ليس عندي أسخف ممن يتكلمون على التعدد حلا للعنوسة وخاصة عندما يحاولون الاستناد إلى الإسلام. فالحجة التي أسس عليها الإسلام التعدد لا علاقة لها بهذه الإشكالية، بل هو اسسها على حماية اليتامى حتى وإن لم يحصره في هذا التأسيس. وشروطه التي وضعها تغلب الحصر بسبب انتفاء شرطه الخلقي أو العدل. والتعدد في كل الأحوال إذا لم يكن للعلة التي اسسه عليها القرآن شبه مستحيل لعلتين: • اقتصادية • وخلقية. 1. فلا شيء يفسد صلة الرحم بين الاخوة أكثر من تعدد الامهات في الأسرة الواحدة. 2. والاقتصادية ذات وجهين. فهو قد يكون ممكنة للأغنياء للقدرة عليه وضروريا للفقراء للحاجة لليد العاملة. وفي الحقيقة العلة الاقتصادية الأمتن هي القدرة عليه وليس الاستفادة منه، لأن الحاجة إلى اليد العاملة عند الفقراء قد يلغيها إعالة الانجاب المتعدد وهو اقتصاديا أكثر كلفة من اليد العاملة. ومن ثم فلنقل إن التعدد خارج ما علله به الشرع (حماية يتامى الجهاد) يكاد يكون مقصورا على الأغنياء. وقد يكون في ذلك مطابقة للقانون البايولوجي لان التناسب بين الجنسين فيه زيادة في الإناث على الذكور ولكنها لا تصل إلى الضعف فتمكن من التعدد على الأغلبية (امرأتان لكل رجل مثلا) ومن ثم، فالتعدد علته في الغالب حرمان من لا يستطيع تأسيس أسرة من الزواج. فيصبح المشكل مضاعفا: • عنوسة • وعزوبية. والكلام هنا منفصل عن الجنس عامة، بل هو مقصور على الجنس المنظم في مؤسسة الأسرة. لذلك فالكلام على العنوسة ينبغي أن يصبحه الكلام على الجنس خارج المؤسسة الأسرية. ومعنى ذلك أن العنوسة لا تعني: • غياب الجنس المنظم في الأسرة • غياب الإنجاب خارج الأسرة. فيصبح المشكل مخمس. وذلك كما يلي: 1. الأسرة 2. العنوسة 3. العزوبية 4. الجنس خارج الأسرة 5. الانجاب الطبيعي أو خارج الاسرة. وإذن فنحن أمام مشكل متعدد الأوجه ولا يمكن علاجه بالتعدد، والقرآن لم يجعل التعدد لعلاج هذا المشكل. وعلينا إذن أن نعالج القضية علاجا ليس له حل في النصوص الدينية.
وقبل البحث في أعماق المشكل وعلله وطرق العلاج، فنلاحظ أمرا قلما أخذ بعين الاعتبار وهو بايولوجي صرف: • فالمرأة لا تبيض إلا مرة في الشهر • ولا تبيض في كل عمرها بل في سنوات الخصب التي تبدأ بعد البلوغ وتتوقف عادة قبل الخمسين من عمرها. • لكن الرجل ينتج الحيوان المنوي من البلوغ إلى موته. • وهو قادر على انتاج الملايين منها على الاقل مرتين في الأسبوع، ما يعني أنه منتج للحيوانات المنوية أو نصف الكائن الحي بلا حد تقريبا، بخلاف المرأة التي لا تنتج إلا عدد قليل من البويضات وهي النصف الثاني من الكائن الحي. فكيف التوفيق بين هذين الأمرين؟ والمشكل مضاعف في التعدد وفي عدمه. فهل إذا عددنا، لن يكون ذلك مصدرا لتكاثر خطير على وجود الإنسانية لان ثروات الارض وحتى العالم قد لا تكون كافية لسدا حاجة التكاثر؟ وهل إذا لم نعدد يكون اخضاع خصوبة الرجل لخصوبة المرأة كافيا لتكاثر متوازن وكاف لبقاء الجماعة وخاصة في البداية عندما كان موت الاطفال هو الغالب. وكنت قد درست في السنة الأولى بالجامعة المسألة البايولوجية المتعلقة بهذه المسألة بوصفها من شروط دراسة علم النفس مثلها مثل الإحصاء فقد فهمت أن “العادة” عند المرأة في صلة مباشرة مثلها مثل المد والجزر في البحار بنظام حركات القمر والشمس وأن هذا النظام يشبه أنظمة الطبيعة وتوازناتها. ولذلك فلن أخوض في مسألة العلاقة بين حصتي الرجل والمرأة في التكاثر وما بينهما من علاقة تبدو شديدة عدم التوازن والتناسب لو اكتفيها بعدد البويضات عند المرأة عدد الحيوانات عن الرجل واختلاف مدة القدرة على الإنجاب عندهما، إذ لعله يوجد نظام طبيعي خفي جنيس للنسبة العددية بين الجنسين. فالنسبة العددية بين الجنسين Sexe ratio من أسرار النظام الطبيعي لأنها تعتدل ذاتيا مثل جل الانظمة الطبيعية وغالبا ما تجعل عدد الإناث أكبر من عدد الذكور بمقدار معين فضلا عن كون النساء يعمرن أكثر من الرجال في الغالب وهن أمتن بدنيا وحتى نفسيا: الأمر ينسب إلى تاريخ الإنسان الطبيعي.
قفز بعض المتخلفين من فقهاء القرون الوسطى وطلب الحل السحري من التعدد لا وجود له في الإسلام -لأن التعدد قدم حلا لإشكالية اليتامى وحماية ملكياتهم وعرض الإناث منهم- وهو لا يحتاج لفتواهم لأن الأغنياء يعيشون التعدد ولو بصورة غير نظامية والفقراء محرومون حتى من الزواج فضلا عن التعدد فيه. وأبدأ فأقول بعد استثناء المسألة التي لها علاقة بقوانين طبيعية من بحثي، إن التعليل عندي مضاعف: • اقتصادي • وثقافي. 1. ويمكن القول إن العلة الأولى مصدرها الذكور خاصة 2. والعلة الثانية مصدرها الإناث خاصة. وفي الحقيقة لا الرجال ولا الإناث هما السبب، بل النظامان الاقتصادي والثقافي ودور الرمزين. وأعني بالرمزين: • رمز الفعل أو العملة التي لم تبق أداة تبادل بل أداة سلطة على المتبادلين • وفعل الرمز أو الكلمة التي لم تبق أداة تواصل بل أداة سلطة على المتواصلين. وبسبب هذين السلطانين للعملة والكلمة صارت كل شيء خاضعا للتقييم الاقتصادي (الاستعمال والتبادل) فتبضعن الإنسان وتخدمن. والقصد بالتبضعن والتخدمن أن الإنسان فقد ما له من سمو على منتجاته فصار بضاعة وخدمة مثله مثل أي بضاعة وأي خدمة. ولعل المرأة هي التي كانت أولى ضحايا هذا التبضعن والتخدمن لأن أول تجارة كانت تجارة الجنس والمرأة. لكن الرجل أيضا صار في الغاية صار مادة تجارة جنسية مثله مثل المرأة. والمعلوم أنهما من البداية بضاعة وخدمة في العمل بصرف النظر عن الجنس وذلك هو أساس العبودية البدائية التي صارت الان عبودية كونية لأن النظام الاقتصادي والثقافي يجعل الجميع في خدمة من لهم سلطان العملة وسلطان الكلمة أو بعدا العجل معدنه وخواره: الامر له علاقة بالعملة والكلمة. فأصحاب العجل تمكنوا بمعدنه (الذهب) وبخواره (الإيديولوجيا والملاهي) أن يسيطروا على بعدي الإنسان بدنه وروحه ليكون عبدا مطيعا لأصحاب سلطان العملة (مافية البنوك) وسلطان الكلمة (مافية الإعلام والملاهي) وكل ما يتعلق بهذه الأزمات الخمس هو من نتائج هذين السلطانين. ذلك أن: 1. أزمة الأسرة 2. والعنوسة 3. العزوبية 4. الجنس خارج الأسرة 5. والاطفال الطبيعيين أي ما ينتج عن الرابعة هي شروط بضعنة الجنسين والجنس نفسه وخدمنتهما وينتجان عن الإلغاء الفعلي للملكية الخاصة لأن المالك الفعلي اليوم للثروة المادية هو مافية البنك وللثروة الروحية هو مافية الملاهي.
وهنا لا بد من الإشارة السريعة إلى أن خرافة التناقض بين الجنسين وتطبيق منطق الجدل لجعل الاسرة السنتاز أو التأليف الحاصل بفضل الآوفيهبونج الهيجلي من السخافات. فالتنافس ليس بين المرأة والرجل وهما ليسا متناقضين إلا بسبب الإيدولوجيا النسوية. فالتقابل في نفس الجنس على الجنس الثاني. وهو مثل المغناطيس الذي يستعمله هيجل بعكس قانونه. فالقطبان المتدافعان من نفس الجنس وليس من جنسين متقابلين لأن هذين يتجاذبان. وكذلك الشأن بين الجنسين. لكن ذلك غيرته الثقافة بمجرد أن رد الطبيعي العام إلى الشاذ الخاص: أعني التجاذب في نفس الجنس بدل ما منه بين الجنسين.