التشخيص المقلوب، أخطاء الاصلاح في حركة النهوض – الفصل العاشر

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله التشخيص المقلوب أخطاء الاصلاح في حركة النهوض

وصلنا الآن إلى زبدة المحاولة: كيف انتقل الأعداء بعد تفتيت الأحياز الشكلية (الجغرافيا وثمرتها والتاريخ وثمرته والمرجعية) إلى تفتيت الأحياز المضمونية أي المعالم المادية ورؤية الثروة والمعالم الرمزية ورؤية التراث والمرجعية ورؤية الجماعة لإرادتها في أذهانها؟ هذا هو رهان الحرب الحالية. وسآخذ مثال ما يجري في بلدان عواصم الخلافة الأربعة الأولى (أرض الحرمين) والرابعة (تركيا) والثانية (الشام) والثالثة (العراق) بخصوص هذه المضامين الخمسة. وسأبدأ بآخرها وهو الاكثر وضوحا: حضور المرجعية في المرجعية أو وعي الأمة بإرادتها في دولتها الحاضرة في أذهانها: مفهوم الخلافة. لا توجد طريقة أكثر “شيطانية” من جعل هذا المفهوم يدنس في الشكل الذي أظهروه فيه أعني داعش. فالهدف هو تشويه هذا المعنى الحاضر في وعي أي مسلم سني عن وحدة إرادة الامة عندما كانت أمة مهابة وعزيزة وقادرة على الرعاية والحماية الذاتيتين بل وكذلك من عماليق عصرها. فلا يمكن الاقتصار على الحرب على المرجعية الشكلية أو القرآن والسنة بل لا بد من الحرب على مضمونهما المعبر عن وعي الامة بإرادتها النابعة من هذا الحيز المرجعي الذي أصبح مضمون وعيها بما هي أمة ذات إرادة فاعلة في التاريخ الكوني بمقتضى مرجعيتها العائدة على نفسها عود القدرة الفاعلة. فإذا لم يع الشباب هذه العلاقة فسيتصور أن ظاهرة داعش مجرد صدفة تاريخية وليس نتيجة لخطة شيطانية تعمل بمنطق قد لا يكون هو الذي اكشفه للقارئ ولكنه لا بد وأن يكون جنيسا له لأن الاستراتيجيات ليس فيها شيء يحدث بالصدفة إلى عند البدو الذين لا يتجاوزون رد الفعل بمنطق “دعها حتى تقع”. أعلم أنه قد يعاب علي عدم الكلام على الخلافة التي فشلت في حسم الحرب الأهلية أعني خلافة الخليفة الرابع في الكوفة. فهذه لم يستقر لها قرار ولم تترك أمرا إيجابيا عدا الفتنة التي لم تخمد نارها إلى ألان. وإذا كان لابد من ذكرها فينبغي أن تعتبر بداية تشويه الخلافة لأنها تعني تفتت الأمة. ولذلك فحتى عندما حددت مقومات الدولة الإسلامية التي هي جوهر الخلافة لم أذكر إلا: 1. المشروع أو القرآن 2. والتربية المحمدية 3. والمركز الجغرافي (الصديق) 4. والمركز التاريخي (الفاروق) 5. ووحدة المرجعية (عثمان). وكل ما تلا ذلك ولم يدر في إطاره ليس من إرادة الامة ولذلك لا ادخله في تحليلي. رأينا أن الأحياز المضمونية هي حضور المرجعية في الأحياز الشكلية وبدأنا بالمضمون الرئيس أعني حضور المرجعية من حيث هي وعي بذات الأمة سيدة على نفسها أو دولتها التي هي الخلافة ولو في ضمائرها لأنها لم تعد موجودة في الأعيان لكن وجودها في الأذهان ما يزال محركا ودافعا يخشاه الاعداء. فكانت دعشنته هادفة لقتله الرمزي بعد أن تبين لهم أن قتله الفعلي بإسقاط الخلافة العثمانية لم يفدهم كثيرا حتى وإن أجل الاستئناف قرنا. كان لا بد إذ من الحرب اللطيفة التي أكثر فاعلية من الحرب العنيفة: لا بد من قتل فكرة الخلافة قتلا رمزيا يلغي ما فيها من دلالة على شروط السيادة. ولنأخذ حضور المرجعية في بقية الأحياز واحدا بعد واحد. فحضورها في الجغرافيا كما قلنا هو المعالم المادية الدالة على ثمرة عمل الجماعة التعميري. وليس أدل على هذه الثمرة وعصارتها أكثر مدن الحضارة الكبرى والرامزة للتعمير. ولا شيء أدل على ذلك تدمير أهم مدن السنة في الهلال عراقه وشامه. ولا يتم هذا التدمير من دون تدمير أساس الملكية التي لأهلها من السنة ليس بتغيير الفقه فحسب بل وكذلك بجعل المالكين للثروات هم المليشيات التي غزت الأرض وهدمت المدن وحرقت ما يثبت الملكية لأصحابها فلا يبقى لفقه الحقوق في الهلال إلا فقه الغزاة أعني مليشيات إيران ومافيات روسيا. ومن يتصور القانون الذي أصدره طرطور دمشق الحالي مجرد صدفة لا يفهم شيء في الاستراتيجية المتبعة والتي لن تكتفي بالتغيير الديموغرافي للهلال بالتغيير العقدي فحسب بل وكذلك بالقضاء على حضور المرجعية في الجغرافيا وثمرتها أي المعالم وقانون الملكية في جغرافيا الهلال عراقه وشامه. فبعد تشويه وعي الأمة بذاتها من حيث هي إرادة متعينة في دولة (الخلافة) ومحو المعالم المادية والقانونية في الجغرافيا (المدن الكبرى مثل الموصل وحلب) وفي ثمرتها (الملكية) يأتي الآن دور محو المعالم الروحية والخلقية في التاريخ. والمعالم الروحية السنية هي المساجد. التي كان تهديمها نسقيا. وأنا واثق من أنهم إذا تمكنوا من غزو أرض الحرمين فسيكون هدفهم كهدف إسرائيل في القدس: تهديم القبلة إسرائيل الاقصى والقبلة الاولى وإيران مكة والقبلة الثانية. لأن هذين هما الرمزان الأساسيان في تاريخ الامة لارتباطهما بالمرجعية وبأهم معارك تاريخها في كل العصور (القرآن والسنة). لكن المعالم الرمزية ليست مقصورة على ما كان منها ذا تعين مادي مثل المساجد والقبلتين بل محاولة تفتيت تراث الأمة الإبداعي في العلوم والفنون بأسقاط تفتتها العرقي والسياسي الحالي على ماضيها. ومن أهم أسباب رفضي لفكر اقبال تخريفه في نسبة الفلسفة إلى فارس في رسالته الجامعية. لم يكن لفارس فلاسفة قبل الإسلام بل كان اليونان الذين أبدعوا الفلسفة يعتبرونهم أجلاف ومتوحشين. الفلسفة والعلوم إسلامية وليست فارسية ولا عربية ولا تعرف بالأعراق. فهل لو تفككت أمريكا في المستقبل سنعيد مبدعاتها إلى المهاجرين الذين لم يبدعوا شيئا قبل هجرتهم إليها؟ أذكر أني ترجمت إحدى مقالات الأستاذة نوفرت المتخصصة في الدراسات القرآنية وصاحبة نظرية التواصل بين الإسلام وما قبله وموقفها في ذلك لا ينفي دور الإسلام ينسب نفي دور ما قبله وهذا امر جيد. لكن من ذكرتهم في كلامها لا يرون رأيها كجل بقايا الصليبية في الشام وفي لبنان خاصة. فأغلبهم يعتبر الإسلام مجرد غزو بدوي للمتحضرين. ولا أحد منهم بعد هذه الدعوى السخيفة قدم لنا أمثلة من مبدعين عند هؤلاء المتحضرين من المعادين للإسلام من عرب الشمال المنتسبين إلى الباطنية أو إلى الصليبية قبل الإسلام. فمثلهم مثل من يعتبر الغزالي وابن سينا فارسيين والفارابي تركيا. ولهذا علاقة بأسقاط الحاضر بعد عودة الصراعات القومية والعرقية على الماضي الذي كانت فيه الحضارة إسلامية دون اعتبار للقوميات وكانت لغتها العربية وأفقها الروحي الحضاري هو الإسلام حتى وإن صح أن الإسلام لم يقطع مع ما تقدم عليه بل أحياه وثمره ووحده وجعله حضارة كونية. وهذا الاسقاط هدفه تخريب التراث الإسلامي ونزع كل إبداعاته بنسبته إلى ظاهرات حديثة. فمن يسمي ابن خلدون تونسيا غبي. لما ظهر ابن خلدون لم تكن تونس بالمعنى الحالي دولة بل كانت إقليم في دولة أكبر. وهو حتى بذته يمني ثم أندلسي ثم تونسي ثم مغربي ثم جزائري ثم مصري حيث توفي. والمسؤول عن كل هذه الجرائم هم سخفاء القومية العربية سواء كنت بعثية أو ناصرية. وقد تبين الآن أن أدعياء القومية البعثية إما طائفية مسيحية أو طائفية باطنية وعلى كل فهم كلهم عملاء للاستعمار الذي نصبهم تنصيب الناصرية والسيسية وكل أدعياء القومية ضد وحدة الأمة وتحويل دارها إلى محميات خد أتاتورك وبورقيبة: ماذا يبقى لتركيا ولتونس إذا وضعت تاريخها الإسلامي بين قوسين؟ لا شيء. بورقيبة إما يوغرطة أو عميل فرنسا. أتاتورك إما أهماج قبل الاسلام أو عميل يهود التودة. خذ عبد الناصر: ماذا في مصر غير التاريخ الإسلامي؟ الاهرام والتبعية للأمريكان في الباطن وللروس في الظاهر. خذ أي كردي علماني إذا نفى دور الاكراد في الحضارة الاسلامية وسخر من الإسلام ماذا يبقى؟ يبقى أهماج قبل الإسلام وعملاء اسرائيل الآن. أما أبطال الأكراد (صلاح الدين) وعلماؤهم الكبار (ابن تيمية) وما أدراك من أبن تيمية فهم منتج إسلامي ينبغي لأي كردي يحب قومه أن يفخر به وأن يعتز. وخذ أي أمازيغي علماني-ولا يزايدن أحد علي في حب الأمازيغ فجدتي للاب منهم وزوجتي منهم وابنائي نصف نصف عرب وأمازيغ-فهو إذا أهمل امبراطوريتهم الإسلامية وعلماءهم المسلمين وأبطال حرب التحرير ا لجزائري فلن يبقى إلى عبيد روما وفرنسا نوعان من الحركيين: وهم كارهو قومهم مثل مستعبدهم. وهكذا يتبين أن الأحياز المضمونية هي المستهدفة الآن بعد أن تصوروا أنهم فرغوا من حربهم على الأحياز الشكلية لتفتيت الجغرافيا لمنع التنمية المادية والتاريخ لمنع التنمية الروحية وتشويه المرجعية لمنع وحدة الأمة الروحية. لكن حربهم على الأحياز المضمونية ستبين لهم أن الإسلام لن يهزم. وآمل أن أنجح في إفهام الشباب طبيعة المعركة في المجالات العشرة التي حاولت بيانها أعني الأحياز الشكلية الخمسة والأحياز المضمونية الخمسة ليس بيانا فلسفيا فحسب بل بيان فلسفي مطابق لبيان ديني لم أبتدعه بل هو ما انحرفت عنه علوم الملة عندما عكست أمر فصلت ونهي آل عمران. والفلسفي في العمل هو حب الحكمة بمعنى طلب العلم بشروطه دون الاقتصار على رؤية دينية معينة بل بالاعتماد على النظر والعقد لعلاج العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعية وبالاعتماد على العمل والشرع لعلاج العلاقة الأفقية. وعلاج العلاقتين يؤسس للتبادل المادي والتواصل الروحي في أي جماعة. أما العلاج الديني فيكفي فيه تدبر القرآن برؤيته إذ امر بالبحث عن حقيقته من خلال ما يرينه الله من آياته في الآفاق والانفس أي في عالم الشاهدة الذي هو عينه موضوع الفلسفة وتجنب تجاوز الإيمان في ما يتعلق بالغيب بوصفه مفهوما حدا يحول دون العقل وتوهم العلم محيطا وتلك هي حكمة الحب.

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي