الباجي قائد السبسي، هل هو رئيس تونس بحق؟ أم هو دمية مافيتها؟

ه

لو لم يصرح الباجي بأنه ينوي ترك تونس في أيد أمينة لما كتبت هذه التغريدات.

ذلك أني لا أخفي أنـي قد خدعت في الباجي قائد السبسي حتى وإن كنت مؤيدا لعودته رغم انخداعي وأيا كان الظرف لعلل أعمق علتها أني لم أكن مؤيدا لرجوعه ورمزيتها لثقة فيه أو في من حوله-وهم معلومون لأن جبهة الانقاذ التي كونها كانت حثالة الحثالة بدليل ما نراه عليها من انفراط عقد وفساد لا نظير له- بل لغاية بعيدة.

فعودته ومعه من يمثلهم كما رأيناهم كانت ضرورية لختم عهدهم بالدليل الحي والقاطع أنهم لا يمكن أن يكونوا بحق خدما للوطن بل هم مستخدمون له منذ البداية وليس في العهدة الحالية فحسب كما يتبين من النتائج إذا قورنت تونس بمن يناظرها من الشعوب التي استقلت فعلا وصارت نموذجا يحتذى.

وها نحن نرى أن هذه العهدة تمثل موجزا لكل ما حدث في نصف قرن قبل الثورة يتكرر في عشره بعدها أي في السنوات الخمس التي حكم فيها الباجي. ومن ثم فخداعه لا يمنع من تأييد عودتهم لحسم أمرهم نهائيا بعد أن تبين في الموجز مكثفا ما فعلوه في نصف قرن. لكن انخداعي كان مضاعفا:

  1. فقد افترضت أنه يمكن أن يكون صادقا في توبة ممكنة. فقد بدا باعترافه بتزييف الانتخابات وكأنه تاب توبة نصوحا. ولما حكم قبل الانتخابات الأولى بدا وكأنه حريص على تطبيق برنامج تغيير النظام بدليل وصول العملية إلى غايتها أي الانتخابات مع كل ما حف بها.
  2. ظننت أنه كان واقعيا بعد الانتخابات الثانية لما قبل بنتائج الصندوق رغم ما حف بها فلم يذهب إلى ما كان يدعى إليه من الشروع في الاستئصال رغم علمي أنه لو كان قادرا عليه لفعل والعلة هي علمه بأن ما لم ينجح فيه لا بورقيبة ولا ابن علي لم يكن بوسعه النجاح فيه وهو في عمر لا يمكنه من المهلة الكافية لخوض المعركة.

ولا أخفي أيضا أني كنت أفضله على غيره إذ لم يكن أي من المتقدمين للرئاسية أهلا لقيادة البلد ولأني افترضت أنه قد يكون ممن يريد أن يختم حياته بشيء يذكره له التاريخ وأن سنه لا تسمح له بمغامرات يعلم أن بورقيبة وابن على فشلا فيها رغم ما كان لهما مما ليس له منه شيء. فليس له شرعية تاريخية مثل الأول ولا شرعية انقاذية مثل الثاني مع استحالة التكرار. وكان القصد من التسريع في عودتهم ختم طموحهم الرجوع بصورة نهائية.

لكن تبين أنه “كعرار” ولا يفهم ما يجري حقا. فهو لم يفهم بعد أن حلم العودة إلى العهد الماضي مستحيل لأن الأمر ليس محليا بل هو إقليمي وكوني والدليل شروع الجزائر في نفس المسار وهي التي ستحسمه إيجابا أو سلبا. ولذلك فحتى لو سلمنا بأن “حلف الأحزاب” الذي يعدونه حاليا يمكن أن ينتصر في الانتخابات فهو سيكون مضطرا للعب “كذبة” تمثيل الثورة ولن يستطيع العودة إلى ما كان عليه الأمر قبلها.

فلست أدري كيف يرى نفسه لو نظر في المرآة بعد خمسة سنوات من رئاسة تونس أنه فشل في كل ما أراد الكلام باسمه. فـحزبه تفتت وابنه من أخسر الساسة وهو لم يصدر إلا قرارين كلاهما دليل على الفساد والحمق: قرار الزطلة وقرار المصالحة. والإنجازان اللذان حققهما كلاهما سلبي تعطيل عمل الدولة مرتين بعزل رئيس الحكومة الأولى ومحاولة عزل رئيسها الثاني.

وما يظنه إنجازا أي اعادة “صنبة” بورقيبة ماديا ومحاولة استكمال “صنبته” رمزيا بخرافة المساواة في الارث من الحماقات التي لا يمكن أن تحسب لا في الحسنات ولا في السيئات لأنها إذا أقرت بجرة قلم فستلغى بمثلها. ذلك أنها لا علاقة لها لا بما تطلبه الشعوب ولا بما يمكن أن ينتسب إلى الإنجازات الكبرى.

هي “تكعرير” دالة على أن الرجل فعلا بلغ أرذل العمر ولا يزال متصابيا خلقيا وروحيا لكأنه نسي أن الحياة لها نهاية هي الموت وهي التي ترجع الناس إلى شاهد العقل. وأعلم أن السياسة حتى لو كانت تحتاج إلى “التبلعيط” فإنها لا تليق بمن تجاوز التسعين. والشيء الوحيد الذي يمكن أن أقول إني لم أخطئ فيه من حيث تحبيذي لعودة الجماعة الفاسدة إلى الحكم بأسرع وقت هو أن عودتهم أثبتت ما كنت انتظره:

  1. فهي أثبتت أنهم فعلا فسدة وعملاء لفرنسا ولحداثة سطحية يتصورونها دالة على التقدمية وهي دليل التبعية والنذالة الناتجة عن عقد النقص إزاء فرنسا وثقافة العلاقة بين المستعمر والانديجان.
  2. أن عودتهم السريعة هي نهايتهم لأنها تثبت أن “بعبوص الكلب يبقى أعوج حتى بعد أربعين سنة في قصبة”.

فـمـا حصل في هذه السنوات الخمس يمكن اعتباره قد جمع كل ما أنتجته سنوات حكمهم السابقة بمعنى أن كل مجاريهم فاضت-وأكبرها اعلامهم الدال على الحمق والسخافة لأنه انتهى إلى الانتحار إذ فقد كل فاعلية وتأثير خاصة ومن فيه لا يتفاضلون إلى في “البهامة” وضحالة الثقافة- لكأنهم واثقون من أن فرصتهم هذه هي الأخيرة. ويكفي أن ترى من اجتمع في حزب الرئيس وخاصة من أحاط بهم نفسه في القصر: فهم حثالة الحثالة. وكل من كان فيه شيء من المسؤولية غادره بعد تجريب العمل في مثل هذا المناخ الآسن.

ولو كان حقا جديرا بأن يكون رئيسا لبدأ فلم يعين في أهم مؤسسات الرئاسة-المركز الاستراتيجي- من استغل وزارته لينشئ في تونس “الذباب الإعلامي” وبشهادة زميله الذي تلاه في نفس الوزارة. فهذه جريمة مضاعفة:

  1. استعمال الإعلام الفاسد في الوزارة التي تمثل قيم التربية.
  2. واستغلال ميزانية الدولة في إفساد أهم مؤسساتها.

دون الكلام في الكثير مما لا يقل إجراما من ذلك حتى وإن لم تصدر حولها شهادات موثوقة مثل هذه.

ولم أكن اعلم أن من عينه في الحكومة الأولى بعيد الثورة هو رئيس المافية بتآمر مع الشابي-كما ذكر ذلك من كان في حكومته كاتب دولة للأمن الوطني ومن ثم فهي شهادة لا يمكن القدح فيها-وإلا لكان ينبغي أن يحاكم لهذه العلة. فمن لم يكتف بتزييف الانتخابات سابقا أضاف تزيف إرادة الشعب فقبل تعيين المافية له.

ومن ثم ينبغي أن يحاكم بسبب ذلك هو رئيس الجمهورية الذي عينه والذي هو من أكبر شهود الزور في الدولة التونسية لأن رئاسة لمجلس شهادة الزور -مجلس نواب ابن علي وليس نواب الشعب-هي التي جعلته يكون بعد هروب رئيس المافية يصبح رئيسا وكان أولى بأن يسجن بعد الثورة لهذه العلة بالذات.

ولا يمكن لمن حكم تونس بهذه الطريقة أن يكون ذا مصداقية أو أن يلجأ للقضاء للحسم في ما أقول هنا لأنه لو فعل لحقق الفرصة الذهبية لمحاسبته حقا ولتبين أن من يحيط بهم نفسه في القصر لم يخترهم لكفاءتهم أو لتمثيلهم التوجهات التونسية الفعلية حتى يشيروا عليه بما يجعله رئيس كل التونسيين بل هم يمثلون المافية التي عينته أولا وجعلته يصل إلى الرئاسة بما لها من إمكانات الكل يعلم طبيعتها.

وهذا يعني أن من افتك منه هذه المنزلة لدى “المعينين” لحكام تونس في الداخل والخارج هم الذين رشحوه بديلا منه. لكنه لم يفهم أنهم قد وجدوا دمية أكثر قدرة على خدمة مصالحهم منه. وأنه خسر المعركة ولم يحدد مصدر هزيمته فيدعي أنه ينوي ترك تونس في أيد أمينة: وهذه الأيدي الأمينة طبعا ليست أمانتها لتونس بل لمن عينهم بديلا منه لو كان يدري.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي