التصدي لسياسة تجفيف المنابع من رد الفعل إلى الفعل1 من 4

تونس في 06 – 05 – 2015

تنبيه مدير الصفحة :

استعجلنا الاستاذ في اتمام كلامه على الاستراتيجية كما وعد. فنصح أولا بالاطلاع على استراتيجية العدو الذي تصور المعركة مرحلة الحرب على الحصانة الروحية. فاستعمل استراتيجية ما يسمى بتجفيف المنابع بالطرق التي يصف الأستاذ هنا. وهو يبين كيفيات التصدي التي لجأت إليها الأمة ومدى نجاعتها وما ينبغي أجراؤه من إصلاحات. وسيأتي دور الكلام على استراتيجية المعارك القتالية وكيفية إدارتها. وأرجعنا إلى هذا النص القديم الذي كتبه لما كان مقيما في كوالالمبور نهاية 2004.

وهو لم يتعرض حينها لدور إيران في شكله الذي اتضحت معالمه بعد الثورة وخاصة بعد الثورة السورية حتى وإن كان قد كتب في ذلك من منطلق المبدأ التالي :

إسرائيل تحتل الأرض وهذا قابل للرجع.

لكن إيران تسعى لاحتلال الروح التي لا يقبل احتلالها الرجع ومع يكون احتلال البلاد والعباد.

نعيد نشر هذا النص مواصلة لنص الأمس لأنه جزء من محاولاته فهم شروط التحرر والنصر في الحروب التي تشن على الأمة. وهو ينقسم إلى أربعة أجزاء : عرض الإشكالية وبيان فروعها الثلاثة ثم الفروع الواحد بعد الآخر.

حرب التجفيف واستراتيجايتها

ليس منبع الخطر على الحضارة العربية الإسلامية القوى الرئيسية التي تصارعها وتسعى إلى تهديم أركانها (اثنتان أجنبيتان هما الاستعمار القديم والهيمنة الأمريكية الصهيونية واثنتان أهليتان هما دعاة العلمانية التبشيرية الفرنسية والتطبيع ) رغم كون زعيمة هذه القوى ( أمريكا ) صارت تعلن صراحة منذ الحادي عشر من سبتمبر عن توحيد كل قوى الظلم والعنجهية حول مطلب واحد هو مطلب يمكن رده إلى عنوان واحد هو سياسة تجفيف المنابع الشهيرة.

وإنما الخطر كل الخطر هو أن يبقى وجود الأمة كله منحصرا في رد الفعل والسلب لعدم تحديد طبيعة المعركة التي تخوضها مما يجعل عملها مقصورا على تكرار الماضي غايات وأدوات ولا يتعداه إلى الفعل والإيجاب بإبداع المقبل منهما.

فبمثل هذا الموقف هزمنا في التاريخ الوسيط. والغريب أننا ما زلنا لم نفهم هزيمتنا إلى حد تصورها انتصارا. لو لم ننهزم حقا في الحروب الصليبية لما آل أمرنا إلى الانحطاط بعدها ولما آل أمر العدو الذي تصورنا أنفسنا قد انتصرنا عليه إلى النهوض والسيادة على العالم سيادة جعلته يستعمرنا إلى الآن.

وكذلك تصور الفرنسيون والإنجليز أنفسهم قد هزموا ألمانيا, في الحرب العالمية الثانية. لكن الحقيقة هي أن ألمانيا أرجعتهم إلى حجمهم الطبيعي بما أفقدتهم مستعمراتهم التي أبوا مقاسمتها إياها وبما استعمرتهم تحت مظلة الوحدة الأوروبية التي فاق وزنها فيها وزنهما مجتمعين بل ووزن جملة الأعضاء الفاعلين الباقين. وليس خضوع الألمان للأمريكان إلا إلى حين. وكذلك اليابان : في الظاهر هزمته أمريكا لكنه في الواقع اكتشف الحيل التي تجعله يسترد قوته كلها وأكثر من دون حرب.

وكذلك تصور دعاة الاشتراكية والعالم الثالث أنفسهم منتصرين على الأمبريالية بردود الفعل ولم ينتبهوا إلا بعد أن انهارت المنظومتان. فالفياتناميون الذين خالوا أنفسهم منتصرين صاروا يشحذون ود من ظنوه منهزما. وكل المستعمرات التي تصور ثوارها أنفسهم قد حرروها آل سلوكهم بالبلاد والعباد إلى وضع جعل التبعية أدهى وأمر من الاستعمار المباشر.

والعلة في ذلك كله الفكر الساذج الذي يحصر المعركة في رد الفعل لعجز أصحابه عن فهم طبيعة الانتصار كيف تكون. تصوروا حيل العدو الذي غير طبيعة المعركة لكي لا يبقى في رد الفعل تصوروها هزيمة. لم يفهموا الفكر الاستراتيجي الذي اعتمدت عليه فلسفة ما يسمى بتصفية الاستعمار الذي صار مكلفا.

فالعدو لا يقيس ربح المعارك بمنطق الفروسية والغلبة في ساحة القتال البدائي. إنما هو يقيسها بمنطق التاجر الذي يحارب أعداءه بمن يجعله لهم من أعداء. ويبدع ساحات قتال جديدة جاعلا منطق الحرب أقرب إلى منطق التنافس في تطور الظاهرات الإحيائية طويل المدى أعني منطق التكيف والغلبة في مجال التمكن من الأدوات والغايات واختراع الحلول المستندة إلى العقل والذكاء بدلا من طرق الصدام المباشر.

ولعل الصدام العربي الإسرائيلي أفضل مثال على صحة هذه المعادلة. فقد أعاد بعض العرب مفهوم الجهاد إلى أدنى تصوراته إذ جعلوه أشبه بتناد القبائل في حروب الجاهلية متناسين كل معاني الثورة القرآنية, في حين أن العدو بحاربهم بأقوى أسحلته: تمزيق مقومات وحدتهم وتسليط بعضهم على بعضهم بمنطق حرب الحشرات بالحشرات.

حرب تجفيف المنابع واستراتيجيتها

لذلك فالمطلوب هو تحليل حرب تجفيف المنابع في مستوياتها الذاتية لها لتحديد التصدي الفاعل تجنبا لما نتج عن رد الفعل الذي جعل دار الإسلام أرضا منكوبة بفوضى التعفن المرضي والتخبط الاستراتيجي.

ذلك أن التصدي لحرب تجفيف المنابع يستوجب تحليل هذا المفهوم وتشريح تاريخه الذي يناظر سلبا تاريخ حرب التحرير العربية الإسلامية وحركة النهضة. ومن دون ذلك فقد يختلط علينا الأمر فلا نميز بين حرب تجفيف المنابع العدوانية ودعوة المصلحين الشرعية لإحياء الثورة المحمدية إحياء ليس منه بد, لكون أصحاب تلك السياسة قد يفسدون هذه الدعوة بادعاء الانتساب إليها كما يفعل أغلب المنبتين من علمانيي تونس مثلا.

ذلك أن تجفيف المنابع قد كان في المرحلة الأولى المحدد الرئيسي لأحداث تاريخنا الحديث ومعانيه مما جعل حرب التحرير حركة يغلب عليها رد الفعل حفاظا على الذات والهوية.

ورغم التعثر فإن حرب التحرير يمكن أن تتحول في مرحلة مقبلة – وخاصة منذ صيرورة إسرائيل قوة عظمى جعلت التحدي الحضاري والنهوض شرط بقاء الأمة فضلا عن كونه شرط تحريرها وتحررها– إلى حركة يغلب عليها الفعل كما نبين لاحقا.

وبذلك يكون البحث في المسألة مؤلفا من ثلاثة مستويات هي

تحليل مفهوم تجفيف المنابع

وتاريخه

وتاريخ التصدي له في حرب التحرير العربية الإسلامية.

مفهوم تجفيف المنابع

فالمستوى الأول هو مفهوم التجفيف ذاته الذي يعتمد على استعارة زراعية تبين منطق استناده إلى الحرب البايولوجية التي يعتمد أصحابه عليها في تحليل الصراع الحضاري بين الأمم.

وبين أن هذا العلاج يصاحبه ضرورة حملات يمكن, مواصلة لنفس الاستعارة, تسميتها برش المبيدات الحشرية لقتل ما لم يمت بالتجفيف أو ما عاود فبزغ من جديد.

لذلك تتلازم سياسة تجفيف المنابع مع التعقب الفكري والقمع البوليسي.

تاريخ سياسية التجفيف

والمستوى الثاني هو مستوى تاريخ سياسة التجفيف بمرحلتيها المضاعفتين (مرحلة الاستعمار المباشر والاستعمار بتوسط غلاة الحركة القومية) أعني ما حدد بفرعيه المرحلة السابقة من الصحوة أو المرحلة الإحيائية والمرحلة التي يمكن أن تحدد بفرعيها (مرحلة التدخل الأمريكي المباشر ومن سينصبهم التدخل الأمريكي من غلاة الحركة الإسلامية) الصورة الآتية من الصحوة أو المرحلة الإبداعية التي نسعى إليها كما يتبين من المرحلة الحالية المخضرمة التي جمعت بين خصائص المرحلة السابقة والمرحلة اللاحقة, أعني عين السؤال عن شروط النقلة من الصحوة الأولى إلى الصحوة الثانية.


التصدي لسياسة تجفيف المنابع من رد الفعل إلى الفعل1 من 4 – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي