الترميز – انطولوجيا الترميز والترميز اللساني – الفصل الثالث

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الترميز

الكتابة الأولى رسم وموسيقى بمعنييهما العام والواسع الذي لا يضاهيه نظام رمزي لأنهما شرطا كل ترميز والأول نظام المكان والثاني نظام الزمان. وهما رياضيان وبهما يحدد الإنسان ويصوغ احداثيات وجوده في المتصل المكاني بالهندسة وفي المتصل الزماني بالعدد وما يترتب على تفاعلهما. وهذا المستوى الأول من الترميز هو أساس كل معرفة علمية تخدم الذوق بمعناه الأول لسد الحاجات (احداثيات المكان والزمان) شرطا تحقيق الحماية والرعاية. أعلم أن الكثير لا يصدق مثل هذه الرؤية لأنه يعتقد أن العلم والذوق من الحصائل المتأخرة وأن البشرية “البدائية” خالية منهما. لكن الأمر بخلاف ذلك. فالبشر في بدايتهم كانوا أحوج لوضع إحداثياتهم في المكان والزمان لأن أمر الرعاية (الرزق) والحماية (الأمن) كان أعسر مما هو عليه في غايتهم. وإلى الآن نجد أن الشعوب التي ما تزال قريبة من البدايات (البداوة) يستعملون فنونا رياضية راقية رغم عدم وعيهم بها. فالراعي لا يخطئ في حساب نعاجه. صحيح أنه يجهل الحساب لكنه يستعمل الدوال الرياضية إذ يحسب نعاجه بتحريك حبات سبحته فيكون العدد واحدا حتى ولو لم يعلم كم هو: يكفيه التناظر. وهو يقيس اعمار الأحياء بأسنانها كما نقيس عمر المواد بتآكل الكربون. عمل علمي غير واع لأنه من شروط الحياة فيصحل ربما بإلهام ويصبح نظريا لاحقا. والادل الاهتداء بالنجوم وبتغير الفصول إلخ.. فتكون بداية التسمية بمثل هذا السلوك المستعمل للرسم (اليد والبصر) وللموسيقى (الفم والسمع) للتواصل. وهذا التواصل يحصل بحضور ما يتعلق به ويحتاج إلى أن يتواصل حتى في غيابه وبذلك يصبح الترميز شرط بقاء وبتراكمه تحصل الخبرة الضرورية: التراث. فتكون هذه اللغة العامة قبل اللسانية أصلا لوضع اللغة اللسانية ترجمة لما يقبل الترجمة بين ما يقبل الرسم وما يقبل الموسقة فيتأسس هرم اللسان. فماذا أقصد بهرم اللسان؟ ذلك ما يحصل عندما أضيف الطبيعة والوظيفة أو طبيعة اللفظ ووظيفة التلفظ في التواصل برسم ما يرسم وما يموسق متصاحبين. فاللفظ الذي يسمي نفسه (اسم الصوت) هو بداية التسمية اللسانية للفظ اللساني ذاته: جل أصوات الحيوان والماء اسمها ومسماها شيء واحد. وهي البداية. والتلفظ يسمي وظيفة اللفظ (اسم الفعل) فيدل على ما يعبر عنه عادة بالتعبير البدني كالغضب والأمر جمعا بين موسقة الصوت ورسم بدن الصائت: صه. وبعد ذلك يأتي الاسم بحق للدلالة على الشيء بطبيعته ويأتي الفعل للدلالة بوظيفته على الموقف منه فتحصل قاعدة الهرم المربعة: لفظ وظيفة اسم وفعل. أما قمة الهرم فهي الحرف وما أدراك ما الحرف. فهو لغز الألغاز: لا يمكن لهذه العناصر الأربعة أن تترابط من دونه هو العلاقة المطلقة في اللسان. ويتبين دوره في الانجليزية وخاصة في دلالة الأفعال. فالفعل لا يتحدد معناه إلا بما يلصق به من الحروف. وكذلك في الافعال القاصرة فتتعدى بالحرف. والمدهش في اللغة الانسانية أنها تفترض قبلها ما كنا نتصوره بعدها: أي إن كل آليات البلاغة متقدمة على اللغة اللسانية لأنها شرط نشأتها وتطورها. فما اكتشفه الجرجاني تاليا عن النحو هو شرط النحو: النظم النحوي حامل المعاني البلاغية عند الجرجاني هو في الحقيقة حصيلة المعاني البلاغية. ويكفي مثالان: فلولا آليات الاستعارة لاستحال أن نسمي الشبيه بالشبيه. ولولا آليات الكناية لاستحال أن نسمي المعلول بالعلة: التشاكل والتوالي. فالاسم المسمي لنفسه أو اسم الصوت بداية الاستعارة تماثل الشيء مع ذاته أصل لتسميته بآلية استعارية: الزقزقة اسم للزقزقة تصبح اسما للمزقزق. والاسم المسمي لوظيفته أو اسم الفعل بداية الكناية فالصوت الغاضب في صه يصبح اسما للغضب علاقة علة بمعلول أصل دلالة التلفظ في اللسان ثم يعمم. ويعمم استعمال آليات الاستعارة والكناية فتتراكم التسميات علما وأن ذلك يقتضي أن أثبت أن العناصر الخمسة التي يتألف منها الهرم فعل تسمية واحد. كل عناصر اللغة اللسانية فروع من فعل واحد هو فعل التسمية وهو معنى تعلم آدم للأسماء كلها وهي الأنواع الخمسة التي يتألف منها هرم كل لسان كونيا. لست غافلا على أن ما أقدمه هنا في الكثير من المغامرة وقد لا يقبل به أي لساني وأي نحوي لكن ذلك كان ضروريا لتحاوز ما يحول دون فهم لغة القرآن. لم أنف عمل الجرجاني مثلا وهو مهم. ولم أبتدع مفهومي اسم الصوت واسم الفعل. لكني لم اعتبرهما تاليين عن الاسم بل هما شرطه المتقدم عليه: فغيرته. ولم أراجع الجرجاني في نظريتيه: البلاغة ثمرة النظم النحوي. والعربية فعلا تفيد بحرية الترتيب شبه المطلقة: مرونة فريدة من نوعها لا مثيل لها. والمفعول البلاغي في العربية هذا مصدره. لكن ما فات الجرجاني هو أن ذلك نتيجة وليس علة: فتقدم الرسم والموسيقى أداتي تسمية بلاغي لآليات الدلالة. ويصعب أن يقبل النحاة التخلي عن ثالوثهم الذي يتسلمونه كأمر واقع لا تعليل له (الاسم والفعل والحرف) بفروق لا تصمد أمام نقد من يدرك وهاءها. وسأكتفي بمثالين: يدعون أن الفعل يتميز عن الاسم بكونه حدث مع زمان. لكن مصدر الأفعال اسم وهو ذو زمان إلى إذا ظن النحاة أن الزمان هو أقسامه. المصدر اسم ذو زمان. كل المصادر أسماء وذات زمان يشمل الماضي والحاضر والمستقبل معا وهو يعمل عمل الفعل دون تحديد لأي قسم من الزمان ينتسب. يكفي أن تضيف إليه التعريف بال أو بالتنوين أو بالإضافة ليصبح فاعلا مثل الفعل المصرف: ففي البلد مثالان لفعل مصدر في زمن غير محدد بأحد أقسامه. لكن الأصناف الثلاثة المعتادة مشتقة أصلها الأولان وهي ليست إلا ترجمة لسانية لهما بنفس الاليات البلاغية وأهمها الاستعارة والكناية لا غير. فيكون النوعان الأولان الدالان على طبيعة اللفظ المسمي لذاته ووظيفة التلفظ المسمي لذاته نموذج كل تسمية يعمم بفضل آليتين بلاغيتين انتجتاه. وسأعتبر هذا الحل مجرد فرضية مؤقته يمكن أن ادققها لاحقا وقد يتكفل بتعميقها وتجويدها غيري عملا بما أوصى به ابن خلدون من يليه لتطوير علمه.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي