لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الانسان هو رؤيته لمنزلته الوجودية
وصلنا الآن في الفصل الخامس والاخير من المحاولة إلى بيت القصيد: منزلة الإنسان في الإسلام بمنظور يضع بين قوسين الإيمان وعدمه بطبيعة القرآن وحيا كانت أو من تأليف الرسول كما يرى العلماني وخاصة إذا جمع بين العلمانية والإلحاد. فهذه المنزلة عجيبة ولا مثيل لها في الاديان المعلومة.
وأكثر: فلا مثيل لها حتى في الفلسفات المعلومة. فإذا تصورنا النوع الثاني من المخلوقات التي يعتبرها القرآن لم تخلق إلى للعبادة أي الملائكة (الجن) هي أسمى الموجودات ونظائر المثل في التصور الافلاطوني كان أمرها بالسجود لآدم تفضيلا له عنها والدليل عصيان رمز الفتوة (بعض المتصوفة).
ولكن عندما نتابع كلام القرآن في الإنسان فإن ما يوصف به يمكن اعتباره نفيا لكل الفضائل وإثباتا لكل الرذائل في الإنسان حتى ولو أشفع ذلك بمن يقع استثناؤهم (العصر). فكيف نفهم هذا التقابل التام بين الرفع والحط من منزلة الإنسان في القرآن التي لا مثيل لها في أي دين من الأديان؟
لكن ما يحيرني أكثر من ذلك كله عبارة قد لا يوليها أحد ما تستحق من العناية: عبارة رضي الله عنهم ورضوا عنه. الكلام عن رضا الإنسان على الله يحيرني. وخاصة في صيغتها المتناظرة في الاتجاهين لكأن العلاقة بين القطبين علاقة ندية. أن يرضى المستخلف على الخليفة أفهمها أما عكسها فهي ما يحيرني.
وهي أيضا ما جعل علم الكلام المسيحي وخاصة في المدرسة الإصلاحية تعتبر ذلك دليلا على أن الإسلام ليس دينا بل هو فلسفة عقلية من وضع الإٌنسان. فالندية واعتبار الحساب والعقاب رهن الأعمال يعتبر عند مصلح المسيحية في بداية القرن السادس عشر نفيا للطف الإلهي الذي يرضى عمن يشاء ويغضب ممن يشاء.
وهذه العبارة موجودة في القرآن لكنها تفهم بمعنى ما يبدو للإنسان لعدم اطلاعه على السرائر لكن العدل الإلهي ليس تحكميا بل هو عامل بما يعلمه من السرائر وإن بدا لمن يكتفي بالظاهر وكأنه فيه تحكم يعتبره النافون لدور أفعال الأنسان في الجزاء علامة على الالوهية والدين الحقيقي.
والله يقول في القرآن بهذه الندية في مجال العدل إذ هو يكتب على نفسه ما يكتبه على عباده ومن ثم فالندية ليست في شروط الخالقية بل في شروط الآمرية. وقد سبق فبينت أن نموذج العلاقة بين الذاتين في القرآن سياسية وليس بايولوجية كما في المسيحية: علاقة مستخلف بخليفة وليس اب بابن.
وإذن فهي علاقة تهم أمرين هما بعدا السياسة: الحكم والتربية أو ان شئنا شروط الاستعمار في الارض وشروط الاستخلاف فيها والأول سياسي خالص ويتعلق بالشرائع والثاني خلقي خالص ويتعلق بما يجعل الشرائع تحقق القيم التي يرضى عنها الله ويأمر بها خليفته في سياسة ذاته والعالم.
فلو كان الله هو المشرع للإنسان وليس المشرع لشروط التشريع الذي كلف به الخليفة نيابة عن المستخلف لكان الخليفة دمية وليس ذاتا حرة: الإنسان لا يحاسب على العمل إلا ببعديه أي بوصفه ثمرة اجتهاده (النظر المؤسس للعمل) وجهاده (العمل المحقق للنظر). والا فلا معنى للكلام على السرائر.
السرائر والنية شرطين لصدق العمل الذي علامة تحرره من النفاق هو المطابقة بين ما في الأذهان وما في الاعيان من أعمال الأنسان. وما في الأذهان هو ثمرة الاجتهاد والنظر ونتيجته صدق العقد. وما في الأعيان هو ثمرة الجهاد والعمل ونتيجته صدق الشرع. وصدق الشرع هو العمل بشرع الشرع.
فلـ”مفهوم الخلافة” ثلاث دلالات:
خاصية شاملة للإنسان من حيث هو إنسان بوصفها منزلة وجودية.
خاصية من يطبق شروط الاهلية لهذه المنزلة (من يستخلفهم الله في ارث الأرض بمعايير التشريع التي وصفت).