مرة أخرى اعتبر المأزق الحالي في تشكيل الحكومة
لم يكن الشعب بحاجة إلى عيشه
لو كانت النخبة السياسية لها قدرة على
▪︎ توقع المتوقع
▪︎ والاعتراف بحقيقة الوضع السياسي
▪︎ ومصارحة الشعب بما يكتنفه الوضع من خلل
يعسر تداركه من دون تضحيات كبيرة
ولمدة طويلة تتجاوز السنين الخمس المقبلة.
لكن ما الحيلة مع من يخلق لنفسه كل العقبات
لظنه أنه “يتكتك” ولا يراجع نفسه
ظنا أن مواصلة الخطأ فضيلة والتعديل رذيلة.
فتلك حال من يفشل مرات متوالية ثم لا يغير النهج
بل يحاول وضع فرضيات أكثر خطأ من سابقاتها
فيواصل في الطرق المسدودة التي
▪︎ دخلها
▪︎ وأدخل البلاد معه فيها
▪︎ وأبعد أفضل ما في قوته السياسية من كفاءات
لتشكيل حكومة من “كفاءات” مزعومة.
فلا أحد يمكن أن يعتبر الكفاءة
يكفي لإثباتها عدم الانتساب إلى الأحزاب.
ولست أدري كيف صار عدم المبالاة بالشان العام
دليلا على الكفاءة إذا لم يصحبه ما يثبت أن ذلك
كان بسبب التفرغ لعمل يثبت أن
الشهادات لم تكن أوراقا بل ثمرة
تتعين في إنجاز نظري وعملي
يطبق ما يزعم كفاءة ثابتة.
لم أكن اعبث
ولا أدعي قدرة خارقة على التوقع
لأن اعراض أمراض تونس بينة
لكل ذي بصيرة.
فمنذ اليوم الثاني بعد وفاة السبسي
أعلنت واثقا من أن حكم النهضة
أو حتى المشاركة في الحكم بقدر رمزي
كما كان الامر معه أصبح مستحيلا
لأنها هي التي غذت كل من كان ينتظر الفرصة
للشروع في ما عجز دونه السبسي أيا كان الآتي بعده
في صف من لا يجمعهم إلا الحرب عليها
مسنودا بالحرب على الإسلام السياسي
في الأقليم كله بل وفي العالم كله.
وقد سبق أن بينت أن السبسي
لم يكن يقبل بحكمها معه حبا فيها
أو محبة في المصالحة بين أبناء تونس
ولا حتى بشكله الرمزي لولا علتين يعلمهما
كل من يعلم أن الرجل
▪︎ ليس مغفلا سياسيا
▪︎ وشديد الواقعية.
1- فهو كان يعلم أن
من استعملهم للإطاحة بحكم الترويكا
كانوا يريدون ركوبه أكثر مما كان هو يريد ركوبهم.
2- وهو كان يعلم أن
ما فشل فيه بورقيبة وابن علي قبله
رغم ما كان لهما من وقت كاف لذلك
لا يمكنه أن ينجح فيه وهو في التسعين من عمره.
3- وهو كان يعلم
تربص كل من جمعهم لمساعدته في الوصول إلى الحكم
ليركبوه.
وقد نجح واحد منهم
في ما فشل الكثير قبله من محاوليه: الشاهد.
لكن قيادة النهضة وقعت في الخطأ الجسيم
لما قبلت بأن تكون مطية للشاهد متوهمة
أنها ستمتطيه للوصول إلى الحكم في الانتخابات
التي كانت تسرع الخطى لإنجزاها
ولم تكن تدري أن خسارتها فيها
ستكون أكبر من خسارتها في البلديات .
لكن الاخطر من ذلك أن هذه المناورات
جعلت قيادات النهضة تغفل عن عاملين جديدين
كانا يجريان تحت ناظرها لكنها تعامت عنهما
وتلهت بأمور ثانوية لا يعتد بها: القروي وسعيد.
وقد كتبت في ذلك محاولتين
لبيان الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه قيادة النهضة
بالمشاركة في الانقلاب على السبسي
وتمكين من يوهمها بأنه حليف
وهو يبيت لها ما جعله اليوم
لم يعد يهابها بل خوفه الوحيد
هو أحد العاملين الجديدين:
القروي لأنه كما هو بين وضع نفسه
في خدمة خطة العامل الثاني اقصد سعيد.
وأحد العاملين ظاهرة القروي
التي كانت علنية وغير خفية
والثاني هو ظاهرة قيس سعيد
التي لم تكن خفية
إلا على من لا يتابع الاختراقات الباطنية
التي كانت تنخر كل الجميعات والأحزاب
بما فيها النهضة نفسها
فحصل لهم ما حصل عندما
كانوا ينتظرون لا ادري من قدام فجاءهم من خلف.
لكن الخطأ الأكبر
هو الذي حصل بعد الدورة الثانية من الرئاسيات
بعد الخطأ الذي أعد له بين الدورتين
خلال حملة النيابيات.
فالمزايدات والمبالغة في الثورية
بعد عمل كل ما يلزم لأسقاط الشيخ مورو
هي التي تمثل القسم الأول من المأزق الحالي
لأن المزايدات الثورية جعلتهم من حيث لا يعلمون
لا يستطيعون التعامل مع من شيطنونه إلى الحد
الذي يكون كل تعامل معه
نفي ما يريدون الاتصاف به كذبا: الثورية.
وكانت بداية الكذبة الأكبر وصف
▪︎ حزب البسكلات
▪︎ وحزب البراميل المتفجرة
بالثورية.
وكنت سأفهم موقف من تورط في
ما يحول دون التحالف مع الحزب الثاني في النيابيات
أن يخترع هذه الكذبة حتى يجد حلفاء
بعد أن تنكر لهم الشاهد
في استعداده ‘للم الملمة واللي ثمة’ بعد السبسي
وبعد الورطة التي وقعت فيها قيادات النهضة.
لكني إلى الآن لم أجد تفسيرا
لموقف الائتلاف الذي يحاول أن يقنع الناس
بأن هذين الحزبين ثوريان
ويزعم بعض ممثليه أنهما لا يختلفان معهم
إلا بواحد من عشرة.
لم أفهم كيف يمكن أن يكون ثوريا
▪︎ من يستعد لانتخابات 2024
▪︎ ويعتبر انتظار خمسة سنوات في المعارضة
فرصة لا يمكن أن تتوفر مرة أخرى
خاصة وفشل من سيحكم تونس
حتى لو حصل على مال قارون سيفشل حتما
▪︎ إما بذاته
▪︎ أو إن لزم الأمر سيفشلونه
بحلف بين مع الاتحاد كما فعل مع الترويكا
وهذه المرة مع الشاهد المتربص بالجميع هو بدوره.
لكن الأخطر من ذلك كله هو
عدم قراءة حساب لقيس سعيد
والاغترار بما يبديه من طهورية وتدين
وهو الآن في غزل مع الشاهد
وكلاهما يتربص بالثاني.
▪︎ فهذا يريد استعماله
للقضاء على ما بقي من النهضة
بعد أن وصلت قاعدتها إلى ما دون ثلثها أول مرة.
وذاك يريد استعماله
للاستحواذ على مفاصل الدولة عن طريقه
خاصة بعد أن أرسلت له إيران أحد كبار استراتيجييها.
لذلك فلا أتوقع أن تتشكل الحكومة.
وإذا شكلت فلا أتوقع أن تصمد لمدة طويلة.
وإذا صمدت فلا أتوقع لها أن تنجز شيئا.
وإذا أنجزت بعض الاشياء التي ترضي الشارع
فستكون على حساب الإصلاحات العاجلة
وستغرق البلاد وتسهل مهمة سعيد والاستراتيجي
الذي جاء ظهيرا حتى يستطيع أن يفتك الحكم
بصورة “ديموقراطية” أي بمجرد اعتبار التعثر
مدعاة لتعليل تأخر تحسين وضع التونسيين
بقلة سلطانه دستوريا فيدعو
▪︎ إما إلى انتخابات مبكرة إذا استعجل
▪︎ أو إلى تغيير الدستور إذا تمهل
وسيتم له ذلك لأن الكل يتربص بالنهضة.
وهكذا فقيادات النهضة تكون بالتكتيك
قد أغرقت نفسها وستتهم باغراق البلاد
رغم أنها تحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه
بعد ستين سنة من ‘المفوزة’ لكل وظائف الدولة.
دولة صارت تكية لأن أكثر
من نصف موظيفها وموظفي شركاتها
▪︎ يمتصون دمها
▪︎ ويحولون دون
التنمية والنجاح في أي شيء.
وهذا فضلا عن سيطرة الفساد على كل المؤسسات
▪︎ السيادية
▪︎ والخدماتية
من ادناها إلى اقصاها وخاصة
▪︎ التربية
▪︎ والصحة
▪︎ والزراعة
▪︎ والصناعة
▪︎ والثروات الوطنية
التي تنهب عيني عينك.
كل ذلك سيحسب على النهضة
لأنها “مكبشة” في حكم لا سلطان لها عليه
إذ لا يمكن لشرعية الصندوق
وهي لم تعد موجودة بعد الانتخابات الاولى
أن تعوض أدوات الحكم الخمس:
1-الوزارات ومصالحها حتى في العاصمة
ناهيك عنها في الجهات
2-إلادارة المركزية والإدرات الجهوية
والبلديات وكل ممثليات الخدمات الأخرى
3-الحماية الداخلية قضاء وأمنا.
4-الحماية الخارجية ديلوماسية ودفاعا
5-شروط سد الحاجات المادية والروحية للمواطنين
أي الاقتصاد والثقافة.
فكل هذه الشروط
ليست طيعة لمن اختارهم الشعب
بل هي تأتمر بأوامر مجهولة المصدر
ولعل أغلبها تحت سلطة مافيات علنية أو خفية
فضلا عن كون أغلبها يدين بالولاء للاختراقات
إذا ما استثنيا الأمن والجيش على الأقل حاليا
بفضل ما ورثناه عن المرحوم بورقيبة
من تحييد لهما قدر الإمكان.
وهذه الاختراقات
كما هو بين للعين المجردة
▪︎ صفوية
▪︎ وصهيونية
▪︎ وخاصة فرنسية
▪︎ وحتى اعرابية
لأنها هي التي تمول تهديم شروط
▪︎ نجاح الثورة
▪︎ والانتقال الديموقراطي
وما تفعله في ليبيا عينة مما يمكن أن تفعله عندنا
لو لا قدر الله حلت الفوضى في صورة
اقدام البعض على ما يعدون له من تنسيقيات
تسعى حثيثا للتغيير بالشارع
في حالة الفشل في التغيير المؤسسي مؤسسيا.
أعلم أن الكثير سيعتبرني أبالغ في التشاؤم.
وليس من عادتي التشاؤم ولا المبالغة فيه.
لكن التفاؤل الذي
يتعامى أصحابه عما يرى بالعين المجردة
ليس إلا دليل على ما يسمى باخلاق “الأغبياء السعداء”.
تونس في خطر داهم
وقد كشر من سيكونوا أدواته على أنيابهم الصفراء.
فبين أن
▪︎ الشاهد واصحاب البسكلات وأصحاب البراميل في تونس
▪︎ وحفتر الذي يهدد
▪︎ والسيسي الذي يحلم ببترول ليبيا
ولا بد له من حائل دونه والجزائر بفوضى في تونس
تلهيها عنه
▪︎ والخمارات والمنشار الراغبون في ضرب الثورة
▪︎ وحتى فرنسا التي يئست من الجزائر
وتريد تعويضا في ليبيا وتونس
كل هؤلاء لا يريدون لتونس الخير
بل صارت تمثل لهم العقبة الكأداء لطموحاتهم.
تلك هي علة ما أتمنى
ألا يبقى صيحة في واد
كما عوملت صيحاتي السابقة
فكانت النتيجة الوخيمة التي
يعاني منها الحزب الذي
كان كبيرا
ثم تصاغر
لصَغار فكر من يقوده إلى الهاوية.