القزمية وحثالة النخب الفاقدة للذاكرة التاريخية والعجز الذي لم يصل إليه أهل الإقليم حتى في أكثر لحظات الانحطاط: هذا المستوى من الذل والمهانة الجبن والخيانة.
وعندما أسمع الحمقى من القوميين في تونس وخاصة اصحاب النباح الدائم للإيهام بأنهم عمالقة في التحليل الاستراتيجي بغوغائية الأنظمة التي تدعي القومية – البعث بفرعيه والناصرية بفرعيها – أنتهي إلى أن نخب جامعة الدول العربية مشرقهم ومغربهم صاروا أذل من أهل الأندلس في عصر الطوائف.
فكلهم يعتبرون تركيا هي العدو ومن ثم فهم لا ينكرون عمالتهم لأعدائها الذين هم أعداء شعوب الاقليم كلهم وليس اعداء تركيا وحدها.
فهل فرنسا وإيطاليا واليونان ومصر بلحة وإسرائيل وإيران وروسيا يدافعون عن حقوق الإنسان عندما يساندون العميل حفتر في ليبيا؟
وهل كلاب القومج الذين يصفقون لحفتر وبشار وبلحة وبوتين والملالي ويباهون بالسلفي معه ودماهم ويصطفون وراء دمية قرطاج هل هؤلاء يمكن أن يسموا قوميين عرب أو منتسبين إلى هذه الحضارة التي يراد لها البقاء عزلاء ومستعبدة أبد الدهر؟
وهل لو كان المغاربة دارين بالمصلحة المشتركة بينهم فيحمون معا وجودهم في الأبيض المتوسط وفي العالم هل كان يوجد ما يمكن أن يخيفهم من تركيا أكثر مما يخيفهم من فرنسا التي ما تزال تستعمرهم اقتصاديا وثقافيا وتعين حكامهم الذي هم في غالبهم سرا أو علنا من علمائها والمجنسين بجنسيتها وهم أحفاد الحركيين والصبايحية؟
وهل اليسار التونسي ومثله كل اليسار العربي من الماء إلى الماء دون استثناء ينقسم بالصدفة إلى هذين النوعين مع بقايا الصليبية من مسيحيي الشرق وباطنيتهم وخاصة من أبناء خماسة المعمرين في تونس والجزائر مثلا؟
هل من الصدفة أن جل أو كل من يدعون اليسارية هم احفاد الخماسة أو من أحفاد البلدية الذين كانوا في خدمة دولة الاحتلال في تونس وهم نوعا الصبايحية مثل الحركيين في الجزائر؟
وإلى متى الشعب يثور وينتخب غيرهم لكنهم هم من ينصبون في الحكم رغم أنفه؟
ولأصل هذا الكلام بما ورد في محاولة أمس حول المزاوجة الليبية التركية بين المعركة الدبلوماسية والمعركة العسكرية بالقول إن الله أمد الأمة بأبطال ليبيا وبتعافي تركيا حتى يصبح بالوسع هزيمة فرنسا ومنع وحدة أوروبا من حولها.
ولما سعت إلى ذلك وفشلت اضطرت إلى اللجوء لبوتين فعمق خسرانها لأن ذلك مما لا تقبله أمريكا أيا كان الحزب الحاكم وطبعا فالسند الاوروبي لا يمكن أن يحصل من دون ضوء أمريكا الاخضر.
لكن إذا بقيت قيادات الجزائر في عبث ما تقدم على ما أسعدني من شروع نظامها في تحريرها من أحفاد الحركيين أعني ولم تعد إلى التعاون بين أقطار المغرب الخمسة وظلت تدافع انفصال الصحراء الغربية ومعاداة المغرب فإنها ستحول دون تكوين قوة غنية حتى عن تركيا.
ثم إن الصحراء الغربية لن تكون إلا قاعدة فرنسية اسرائيلية أولى ضحاياها ستكون الجزائر ستستعملها فرنسا والإمارات ومصر لضرب وحدة المغاربة والتعاون والتكامل فإن المغرب الكبير سيكون مثل المشرق فتاتا لا مستقبل له وستعيد أوروبا استعماره من جديد.
في المنعرجات التاريخية لا بد من روح الامير عبد القادر واسود الريف وشيخ المجاهدين المختار وأستاذ السياسيين عبد العزيز الثعالبي وحمية الشباب الذي لا يعترف بالحدود الاستعمارية فلا يتخلى عن مساندة اخوته في أي قطر من أقطار المغرب وحتى المشرق.
فقد كان أجدادنا يحاربون في الجزائر وفي ليبيا كمغاربة مسلمين وحتى في فلسطين والثابت أن هذا الشعور يحرك شبابنا وقد عشت حرب الجزائر بعد ثورة نوفمبر وشاركنا فيها في شبابنا على الاقل بجمع المعونات.
والمعلوم أن فرنسا احتلت تونس لنفس العلة في نهاية القرن التاسع عشر.
ولا بد أن تعود هذه الروح لأن أوروبا وخاصة فرنسا يمكن أن تستعيد روح الغزو الاستعماري من جديد للتعويض عما خسرته بسبب كورونا وخاصة بسبب عودة روح العزة وإرادة الاستقلال في بقية بلاد افريقيا.
وهم يعلمون أن السيطرة على افريقيا تبدأ بالسيطرة على شمالها. وجود فرنسا في ليبيا خطر على تونس والجزائر والتشاد وإفريقيا ما وراء الصحراء. ولولا ذلك لما اعتبر سقوط الوطية واخراج فرنسا من ليبيا نكبة كبرى تعاني منها فرنسا حاليا وعملاؤها في تونس.
كل الذين يعادون تركيا حمقى لأنهم في الحقيقة سواء بوعي أو بغير وعي يريدون ما اراده الأمير الحفصي الاحمق الذي احتمى بشارل الخامس أو ضحايا لاورنس العرب الذين احتموا بإنجلترا ظانين أنها ستفي بما طمعتهم فيه:
إنهم خونة مثل الأمير الحفصي وأعراب لاورنس.
عندما تسمع الجلماغ الذي ينصح بتقديم دروس في السياسة الدولية فاعلم أنه يتوهم أن الخرافات التي تعلمها من خبرته في لبنان وفي ليبيا يمكن أن يعتبر فكرا استراتيجيا خاصة وهو من حيث لا يعلم يكرر معتقدات أعداء الامة من بقايا الصليبية والباطنية.
فالقوميات عامة والتركية أو العربية أو الكردية أو الأمازيغية أو المالاوية أو الهندية خاصة لا علاقة لها بالأمة وبالإسلام بل هي جراثيم لوثت ثقافة الأمة لتكون هي والعلمنة والحداثة التابعة عند أنصاف المثقفين من الرعوانيين حصان طروادة.
فمن يتصور ادبيات البعث والناصرية واليسار العربي المسيحي والشيعي فكرا حمقى لأنها ليست فكرا بل أمراض يعاني منها الأميون الذين ألف لهم بعض العملاء كراريس من جنس فكر عفلق أو من يماثله حاليا من مخربي الثقافة العربية بحداثة الروبافكيا الشعبوية.
لكن الأمة تعيش لحظة الاستئناف والعودة إلى دورها التاريخي الكوني. وشباب ليبيا وسوريا واليمن يمثلون طليعة هذا الاستئناف وشباب تونس لن يتأخر في المشاركة في الموجة الثانية من الربيع الذي كان هو مفجره ولن يواصل الانخداع بمشروع دجال قرطاج.
القوميات عامة والقومية العربية خاصة هي “غنبوز” أعداء الأمة والإسلام ممن نراهم الآن من يقاتلون في سوريا وفي العراق وفي كل مكان وطأته اقدامهم. لكن شباب العراق وشباب سوريا استعاد حميته الإسلامية وروحه الوطنية وسيخرج اعداء الامة صاغرين.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي