لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الببغاوية
في الفصل الرابع من الببغاوية مرض اللحظة العربية سأضرب أمثلة من أصل القيم التي يتصورها كلى الكاريكاتورين متعددة بتعدد الحضارات واختلافها.
فلو اعتبرنا موضوع العلم نسبيا كما يزعمون في نسبية موضوع التقييم بسبب تعدد رؤاه لاستحال العلم الذي لا يخلو من تعدد الرؤى الذاتية لموضوعه.
هذا الخلط كان مقبولا عندما كان العلم مستندا إلى نظرية المطابقة في المعرفة حيث يعتبر الموضوع هو المعلوم منه علما له على ما هو عليه في ذاته.
ولما كان ذلك بهذه النظرة مستحيلا في الموضوع القيمي أسقط عليه الحكم الجنيس للحكم في الذوقيات الجمالية: فظن الموضوع القيمي نسبيا مثل رؤاه.
لكننا اليوم صرنا نميز بين العلم الذي هو نسبي دائما لامتناع علمه على ماهو عليه بإطلاق مع فرضية وحدة الموضوع الذي نسعى لعلمه تجنبا للظواهرية.
والظواهرية تعكس موقف نظرية المعرفة التي كانت تتوهم أن الموضوع يعلم على ما هو عليه وأن العلم به مطابق له بإطلاق فقالوا بنسبة الموضوع كعلمه.
وفي الحالتين وقعت المطابقة إما في الإطلاق أو في النسبية وكلاهما إطلاق لصفات أحد العنصرين: الموضوع وعلمه حتى يقع الإبقاء على المطابقة.
لكن إدراك حدود العلم الإنساني الذي هو تسليم بوجود الغيب أو ما لا يستطيع الإنسان علمه مهما تقدمت المعرفة حررنا من هذين الوهمين لنميز بينهما.
وبذلك فما ينطبق في الأبستمولوجيا (نظرية المعرفة) ينطبق في الأكسيولوجيا (نظرية القيمة). وهذا هو الكلي المشترك بين الدين عامة والفلسفة الحديثة.
وأكثر من ذلك أستطيع القول إن الفلسفة لم تتحرر من نظرية المطابقة إلا بفضل الدين: ذلك أن الدين يميز بين علمين: إلهي مطلق وإنساني نسبي.
وهذا التمييز بين العلم المطلق والعلم النسبي هو أساس القول بوحدة الموضوع وتعدد الرؤى. والعلم هو ما يجمع عليه أهل الاختصاص بمعايير متطورة.
وإذن فعلمية العلم ليس مطابقته المطلقة مع الموضوع فهذا مستحيل كما بينا ولكن اجماع أهل الدراية بتحديد النظريات المعبرة عن معطيات تجريبية.
ولتطورها نهجان:
نهج التقدير الذهني لإبداع النظرية بما هي نظام رمزي متناسق.
نهج التحقق التجريبي للمعطيات بما هو نظام تقني للإدراك.