لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهالتشخيص والعلاج لأزمة الأمة: النموذج المصري والتونسي
هذه المحاولة حول أزمة الامة تكملة لما عالجته في كلامي الانتخاب المعكوس والفصل بين الشرعية والشوكة. فما يحدث في النموذجين التونسي والمصري وما بينهما بداية للثورة وغاية للثورة المضادة علته الانتخاب المعكوس والفصل بين الشرعية والشوكة الذي هو علة الصدام الحضاري الداخلي. ما يحول دون تحرر الشعب المصري من الاستبداد والفساد ليست قوة العسكر وما يجعل السعي للقضاء على ثورة الشعب المصري للقضاء عليهما غاية للثورة المضادة عند العملاء العرب وذراعي الاستبداد والفساد العالميين والانظمة العميلة وحماتهم الاستعماريين هو الحرب الأهلية في شكل صدام حضارات داخلي. كيف ذلك؟ لنعد إلى تصنيف القوى السياسية. كيف حصل في الغرب تجاوز الحرب الاهلية بين شعوبه الدينية قبل الحداثة ثم العلمانية المرحلة ا لثانية منها بعد الثورة الفرنسية؟ كان بنقل النقل الحرب بينهم من الداخل إلى الخارج: صارت الحرب بيهم خارجية غير أهلية بل عالمية لغزو العالم واستعماره. وهذا أيضا قانون كوني: الوحدة الداخلية مشروطة بمشروع خارجي يبعد الجماعة عن الحرب الداخلية من أجل مشروع خارجي هو في الثقافة العربية الحديثة مشروع استعماري وكان في حضارة الإسلام الأولى قبل الانتقال من الخلافة إلى الملك له مشروع خارجي لتحرير الإنسان من عبادة الإنسان. مشكل المسلمين أنهم فقدوا المشروع الإسلامي في دلالته الأولى التي كانت للتحرير من الوساطة الروحية والوصاية السياسية في أنظمة العصر (الفرس والبيزنطيين) ثم فقدوا القدرة على المشروع الاستعماري بعد الانتقال من الخلافة إلى الملك العضوض فصاروا عاجزين عنهما ولم يبق إلا الحرب الاهلية. والحرب الاهلية هي السلاح الاقوى الذي يستعمله الغزاة لتيسير الغزو والتقليل من كلفته لأنه يصبح بيد أبناء البلاد التي يراد غزوها واستعمارها. ولست بحاجة إلى دليل أكبر من الاحتماء بالقواعد الاجنبية بين العرب للاحتماء من بعضهم البعض وتلك علة سقوط الاندلس وجل ما أصبح مستعمرات العصر الحديث. وهكذا فقد وجدت نقطة الانطلاق في البحث عن العلاج بعد أن اكتشفت سر الضعف المغلوب الذي هو سر قوة الغالب في التاريخ الإنساني. ويكفي أن نقلب علاقة السرين حتى يصبح المغلوب غالبا والغالب مغلوبا وعندئذ نفهم أنه لا غالب إلا الله ومن يعمل السنن التاريخية حدها لإسلام للإنسانية عامة. فأكون بذلك رغم أني أقوم ببحث فلسفي قد طابق الكلام فيه ما نجده في القرآن الكريم وما يريد العدو أن يلغيه من حضارتنا حتى يبقي على قوته وضعفنا. ولهذه العلة كانت موضوع الحرب الاهلية في شكل صدام حضارات مداره الأساسي هو الموقف من سر قوة الامة التي تعود إلى مرجعيتها القرآنية. ولذلك فليس بالصدفة أن يكون رهان صدام الحضارات الذي استنبطته النخب التي تدعي التأصيل والتي تدعي التحديث هو دور الإسلام ليس كعبادات-فهذا لا يهم محاربي الأمة-بل كمعاملات تتعلق خاصة بالحريتين الروحية والسياسية التي لا يراد للأمة أن تستردهما بعد أن فقدتهما منذ قرون. فاستردادهما يعني أن الأمة تعود إلى فلسفة التربية القرآنية التي تعتبر الإنسان من حيث فرد مطلق الحرية الروحية ولا وسيط بينه وبين ربه والجماعة مطلقة الحرية السياسية لا وصي عليها غير ذاتها التي ربي أفرادها على الحرية الروحية واستعمار الارض بقيم الاستخلاف السامية. ما يجمع عليه الكاريكاتوران التأصيلي والتحديث ومعهما الصفوية والصهيونية ذراعين للاستعمار الغربي والشرقي هو الحرب على الحريتين الروحية للفرد المسلم والسياسية للجماعة المسلمة. فالكاريكاتور الأول يظن نكوص الأمة إلى لجاهلية اسلام والثاني يظن نكوص الحداثة إلى الاستعمار حداثة. الصدام الحضاري الداخلي هو صدام بين جاهليتين أولاهما تمثل رؤية النخب التي تتصور النكوص إلى الجاهلية القبلية إسلاما وهو ما أفسد الاجتهاد والجهاد بمعناهما القرآني والثانية تمثل رؤية النخب التي تتصور النكوص إلى الجاهلية الاستعمارية حداثة ما أفسد الاجتهاد والجهاد بمعناهما الفلسفي. وأفضل مثال من هذين الكاريكاتورين التأصيلي من الإسلام والتحديثي من الحداثة هو مثال ما يجري في الهلال: فداعش تمثل التأصيل المحرف لقيم القرآن والعلمانيين الذين من جنس البي كاكا والبي يدي تمثل التحديث المحرف. كلاهما يريد استئصال الثاني والحرب في النهاية هي على الامة وسنة الإسلام. ما يجري في بلاد العرب وخاصة في التي حصلت فيها الثورة هو حلف ذاتي وموضوعي- بخلاف المثال الذي ضربته والذي هو موضوعي دون أن يكون ذاتيا أي إنه ليس بقصد من إحصابه رغم وحدة النتيجة-هو بين أنظمة القبائل العربية وأنظمة العساكر العربية والنخب التابعة لهما. ومن يتأمل هذا التحليل بجدية لن يعجب بعد اليوم من الحلف غير الطبيعي في الظاهر بين السلفية التابعة لقبائل ممولي الثورة المضادة والعلمانية التابعة لعساكر منجزيها. الثورة المضادة هي بين داعش الأنظمة القبلية وبي كاكي الأنظمة العسكرية في بلاد العرب والمسلمين. وهي صدام حضارات بين إسلام محرف وحداثة محرفة أصبحا موجودين في كل بلد عربي. فما يحدث في السعودية مثلا هو في النهاية نتيجة لحرب بين إسلام محرف هو الوهابية وعلمانية وليبرالية محرفة آل بهما الخوف من خطر إسلام وحداثة متصالحتين في الثورة إلى التحالف ضدها بعلمنة المراهقين الهزلية. فمحاولة المسلمين بفضل الثورة الأخذ بالقيم الكونية التي هي مشتركة بين الديني من حيث هو ديني في الرسالة الخاتمة والفلسفي من حيث هو فلسفي في تجاوز الدغمائية الهيجلية والماركسية هو ما لا يمكن للاستعمار وذراعيه في الأقليم والأنظمة العملية بنوعيها ونخبهما أن ترضى عنه فلا تحاربه. وما جعلني اختار تونس ومصر نموذجين لدراسة هذه المسألة هو كونهما تمثلان ملتقى كل هذه الخيوط التي حاولت بيان شبكتها المتوالجة والمتشاجنة في نموذجين مصغر ومكبر. تونس هي النموذج المصغر ومصر هي النموذج المكبر ومصير الثورة والثورة المضادة سيتحدد فيهما حتما إن شاء الله. والمشترك بينهما هو الحرب الأهلية على أساس صدام الحضارات هي العائق الأساسي لنجاح الثورة ولولا الفرق بين دور الجيشين لكان ما حدث في مصر قد حدث في تونس ولا أستبعد أن يحدث ذلك إذا تأخر المصريون في التحرر من استبداد قيادات الجيش وفسادهم بالطريقة التركية. وهنا أعود إلى كلمة قلتها في المحاولتين اللتين أعدتا لهذه المحاولة. فقد اعتبرت كلمة سلميتنا أقوى من الرصاص” سخافة. وهي عبارة قد يتصورها البعض دعوة للعنف السياسي في حين أني قلتها خلال كلامي على الشوكة. وقد عرفها الغزلي في فضائح الباطنية بأنها إجماع غالبة القوة السياسة على الشرعية. فقائل هذه العبارة من الاخوان أخطأ مرتين: ظن أن قوة الجيش المستبد آتية من الرصاص وقد كذب هذه الفكرة شعب تركيا. لم يسقط الانقلاب بالرد على الرصاص بالرصاص بل بإجماعه قواه السياسية. وهو الخطأ الاول. والخطأ الثاني هو توهم البديل من المعارضة السياسية هو موقف السلفية الجهادية الحمقاء. فالعنف الثوري ليس أحمق بل هو استراتيجية الجمع بين الشوكة والشرعية عند الثوار ومحاولة الفصل بينهما عند الثورة المضادة. فعندما تتعرى الثورة المضادة فتصبح هي الإرهابية يصبح الشعب كله مع الثورة. لكن غباء العنف الجهادي المنفلت يحقق العكس تماما فيجعل الغالبية مع النظام بدلا من الفوضى. فالأمر ليس خيارا بين الاستسلام والفوضى الغبية بل هو استراتيجية تحقق هذه العناصر التي ذكرتها والتي هي أخطا فيها صاحب القولة لأن الإسلاميين إلى يوم الناس هذا حتى وإن سلموا بضرورة الديموقراطية لم يفهموا أن شرطها جعل الفعل السياسي مشروطا بالتخلص من صدام الحضارات الداخلي. وعندي أن من سرع بإسقاط الثورة في مصر وكاد يفعل نفس الشيء في تونس هو غباء الدعاة باسم الدين والسلفية الجهادية بمليشيات السيف التي هي في الحقيقة النظير الملازم لغباء الدعاة باسم الحداثة والسلفية الجهادية بميليشيات القلم (الإعلام) وعدم القدرة على تجاوز صدام الحضارات الداخلي. فإذا لم تتحرر القوى السياسية في تونس ومصر نموذجين وفي بقية بلاد العرب التي عرفت الثورة فإن الثورة المضادة ستنجح في المحافظة على الوضع الذي أردنا التحرر منه داخليا وخارجيا. فما لم يسكت دعاة التأصيل الزائف ودعاة التحديث الزائف ومليشيات السيف والقلم لن يتوقف صدام الحضارات الداخلي. وإذا لم يتوقف صدام الحضارات الداخلي فإن الاستبداد والفساد لن تعترضه شوكة الشرعية الشعبية فيدون سلطانهما الذي هو في خدمة سلطان أصحاب شوكة اللاشرعية في المحميات الخادمة للحاميات المباشرة وفي هذه الحالة لإيران إسرائيل ذراعين لغير المباشرة روسيا وامريكا. أعتقد أني ينبغي أن أتوقف لأني أومن بأن قيادات الثورة في تونس ومصر ليسوا اغبياء إلى حد عدم فهم ما حاولت شرحه إن آمنوا بأن دورهم في فشل الثورة لا يقل عن دور أعدائها لأنهم اختاروا علاجين يدلان عن السذاجة السياسية: 1. ضيعوا فرصة الشرعية لما ظنوها صندوقية بدل فرصة تجاوز صدام الحضارات. 2. وكان يمكن-على الاقل في تونس حيث كان لي دور النصح-أن لا يضيعوا هذه الفرصة بمنطق العفو عند المقدرة فلا يدخلوا في جدل حول المعركة إلى تضخيم صدام الحضارات الداخلي. 3. والثانية هي العكس تماما. صاروا بعد أن فقدوا قوة الشرعية يقبلون بلا شرط بقوة اللاشرعية بالتنازل اللامتناهي. وما أعنيه بالتنازل اللامتناهي لا يتعلق بصدام الحضارات الداخلي بل بصدامه الخارجي. فعندما تقبل الحركات الإسلامية بما يزعم من تناف بين الدولة القطرة والامة أولا وبما يتنافى بين الحاجة إلى مرجعية كونية سواء كانت دينية أو فلسفية أو كليهما معا فهم يسلمون نهائيا بغايات المستعمر. ماذا يريد المستعمر؟ شيئين لا ثالث لهما: الأول هو تفتيت الجغرافي العربية خاصة والإسلامية عامة فيكون له تكوين شروط الدولة المناسبة لعصر العماليق ويمنعه على المسلمين حفاظا على شرط امتناع التنمية المادية والتنمية العلمية والتقنية للدول القزمية التابعة في الحماية والرعاية. والثاني هو شرط الأول أعني القضاء على المرجعية المشتركة التي قد تحيي هذا النزوع لشروط القوة المخلصة من التبعية أعني تجاوز الدولة القطرية إلى كامنوالث يجمع لامة ورمزه الخلافة التي أرادوا قتلها بصنع تشويه منه يدعون محاربته لأنه يمثل الإرهاب كما أرادوه للحفاظ على ضعف الامة.