التراث، معرفته وتحديد دوره التاريخي – الفصل الثامن

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله

– الفصل الثامن –

المقال

في هذا الفصل أحاول بيان علاقة مسألة التراث الثابتة بمليشيات السيف والقلم. فلست أكتب في التراث لدراسته، بل لدراسة آثار تحريفات دراسته المدمرة.

كل المليشيات بصنفيها مصدرها الأول والأخير بعد الاسترزاق من الحرب على الإسلام، هو دراسة التراث الموظفة للتخريب من المستفيدين من الفتنتين.

وهؤلاء اصناف كثيرة أهمها: طالبي الثأر من دولة الإسلام ومن الشعبين العربي والتركي. لأن الأول أقامها، والثاني حافظ عليها إلى بداية القرن الماضي.

ويمكن تقسيم طالبي الثأر إلى أصحاب السلطان السياسي والسلطان الروحي، الذين فقدوهما بسبب نشأة دولة الإسلام. وهؤلاء هم من يسعى لاسترداد سلطانهم وهم خاصة ذراعا الاستعمار في الإقليم، أي إيران وإسرائيل من غير العرب، وبقايا محاولات الاسترجاع السابقة، أي باطنية عرب الإقليم ويهوده ومسيحييه.

ولهذا النوع الثاني النابع من الإقليم، علاقة مباشرة بالمناذرة والغساسنة الذين اعتبروا دولة الإسلام قد أخذت منهم سلطان التبعية لفارس وبيزنطة.

فأدوات الثأر العربية، أو المليشيات نوعان: بالسيف بتراث الفتنة الكبرى، وبالقلم العربية بتراث الفتنة الصغرى: أحفاد المناذرة والغساسنة والصليبية.

أما أدوات الخارج التي قلبت العلاقة بهؤلاء، فأصبحت هي محددة الغايات وهم مجرد أدوات، فهم أيضا أصحاب ثأر من دولة الإسلام من صاحبي نشأتها وبقائها. وهم من خارج الإقليم، أي روسيا القيصرية وأوروبا البلقانية والشرقية والغربية، وبعض من كان منه وصار تابعا لهم، أعني يهوده ومسيحييه وباطنيته.

فهؤلاء جميعا يشاركون في الحرب الفعلية وفي الحرب الرمزية. ولدراسة التراث فيهما الدور الأول والأخير: فكل الحروب تبدأ بها ولا تحسم إلا بها.

تبدأ بها لأن اعداد أرضية الحرب تقتضي الحرب النفسية على العدو، والحرب التحريضية للمحاربين.

وتنتهي بنجاح الأولى إذ يهزم العدو روحيا فيستسلم.

تلك هي علل كتابتي في الموضوع. لكني لا أكتب فيه بالصورة المحرفة التي بينت، بل بنفس الأسلوب القرآني: تفكيك تحريف درسه، وتقديم البديل السوي منه.

فهذا أسلوب القرآن ومنهجه الذي أحاكيه:

  1. تفكيك صارم للتجارب الروحية أو الأديان وبيان آثار تحريفاتها

  2. عرض للبدائل لمستقبل الإنسانية بأخلاقه

لكن الأحداث لا تكفي لتفسيرها بالاستناد إلى إرادة الأعداء الثأر أو الانتقام، بل توجد رهانات أخرى أهم يمكن حصرها في خمسة علل ملازمة للإنسانية.

–   وهي دوافع التنافس بين البشر عامة

–   والأجوار خاصة:

  • أقصد تقاسم الأرض وثمرتها

  • وتقاسم التاريخ وثمرته

  • وتقاسم أصل هذه الأبعاد المشتركة بين البشر.

وهذه العناصر الخمسة هي التي وضعت لها نظرية الأحياز: فالمكان حيز وجود، بل هو مشتق من كان. والزمان حيز ديمومة، ومن ثم فهو الديمومة في المكان.

وحيز الوجود هو مصدر ما به يكون الوجود، لان الأرض هي الأم المرضعة لكل الكائنات الحية. والإنسان أكثرها نهما في الرضاعة من لبنها: غذاء وماء وهواء.

لذلك فهي حيز بذاتها، وهي حيز بما يستمد منها، وجامعه هو الثروة بمفعول الزمان الذي يطور طرق الإنسان في استخراج هذه المقومات الوجودية منها.

والمعلوم أن العربية والألمانية تشتركان في الوصل بين الوجود والثورة بوصفهما قدرة. وتشتركان بين الدين والدين لمصدر الوجود ماديا وروحيا.

لهذا فلا عجب أن كان التنافس على حيازة الأرض لذاتها أولا، ثم لما فيها ثانيا من الدوافع الأساسية للسلم والحرب في آن لأنه شرط التعاون والتنازع.

دور الزمان:

1- الارتباط بالمكان خلال الزمان فيه شيء مما يشبه الحبل السري الدائم بين الحياة ومعينها

2- الديمومة مدة في الامتداد رمزها التراث

إذن المكان والزمان والثروة والتراث، هي الأحياز الوجودية الأربعة، من دونها لا يمكن تصور وجود البشر ولا التعاون والتزاحم بينهم ولا بد من أصل.

وهذا الأصل، هو رؤى الوجود أو المرجعية التي تؤسس في آن للتعاون في الداخل والتزاحم في الخارج. وأبرز صور المرجعيات هي الأديان والفلسفيات.

فيصبح التراث الديني والفلسفي هو الأصل، فتنقلب العلاقة بين العوامل الأربعة التي بسببها يتعاون البشر ويتزاحمون ويتمانعون، وبينه من حيث الدور.

وبهذا الانقلاب يتحول التراث إلى أساس إضفاء المعنى عليها جميعا: فالمكان لا يبقى مجرد فضاء، بل يتحول إلى أرض ذات صلة بالعرض، لأجله نحيا ونموت.

والزمان لا يبقى مدة ذات امتداد، بل حياة ذات اتقاد من جنس ايام العرب. ليس تاريخا فحسب، بل هو شعر وقص لبطولات ومآثر وانتكاسات. أي حياة روح أمة.

تلك محددات العلاقات بين الأمم والدول في التاريخ، ولا علاقة للتزاحم والتمانع على المكان وثمرته والزمان وثمرته والمرجعيات بنظرية المؤامرة.

وأكثر من ذلك، فنفس هذا القانون ينطبق حتى في نفس الجماعة: فأفرادها وفئاتها وطبقاتها تتعاون وتتنافس وتتزاحم وتتمانع عليها خمستها: تلك هي حياتها.

وهو قانون اكتشفه ابن خلدون وإن لم يصغه، ليجعل قانون السياسة الداخلية والخارجية خاضعتين لنفس المحددات، أعني التنافس والتمانع على الأحياز.

وما وراء هذا التعاون والتنافس والتزاحم والتمانع، نظام أسمى خصص له القرآن قصة يوسف جمعا بين موضوعاتها وشروط التحرر من فسادها. وهي خمسة كذلك.

فالتنافس والتزاحم والتمانع، وكذلك التعاون، مداره في الحلم والعلم على المرأة والرزق والمعرفة والسلطة والأخلاق الروحية. وهي نسيج سورة يوسف.

ولما كانت السورة تخاطب الرسول مباشرة، فلكأنها تبين له شروط بناء الدولة الكونية أو المعضلات التي ينبغي علاجها لتحقيقها بعكس منطق عبيد العجل.

فقصة يوسف في التوراة هي النقيض المطلق لقصته في القرآن: فيوسف التوراة ناصح سوء: طلب من فرعون أن يحتكر الغذاء ليستعبد المصريين بأخذ أرضهم.

وهذا التراث الثوري الذي حرر الإنسانية روحيا (لا وساطة بين المؤمن وربه) وسياسيا (لا وجود لحق إلهي في الحكم) يشوه ليعوضه تراث عبادة العجل.

صنفت دراسات التراث بدوافعها وصلتها بالأحداث التاريخية التي جعلت الإسلام وغالبيته السنية خاصة موضوع التشويه والحرب النفسية والتحريضية.

ولابد هنا من بيان أن علة الوصل بتاريخ النزاعات، تعود إلى الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى أي بالأحداث. فإن مجال درس التراث هو الحديث لا الحدث.

وقد اضطررت إلى وضع نظرية الزمان التاريخي، بوصفه مخمسا وليس مثلثا:

–   فالماضي حديث سابق وحديث لاحق

–   والمستقبل حديث سابق وحدث لاحق

–   والحاضر بؤرتها

وظيفة حديث الماضي، تأويل حدثه ليضفي عليه معنى سويا أو مشوها.

ووظيفة حديث المستقبل، توقع حدثه لعمل على علم أو على وهم.

ذانك هما مجال درس التراث.

وبين ان الحديث الذي يؤول حدث الماضي، والحديث الذي يتوقع حدث المستقبل، كلاهما يعسر أن يكونا شديدي الانضباط المنهجي بقصد المعرفة العلمية.

ولهذه العلة، يكثر فيهما الدجالون. ويصعب أن يرد على الدجالين. ففيهم يتحقق بإطلاق قوله جل وعلا {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} بلا علم ولا أخلاق.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي