الاقتصاد الشامل أو في شروط قيام الجماعة والدولة وبقائهما – الفصل الثاني

ه

لعل وجود قصة العجل بين العلاقة بفرعون وبموسى إشارة بينة لبنية توظيف أداتين هما:
1-معدنه الذي يجعل العملة التي هي رمز قيمة العمل والشرع
إذ تتحول من أداة تبادل بين البشر إلى أداة سلطان عليهم.
2-وخواره الذي يجعل الكلمة التي هي رمز قيمة النظر والعقد
إذ يتحول من أداة تواصل بين البشر إلى أداة سلطان عليهم.

لما فهمت هذه العملية واعتبرتها ترميزا قرآنيا لنوعي الربا
▪︎ ربا الأموال
▪︎ وربا الأقوال
استعملتها مفتاحا
أفسر به البنية العميقة
لنوعي الدولة عندما تفسد وتصبح مستبدة:
1-الدولة ذات النظام الانثربوقراطي المحرف
الذي يمثله تحريف النظام الفرعوني
بسبب نصائح يوسف التوراتي.
2-والدولة ذات النظام الثيوقراطي
الذي يمثله تحريف النظام الموسوي
بسبب وثنية السومري التي ألهت العجل
(تقليدا لنظام فرعون ورمزه العجل).

وبقي علي أن أفهم
¤ العملية الاقتصادية التي تحول
ما كان مجرد أداة للتبادل (العملة)
¤ والعملية الثقافية التي تحول
ما كان مجرد أداة للتواصل (الكلمة).
تحولانهما إلى أداتي سلطان
– على المتبادلين (عبادة صاحب ربا الأموال)
– وعلى المتواصلين (عبادة صاحب ربا الأقوال).

فاكتشفت مفهوم
الإرهاب المادي
والإرهاب المعنوي
اللطيفين.
أعني نوع تأسيس نوعي العنف اللطيف في السياسية
العنف الذي يحقق ما يغني عن استعمال السلاح للاستحواذ على رزقي الإنسان المادي والروحي اللذين هما ثمرة عمله وإبداعه خلال عملية التبادل والتواصل:
1-والأول هو الوصاية في علاقة الإنسان بشأنه.
2-والثاني هو الوساطة في علاقة الإنسان بربه.

ولكل منهما درجتان:
فالوصاية هي الإرهاب المادي اللطيف بنوعيه:
1-إرهاب مادي مباشر
لفرض ما لا يكفي فيه المال من صاحب السلطة التي يمكن المال منها
باستعمال قوة الدولة التي تسمى العنف الشرعي
بقوانين ظالمة تضفي على عملها طابع الشرعية.
وحتى تتمكن من ذلك
فإنها تستعمل غطاء الارهاب غير المباشر
الذي يؤدي وظيفتين.
جرائم تلصق بالمظلومين
• لتأديبهم
• وفرض ما يراد منهم بالعنف.
2-وهذا هو الإرهاب المادي غير المباشر
لإخفاء استعمال قوة الدولة وتبريره.
وذلك بتكوين مافيات مليشاوية توظف لهذا الغرض مثل
– البلطجية في مصر
– أو الشبيحة في سوريا
– أو ما يسمى بالحرس الثوري في إيران.

ولا يوجد بلد يحكمه الاستبداد والفساد ليس له هذا النوع من مليشيات الإرهاب في خدمة أصحاب السلطة الذين يحكمون بالمال واستعمال بعضه لتاجيرهم.

ويخطئ من يتصور هذين الظاهرتين خاصتين بالمجتمعات المستعمرة وحدها.
بل إن كل الدول تعمل به
حتى وإن لم تسم هذين النوعين من الإرهاب اللطيف إرهابا
فتضمه لما تسميه جرائم الحق العام.
وهذا بين في المجتمعات الغربية حاليا ضد الطبقات الدنيا.
إذ هو حيلة لإخفاء
عنصرية ووصاية الأقوياء وهم هنا البيض
على الضعفاء وهم هنا كل من عداهم.

لكن ذلك له أشكال سابقة حتى بين نفس الجماعة
لأن طبقاتها العليا
لا تصبح ولا تبقى عليا إلا بهذا النوع من استعمال القانون
لتثبيت التمايز الذي يتمثل في أخذ
أرزاق الناس
وثمرة عملهم
بالقانون الظالم
وخاصة بالأداتين اللتين تنقلبان
من أداتي تبادل وتواصل
إلى أداتي:
1-سلطان على المتبادلين بالعملة التي تصبح ربا الأموال.
فتؤسس للوصاية أو السلطة السياسية في الحكم
إما بالحق الإلهي المزعوم
أو بحق الإنسان الموهوم.
2-سلطان على المتواصلين بالكلمة التي تصبح ربا الأقوال.
لتأسيس الوساطة أو السلطة الروحية في التربية
التي تحرف الدين
فتجعله أداة استعباد بدلا من كونه أداة تحرير.

وتلك هي الوصية والوساطة
مصدر نوعي ارهاب الدولة اللطيف:
1-الارهاب اللطيف المباشر.
وهو ما يفرض على التربية والثقافة الرسميتين
وخاصة الاعلام الرسمي.
وهو من جنس الإرهاب المادي المباشر.
بمعنى أنه مقنن.
فيبدو خيارات شرعية للدولة
لكنها دولة مستبدة وفاسدة
ومن ثم فكل ما تقرره
هو لتوطيد الاستبداد والفساد
باسم الشرعية القانونية الرسمية.
والهدف هو تحريف الذهنيات بالتربية والحكم.
يعتبر ابن خلدون ذلك علة فساد معاني الإنسانية
بمعنى إفساد
* النظر والعقد ومعه الاجتهاد الفكري
* والعمل والشرع ومعه الجهاد العلمي
شرطي كرامة الإنسان وحريته.
2-الإرهاب اللطيف غير المباشر.
وله مثل الإرهاب المادي غير المباشر مليشيات.
وقد سميتها مليشيات القلم.
وسميت الأولى مليشيات السيف.
ومليشيات القلم هي التي
تفسد النظر والعقد والعمل والشرع في الأعيان بعد الأذهان
بالسلوك الذي يحول الأول إلى ممارسات ثقافية في المجتمع بإفساد كل المعتقدات وكل الرؤى وكل الأعمال وكل الشرائع.

ويمكن القول إن كل البلاد العربية اليوم هي في هذه الحال.

وحتى أحدد الوصف الشرعي والقانوني فإن
▪︎ الإرهابين المادي والرمزي المباشرين
بواسطة أجهزة الدولة ومؤسساتها
هما الحرابة العامة.
رغم أن المحاربين هم المربون والحكام.
▪︎ والارهابان المادي والرمزي غير المباشرين
هما الحرابة الخاصة اعني
التي يكلف بها البلاطجة والشبيحة والمليشيات
التي ينتدبها النوع المباشر لتكون الأيدي المنفذة.

وهذا القانون
– داخلي في كل دولة
– وخارجي بين الدول.
وهو في آن
– قانون يخص السياسية الداخلية
– وقانون يخص السياسية الدولية.

ذلك أن نسبة الأقوياء إلى الضعفاء
– توجد في كل دولة
– وتوجد بين الدول.

وقد يكون القانونان قد كانا مفصولين قبل العولمة.
لكنهما صارا متداخلين.
لأن أقوياء الدول الضعيفة ضعفاء أمام أقوياء الدولة القوية.

وهو قانون كان موجودا دائما.
لكنه لم يكن شاملا للمعمورة كلها من حيث هي واحدة.
بل كان مقصورا على الاجوار في كل أقليم منفصل عما عداه من الأقاليم.

وكلتا الحرابتين تتضمن جريمين:
1-الأولى السرقة المقننة عند المباشرين و السرقة غير المقننة عند اللامباشرين حتى تخفي الأولى بدعوى مكافحتها. ومعنى ذلك أن اضفاء المصداقية على القوانين التي تنظم السرقات الكبرى يقتضي تطبيقه على السرقات الصغرى.
2-العدوان المسلح على صاحب الشيء المسروق أي الشعب إما بقوة الدولة أو بقوة المليشيات سواء
كان قوة مادية بالنسبة إلى مليشيات السيف
أو قوة رمزية بالنسبة إلى مليشيات القلم.

لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد
على الأقل في الدول التي هي محميات
مثل دولنا العربية
لأنها عديمة السيادة.
فنفس هذه الأصناف الأربعة من العنف
توجد على مستوى أرقى
وهو شبه عالمي
لأنه يوجد وراء الحكام ومليشياتهم
بحكام ومليشياتهم كذلك.

فيتضاعف الاستبداد والفساد خمس مرات:
1-في المباشر من الارهابين في المحميات.
2-في المستوى غير المباشر منهما في المحميات.
3-في المستوى المباشر فوق المستوى المباشر في المحميات.
4-في المستوى غير المباشر فوق المستوى غير المباشر في المحميات.
5-وأصلها جميعا هو عولمة الإجرام العالمي بالأداتين أي
عولمة العملة ذات السلطان على المتبادلين
وعولمة الكلمة ذات السلطان على المتواصلين
ومن أجلهما
لكونهما هما
أداة السلطة
وأداة المحافظة عليها
وهما
غاية السلطة
وغاية المحافظة عليها.

وكل محاولة لطلب العلاج من
القضاء على السلطة (الديموقراطية الشعبية الحل الماركسي)
أو جعلها قاعدية (الديموقراطية المباشرة الحل الفوضوي)
لا تجدي نفعا
لأن ذلك يؤدي إلى
مضاعفة الطلب على أداتي السلطة
ومضاعفة فاعليتهما
بحيث يصبح المجتمع كله مبنيا على
الاستبداد والفساد المتراتبين بمنطق العلاقة بين الأقوى والاضعف
والترهيب المتبادل حتى في الأسرة الواحدة.

ما الحل إذن؟
هل يمكن الاكتفاء بالمقايضة في التبادل؟
هل يمكن الاكتفاء بالإشارة في التواصل؟

حتى لو فرضنا ذلك ممكنا – وهو غير ممكن –
فإن المقايضة والإشارة
قابلتان لأن تصبحا هما بدورهما أداتي سلطة كذلك:
1- لأن الغش في المقايضة التبادلية مضاعف:
غش في نوعية المنتج
وغش التطفيف الكمي كيلا واكتيالا.
2-ولأن الغش في المقايضة الإشارية مضاعف:
غش النفاق أو التقية
وغش التطفيف الكيفي بثا وتلقيا.

ولا يمنع ذلك من تعويض سلطان العملة على المتبادلين بسلطان الاحتكار عند القادرين على تجميع البضائع الضرورية للمائدة والسرير وفنيهما.
ولا يمنع ذلك من تعويض سلطان الكلمة على المتواصلين بسلطان الاحتكار عند القادرين على تجميع الخدمات التواصلية لشرطي المائدة والسرير وشرطي فنيهما أعني الخبرة في النظر والعقد والخبرة في العمل والشرع.

وهذا يوصلنا إلى بداية الحل.
فمشكل الاحتكارين هو المنطلق
بمعنى أن وظيفة الدولة من حيث هي صاحبة القوامة الشرعية أي التي اختارها الشعب لتسهر على:
1-حرية التبادل في ما يسد حاجات المائدة والسرير وحاجات فنيهما
ومنع الاحتكار وتغول الأوصياء عليهما.
2-حرية التواصل في ما يسد حاجات النظر والعقد والعمل والشرع
ومنع الاحتكار وتغول الوسطاء فيهما.

والوظيفة الأولى
هي جوهر الغاية من حرية التبادل والملكية الخاصة للثروة المادية لمنتجيها
أو حقوق الابداع الاقتصادي والثقافي.

والوظيفة الثانية
هي جوهر الغاية من حرية التواصل والملكية الخاصة للثروة الرمزية
أو حقوق الإبداع الفكري والعلمي والتقني.

لكن المجتمع لا يقتصر أهله على المنتجين في المجالين
بل يوجد من لا ينتج وهو مستهلك مثله مثل المنتجين.
وينقسمون هم بدورهم إلى نوعين:
1-نوع المشاركين في الخدمات التي تنتسب إلى الجماعة.
وهم يتوسطون بين المنتجين للثروتين والمستهلكين. وهؤلاء هم من يمكن أن يكون عمله عسير التقدير.
وقد يكون أصلا لكل فساد.
بل لعله هو الأصل الأساسي للفساد.
وهذا هو المستوى الذي
يفسد التبادل المادي
ويفسد التواصل المعنوي
ويفسد الاول بالثاني والثاني بالاول
ويجمع أصل أنواع الفساد.
وهو دين العجل
أي إن الأداتين تتغير طبيعتهما
من أداتي تبادل وتواصل
إلى أداتي سلطان على المتبادلين والمتواصلين
يستبد به صاحبهما.
وتلك هي علة سلطان أصحاب البنك والإعلام والملاهي.
2-نوع المشاركين في الخدمات التي تنتسب إلى الدولة.
أو ما يسمى بالإدارة
وهم يتوسطون بين المواطنين
في علاقاتهم القانونية
من حيث الالتزامات والحقوق
ومن حيث التظالم والاحتكام إلى مؤسسات الدولة
للتحكيم بالتراضي أو بالتخاصم.
وهذا هو المستوى الذي يفسد التواصل
فيفسد التبادل
إذ هو يحول القانون
الذي وظيفته حماية الحقوق والعقود الالتزامات
إلى نظام من التحيل عليها
لصالح من بيدهم سلطان القانون والإدارة تشريعا وقضاء وتنفيذا.
فيتبين في الأخير أن الوسطاء في التبادل والتواصل يصبحون أوصياء.
ومن هنا تأتي سلطتهم التي تغير أداة التبادل وأداة التواصل
فتجعلهما أداتي سلطة على المتبادلين والمتواصلين
في حين أنها لا دخل لها في الانتاجين
بل هي مجرد وسطاء بينهم وبين المتسهلكين.
ويمكن أن نقول إن الأولين
هم الأوصياء على المائدة والسرير وفنيهما
أو أوصياء القيام المادي للجماعة أو الاقتصاد
وإن الثانين هم الأوصياء على النظر والعقد والعمل والشرع
أو أوصياء على القيام الروحي للجماعة أو الثقافة.

ووراء هؤلاء
نجد النخبة الحاكمة والمعارضة
ولها مليشيات السيف.
ونجد النخبة المربية والمعارضة
ولها مليشيات القلم.

وكلاهما في خدمة النخبة الحاكمة والمعارضة التي هي مافيات الاستبداد والفساد في كل المجتمعات الإنسانية.
وكل من يحاول تقويم ذلك إذا لم يقع باغراء المال والمنزلة فهو يقع بعنف المال والمنزلة.

ولهذه العلة فإن العلاج الوحيد الممكن هو التخلص
من ربا الأموال
ومن ربا الأقوال
أي من بعدي العجل.
وهذه هي أعسر مهمة حاول القرآن علاجها ووصفها جنائيا بأقوى وصف.
لأنه قال إن الله أعلن الحرب على ربا الأموال ويمقت أشد مقت ربا الأقوال.

لكن العلاج ممكن كما بينت إذا جعلنا الادخار
بيد اصحاب الملكية المادية الخاصة للثروة المادية
وبيد اصحاب الملكية الاعتبارية الخاصة للثروة الرمزية
وإذا تكفل الضمان الاجتماعي بإعالة العاجزين لعلل دائمة (مثل الاعاقات) أو لعلل مؤقتة (مثل البطالة واليتم قبل الرشد) حتى لا يستغلوا.
إذ إن غالب المليشيات تنتدب من المحتاجين إلى ما تطلبه المائدة والسرير.
علما وأن ذلك لا يكفي لأن هذين المجالين لا يشبعان.
إذ إن من يسد الحاجة الدنيا يطمع في ما هو أرفع حتى يصل إلى الترف في فنيهما.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي