الببغاوية، مرض اللحظة العربية – الفصل الخامس

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الببغاوية

لماذا أخذت مثال المقايضة أو التبادل بدون تعيين لعلمة وسيطة ثم التبادل بواسطتها وركزت على شروط تحقيق العدل في الحالتين. اساسا النموذج الشرعي.

الكلام على التطفيف في القرآن يمدنا بالحل: أدخل عامل خلقي في حكم المطفف استيفاء وإخسارا.

هل كان يمكن تطبيق هذا الحجم دون وسائل الكيل؟

ثم هل وسائل الكيل تضمن شروط العدل في التبادل إذا لم يوجد شرط عدم الغش في أدوات الكيل؟

وهل يمكن ضمان سلامة أدوات الكيل من دون سلطة رقابة؟

وهذا من ادوار الحسبة. والحسبة معيار القيمين عليها هو أخلاقهم. فمن يضمن ذلك؟

حكمان: السمعة في الجماعة والردع السياسي.

الأساس أمرهم شورى بينهم.

فالشورى بينهم حكمها التواصي بالحق والتواصي بالصبر في العملية ذاتها وشرط تمام الإيمان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أخلاق الجماعة وحكمها.

ولذلك ففي حالة التبادل بواسطة عملة كانت مراقبة صكها من أهم وظائف الدولة والحسبة: حتى إن ابن خلدون يدعو إلى عدم تركها للسلاطين بل للخليفة.

وفي حالة التبادل بواسطة عملة كانت مراقبة صكها من أهم وظائف الدولة والحسبة: حتى إن ابن خلدون لا يعتبرها تابعة للسلطان بل هي تابعة للخليفة.

وهذا كله من مهام سياسة الجماعة لأمرها بشوراها ومن ثم فهي التي تضع الأنظمة القانونية التي تحقق هذه الشروط والتي هي كلها من جنس المكاييل.

وعندما نتكلم على السرقة أليس من قصور النظر اعتبارها مقصورة على الملكية التي بالفعل لا الملكية المستحقة: فمن يبخس العامل حقه ألا يسرقه منه؟

والحاكم الذي يغرف من مال الشعب أليس سارقا؟ فيكون حصر السرقة في فهم أولي ليس خاطئا لكنه غير كاف من سوء الفهم للنموذج الشرعي في القرآن؟

أن نحدد المعايير الخلقية وشروطها التقنية ليكون القانون والقضاء حائزين عليها بدلا من جعل الأمر رهن فهم تحكمي لما صدق ما نعتبره مقاصد الشرع؟

فالمستجيبون لربهم أصل الشرعية والتنظيم لأمر هو أمرهم الذي أمروا قرآنيا بإدارته بالشورى بمعيارين خلقيين: التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

فما يجعل أي تنظيم قانونا شرعيا خمس صفات هي صدوره عن إرادة حرة وعلم حقيقي وقدرة عادلة وحياة جميلة ووجود جليل: معبرا عن الإنسان ومقوماته.

فالإنسان هو الذي يسعى لتحقيق القدر الممكن من حرية الإرادة وحقيقة العلم وعدل القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود بصورة كونية للجميع.

فيكون المبدأ الاصلي في كل تشريع هو ما قاله الرسول: لا تؤمن حتى تحب لأخيك ما تحب لنفس والضمير وحتى تركه لغيرك ما تكره لنفسك: العدل الكوني.

و”أخيك” هنا لا تعني بالدم ولا بالدين بل بالإنسانية: وذلك هو مدلول النساء 1. والمساواة هنا تعالي القيم على التمييز العرقي والطبقي والجنسي.

والركن الاول هو العدل والشهادة بالحق حتى ضد الذات والقريب مهما كان من على حق بعيدا عرقيا وطبقيا وجنسيا ودينيا: الحكم العادل لذاته وتقوى.

وهذه الصفات الخمسة:حرية الإرادة وحقيقة العلم وعدل القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود.

إنها صفات الإنسان وصفات القانون وبإطلاقها تكون صفات الله.

فالقانون الذي يضعه الله مثال أعلى لأنه تعبير عن إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود مطلقة كلها ولا متناهية وتامة بإطلاق: مثال كل تقييم واساسه.

لكن صفات الإنسان والقانون الذي يصدر عنه ينتج عن إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود نسبية كلها وهي تصبح ظالمة إذا خلت أثر المثال: الأخلاق القرآنية.

وعندما يكون المعيار أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك وأن تكره لغيرك ما تكره لنفسك صرت أنت الحكم الحقيقي في تعيير القانون المشروط في العيش المشترك.

فتكون الشرائع هي التي تنقل الطبائع دون نفيها من القانون الطبيعي إلى القانون الخلقي ومن ثم فما ينطبق على العلم ينطبق على كل القيم الأخرى.

بمعنى أن “موضوعية” القيم لا تختلف عن موضوعية العلم: العلوم هي ما “يجمع” عليه العلماء والفضائل ما “يجمع” عليه الحكماء فلسفة والصديقون دينا.

وبهذا المعنى فرغم أن التشريع مثل العلم عمل انساني فكلاهما ذو كونية اجتماعية حول المثال الأعلى الذي هو علم الله وتشريعه: وذلك هو الاستخلاف.

وشروط الاستثناء من الخسر (سورة العصر) هي: أصل الوعي بالحاجة إليه واربعة فروع هي فرديا الإيمان والعمل الصالح وجمعيا هي التواصي بالحق وبالصبر.

وكل قانون حتى لو تنكر في حكم فقهي إذا خلا من هذه الشروط لا يكون قانونا شرعيا لخلوه من القيم الخمس التي وصفنا باعتبارها شروط العيش المشترك.

فمن دون إرادة حرة وعلم حقيقي وقدرة عادلة وحياة حميلة ووجود جليل يفقد القانون شروط القانونية أي الشرعية: فيصح خضوعا وجهلا وظلما وقبحا ومذلة.

وتلك هي بالذات صفات القانون في كل بلاد العرب حتى لو تنكرت في الفقه وقدمت على أنها شرع الله. وهي في الحقيقة شرع وضعفي يعبر عن إرادة الظلمة.

وكل ما قلته عن القانون في إطار ذي ثقافة دينية وفقهي هو من باب أولى صحيح في إطار ذي ثقافة علمانية: ذلك أن العلمانية تدعي أن الحكم للشعب.

وفي الحقيقة فواقع الأمر لا يختلف كثيرا عما وصفنا في الثقافة التقليدية التي يعتبرها كاريكاتور التأصيل معبرة عن رؤية القرآن للشرع والقانون.

الفرق:

  1. كاريكاتور التأصيل يزيف حقوق الإنسان وواجباته كما يعرفها القرآن.

  2. كاريكاتور التحديث يزيفها كما يعرفها الفكر الحديث: بنفس المعيار.

وتزييف نفس المعيار هو تزييف أن تحب وتكره لغيرك ما تحب وتكره لنفسك في حرية الإرادة وحقيقة العلم وعدل القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود.

وهم لا يفعلون إلا في الاقوال: التأصيلي الزائف بغطاء ديني مزعوم والتحديثي الزائف بغطاء فلسفي مزعوم. كلاهما يمثلان نكوصا إلى الصراع الطبيعي.

ولهذا العلة حاولت أن أبين محدودية الجدل الهيجلي والماركسي لأنه في الحقيقة يصف الأمر الواقع الذي ينكص فيه الإنسان إلى الصراع على الرزق.

والأمر الواقع لا يؤسس لا الحرية ولا الحقيقة ولا القدرة ولا الجمال ولا الجلال بل هو يعلل الابتعاد عنها والنكوص إلى منطق الانتخاب الطبيعي.

والدين والفلسفة يشتركان في الاحتكام إلى أصل القيم أي مثال الحرية والحقيقة والقدرة والجمال والجلال أعني الصفات التي تؤهل الإنسان للاستخلاف.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي