التحدي التاريخي، كيف يستعد له شباب الثورة بجنسيه؟ – الفصل الأول

**** التحدي التاريخي كيف يستعد له شباب الثورة بجنسيه؟ الفصل الأول

في بدايات العصر الحديث وبداية تكون القوى الأوروبية التي سيطرت على العالم بعد بداية انهيار دولة الإسلام خاصة بعد تقدم حرب الاسترداد والتمكن من إيقاف الانبعاثة الإسلامية بفضل التدارك التركي، تمكنت أوروبا من تهميش قلب دار الإسلام بالاكتشافات الجغرافية التي كونت الاستدارة حول اقليمنا. اكتشاف أمريكا وطريق الرجاء الصالح همشت الإقليم في التجارة الدولة فلم يبق الطريق بأرضه وبحاره الطريق الضرورية للوصل بين الغرب والشرق. ويبدو الآن ان نفس العملية تتكرر ولكن في الاتجاهين: • محاولات الصين وروسيا • ومحاولات أمريكا قد تنهي دور الإقليم وممراته في التجارة الدولية. والغريب أن الأمر لن يضر إلا بالعرب. فإيران وتركيا وإفريقيا وحتى إسرائيل كلهم بمنأى عن الاستدارة سواء كانت: • من الصين إلى أوروبا عن طريق القطب الشمالي • أو من أمريكا وأوروبا إلى الشرق عن طريقي القطب الشمالي والمحيط الهادي تحت إفريقا وبين الشرق واستراليا. فنعود إلى التعبية المطلقة. لن يبقى الاتصال بهم إلا في حدود الحاجة إلى البترول والغاز من دون شروط تحولهما إلى قوة إلا في يد مستورديها وليس في يدي مصدريها بأن المتحكم سيكون الحامي للقبائل العربية التي ليس لها إلا وظيفة الغوافير لحراستها واستعباد أهلها والسوق التي تستورد منتجات الغير بسبب غباء النخب العربية.

وقبل أن أتكلم على ما أعنيه بغباء النخب العربية، فلأشر إلى ملاحظة تتعلق بالمرحلة الحالية التي انسب التقصير فيها إلى الثورة أكثر مما أنسبه إلى الثورة المضادة في الإقليم الذي تنتسب محمياته إلى ما يسمى بالجامعة العربية. فرغم أن أفكار الثورة كانت شاملة للإقليم فإنها لم تجد سهما حاملة. وقصدي أن الثورة لم تكن لها قوى سياسية متجاوزة للحدود، بل إن ما كان منها يدعي تجاوزها باسم القومية العربية كان أعدى أعدائها وصار أكثر الناس محافظة على سايكس بيكو بل وأكثر سعيا وقربا للذراع الثانية التي تسعى لرد الإقليم إلى ما كان متقدما على الإسلام في تاريخه: إيران. ولما كانت الثورة المضادة قد احتمت بإسرائيل فإن الاقليم الذي تجمعه الجامعة العربية صار في الحقيقة مسهما في هذه العودة إلى ما قبل التاريخ الإسلامي ووحدة الأمة، بمعنى أن الجميع صارفي خدمة مشروع الذراعين وسنديهما أي: إيران وإسرائيل وروسيا وأمريكا ضمن النظام الجديد الذي لا محل لهم فيه. ولما كانت الصحراء الكبرى تفصل الضفة الجنوبية للأبيض المتوسط عن بقية افريقيا، وكانت هذه الضفة تابعة لمجموعة الجامعة العربية وكانت الصين بصدد الإحاطة بما دون الصحراء من افريقيا فقد أصبحنا محاصرين من قطبي العالم الشرق الأقصى والغرب الاقصى مثلنا مثل أوروبا التي فقدت امبراطورياتها. ولهذه العلة اعتبرت محيط الأبيض المتوسط شماله وجنوبه أصبح بين فكي كماشة هما قطبا العالم الجديد، لكنهم ما زالوا مثل العرب عاجزين عن تكوين عملاق سواء وحدهم أو معنا لنكون لنخرج من الكماشة فلا نكون مجرد سوق على الأقل وإن كان الفرق بيننا أنهم سوق مسهمة في الانتاج ونحن لا نتجاوز الاستهلاك. ولما كانت دفوعاتنا عينية، أعني بالمواد الخام وربما بالمناخ وبنحو ما بالممرات، وكنا لا نستطيع حماية ما نملك، فلن نخرج من مرحلة المحميات كحالنا الآن، وأوروبا أيضا هي بنحو ما محميات لأن خوفها من روسيا ومنا -رغم أننا لا حول لنا ولا قوة حاليا لكنهم لا ينسون الماضي-يجعلها محمية أمريكية.

لأن إسرائيل ستتغول بعد أن يصبح اقليم الجامعة العربية تحت جناحها بسبب ما لأجله، أكتف هذه المحاولة أعني الحكام العرب وبنخبهم، وبعد أن تكون إيران قد أنهت مهمتها في تمهيد الأرض لهذا المآل الذي يخدم سيطرة إسرائيل على الإقليم، سترد إلى وضعها الهش فتنهار وتخرج من العراق وسوريا واليمن. وبخلاف ما يتوهم الملالي الذين يظنون أنفسهم دهاة ستصبح إيران مثلها مثل روسيا والجمهورات التي كانت تابعة للسوفيات محميات صينية هندية في القطب الشرقي قبالة القطب الغربي الذي يضم إليه الأمريكيتين وأوروبا ونبقى نحن مجرد محميات وأسواق ومصادر مواد خام وربما سياحة جنسية وتراثية. وقد تحاول بعض دول أوروبا متوهمة القدرة على استعادة بقية من مستعمراتها حلما إمبراطوريا لم تعد قادرة عليه، وكان يمكن استبداله بتحالف مع الضفة الجنوبية من الابيض المتوسط وهو أقصى ما تستطيعه فرنسا وإيطاليا واسبانيا واليونان من الضفة الشمالية، لكن يمينهم يعاني من الإسلاموفوبيا. وبدلا من أن يخافوا من إسرائيل التي عينها على استتباع الشمالية استتباعها للضفة الجنوبية من الأبيض المتوسط إما كذراع أمريكية أو لذاتها لأن من يسيطر على المحميات التابعة للجامعة العربية يصبح هو بدروه قوة عظمى لكونه قادرا على الاستفادة مما يعمى عنه نخبنا أغبى نخب العالم بإطلاق. هي بنوعيها كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث ما تزال في غفلة عما يجري سواء ما اتبع منهما الانظمة العميلة التي جعلت أقطارنا محميات لإيران وإسرائيل لأنها جميعا مجرد أقزام تعتبر نفسها دولا وخاصة ما كان منها مجرد قبيلة حارسة لبئر بترول أو خاز أو مجرد بياعة بحر وهواء وجنس وآثار. فالجماعة العاجزة عن الرعاية والحماية لا يمكن أن تكون دولة في عصر العماليق ولا تكون إلا محمية حتى لو ادعت أن دخل المواطن فيها هو الأول في العالم. لذلك فكلما سمعتهم يتكلمون على البلوريات العربية أكاد أموت بالضحك. فالثورة في العالم ثمرة الإبداع وليس التبعية لأسر لصوص تسمى حكاما. والكاريكاتوران النخبويين رمزهما • محمد المقدسي شيخ الجهل والامية الذي يدعي التأصيل والدفاع عن الإسلام، يفتي بتكفير اردوغان • وحمة الهمامي شيخ الجهل والأمية الذي يدعي التحديث والدفاع عن الحداثة يفتي بتكفيره كذلك هذان هما رمزا النكبة النخبوية التي تمثل المعارضة الأفسد من الحكام. ولا تختلف هذه المعارضة عن أولئك الحكام إلا بكون الثانية أقل نفاقا من الأولى، لأن أولئك يخدمون الاستعمار مثلهم إذ يحولون دون الامة والخروج من التبعية لمجرد كونهما أداة للقضاء حتى على القليل مما يمكن أني كون منطلقا للبناء: طهرية واخلاص للإسلام والشعب زائفة لأنها فكر ميت وغبي.

كلاهما مغذ للحرب الاهلية إما باسم خلافات كلامية تدعي الدفاع عن الدين، أو باسم خلافات كلامية تدعي الدفاع عن الشعب. وهما تجاوزا مشروع الحرب الأهلية إليها فعلا متناسين أن ما يحققه من هم أمثال أردوغان بداية يمكن أن تجعل الشعوب تسترد ذاتها وطموحها فتستغني عن الكاريكاتورين المرضيين. فأغبياء اليسار والقوميين في تونس لا يعادون فرنسا التي تحتل تونس وكل بلاد المغرب العربي، بل يخدمونها ويعتبرون التعاون مع تركيا استعمارا. وأغبياء الجهاديين من جنس هذا السخيف لا يعادون إيران التي تحتل كل الهلال بل يخدمونها ويعتبرون تركيا كافرة. فهل توجد خيانة وغباء أكثر من هذا؟

كل اليسار والقوميين في تونس وفي مصر واغبياء الجهادين من جنس هذا الاحمق في كل بلاد العرب يعادون الإسلام المستنير الذي يريد المؤمنون به تحقيق الصلح بين الأصالة والحداثة أو بين الاصالة المتحررة من توظيفها الجاهلي، والحداثة المتحررة من توظيفها الاستعماري: هم حلفاء الأنظمة العميلة. وفي خضم هذه التبعية والحرب الأهلية، يبقى اقليم المحميات التي تسمى أقطار الجامعة العربية خارج التاريخ نخبه تتآكل وتتقاتل تماما كما كان العرب في الجاهلية قبل الإسلام بعد أن قبلوا بتمزيق الجغرافيا وتفتيت التاريخ، إذ كلهم بنوا أنظمتهم بإضفاء الشرعية على الخارطة التي فرضها الاستعمار. وكنت أتصور أن الثورة جاءت لتتحرر من هذه الخارطة فتبادر إلى جعل فعلها موازيا لأفكارها لأن انتشار أفكار الثورة لم توقفه الحدود التي فرضها الاستعمار. لكن هذه الأفكار لم تجد قوى سياسية قادرة على حملها والعمل بمقتضاها فظلت الحركات الإسلامية التي اختارها الشعب قطرية الهوى. غرها “طمع” الحكم في نفس المحميات بنفس المنطق ونفس التبعية، بل وبالمبالغة فيهما لأنها محتاجة إلى نوع من الاستقرار حتى تثبت سلطانها وأصبحت أفكار الثورة أدنى انشغالاتها إذ سرعان ما صار وهم الدولة مقدما على حقيقة الثورة. ولولا فضل الثورة المضادة لماتت الثورة حقا. فالثورة المضادة فهمت خطر أفكار الثورة فردت الفعل اقليميا وليس قطريا. لكن الثورة ما تزال إلى الآن ارخبيلا من الجزر التي لا تتواصل مثل الثورة المضادة. فثورة سوريا وثورة ليبيا وثورة مصر وثورة تونس وثورة اليمن لا تواصل بينها، لكن الثورة المضادة فيها جميعا تعمل بتناسق وسند غربي بين. ويوم يفهم شباب الثورة بجنسيه أنه عليه أن يكون قوى سياسية متجاوزة للحدود وشاملة للإقليم يومها تصبح الثورة في مستوى التحدي التاريخي الذي علينا خوضه بالسلاحين اللطيف والعنيف إذ لا توجد ثورة بالأقوال دون الأفعال أو بالأفعال دون الأقوال: السياسة شرعية وشوكة متلازمتان دائما.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي