الاقتصاد الشامل أو في شروط قيام الجماعة والدولة وبقائهما – الفصل الثالث

ه

يأتي في ترتيب المسائل المعكوس ما تعلق به منها الباب الرابع الذي ينطلق من إشكالية سد الحاجات.
ففي خلاله تتحدد مسألة القيم التي هي اضافية إلى حاجات الإنسان وبتراتبها تتراتب.
إذ حاجات الإنسان هي عين شروط قيامه وبقائه.
ومن ثم فقيمه ذات سلم يكون دائما رهن هذه الحاجات وسلمها.

وهي تقبل التحديد التالي الذي استعملت فيه معنيين دالين عليها هما معنى حاجة المائدة ومعنى حاجة السرير:
1-فحاجة المائدة تشير إلى كل ما يقيم البدن وما يصحبه من لذائذ.
وقد تكون مطلوبة لذاتها وليس من أجل قيام البدن.
2-حاجة السرير تشير إلى كل ما يقيم النوع وكل ما يصحبه من لذائذ.
وقد تكون مطلوبة لذاتها وليس من أجل المحافظة على النوع.

ثم أشرت إلى
– ما يترتب على حاجة المائدة ما هو أهم عند الإنسان
وهو فن المائدة
– وما يترتب على حاجة السرير ما هو أهم عنده
وهو فن السرير.

ولعل هذا هو بداية بروز المميز الأساسي للإنسان على غيره من الحيوان.
فهذان الفنان هما جوهر الحيز الذي يعتبره ابن خلدون مجال البعد الثاني من عمله الجديد أي “الأنس بالعشير”.
▪︎فالبعد الأول أو “العمران البشري” هو لسد الحاجات.
▪︎والبعد الثاني أو “الاجتماع الإنساني” هو للأنس بالعشير.

ومن ثمة نصل إلى:

3-حاجة فن المائدة.
وهي تشير إلى ما يجعل الغذاء ينتقل من وظيفته العضوية إلى متعته الذوقية المقدمة على سد الحاجة العضوية.

4-وحاجة فن السرير.
وهي تشير إلى ما يجعل الجنس ينتقل من وظيفته النوعية إلى متعته الذوقية المقدم على سد الحاجة العضوية.

ويقتضي ذلك أن يبدأ هذا الفن بنظام المكان والزمان الذي هو حيز “الأنس بالعشير”.
بل هو أصل الأنس وحتى أصل العشير.
إذ العشرة هي ما يتكون من ود ورحمة في اللقاء الثابت في المكان خلال الزمان.
ذلك أن اللقاء الحميم لا يكون إلا
حول المائدة وعليها
وحول السرير وعليه.

5-وتلك هي علة نظام الفضاءين المكاني و الزماني في كل الجماعات شرطين للعيش المشترك السلمي أو التآنس.
ويمكن أن يعتبر العلة الغائية لكل إنتاج مادي وروحي ولتراتب
* القيم الاقتصادية لقيام البدن
* والقيم الروحية لقيام الروح.

وقد اخترت هذه التسميات بمنطق الاستعارة والكناية في آن :
1-فالقصد بالمائدة هو
كل ما يتعلق بسد الحاجات الغذائية أساسا بكل مقومات الغذاء.
2-والقصد بالسرير هو
كل ما يتعلق بسد الحاجات الجنسية بكل مقومات الجنس.
3-والقصد بفن المائدة هو
كل ما يتعلق بما فوق المائدة وبما يحيط بها أي بالمكان والزمان وما يؤثثهما ويحفظهما.
4-والقصد بفن السرير هو
كل ما يتعلق بما فوق السرير وبما يحيط به أي الزمان والمكان وما يؤثثهما ويحفظهما.
5-فيكون نظام الفضاءين أي
تقسيم المكان بين الخاص والعام
وتقسيم الزمان بما هو للعمل الموزع على افارد الجماعة شرطا في التعاون والتبادل والتعاوض.
وهو ما تحاول الجماعة جعله عادلا بوضع أنظمة تحسم الخلافات حول ثمراته.
أي العمل المنتج لما هو ضروري لسد الحاجات و للأنس بالعشير بلغة ابن خلدون قبل الكمالي والترفي.
وهما ملازمان للمائدة وفنها وللسرير وفنه.

وهذه المعاني هي التي تحدد صعود الحضارات ونزولها.
بل هي أهم ما في الحضارات.
لأن ما عداها ليس علة غائية بل هو علة أداتية إن صح التعبير.
وهي إذن معان ومفهومات تمثل العلل الفاعلة والعلل الغائية التي تحدد هذه العلاقة بين نوعي القيم.

ويمكن اعتبار الحد الفاصل بين نوعي القيم
* القيم التي تقبل الاستعمال والتبادل لأنها مادية
* والقيم التي لا تقبله لأنها روحية وأسمى من المادية
في كل الجماعات رغم الاختلاف في تحديدها.
يمكن اعتبارها الحد الفاصل بين الحرية والعبودية.
لأنها الحد الفاصل بين منزلة الإنسان الذي يميز بين ما يقبل الاستعمال والتبادل وما لا يقبله أو بين
* القيم المادية إن صح التعبير
* والقيم الروحية التي تعين معنى الحرية والكرامة في الجماعة.

وهذا ما جعلني أبين التناقض الماركسي في تفسير التاريخ.
إذ هو في آن يطلب الغايات الإنسانية بوصفها محرك الثورة أعني غاية الحرية وغاية الكرامة.
لكنه يعلله بتقديم الصراع على الأدوات.
▪︎لكأن حيازتها تكفي لإزالة الصراع.
▪︎ولكأن حيازتها لها حد لا تتجاوزه.
فإذا بلغت إليه يتوقف القانون الذي ينبي عليه – اتباعا لهيجل – عن العمل أعني القانون الجدلي.

وانعدام الحد الذي يمكن أن تتوقف عنده مطالب الإنسان من الحاجية إلى الكمالية إلى الترفية مع ما يثبته التاريخ يلغي كل مصداقية لتفسير التاريخ تفسيرا ماديا ولاعتماد المنطق الجدلي في فهمه.

فحيازتها بالثورة يؤدي دائما إلى نفس الاحتكار حتى وإن تغير المحتكر إذ يصبح من كانوا قد ثاروا ضده.
ما يعني أن المشكل أعمق من أن يكون قضية قابلة للحسم بازالة الطبقية أو بافتكاك السلطة.
بل هي علاقة بين
– الحاجات اللامتناهية
– وإمكانات سدها المتناهية
أيا كان النظام.

ومن ثم فكلما سيطرت جماعة انتقلت من الإنتاج إلى تسخير المنتجين بما يحصل لها من سلطة عليهم.
لذلك
1-فرغم أن الماركسية ذات صلة وطيدة بالهيجلية
فإنها
تبدو مختلفة عنها بما قد تؤول إليه من نفي لهذا الفارق بين القيم الغائية والقيم الأداتية
رغم أنها تجعل الأولى غايتها في تأسيس ثورتها.
وذلك لان غايتها ليست مضمونة.
إذ هي لم تتجاوز الوعود بأهداف تبين أن مآلها هو نقيض الوعود.
وليس لذلك مرد حتى وإن حاول من يدعون الثورة فرض ذلك بعنف الدولة.
وهو ما جعل المجتمعات التي حاولت تطبيق هذه السياسة تنتهي إلى الادقاع والافلاس.
ما جعل الحكم الأمريكي يصبح ذا اغراء مطلق وهو سر سقوط السوفيات.
2-ورغم أن الهيجلية تبدو ذات صلة بالماركسية
فإنها
تنطلق بعكسها من الغايات الماركسية
وتنتهي إلى النهايات الماركسية
لمجرد كونها
تنفي وجود ما يتعالى على الموجود
فتنفي المنشود برده إلى الموجود
من خلال الزعم بأنه
التاريخ
وهو الحكم النهائي
وفيه كل ما تنطلق منه بوصفه محركا للتاريخ مآله الحل الماركسي الذي فشل فشلا ذريعا.

وبذلك
فما كان علة فاعلة في البداية عند هيجل
صار علة الغاية عند ماركس.
وتبين أنه في الحالتين
دعوى كاذبة فعلا وغاية
إذا قبلنا بالأساسين المعرفي والقيمي النافيين لما يتعالى على الموجود وتوهم العالم مكتفيا بنفسه ولا حاجة له بما يتعالى عليه.
1-فالأساس المعرفي القائل بالمطابقة بين المعلوم والموجود
ينتهي إلى إطلاق النسبي المعرفي.
ومن ثم
– رد الوجود إلى الإدراك
– ونفي ما ورائه
فتصبح القيم الغائية مردودة إلى الموجود
لأنها تفقد ما يحدد المنشود.
2-والأساس القيمي القائل بالمطابقة بين المعمول والمنشود
ينتهي إلى إطلاق النسبي القيمي
ومن ثم
– رد المنشود إلى الانجاز
– ونفي ما ورائه
فيكون المنشود ليس تحسين الموجود بل استعماله ليكون أساس سلطة على احتكاره.

والردان يترتب عليهما ما عليه الأمر من أن حاجات المائدة الغذائية والسرير الجنسية يجعل حاجاتهما الروحية من جنسهما.
فتنقلب العلاقة بين الأمرين.
ويصبح الروحي تابعا للمادي.
ويزول الفارق بين نوعي القيم بحيث
يصبح البدن والروح كلاهما بضاعة تباع وتشترى
▪︎فيخضع كل شيء للقيمتين الاقتصاديتين
▪︎وتزول القيمتان الروحيتان.

وعندئذ يصبح الإنسان نفسه أداة وليس غاية.
ولا يبقى فرق بين
– قيمة الاستعمال وقيمة التبادل من جهة
– وقيمة علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالله من جهة ثانية.

وبذلك يتأسس دين العجل نتيجة حتمية للقول بالماركسية والهيجلية
1- فسلطان العملة أو رمز الفعل هو
أساس رد كل القيم إلى القيمتين الاقتصاديتين.
2- وسلطان الكلمة أو فعل الرمز هو
أساس تبرير هذا الرد بما تروج له الفلسفتان من تحييث للمتعالي في المتداني.

إذ رد ما بعد الطبيعة إلى الطبيعة
ورد ما بعد التاريخ إلى التاريخ
ليسا شيئا آخر غير
رد الوجود إلى الإدراك بلغة ابن خلدون بدعوى المطابقة بين المعرفة وموضوعها
ورد المنشود إلى المعمول بدعوى المطابقة بين التقييم الذاتي وقيمة الأشياء في ذاتها.

وإذن فكلتا الرؤيتين تقولان بوحدة الوجود
* أولاهما تقول بوحدة الوجود المذوتة أي الروحانية بما يسميه المصاحلة (حلول الرب في العالم ومن ثم فقدانه كل حاجة لما يتعالى عليه) كما دعا هيجل إلى ذلك في نقده لسبينوزا
* والثانية تعود إلى وحدة الوجود المجوهره كما يقول سبينوزا أي الطبعانية.

خلال اكتشاف المسائل التي نعتبرها فروع الاقتصاد الأشمل كما أشرنا إلى ذلك في المسالة الخامسة من المحاولة -بالترتيب المعكوس- درسنا الطريقة:
1- التي تتنقل بسببها العملة أو رمز الفعل
من كونها أداة تبادل
إلى أداة سلطة على المتبادلين.
2- والتي تتنقل بسببها الكلمة أو فعل الرمز
من كونها أداة تواصل
إلى أداة سلطة على المتواصلين.

فبينا في الفصل الأول والثاني
أن ذلك ليس قضاء وقدرا
وأنه يمكن التحرر منه بمجرد
رد دور العملة إلى الادخار الذاتي لكل بعد من أبعاد العملية الإنتاجية في شكل تعويض الكلفة المسبق
بدلا من تعويضها اللاحق(الامورتيسمون)
وتقسيم هذا التعويض إلى نوعين ضروريين
أولهما يمكن أن نسميه التعويض الجزئي للموجود
والثاني التعويض الكلي للمنشود.

وكلاهما ضروري لقيام الجماعة المتحررة من تحول أداة التبادل إلى أداة سلطان على المتبادلين:
1-التعويض الجزئي المسبق لكلفة التجهيز الموجود بما يناظره من الموجود أو مما يتوقع وجوده في هذه الحالة يصبح جزءا من كلفة المنتج.
وهو أذن ادخار مشروع ولا ربا فيه.
لأنه يعود على العملية الإنتاجية بوصفه جزءا من ربحها المدخر ليحفظ تواصلها.
2-التعويض الكلي المسبق لكلفة التجهيز المنشود بما يناظره من متوقع اضافته للموجود حتى يتواصل في أحوال وظرفيات جديدة تحيط بحياة الجماعة داخليا وخارجيا.
وهو بالأساس البحث العلمي المتعلق بالتجهيز وبالثروات المطلوبة لسد الحاجات المتوقعة في المجال.

وما قلناه عن العملة يمكن قول مثله عن الكلمة.
فالموجود يحتاج إلى التعويض الجزئي بما يناظره حتى يتواصل.
وهو الإنتاج الفكري الذي يواصل حياة الموجود حتى لا ينقطع تراكمه مثلما رأينا في ضرورته لئلا ينقطع تراكم الثروة.
لكن الموجود يتضمن دائما ما يشير إلى حاجته إلى المنشود حتى يتجدد.
وذلك هو التعويض الكلي الذي لا يخص حاجة معينة على التحديد
بل هو شبه ادخار شامل لكل ما يمكن أن يطرأ في مجال الإبداع الفكري المتعلق بالتجهيز الذي قد لا يكون له وجود.
لكنه متوقع خاصة والتنافس بين الشعوب على الثروة والتراث لا يتوقف.

والمعلوم أن ما بين الحاجات من علاقات يناظره ما بين أدوات سدها من علاقات.

فكل عمل فكري مثله مثل أي إنتاج اقتصادي يعتمد على ما يحتاج إليه من الإنتاج الفكري مثل الاقتصادي الذي هو من شروطه.
ويكون عادة مما هو دونه ومما هو فوقه.

وكل إنتاج فكري أو اقتصادي يغتذي مما هو دونه ومما هو فوقه في سلسلة الإنتاج المتراتبة بتراتب المكونات.
ولذلك فدونه وفوقه لا يدل أي منهما على منزلة تعييرية بل هو دال على علاقة المكونات الضرورية للإنتاج.
فالأبسط منها نسيمه دونه والأعقد نسميه فوقه.

والآن يمكنني أن أحدد الحاجات في المجالين المتعلقين
بالعملة أو رمز الفعل
وبالكلمة أو فعل الرمز
بدأ بتحديد طبيعة التحول
من كونهما أداتي تبادل وتواصل
إلى صيرورتهما أداتي سلطان على المتبادلين والمتواصلين.

وهو ما يعني تحديد نوعي القيم
* القيم التي تتعلق بسد الحاجات المادية
* والقيم التي تتعلق بسد القيم الروحية.

وكلا النوعين من القيم مضاعف:
1-فالقيم التي تتعلق بسد الحاجات المادية مضاعفة.
وهي قيمة الاستعمال
وقيمة التبادل.
وهما لا تحتاجان إلى تعريف لفرط شهرتهما.
2-والقيم التي تتعلق بسد الحاجات الروحية مضاعفة.
وهي قيمة الفنين أي علاقة الإنسان بالإنسان في المائدة وفي السرير
وقيمة ما وراء الوجودين العضوي والروحي للإنسان أي قيمة كيان الإنسان العضوي وقيمة كيانه الروحي.

وهذان النوعان من القيم هما ما يمكن يعرف بأنه نقيض القيم التي تتعلق بسد الحاجات المادية المضاعفة.
فهما ليسا للاستعمال وليسا للتبادل.
لكن تحول العملة والكلمة إلى سلطانين بدلا من بقائهما أداتين هو الذي يمكن أن يزيل هذا الفرق عندما يجعل الإنسان محتاجا إلى جعل بدنه وروحه مادة للتبادل والتواصل الموصل إلى هذا الجعل.
فيفقد الإنسان منزلة الغاية.
ويصبح أداة بضاعية أو خدمية.

ولذلك فكل الإشكال القيمي هو تحديد الحد الفاصل بين هذين النوعين المضاعفين أي
ما ينتسب منهما إلى الاقتصاد
وما ينتسب إلى كيان الإنسان البدني والروحي:
1-فالنوع الأول هو الذي فيه استعمال وتبادل.
وهو القيم الاقتصادية إن صح التعبير سواء كانت بضائع أو خدمات.
2-والنوع الثاني هو الذي يعرف بكونه عكسه.
لأنه عين قيمة الإنسان كما عرفه ابن خلدون “رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له”.

ولاشرح نوعي القيم الروحية التي هي نقيض القيم الاقتصادية رغم أن وجود الأوليين مشروط بقاؤه بوجود الثانيين أو على الحد الأدنى منهما.
وهما يحددان قيمة الإنسان من حيث هو كائن حر ورئيس بالطبع وبالاستخلاف.
والحد الفاصل بين النوعين متغير من حضارة إلى حضارة ومن ظرف إلى ظرف في كل حضارة.
فمثلا
يمكن اعتبار الاستعمالي في الحرب مقدما على التبادلي في الاقتصاد
وهذين مقدمين على البدني والروحي عندما يكون شرط البقاء مهددا.

وتعريف الإنسان الخلدوني فيه بعدان:
▪︎فبالطبع علاقة بينه وبين غيره من البشر من حيث التبادل الاقتصادي والتواصل الاجتماعي والمنازل في الثروة والتراث
▪︎وبالاستخلاف علاقة بينه وبين ربه وهذه العلاقة هي التي تحدد تصوره للعلاقة التي بينه وبين غيره من البشر والأشياء.
ولذلك فهذه مقدمة على تلك.

لكن الإسلام يجمع بينهما.
فيجعل العلاقة بين البشر تمر بالعلاقة بينهم وبين ربهم.
ولهذه العلة فإن الشورى 38
تقدم العلاقة الروحية بين الإنسان وربه “واللذين استجابوا لربهم” وما يترتب عليها من علاقة سياسية الخلقية بين الإنسان والإنسان في تعريف النظام السياسي طبيعة “أمرهم” وأسلوبا “شورى بينهم”
لتصل إلى العلاقة المادية بينهم “ومما رزقناهم ينفقون” مع الإبقاء على التقديم في اعتبار ما يملكه الإنسان هو ما رزقه الله وليس ملكية أنانية محضة.
والانفاق من الرزق هنا يضمر ما حددته الآية 177 من البقرة.

كل المشكل بين الإسلام والفلسفة الماركسية التي تهيمن على فكر أدعياء الحداثة العرب خاصة والمسلمين عامة هو
– رفض هذا التمييز بين نوعي القيم
– واعتبار النوع الثاني (وهو بالجوهر ديني أي منزلة الإنسان أو قيمته في علاقته بالإنسان ومنزلة الإنسان أو قيمته في علاقته بربه)
– وردها إلى النوع الأول بمعنى أن كل شيء يصبح قابلا للاستعمال والتبادل.

ولو لم يكن الفكر الماركسي يرد الدين إلى تحريفه
ولو كان لا يرى أنه ليس وراء العالم ما يتعالى عليه لقوله بما يقول به هيجل من أن المتعالي عليه حل فيه ولا شيء وراءه
لكان كلامه عن القيم التي لا بد منها ليكون الإنسان إنسانيا ويجعلها غاية لنضاله أمرا لا يختلف عما يطلب به الإسلام بوصفه أحد بعدي كيان الإنسان أعني المستعمر في الأرض وليس كل الإنسان.
لان بعده الثاني الذي وهو غاية الغاية هو الاستخلاف فيها.
أي اعتبارها اختبارا لأهلية الإنسان للتكليف وللمنزلة الوجودية التي جعلته خليفة.

والمعلوم ان هذا المشكل يتضح بصورة يفهمها حتى الإنسان العادي لأنها تمس حياته اليومية كما تتعين مثلا في علاقة الزوجين أحدهما بالآخر.
فهي في الإسلام تجمع بين النوعين من القيم.
إذ فيها
* ما يبدو وكأنه قابل للاستعمال والتبادل مقايضة داخل العلاقة الزوجية
* وما يبدو غير قابل للاستعمال والتبادل حتى داخل العلاقة الزوجية:
1-فالعلاقة في مستواها البدني استعمالية وتبادلية بالمقايضة.
وقد تنزل فتصبح بالعملة كما في الصداق إذا اعتبر من حيث قيمتة المادية وليس هدية رمزية.
2-والعلاقة في مستواها الروحي ليست استعمالية ولا تبادلية حتى بالمقايضة.
لأن الحب والتفاني المتبادلين تابعان للقلب ولا يسيطر عليه إلا مقلب القلوب.

لكن المودة والرحمة يمكن أن يسيطر على ما في القلب من أجل أمر يجمع بين المستويين.
وهو المحافظة على الأبناء والأسرة.
وهو في هذه الحالة تغليب للبعد الثاني على البعد الأول رغم عدم وجود أساسه الذي يصل الزوجين لكنه يستمد إساسه من علاقتهما بما هو ثمرة تواصلهما البدني والروحي السابق.
أعني في أبنائهما وضرورة التضحية من أجلهما والمحافظة على العلاقة حتى وإن لم تبق متفقة مع في ليس للإنسان عليه سلطان أعني الحب.

ولنأت الآن إلى الحاجات التي تتعلق بها هذه القيم بأصنافها الأربعة.
وكلها ترد إلى منزلة الإنسان وقيمته في الجماعة الحرة أو المستعبدة.
فالقيم ترد إلى ما يصبح ما سميته المعادلة الوجودية.
ومنزلة الإنسان التي تتحدد بمقتضى موقعه منها أبعادها الخمسة كما تتحدد في القرآن الكريم:
1-فمنزلة الإنسان عند الله هي قلب القيم وأصلها.
إذ إن جميع عناصر المعادلة متفرعة عنها سواء آمن بالله أو لم يؤمن.
ففي عدم الإيمان
يرد الملحد ما يتجاوزه في كيانه وفي العالم
إلى الطبيعة والتاريخ
بتحييث ما ينسبه المؤمن إلى رب مفارق.
2-ومنزلته في الطبيعة (وهي متعلقة خاصة ببدنه فعلا وانفعالا لسد حاجاته المادية) هي منزلة يعيشها حتى في علاقته ببدنه.
لأن ما فيه من طبيعي لا يمكن التنصل منه.
3-ومنزلته في التاريخ (وهي متعلقة خاصة بروحه فعلا وانفعالا لسد حاجاته الروحية) لا يمكن أن تسد من دون البشر الآخرين بدءا بأقرب المقربين وختما بكل المساوقين والسالفين في تكوين التراث.
4-ومنزلته في ما بعد الطبيعة أو ما يعتبره نظاما ممسكا بها وموحدا وهذه المنزلة
تعيده إلى الأولى أي إلى علاقته المباشرة بربه سواء
تصوره مفاربا
أو رده على ما في الطبيعة مما يجعلها ذات نظام هو غيرها حتما وذلك ببيان ما يجعله متجاوزا للطبيعة وأعلى منها في مفهوم تسخيرها له.
5-ومنزلته في ما بعد التاريخ
تعيده إلى الأولى كذلك ببيان ما يجعله متجاوزا للتاريخ وأعلى منه سواء
كما يتصوره المؤمن في مفهوم بعثه ليحاسب إيجابا أو سلبا على ما فعله فيه
أو حتى في ما يتخيله القائل بالتناسخ.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي