الاشارة والمشار اليه أو حمق علاج الأعراض


الإشارة والمشار إليه

أو حمق علاج الاعراض

لست غافلا عن كون الكثير قد يلوم ترحمي على الدكتور محمد شحرور.
فالذين يعتبرون موته نصرا لرؤاهم هم في غاية السخف
وخاصة عندما يعتبرون نفي الرحمة على غيرهم
دلالة على قوة الإيمان لديهم.
فلكأن شحرور هو الوحيد الذي يموت
أو لكأن من هم من صفهم خالدون.

وما هذا الحمق
إلا من علامات التخلف الذي اعتبره
من علل وجود ظاهرة شحرور.
وهي ظاهرة عامة
وعمومها هو الداء الذي يعالج الرد الذي من هذا الجنس أعراضها بدل البحث في علتها.
ولما كنت أعتقد أن ذلك هو
▪︎ نصف الطبيب الذي اعتبره ابن تيمية علة فساد الأبدان
▪︎ مثله مثل نصف النحوي الذي يعتبره علة فساد اللسان
▪︎ ونصف الفقيه الذي يعتبره علة فساد البلدان
▪︎ ونصف المتكلم الذي يعتبره علة فساد الأديان
فإني اعتبر الظاهرة علتها هؤلاء الأنصاف.

فكل هؤلاء لم يدركوا أن نص القرآن الكريم
من حيث هو تذكير
يؤدي وظيفة السبابة التي تشير إلى شروط أهلية الإنسان
▪︎ بالاستعمار في الأرض
▪︎ والاستخلاف فيها
وهي شروط تمكنه من استمداد قيامه من الأرض
قياما يكون فيه
“رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له ”
(تعريف ابن خلدون).

وغياب هذا الفهم الذي من دونه
لا يمكن للإنسان أن يكون أهلا للاستخلاف
الذي جعل كل الاهتمام في تاريخ فكرنا لا يتجاوز النظر إلى السبابة
(الآيات من حيث هي فقرات من نص القرآن)
بدل النظر في ما تشير إليه
(الآيات من حيث هي آيات الله في الآفاق وفي الأنفس).

وبهذا المعنى
فكل ما يسمى علوما دينية في حضارتنا
لم يتجاوز الكلام في السبابة المشيرة
كلاما يهمل ما تشير إليه
في تناقض مطلق مع ما يأمر به القرآن الكريم
وذلك منذ تأسيسها إلى اليوم.
وتلك هي علة تجرؤ الكثير
▪︎ على القرآن الكريم
▪︎ وعلى حضارة الإسلام
لأنهما بدوا وكأنهما لا يقدران على
تجاوز تراكم الاقوال على الأقوال
أعني ما سماه ابن تيمية
بعلاج الأنصاف الأربعة الذين اشار إليهم.

ولا يحتاج الإنسان إلى ذكاء خارق
لرد هذه الظاهرة إلى موقف لم أجد له تفسيرا إلى الآن
قلب المنهج القرآني رأسا على عقب
فلكأن هذا الفكر منذ التأسيس إلى اليوم مقصور على:
1-جعل ما أمرت به فصلت 53 نهيا.
2-وجعل ما نهت عنه آل عمران 7 أمرا.

فبدلا من البحث في ما يشير إليه القرآن
موجها إلى خارجه بوصفه
مجال البحث العلمي والعملي لمعرفة أن القرآن حق
طلب العلماء من نصه ما لا يوجد فيه.
فصار البحث كله مقصورا على شرح ألفاظه
التي هي “سبابة اشارة موجهة”
وليست مضمون المشار إليه
الذي يمكن من تحقيق مهمتي الإنسان
موضوع التذكير القرآني:
1-الاستعمار في الارض
2-الاستخلاف فيها.

لذلك فكل ما يسمونه علوما
لم يتجاوز تراكم القيل والقال وثرثرة الجهال
من جنس الباحثين عن الاعجاز العلمي أوالإعجاز العددي
لتجنب الجواب عن السؤال
الجواب الذي يبين أن القرآن حق:
1-فلا يمكن الجواب عن سؤال:
ما شروط استخلاف الإنسان في الأرض؟
2-من دون الجواب عن سؤال:
ما شروط استعمار الإنسان في الأرض؟

وما يسمى محمد شحرور
وأمثاله جيوش وجيوش
ليس إلا من أعراض الانحطاط
الذي آل إليه أمر أمة لم يتجاوز فكرها الثرثرة
التي تريد أن تستخرج من السبابة ما لا يوجد فيها
وتهمل ما تشير إليه السبابة
تماما كما ورد في القصة الصينية الشهيرة.
ذلك أن الاقتصار على ما في القرآن جواب ممكن على السؤال الأول فهم بمنطق “ويل للمصلين”
فاصبح الإسلام بالتدريج شبه مقصور على أبسط شيء فيه
أعني التفاقه لتعقيد العبادات وشكلياتها
حتى لا يبقى “العلماء” عاطلين
وكاد المسلمون ينقسمون
▪︎ نصفهم مؤمنون
▪︎ ونصفهم مفتون للمؤمنين.
فلا أحد يسعى لتحقيق ما يطلبه القرآن منهم
ليكونوا “رؤساء”
شرطا في عبادة رب العباد بدلا من عبادة العباد.

فكل إنسان يفقد شروط قيامه
يصبح عبدا لمن يتحكم فيها
فيتحكم فيه.
وطبيعي أن يكون فقدان هذه الشروط علته
▪︎ نصف الطبيب
▪︎ ونصف الفقيه
▪︎ ونصف النحوي
▪︎ ونصف المتكلم.
وبذلك فكل الشعوب الإسلامية تشكو
▪︎ من الصحة
▪︎ ومن القانون
▪︎ ومن اللغة
▪︎ ومن الدين.
كلهم مرضى ودواؤهم مستورد.
كلهم بلا قانون وسياستهم مستوردة.
كلهم بلا لسان ولسانهم ومستورد (لغات المستعمر).
وكلهم يتظاهرون بالتدين ولا تقوى لديهم.

وبدلا من البحث في هذه العلل
التي يعتبرها ابن خلدون أصل “فساد معاني الإنسانية”
والتي يردها إلى كون الإنسان الذي يعاني منها أصبح عالة على غيره
في سد حاجاته التي صارت مفقودة لديه
فيدين بها لغيره
الذي يكون من ثم معبوده بدل ربه
إذ كون الإنسان عابدا لغير الله
ليس معناه يصلي له بل معناه يدين له بشروط وجوده
فيكون وسيطا بينه وبين ربه
بل وربه في قرارة نفسه
لأنه يذل له ويطيعه حتى لو أمره بما يناقض ما يؤمن به.
وما خضوع المسلمين للطغاة إلا كفر بالله
إذ إن تبين الرشد من الغي علامته الكفر بالطاغوت
شرطا في الإيمان بالله (البقرة 256).

وختاما فمن دون شروط رئاسة الإنسان
التي تجعله أهلا للاستخلاف
لا معنى لإيمان بالله لا يتجاوز الأقوال التي هي
نفاق مطلق
ما ظلت لا تعبر بصدق عن الأفعال.
لذلك فأول شروطها
الذي يقدمه القرآن الكريم على الإيمان بالله
هو دليله السلبي أي الكفر بالطاغوت
الذي يعني التحرر من عبادة العباد بعبادة رب العباد.

وبهذا المعنى فشحرور وأمثاله
ليسوا إلا من أعراض ظاهرة عميقة
هي الفشل الحضاري
الذي من علاماته الانحطاط
وهو ليس هو شيئا آخر غير هذا القلب
▪︎ لدلالة فصلت 53 من الأمر إلى النهي
▪︎ ولدلالة آل عمران 7 من النهي إلى الأمر
لكن ابعاد هذا الداء
التي خصصت لها الكثير من المحاولات سابقا
شديدة العمق في حضارتنا
وعلتها وهمان عرفهما ابن تيمية وابن خلدون
لكن عملهما بقي صيحة في واد:

1-فقد عرف ابن تيمية ذلك
في مستوى فلسفة النظر والعقد
وحاول تجاوز الانصاف الأربعة
الذين ذكرهم في تشخيصه للداء في نظرية المعرفة والنظر
متجاوزا الأعراض عند الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والمتصوفة.
وتلك هي معركته التي
أدى الجهل بها إلى الصورة السلبية التي فرضت عليه.

2-وقد عرف ابن خلدون ذلك
في مستوى فلسفة العمل والشرع
وحاول تجاوز نفس الأنصاف
الذين ذكرهم ابن تيمية في تشخيصه للداء في نظرية القيمة والعمل
متجاوزا الأعراض عند الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والمتصوفة مثل ابن تيمية.

وهو ما يعني أن هؤلاء الأنصاف جميعا
لا يختلفون عن
▪︎ محمد شحرور
▪︎ ومن ماثله من المتجرئين على الإسلام
ليس كفرا به
بل محاولات من جنس ما تقدم عليها لعلاج الأعراض
دون بحث في العلل
بخلاف ما فعل ابن تيمية وابن خلدون.
لكن بحثهما لم يكن ليفهم على حقيقته
ما ظل فكرنا لا يرى إلا السبابة المشيرة
ويكون في علاقته بما تشير إليه
كما وصفه القرآن
له بصر لا يرى به وسمع لا يسمع به وعقل لا يعقل به.

فيكون الباحثون في الأعراض
هم الأنصاف الذين وصفهم ابن تيمية
“صما بكما عميا فهم لا يعقلون”
بوصف القرآن الكريم لمن فقد
“السميعة والبصيرة والعقيلة”
أعني الحوادس التي تنفذ إلى ما وراء الحواس
فقلب فصلت 53 وآل عمران 7 مثل الباحثين
عن الاعجاز العلمي في شرح الألفاظ
بدل البحث العملي في
الطبيعة
والتاريخ
وكيان الإنسان العضوي
وكيانه الروحي كما أمرت فصلت 53.
وعن الإعجاز الرياضي في عدد الحروف بتحيل دلالته على حمق أصحابه
من أهم معاني الأنصاف الذين قصدهم ابن خلدون: تحول الحساب إلى دفتر “العطار باللابز”.

وهم بدورهم من الأعراض التي ينبغي ألا نركز عليها
بل لا بد من فهم ما يجعل الأمر على ما هو عليه
لأنهم لا يختلفون عن ظاهرة الدعاة
الذين يصدعون الآذان بلغوهم الذي قتل العلم والخلق
وصار لا يختلف عن الإعلام المرتزق في كل أبواق المستبدين
▪︎ من حكام الامة
▪︎ ونخبها المرتزقة لديهم
وأصبح هذان النوعان من الدعاة المزعومين
للإسلام ولضديده
لا يعبرون عن شيء عدى الأقوال التي تغني عن الأفعال.

كل المواقف صارت دالة على أضدادها.
فلا أكثر فسادا من المتكلمين على الصلاح.
ولا أكثر نفاقا من المتكلمين على الصدق.
ولا أكثر حربا على الإسلام من المتكلمين على حمايته.
فلا شيء من ذلك
يمكن ان يكون بالأقوال في غياب الافعال
والأفعال هي التي تعمل
▪︎ بفصلت 53 بوصفها أمرا
▪︎ وبآل عمران 7 بوصفها نهيا
حتى يحقق الإنسان
▪︎ شرط الاستعمار في الأرض بتعميرها عملا على علم بقوانين الطبيعة التي لا توجد في
النصوص بل في آيات الله في الآفاق الطبيعية وفي كيان الإنسان العضوي.
▪︎ وشرط الاستخلاف فيها بإخضاع التعمير لقيم دالة على جدارة الإنسان بالاستخلاف
ولا يكون إلا عملا على علم بسنن التاريخ التي لا توجد في النصوص
بل في آيات الله في الآفاق التاريخية وفي كيان الإنسان الروحي.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي