لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهالتبشير الشيعي ما سر ما ينسب إليه من قوة؟
ما بيناه في الفصلين السابقين يغير محل السؤال من: ما سر قوة التبشير الشيعي؟ إلى ما سر ضعف روح السنة منذ الفتنة الكبرى إلى الفتنة الصغرى؟: ما الذي يجعل السنة عاجزة عن كشف هشاشة أصحاب الفتنتين بحيث أصبحت من حيث لا ترى مستبطنة كل ما أسقطوه عليها من صفاتهم كصفة الإرهاب مثلا؟ فكل من له دراية بتاريخ الباطنية -وهي الشكل الأوضح لصراحته من التشيع عامة -يعلم أن الإرهاب هو الاستراتيجية الاساسية والسلاح الملازم لهم منذ بداية التاريخ الإسلامي وبصورة أدق منذ اغتيال الفاروق وبعده ذي النورين إلى اليوم. وكل ما يحدث اليوم يعيد نفس السيناريو بفنيات ابعد غورا. فقد بلغ دهاء الملالي في محاولة توظيف ما لدى سنة العرب من المجاهدين أن أقنعتهم بأنها مثلهم تقاوم الغرب ومستعدة لحماية قياداتهم وتمويل عملياتهم فتوهموا أن ذلك يمثل وحدة الجهاد الإسلامي وقبلوا بسذاجة منقطعة النظير أن يصبحوا الأصابع التي تشوي بها إيران ما تغتذي به في علاقتها بالغرب. فهي تفعل وتستفيد ولكن بأيد عربية تنفذ وتعلن وتتحمل مسؤولية “الإرهاب” حتى تصبح السنة كلها إرهابية وكلها وهابية وكلها خارج كل إمكانية للتعامل مع الغرب مع تغني بعض المتخلفين بالكلام عن الحروب الصليبية لكأن الغرب يهمه شيء من الدين عدا ما يهم الباطنية: مجرد سلاح في معركة إيديولوجية. وقد بلغ الحمق السني درجة لا يصدقها عاقل: كيف يقتنع الإنسان بأن من يحتل من أرضه آلاف المرات أكثر مما تحتله إسرائيل هو من يريد أن يحرر ما تحتله إسرائيل من أرض العرب؟ وكيف يمكن ألا يفهم أن إسرائيل ومعها الغرب كله لم تحتل إلى 1 في المائة مما احتلت إيران من أرض العرب في ثلاثة عقود؟ وهذا دون حسبان ما احتلته إيران قبل نظام الملالي أعني كل الضفة الشرقية من الخليج الذي غالب سكانه عرب حتى وإن شيعوهم مثلما يفعلون الآن مع عرب العراق عرب الشام وعرب اليمن وعرب كل البلاد العربية التي لها نخب تشيعت إما لسذاجة الإيمان بالممانعة أو لأنهم مرتزقة؟ ومرة أخرى فليس معنى كلامي هذا أني أقلل من أجندة إسرائيل أو اعتبرها حليفا ممكنا فالمشروع الإسرائيل لا يختلف عن المشروع الإيراني: كلاهما يعتبر أرض العرب أرضهم أخذها منهم العرب عنوة بالإسلام وهم يريدون استردادها بتحريف الإسلام وتشويهه من داخله (إيران) ومن خارجه(إسرائيل) بساعدة غربية. وإذا كنت اعتبر الملالي أخطر فليس ذلك مني تحكما: بل لأن الاحتلال نوعان. احتلال للأرض كما حدث في الجزائر مثلا وحتى في فلسطين سابقا (مع الصليبيين) وكلاهما قابل للرجع بمعنى أن أهله يحافظون على هويتهم الروحية فيستطيعون استرجاع ما فقدوه من الأرض المحتلة بخلاف ما وقع في الأندلس مثلا. والفرق هو أن الأندلس لم يقتصر الاحتلال على الأرض بل احتلت الأرواح كذلك بتمسيح أصحابها أو بتهجيرهم تصفية عرقية كما حدث في إيران نفسها بعد القرن السادس عشر وكما يحدث حاليا في الأحواز وفي العراق وفي سوريا وكلنا يشهد ذلك عيانا. وهذا هو الفرق: إسرائيل لا تستطيع تهويد المسلم. الفرق بين من يخرب من الداخل بدعوى الإسلام ومن يخرب من الخارج بدعوى الحداثة هو العلة في اعتبار إيران أخطر من إسرائيل وكلاهما عدو للإسلام والمسلمين عامة وله ثأر مع العرب خاصة. ومن يجهل ذلك لا يمكن أن يفهم ترتيب الأخطار على كيان الأمة. إذا شيعوا الهلال اكتمل تحريف الإسلام نهائيا. باتت السنة معقدة إلى حد اتهام نفسها بكل ما يسقطه عليها الصفوية والصهيونية من صفات: فصار بعضهم يَتَصَفْوَنُ حتى يقال إنه يقاوم امريكا وبعضهم يتصهين حتى يقال إنه يقاوم إيران ومن ثم فالثقة بالنفس التي هي دليل متانة الذات والكيان اهتزت لدى النخب السنية وخاصة الحاكمة وتوابعها. مشكلتي إذن ليست مع إيران ولا مع إسرائيل بل مع فقدان الثقة في الذات أمام مفعول الفتنتين الكبرى (وهي رمز الباطنية) والصغرى (وهي رمز العلمانية) اللتين اتحدتا ضد الإسلام واحدة تحاربه من الداخل والثانية من الخارج بحيث أصبح كل تاريخ الإسلام في خطر ببعدي ماضيه وببعدي مستقبله. فالماضي زيف حدثه وحرف حديثه ولم يعد شيء منه مقوما متينا للهوية بحيث إن السني بات شبه مضطر للقبول بأكاذيب أصحاب الفتنة الكبرى احتراما لآل البيت وتقولا على الإمام علي حتى جعلوا كل التاريخ وكأنه حرب بين امرأتين عائشة وفاطمة وليس تاريخ أمة عظمية لن يمحو ثمرات فعلها كذب أعدائها عليها. ومن أهم علامات اسقاط الأعداء صفاتهم على السنة واستبطان السنة هذه الصفات أنهم صاروا يخافون الإقدام على ما أقدم عليه حتى لا يتهموا بالطائفية. ومعنى ذلك أن الطائفي الحقيقي يسقط عليك صفته فتصبح أنت تخاف من تهمته لك بالطائفية في أنك أنت الأصل وهو الطائفي المعادي للأصل. ونفس هذه العقدة حصلت من القبول بإسقاط اصحاب الفتنة الصغرى صفاتهم على المسلمين السنة: فقد صارت الاحزاب الإسلامية مضطرة لبيان أحقيتها في الوجود بالتسليم بأنهم هم الأصل والنموذج الاجتماعي الذي يمثل الأصل والذي ينبغي الالتزام به بدلا من الالتزام بالنموذج الذي هو عين هوية الشعب. فصار من لا يمثل 1 في المائة من الشعب أعني من تغربوا وأصبحوا مستعمرين ذهنيا وثقافيا يطالبون البقية بإثبات حقهم في الانتساب إلى البلاد لأنهم صاروا هم أصحابها والإسلاميون أجانب: لكأن “البيي نوار” في الجزائر بقوا فيها ويعتبرون الجزائريين أجانب ولن يقبل بهم فيها إلا إذا تفرنسوا. ولما كانت العقد والاستبطان يغلبان على ذوي النفوس الضعيفة وهم غالبة أنصاف المثقفين فأنت تراهم أشد الناس دعاية لهذا المرض الذي يمثل هشاشة الأمم التي تصبح كما قال ابن خلدون توابع لمن يظن هو الغالب: وتلك هي آثار الفتنة الصغرى: لذلك تلاقى اصحاب الفتنتين للحرب على الإسلام والمسلمين. ورمز الفتنة الكبرى الصفوية ورمز الفتنة الصغرى الصهيونية والمستبطنون لعقد النقص إزاء هذين المحاربين للإسلام والمسلمين السنة هو النخب التي تدعي الممانعة والنخب التي تدعي الحداثة وكلتاهما لا تمانع ولا تحدث إلا في مستوى الخطاب المخادع لسذج السنة ممن صار دمية في استراتيجياتهم. ومن العلامات التي لا تكذب والتي برزت بوضوح بعد الربيع هو ما يحدث في عرب الخليج: فهم آخر العرب التقاء بالثقافة الغربية ولم يعانوا ما عاناه من عاش الاستعمار الفرنسي. ولذلك فالتهامهم من اصحاب الفتنتين سيكون أيسر عليهما وسيمر زمان مديد قبل أن يحصل لديهم ما حصل في تركيا وتونس مثلا. فعندي أن المراهقين الذين يريدون التحديث السريع في الخليج بل والعلمنة واللبرلة ليسوا أمرا شاذا في تاريخنا الحديث فهم وإن بغير وعي من جنس أتاتورك وبورقيبة منبهرون بالغرب دون فهم شيء منه ولا من استراتيجياته لأن فهم الغرب ليس يسيرا ويتطلب أجيالا واجيالا من المعايشة. ولهذه العلة ترى الغرب اليوم حريصا على إفشال الربيع لأن فيه وعيا باستراتيجيات الغرب وتجاوزا لما رسم للأمة من مآزق وضموا إليه تركيا لأنها في سعيها لاستعادة ذاتها تمثل أكبر خطر على مشروعهم المحارب لأساس حصانة الأمة: الإسلام المدرك لرسالته وللحريتين. وبخلاف كل من يتهم تركيا الحالية في سعيها لاسترداد ذاتها التاريخية بأنهم خطر على العرب هم أعدى أعداء العرب: فأولا أن العرب لم يكونوا متقدمين لما وصل الأتراك لخلافة فيتهموا بكونهم علة تخلف العرب بل كانوا قد فقدوا السلطان على دولة الإسلام قبلهم بقرون وعادوا إلى البداوة أو التحلل. وثانيا وهو الأهم لا وجه للمقارنة بين تركيا والعرب إذا تكاملوا -ولا أتكلم على الاتحاد-فهم أربعة أضعاف الأتراك وثروتهم لا تقاس بها ثروة تركيا -امر لا يظهر بسبب تفرقهم-وبلادهم أكبر بلاد العالم بعد روسا وهم في قلب المعمورة ملتقى القارات الثلاث وهم أخيرا المؤسسون ومركز الحرم الثلاثة. وما لا يريد فهمه من يتهم الربيع بأنه مؤامرة غربية هو أن الغرب لو رأى فيه ما يراه فيه أصحاب الثورة المضادة لما حالفهم عليه: لو كان الحكم بعد الثورة وقع بيد عملائه لكان أول من ساندهم. لكنه اكتشف أن الربيع أوصل جيلا جديدا من الإسلاميين جمعوا بين الأصالة والحداثة جمعا غير تابع. ويكفي أن تقارن أي حزب إسلامي-رغم عدم تمرسهم بالسياسة-باي حزب علماني عربي فستجد الفرق شاسعا بينهما علميا وخلقيا ودراية بشروط الحداثة المستقلة وجمعا بين عنفوان الاستئناف وفهم شروطه في العلاقتين مع الطبيعة (علومها) والتاريخ (علومه) والطموح التاريخي الكوني. أما الأحزاب العلمانية العربية فهي توابع فكريا وسياسيا وغالبا ما تكون حليفة لأصحاب الفتنتين ولنوعي الأنظمة العربية القبلية والعسكرية أعني لكل علل ما نعاني منه من تخلف وتبعية وتفتت وفقدان لشروط القيام المستقل حماية ورعاية. وتلك هي علة الحلف على الإسلاميين. أما الكلام على عدم الخبرة السياسية فهي حق يراد به الباطل مرتين: فأولا هم يزعمون أن من حكم قبلهم كان كفؤا ولا يرون ما عليه أمور بلاد العرب ولم يقارنوا بين تركيا قبل الإسلاميين وتركيا بعدهم. وثانيا هم يزعمون أن الإسلاميين عاجزين عن الحكم بالفطرة وليس لأن فرصة التمرس لم تتحقق. ولو كان الغرب وذراعاه (إيران وإسرائيل) وعملاؤه من الانظمة العربية القبلية والعسكرية مقتنعين بأن الإسلاميين لن ينجحوا لتركوهم حتى يحققوا ما يحلمون به أعني ما كان يحدث في تركيا وفي الأنظمة العربية القبلية والعسكرية من عجز مقداره الفرق بين تركيا الحالية وتركيا قبل الإسلاميين. لذلك فالعلامتان اللتان لا تكذبان واللتان ستلغيان هذه العقد مما يسقط في أيدي الذراعين والعملاء والقوتين اللتين تخشيان الاستئناف الاسلامي هما: 1. محاصرة الربيع العربي في كل مكان وخاصة في الهلال. 2. محاولة أسقاط النظام الإسلامي في تركيا. ومن عميت بصيرته فلا يرى ذلك فهو ممن وصفت. لكن صمود الثوار رغم ما تعاني منه الثورة من فوضى وعدم استراتيجية مناسبة صمودهم أمام حلف لعين بين الذراعين ونوعي الانظمة العربية العملية والقوتين يجعل ما يحدث أقرب إلى المعجزات منه إلى الافعال البشرية العادية. ولن تهزم الثورة لأن الأمة استيقظت والاستئناف آت لا ريب فيه.