التسمية، التناظر بين مستويات الثقافي والبايولوجي – الفصل الثاني

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله التسمية

علينا أن ندرس:

  1. أصل لغة الفنون الرسم والموسيقى. فكل الفنون تعبر عن الوجدان بما يرد إلى بينة المكان والزمان: أعم لغة والتأويل اللامتناهي.

تليها:

  1. لغة اللسان وهي اقل عموما وأدنى تأويلا حتى عندما تستعمل لتعبير فني عن الواجدان. فهي مفصحة أكثر من لغة الفنون الجميلة مطلقة التأويل.

تليها:

  1. لغة قوانين الطبيعة والتاريخ وهي رياضية وسننية جميعا بين التحليل للأولى والتأويل للثانية. إنها إبداع نماذج ترجمة لامتناهية للوجود.

وبين اللغة الاولى واللغة الثانية وبين الثانية والثالثة حدان: من كونية الفن المبهمة إلى كونية العلم المفصحة نمر بالجمع بين الإبهام والافصاح وبين الكونية والخصوصية.

تلك هي منزلة لغة اللسان التي تجمع بين الصفتين.

لذلك فهي تقبل الترجمة بحدود لتضمنها قدرا من إبهام الاولى (فن) ومن إفصاح الاخيرة (علم).

وخاصية اللغات اللسانية التي تعد للغات الرياضية تتمثل في كبر القدر من الاثنين الأولى والأخيرة: أي إن لها ما يجعلها ذات شاعرية ومنطقية عجيبة.

وهذه الميزة الأساسية في العربية: فهي لغة تجمع بين الشعرية والمنطقية جمعا لم أر له مثيلا لا في الفرنسية ولا في الإنجليزية ولا في الألمانية.

وهذا الجمع لا تضاهيه إلا اليونانية واللاتينية: فهذه اللغات الثلاث هي اللغات التي أبدعت الصورة الأولى من نوع اللغات الثالث: النماذج الرياضية.

لضرورة عملية اعتبر هذه اللغات النوع الثاني والتي لم تصل إليها النوع الاول والأخير هو لغة كونية تبدع نماذج رياضية لعلم الطبيعة والتاريخ.

فيتحدد الحد الفاصل الدال على القطيعة بين الاولى والثانية والحد الفاصل الدال على القطيعة بين الثانية والثالثة في اللغات الإنسانية فيكون كلامنا متعلقا بالثالثة مع الثانية.

الأولى تناظر النبات والثانية الحيوان والثالثة الإنسان. والحد الأول يناظر النخيل والحد الثاني يناظر القرد.

فماهي أشكال اللغات الخمسة؟

الجواب يمر بأشكالها التي انتجت مستوى الكتابة الثانية: بعد الكتابة الأولى التي هي أصل كل اللغات أو كل التسميات التي هي الفكر الإنساني بإطلاق.

وهي أشمل من العقل لأنها تتضمن الخيال خاصة أصل كل إبداع مسم لما يبدعه: الخيال المبدع خالق لموضوعه ولرمز موضوعه الذي ينوبه في الكلام عليه.

فغاية مستوى اللغة الأول كتابة رسم المعنى. وبداية مستواها الثاني كتابة رسم الصورة. وبداية مستواها الثالث رسم الصوت قبل الأول.

وما قبل اللسان الإبداع المشكل لأبعاد المكان (الرسم) للزمان(الموسيقى) العاديين وما بعده الإبداع المشكل لما لا يتناهى من أبعاد المكان والزمان.

فما الحصيلة؟:

الكتابة الأولى وهي فنية بالأساس تشكيلا للمكان والزمان وأول إبداع هو ما يرسم على المكان ليصبح جغرافيا وعلى الزمان ليصبح تاريخا.

عمران أي حضارة هو نظام تعمير الارض بنظام زماني يحدد ايقاع حياة الجماعة بأحداثها كلها إلخ. يصبح بفضل اللسان أيام العرب حديثا حول أحداثها.

الترميز يبدأ أفعالا فنية هي تشكيل المكان وتشكيل الزمان. ثم تصبح الاحداث فيهما موضوع حديث فننتقل من الترميز بالأفعال إلى الترميز بالأقوال.

وحينها يأتي مشكل التسمية اللسانية بعد التسمية الفعلية. طبعا “بعد” ليست زمانية فهما يحدثان معا بل هي منطقية بمعنى ترتيب الترميزين وجوديا.

والتسمية في مستوى الأقوال بخلافها في مستوى الأفعال تجعل التواصل غير المباشر ممكنا: فيحصل رغم المسافة المكانية والزمانية: تلك فضيلة اللسان.

لكن هذا التواصل يحقق العلاقة الأفقية ويعجز دون العلاقة العمودية: فهو يكون تواصلا حقيقيا في الجماعة لكنه يكون سحريا مع الطبيعة: علم وهمي.

وبقاء الحياة الجماعية شرطه الاستجابة للذوق غاية مستواه الأول: (شروط العيش) بالعلم أداة (مستواه الاول: العلاقة بالطبيعة): العجز هو الحد الفاصل.

ذلك أن عدم القدرة سد حاجات الجماعة لعجز في العلاقة العمودية بالطبيعة علما بها واستخراجا لها يؤدي إلى ضمور الحضارة وخضوعها للتي حلت المشكل.

والحضارة التي تحل مشكل العلاقة بالطبيعة هي أولى الحضارات التي تتجاوز المرحلة السحرية إلى العلوم التجريبية بالظاهرات الحسية باللغة الطبيعية.

وهذه المرحلة الثانية من الترميز اللساني وهي مرحلة لم تتحرر بصورة تامة من المرحلة السحرية لكنها بدأت تؤسس لمعرفة حسية وهي خبرة وليست علما.

وهنا أيضا تتوقف هذه المرحلة بمجرد أن تعجز عن تجاوز تنظيم الخبرة الحسية كالحال في العلوم البابلية والمصرية: كبراعتهما في الهندسة والفلك.

والحد الفاصل هو العجز فيما يتجاوز الخبرة الحسية علاقة بالطبيعة رغم ما لها من ترميز جيد لحفظ الخبرة وتركيمها: المسمارية والهيروغليفية.

والقفزة النوعية الثالثة ستمكن من الوصول إلى الشكل الأخير من الترميز بتوسط الترميز اللساني: وهي قد بدأت بقلب العلاقة بين الاسم والمسمى.

مر الفكر في الكتابات السابقة بالمراحل التالية:

  1. عينة من الشيء

  2. رسم المعنى

  3. رسم الصورة

  4. مزيج من الثلاثة السابقة: مفيدة لكنها غير كافية.

معجزة قلب العلاقة: كانت الكتابة ترمز للمسمى (بالعينة أو بالمعنى أو بالرسم أو بتأليف منها) فعكس الأمر وصارت ترمز للصوت الذي يسميه.

وبصورة أدق ترمز إلى الحرف الاول من اسمه: مثل صورة الجمل ترمز إلى حرف الجيم من اللفظة التي تسميه “جمل”: وتلك هي الكتابة الكونية للسان.

ولما تصبح كتابة اللسان كونية يصبح التعاون كونيا بين الحضارات المتساوقة والحضارات المتوالية ولا يمكن حل علاقة الجماعات بالطبيعة من دون ذلك.

ولهذه العلة كانت لغات الفلسفة الكونية هي:

  1. اليونانية

  2. فالعربية

  3. فاللاتينية

  4. ويمكن القول الآن فالإنجليزية مع احتراز مهم لابد من اعتباره.

فكونية الكتابة اللسانية تعني أن كل لسان قادر على ذلك بفضل الترجمة.

العامل المؤثر يتغير: لا يبقى ناتجا عن طبيعة الرمز بل عن الشروط المادية.

فلا يمكن للغة أمة صغيرة وفقيرة أن تقوم بالبحوث العلمية لعدم توفر شروط البحث العلمي المادية وليس لعجز اللغة القومية. وهذا ليس موضوعنا الآن.

وكان الدور الأساسي شبه مقصور على ملتقى القارات الثلاث: آسيا وافريقيا وأوروبا. وكانت أهم الكتابات كلها بنت منطقتنا بين بابل ومصر وفينيقيا.

ولكن للأمر تفسيرا تقدم إليه ابن خلدون: فهناك شبه استعداد في الجغرافيا الطبيعية وخصائصها المناخية ما ييسر تكون الجماعات والتواصل بينها.

فالظروف الطبيعية ساعدت تكون الثقافي وهو اساسا أدوات التواصل:

  1. اللساني الشفوي عند حضور موضوعه

  2. الكتابي في غياب موضوعه: الحاجة ام الاختراع

ولنعد إلى الكتابات. فالعينة هي أداة التواصل الأولى: يأخذ المتواصلان عينة من الأشياء التي سيدور حولها التواصل لتكون رمز ما هي عينة منه.

وهذا النوع الأول ما يزال موجودا في البوادي عندما يحصل تواصل حول تبادل بالمقايضة بين مواد مختلفة كل مشارك في التواصل يحضر عينة من بضاعته.

ولنفرض الآن أن أحد الحاضرين أراد أن يقص ما حصل في التفاوض بين المتقايضين. فالعينات رموز من المواد لكنها شبه ألفاظ تسمي طبيعتها لا غير.

فكيف سيسمي في قصه ردود أفعال المتقايضين؟ وهي وظيفة ما يرمز لمواقفهم سواء بالأقوال أو بالأفعال. وذلك نظير اسم الفعل والسابق نظير اسم الصوت.

لذلك فالقاص سيضطر لأداء دور ممثل عندما يقص القصة: يحاكي ردود أفعالهم في قصه للمشهد. فيتحقق البعدان الأولان اللذان أضفتهما لعناصر اللسان.

ذلك أن التواصل باللسان لا يكفي فيه الاسم والفعل والحرف قبل أن نصله بالنقلة من التواصل بنظام غير لساني سابق طبق عليه إلى التواصل به.

وذلك هو سر الهرم اللساني:

  1. طبيعة اللفظ

  2. وظيفة التلفظ

  3. الاسم

  4. الفعل. تلك قاعدة الهرم

  5. ثم الحرف وهو قمة الهرم التي من دونها لا صلة بينها

ملاحظة:

لماذا اخترت الانجليزية لغة فلسفة العلم العالمية بعد اللاتينية والعربية واليونانية؟

أشرح ذلك في بداية الفصل الموالي إن شاء الله.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي