الببغاوية، مرض اللحظة العربية – الفصل الثالث

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الببغاوية

في الفصل الثالث من “الببغاوية مرض اللحظة العربية” سأبين أن كاريكاتور التحديث أكثر نفيا للحريتين رغم أنه يبدو ثائرا عليه باسمهما وضد نفيهما.

فكاريكاتور التحديث ما يزال يرضع مما يسمى النقد الديني في الفكر الماركسي والنقد العلماني لدور الدين السياسي وما يظن لا مبالاة ليبرالية بالدين.

والنقد الماركسي سجن الإنسان في الدنيوية والنقد العلماني سجن الإنسان في السياسوية والليبراني سجن الإنسان في مزايا السجنين.: سجن سموه تحريرا.

فحجة الماركسي هو الانتقال من حرية الأحلام الدينية إلى حرية التحقيق السياسي. والسجن الدنيوي يحول التحقيق المستحيل إلى التحقيق كوابين ستالينية.

وحجة العلماني هي الانتقال من قدسية إرادة الحكام إلى قدسية الإرادة الشعبية. وإرادة الحكام لن تصبح إرادة الشعب بل إرادة مافية العجل الذهبي.

وسجن مافية العجل الذهبي هي التي تجعل الجميع عبيد لسياسة مرذلة لا مقدسة يحكمها معدن العجل وخواره أي المال وتخدير التسويق السياسي والاقتصادي.

السجن الليبرالي الذي يدعي الجمع بين مزايا السجنين فهو ينتهي إلى سجن أفسد من السجنين السابقين لأنه يعيد الإنسانية إلى لذائذ البهائم اللامبالية.

والنتيجة هي مظاهر اللامتناهي الزائف الثلاثة فلسفيا وسياسيا وخلقيا فيصبح الإنسان أكثر وقوعا في الخرافة والميثولوجيا اللذين لا يخلو منهما دين.

وعدم خلو الأديان منهما لا يعني أنهما مقومان للديني بل هما مقومان للتديني وخاصة للتدين الشعبي منه. وكل محاولة لمنعه بإطلاق يلغي دوره الشعبي.

وقد أدى التجميدان إلى سجنين متقابلين: سجن علومنا فيما تصورته تعاليا عن الدنيا وسجن علومهم فيما تصورته تدانيا عن الآخرة. ثم تتاهما قيميا.

فتصور الحداثي الزائف أن الأصالي كله زائف وأن الآخرة ثمرة خيال المتدين ويجب إلغاؤه بالمعنى الماركسي والعلماني ومعنى اللامبالاة الليبرالية.

وتصور الأصالي الزائف أن الحداثي كله زائف وأن الدنيا ثمرة خيال المتفلسف وبجيث إلغاء تحقيق شروط تعميرها بقيم الاستخلاف شرطا في الإيمان.

لذلك فإن معركة الكاريكاتورين تشبه معركة بين المقيمين في سجنين: سجن نفاة تعمير الدنيا بأدوات الإنسان العلمية والتقنية والشعائر لا تكفي.

وسجن نفاة ما وراء تعمير الدنيا من غايات روحية وخلقية لا تكفي فيه تحول الأنسان نفسه إلى أداة في جهاز اقتصادي وثقافي فاقدين لمتعالي القيم

فيكون الحاصل معركة بين رؤية للقيم تخلو مما له دلالة مادية متدانية عن الاخرة ورؤية للقيم تخلو مما له دلالة روحية متعالية على الدنيا.

والنتيجة إذا ترجمناها قرآنيا هي خيار زائف بين مقومي قيام الإنسان:

  1. مستعمر في الارض يعمرها بأدوات التعمير.

  2. ومستخلف فيها بقيم الاستخلاف.

وقيم الاستخلاف هي شروط التعمير الدنيوي التي تخدم التعمير الأخروي: أي إن الإنسان ليس آلة حيوانية تعيش لتأكل بل هو كائن واع بقيمته وبتعاليه.

ماذا يحصل للإنسان عندما يتحرر من السجون الثلاثة التي تمثل عبادة العدل والسجنين اللذين يمثلان “استعجال” صورة الله في رؤية الاستعداد للآخرة.

استعجال صورة الله في الآخرة هي التعامل مع سواء فعلا بمفهوم التبادل التجاري: الإكثار من النوافل لتنفيل الجزاء الاوفر أو التوبة بنفس الدافع.

يعني أن من كان لا يقول بسجون الإلحاد الثلاثة بل يحيا مثل اصحابها وكأنه يقول بها ثم يحج ليغسل الذنوب كما يعتقد يعيش السجنين المتقابلين.

وهذا الوضعيات الخمس يعيشها كل الإنسان حديث سواء بوعي نظري كما يزعم ادعياء الحداثة أو بعدمه كما يفعل أدعياء الإسلام بعقلية التجار المنافين.

وعيشها يجعل الإنسان مثل من يضطرب بمفعول الحمى وهي حياة التخبط الوجودي الذي قبل أن يسلم منه إنسان وغالبا ما تكون بحثا عن النفس المطمئنة.

وهي تمظهرات البنية الكاملة للمعادلة الوجودية التي تكون خاتمة هذا الاضطراب الوجداني وعيا بمعضلات الغايات الوجود التي لا مفر منها في حياتنا.

فلا من يدعي الإلحاد بمنأى عنها ولا خاصة مدعي الإيمان على حرف. وهما صورتا الإنسان اللتان يتعامل القرآن معهما دائما سعيا لإيصاله إلى السكينة.

كيف جمد أصحاب المواقف الثلاثة ممن يدعون التحديث أدواتهم المنهجية. في الماركسية الأمر بين فقد وضعوا فلسفة عقيمة بمؤسسات جنسية للدينية.

فالحزب ومرجعيته صار له دور الكنيسة المسيحية في القرون الوسطى: سلطة مطلقة تتكلم باسم أرباب الارض بدلا من رب السماء وماركس مسيحهم.

واتهام الموقف الاخرى بالإيديولوجية جعلهم يحولون إيديوليجتهم إلى لاهوت يحكم باسم الفلسفة المادية التاريخية التي لم تعد تقبل أي نقاش.

وكل من خرج عليها يعتبر منشقا أو مارقا مراجعا وصارت الخلافات بينهم من جنس المذاهب والطوائف الدينية بنفس منطق “التكفير” مع عقلية مطاردة السحرة.

وهزيمة الاشتراكية المزعومة-وهي أكثر حرمانا للمواطنين من الرأسمالية-علتها الوعود الزائفة فالحزب وعملاؤه اشد اضطهادا لهم من أصحاب راس المال.

أما العلمانية فقد اضطر اليعاقبة إلى اصطناع دين (دين روباس بيار) وبقي للمسيحية الدور الأول عند أهم نخب الدولة الذين ما زلات أسرهم محافظة.

ولم يتحقق شيء من قيم الثورة إلا في مستوى الشعارات لأن الأخوة والمساواة والحرية رغم المظاهر كلها أكاذيب لولا رفاهية نهب المستعمرات.

فمفهوم الأخوة والمساواة والحرية لاشرعية لها من دون كونيتها. أما أن يطبق بعضها في فرنسا ويطبق نقيضها في مستعمراتها فدليل خداعها وزيفها.

أما الليبرالية فهي “نحلة عيش” (مفهوم خلدوني) لا تتوفر إلا في مجتمع الوفرة الاستعمارية فيتوهم جل السكان من عيش “الترف” إدمان الغيبوبة الوجودية.

إنها غيبوبة وجودية بقبول أكاذيب الحلين السابقين: كنسية علنية في الاشتراكية وخفية (مافية) في الرأسمالية ونفي كونية القيم سعادة سلب الضعفاء.

والنتيجة هي العولمة التي يستسلم لها أدعياء التحديث من النخب العربية المنفعلة بها دون سلطان لهم عليها لأنها ما به يستعبدهم من وصفنا.

وهو ما يعني أنه لا يوجد حداثي عربي لم يسلم بأمرين يناقضان ما يدعيه: فالحداثة كما يدعون تحرير وتنوير ذاتيان ومن فهي أتونومي لمواطن بلد سيد.

وطنهم مفتت لا يملك شرطي السيادة (الرعاية والحماية) ويقبلون العيش في محميات يسمونها دولا متنازلين عن السيادة ليعيشوا ما يتوهمون أنه سعادة.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي