الاسلاموفوبيا، تحييد دوافعها السطحية شرط الانتصار عليها – الفصل الثاني

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الاسلاموفوبيا تحييد دوافعها السطحية شرط الانتصار عليها

سأبدأ الفصل الثاني من مسألة الإسلاموفوبيا واستراتيجية التغلب عليها بمثالين: مثال الميز العنصري ضد الملونين في أمريكا وضد العرب خاصة في أوروبا. صحيح أن الميز العنصري في أمريكا كان علاجه السياسي عسيرا ولا يزال مفتوحا وربما إلى الابد، لكن أليس دهاء الملونين ساهم في تغيير ساحة المعركة؟ ويبدو أن المهاجرين المغاربة -تونس والجزائر والمغرب-بدأوا يسلكون نفس الطريق ويغيرون مسرح المعركة. ومن يكدر عليهم مسعاهم هم أئمة الشؤم الذي يذهبون إليهم ليفسدوا مسعاهم في نقل المعركة إلى حيث يتجاوز البشر الاحقاد والتمييز العنصري والصراعات الدينية. فالملون في امريكا استعاد كرامة الإنسان وفرضها على العنصريين ليس بالنشاط السياسي وله دور دون شك ولكن بخمسة عناصر: 1. المسار التربوي الذي يتطلب صبر أبوب 2. وينتج عن المسار الاقتصادي والثقافي 3. استعمال خاصياتهم العضوية الرياضية 4. استعمال خاصياتهم الروحية الفنون عامة والغناء والرقص خاصة والأهم من ذلك: 5. عدم الرد على العنصرية ومفاعليها بمثلها. فالسماحة والطابع المرح للملونين يجعل العنصريين أمامهم يستصغرون أنفسهم فيشعرون أن الملون أسمى منهم خلقيا بل وأحيانا يشعرون بعقدة نقص إزاءه وخاصة إذا تعلق الامر بالمسألة الجنسية والعلاقة بالمرأة. فنصف المجتمع الغربي بمجرد هذا العامل الأخير أعني نساء الغرب لا يهمهن اللون بل هن يعشقنه ويطلبن الإشباع الجنسي الذي يكاد ينتهي عند من غرق في المشكلتين الوجوديتين اللتين اعتبرهما من أهم مقومات الخوف الذي تخفيه الإسلاموفوبيا: فالمنشطات الجنسية لا تعوض القوة الطبيعية الفطرية. تغيير مسرح المعركة من العلاج السياسي إلى العلاج العضوي الثقافي هو الثورة التي حصلت في أمريكا وفي الغرب عامة حيث إن جل الفرق الرياضية وخاصة كرة القدم التي هي الرياضة الأكثر شعبية ملونة وليس فيها عنصرية. لما ترى شباب انجليزي مسيحي يسجد مثل الرياضي المصري تفهم الظاهرة. وسأصطلح على هذه الاستراتيجية التي تغير مسرح المعركة باسم يحتاج إلى شرح طويل سأورده لاحقا: مماثلة المبنى ومخالفة المعنى. أو التكيف في المبنى الثقافي المميز للأقوى كما يرى الاقوى ذاته والمحافظة على المعنى الثقافي المميز للأضعف كما يرى ذاته: والعلة منطق التاريخ المديد. فتغيير المبنى من التاريخ القصير مثلا يمكن للعربي في العمارة أن يقلد العمارة الاوروبية. لكن في المدنية يستحيل لأنها من التاريخ المديد. تغيير العادات والثقافات من أعسر الامور وهي تتطلب تاريخا طويلا من التغير شبه لامتناهي الصغر بخلاف جرة قلم يمكن أن تبني مدنية حديثة في صحراء. ولما كان الامر يتعلق بتغيير معنيين: ثقافة الأضعف وثقافة الاقوى حتى تتقاربا وتتعارفا فإن ذلك يعني مدة طويلة وطويلة جدا حتى يصبح الأقوى يتذوق ثقافة الاضعف ويصبح الأضعف يتذوق ثقافة الاقوى. مثال ذلك أن الموسيقى والغناء في أمريكان مبناه اللغوي انجليزية ومعناه الوجداني افريقي. فصار الفنان الملون يذوق الانجليزية أكثر حتى من الامريكي وصار الامريكي يذوق الافريقية أكثر حتى من الافريقي وأصبح الشباب في المهرجانات الموسيقية متجاوز للعنصرية ومتناغما وكأنه فسيفساء من الالوان والألحان وحتى اللسان فضلا عن الوجد والوجدان وكل متع الإنسان وحتى الحيوان. والسؤال المضاعف هو: 1-هل تعلم المهاجرون العرب والمسلمون هذه الاستراتيجية؟ وهل سيتركهم دراويش الجهاد الذين لا يعلمون أنهم لا يخدمون إلا من يريد تحريك الإسلاموفوبيا السطحية لعلاج العميقة لعل وعسى يحيي ذلك في الغرب انتفاضة روحية قد تحد من الإعياء الوجودي؟ هل يمكن إفهام الشباب العربي والمسلم الدرس الذي أبدعه ملونو أمريكا والذي حاولت الاصطلاح عليه التمييز بين المبنى والمعنى والتكيف السريع مع المبنى واعطاء الوقت للوقت لتجذر المعنى أو الجمع بين سرعتي التاريخ المادي والروحي كما في مثال العمارة التي يسهل نقلها المادي منها ويعسر الروحي. وعملا بهذه العلاقة بين المبنى والمعنى راسلت مرة المرحوم ياسر عرفات عن طريق القدس اللندنية في حقبة كلنتون الذي كان يسعى جادا للوصول إلى حل لو تم لما وجد مشكل المستعمرات بحجمه الحالي مطالبا بتحقيق نفس الاستراتيجية في مسألة مجانسة وهي التواصل بين الثقافات المختلفة. نصحته أولا بالمبنى الهندامي. فسخافة لباسه “الثوري المزعوم” مقرفة للمشاهد الامريكي دون أن يكون لها ما في ثقافة تشي جيفارا مثلا مما يجعل النساء الأمريكيات يحلمن بالبطولة والرجولة. ولغته الانجليزية أكثر إقرافا وحتى خلقته العضوية لا تقبل المقارنة مع ناتن ياهو إذا يخاطب الامريكان. وعرفات حتى عربيته مقرفة ككل الزعماء العرب أو على الاقل كبارهم في السن فنصحته بأمرين الاول يخصه شخصيا أن يغير هندامه وألا يتكلم بغير العربية (حتى تبقى عيوبه بيننا مثل قصة غصن الزيتون والبندقية) وبخصوص التواصل مع الراي العالم الغربي أن ينتدب ناطقين وناطقات من الأجمل والأفصح. ذلك أنه إذا الخط الجميل يزيد الحق وضوحا كما قال الخليفة الرابع فإن الوجه الجميل والصوت الجميل واللغة الجميلة تزيد الخطاب تأثيرا وما يهم في التواصل ليس المضمون بل الشكل وخاصة في التواصل السريع الذي يستعمل وسائله الحديثة. وإلا فكل الشعب الأمريكي سيقلب التلفاز عندما يتكلم عرفات. ونفس الأمر يقال عن الدعاة بمن فيهم الجدد: فإما رقاص وإما “عقون” أو لسون أو أعور أو منظره مقرف ولبساه كريه وحركاته كأن به مسا كل هؤلاء لا أحد يسمع لهم حتى لو كان ما يقولونه دررا علما وأنهم لا يقولوا إلا تفاهات وحكم شعبية لا صلة لها بالتقوى والإيمان الصادق الذي شرطه الوقار. أما النباح والبصاق والصياح والتهديد والوعيد والتخويف والترهيب والكذب خاصة والتعميم من جنس قالت العلماء أو العلماء لحمهم به كذا وكذا فهو إذا تواصل سيخرج جل الشباب من الإسلام. وعلى كل لن يدخل أحد الإسلام بعد رؤية هذه الرهوط المقززة التي تتصور القرآن حكما شعبية. ولما كان الشباب لا يخفى عنه نفاقهم وذلهم أمام الحكام الذين هم أذل منهم أمام من نصبهم على شعوبهم فإن الشباب سيصبح في هم لا يطاق. وقد زرت مرة إيران وتجولت في إحدى الحدائق فلم أر شبابا تقيا ولا دينا بل كل ما يستطيعون سرقته بعض الدنيا لديهم وهو سر رضا الشباب السعودي على مراهقهم. وقد يكون من مكر الله الخير أن توجد في الخليج ما وجد في تركيا ثم في تونس وفي بعض بلاد العسكر حيث إن حربهم على الدين هي التي أرجعت التعلق به تعلقا صادقا في هذه البلاد ولكن بمعانيه القيمية التي تتجاوز القشور التي كرهوهم بها الإسلام فشيوخ البلاط أكثر الناس تنفيرا في الإسلام. وهؤلاء لم أتكلم عليهم في المسألة الدينية فهي ليست موضوعي الآن بل في محاولة منع استراتيجية نقل مسرح المعركة. ما زالوا يصورون الأمر وكأن الغرب مسيحي وهم مسلمون وأن المعركة تجري في مناخ الحروب الصليبية. هي معركة صراع وجودي جديد أبعد غورا مما لم يبق مجال الصراع الوجودي. قد تكون الصليبيات كانت معركة صراع وجودي بين الإسلام والمسيحية. لكنها كانت صراع إرادات سياسية. والصراع الحالي لم يعد إسلاميا مسيحيا في المستوى الوجودي حتى وإن بقي الوجه السياسي فيه. والامر الذي يعنيني هو الوجه الوجودي الذي عوض الإسلامي المسيحي. فالمسلم المهاجر لأوروبا أو أمريكا ليس له دافع الفتح الإسلامي والأوروبي والامريكي إذا خاف من ذلك فهو ينبني على ما يثيره الإسلامي التقليدي بسلوكه الرافض للاستراتيجيا الجديدة والمحافظ على الرموز الشكلية القديمة التي توحي به والتي لا علاقة لها بالمشكل الوجودي الجديد في الغرب. لكن الاستراتيجيين الغربيين وحتى من ليس له علاقة بالمذهب المسيحي الصهيوني دارون حق الدراية بالمشكل الجديد ولذلك فهم أحوج من المسلمين لداعش وللخرافين من رجال الدين المتكلمين على الصليبيات لكأن الحرب مع الغرب يكفي فيها اليوم ركوب الخيل أو عودة صلاح الدين أو قطز أم حتى طز حكمة. من يخوض الحروب اليوم هي الجامعات والبحث العلمي والاكتشافات والاختراعات الاقتصادية والثقافية والدفاعية وليس خطب الحماسة ودجل الفقهاء من جنس من ادعى في يوتيوب أنه يعرف حقيقتي التي أجهلها أنا نفسي ويحدد مدى علمي المتواضع جدا بالقياس إلى علمه الأوقيانوسي: أبو قتادة الجهبذ. وهو يسمي علما ما حرمه القرآن وجعله دليل زيغ قلوب وابتغاء فتنة أي الكلام في المتشابه لأنه يدعي وراثة النبي في ما لا يملك ويزعم مثل كل المخرفين من ذوي الكرامات والمعجزات في القرن الحادي والعشرين من الدعاة الجدد أنهم راسخون في العلم وقادرون مثل الله على تأويل المتشابه. أطلت الكلام في هذا النوع الذي كان من المفروض أن ينقرض بعد قرنين من محاولات النهوض حتى نصلح التربية والحكم ونستعمل هذه الاستراتيجيا الجديدة بأجيال قادرة على علاج العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة لتعمير الارض وبين الإنسان والتاريخ للاستخلاف فيها في مسرح المعركة الجديد.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي