الاستراتيجية السياسية، وجهاها جغرافي وتاريخي في السلم والحرب

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الاستراتيجية السياسية وجهاها جغرافي وتاريخي في السلم والحرب

كتبت قبل الانقلاب الفاشل في تركيا أنها تناور ولا تستطيع اداء دور إيجابي ومستقل في معارك الهلال قبل أن تتحرر من خطرين داخليين يحولان دونها ومغامرة استعمال القوة: فالدخول في حرب كانت فرصة ممكنة تجعل تنظيم جولن الذي اخترق الجيش والإدارة يعيد تركيا إلى التبعية ضد سعيها للصلح مع ذاتها.

لذلك فإني اعتبر ما يحدث في “غصن الزيتون” دليل اطمئنان النظام التركي إلى تحقيق هذه المهمة وتنظيف الجيش والإدارة من الاختراق الذي كان يعوق تحركه ليحمي سيادته ويحول دون ما كان الجميع يسعى اليه للفصل بينها وبين الإقليم العربي: منع التعاون بين مؤسسي دولة الإسلام وحماتها تاريخيا.

وطبعا كان يمكن أن أصدق أعداء هذا الحل الذين يخوفون العرب من النزعة العثمانية لولا شرطين دالين على العكس تماما: الاول هو موقف الذراعين (إيران وإسرائيل) وسنديهما (روسيا وأمريكا) من هذا التقارب والثاني وهو الأهم لم يبق في ميزان القوة بين العرب والاتراك ما يخيف أيا منهما.

وفي الحقيقة فأي عربي له ذرة من عقل ينبغي أن يفهم أن توازن القوة بينهما هو لصالح العرب ماديا وروحيا: فالعرب حجما وثروة وتاريخا وتراثا لهم ما يثبت أنهم لو سعوا للخروج من حروبهم الاهلية لكانوا أقوى جماعة في الإقليم بكل معاني القوة التي تنبني عليها الدول ذات الحجم العالمي.

ولو كان الأتراك هم الخائفين من التعاون بينهم وبيننا لكان ذلك مفهوما لأنهم اقل من ثلث سكان الوطن العربي وأرضهم لا تساوي عشر الوطن العربي وثروتهم مهما بلغت فهي لا تدنو من الثروة العربية يبددها الأن أنظمة الاستبداد والفساد وتفتيت البلاد واستعباد العباد بصنفيها القبلي والعسكري.

صحيح أن كلامي هذا مبني على الإيمان بأن المشروع العربي هو في الحقيقة اساس الربيع العربي لأن الثورة وحدته أو على الأقل وحدت ساحة الحرب الاهلية العربية بين الثورة والثورة المضادة وهو عندي تقدم كبير: موقف الثورة المضادة على سلبيته فيه اعتراف ضمني بوحدة التحديات والمصير.

وإذن فإيماني بهذا المشروع ليس مجرد فرضية لأن توحد ساحة المعركة بين الثورة والثورة المضادة غلبة الأول بالقوة الروحية والثانية بالقوة المادية وكون ذلك فصما يضعف كلى الصفين هو جوهر الحرب الأهلية العربية التي وإن أضعفت الامة مؤقتا فهي في النهاية سيقع فيها ما يشبه الأواني المتصلة.

والقصد أن كلى الصفين سيدرك ضعفه من دون الثاني وسينتهي الامر إلى حوار بينهما يؤدي إلى تجاوز علل الضعف. لأن فاقد القوة الروحية سيحاول التدارك بتبني قيم الربيع لأن شعبه سيفرضها عليه. فاقد القوة المادية سيحاول تداركها لان شعبه سيفرض عليه بالحد من الاندفاع الثوري والتدرج في الإصلاح.

وليس هذا من الأماني بل هو قانون تاريخي: فالثورات قوية روحيا بالقيم التي تحركها ضد القيم التي تضر بها والثورات المضادة قوية ماديا بسلطة الدولة التي تحركها للدفاع عن القيم الثانية ضد القيم الاولى. وفي النهاية لا يمكن للحرب الاهلية أن تدوم أكثر مما ينبغي ليدرك الصفان حدود قوتهما.

والأهم من ذلك أن كلى الصفين سيتبين أن استمرار الحرب الأهلية سيجعلهما لقمة سائغة لأعدائهما الذين يستغلون ضعف الصفين فيتقاسمون ما من أجله ثار الصف الأول وضادده الصف الثاني فيضطران إلى ما يمكن أن يصون مصالح الجميع بحلول وسطى فالمنشود المطلق قد يؤدي إلى وضع أفسد من الموجود النسبي.

وفي هذه العملية يمكن القول إن من مصلحة العرب والأتراك أن يتعاونوا لعلتين: الاولى هي حل مشكل الأقليات التي يستغلها العدو جزأها الطائفي (إيران) وجزئها القومي (إسرائيل) لمنع كل إمكانية للاستقرار والتفرغ للتنمية المادية والثقافية شرطي الحماية والرعاية اللتين هم اساس كل سيادة.

فمشكل الأقليات القومية مشترك بين عرب المشرق والأتراك(الاكراد). ولعرب المغرب نفس المشكل (الأمازيغ) ولا يمكن أن يطالب العربي والتركي بدولة قومية لنفسه ويرفضها لغيره ومن ثم فالحل هو تحقيق المساواة في الحقوق بأجيالها الثلاثة والواجبات بما يلغي المشكل من أصله: مواطنة في دول فدرالية.

واي محاولة لعدم الحسم الذي مفهوم الدولة على اساس طائفي أو قومي ليعوضه بمفهوم أوسع وأرحم سيجعل سايكس بيكو مصدر حرب دائمة في الإقليم تماما كما أراد اصحابه الذين صاغوه من أجل هذه الغاية فضلا عن إيجاد الذراعين: نظام اسرائيل العنصري ونظام الملالي الطائفي.

لماذا قلبه العربي والتركي؟ لعلة تاريخية وعلة جيواستراتيجية. فتاريخيا يعلم أعداء الإسلام أن دولته أنشأها العرب وحماها الأتراك إلى حدود الربع الأول من القرن الماضي. ومعنى ذلك ان قوة دولة الإسلام تعينت خلال أكثر من اثني عشر قرنا اساسا في العرب والاتراك ونسبيا في دور الاكراد والأمازيغ.

فالأكراد ساهموا في تحرير القدس والأمازيغ ساهموا في حماية الاندلس نصف عمرها. ومن ثم فهذه الشعوب الاربعة هي قوام دولة الإسلام. على الاقل في ملتقى القارات الثلاث. ولما كانت المعركة الدولة حاليا مركزها هذا الملتقى فإن العلاج بيد العرب والأتراك والكرد والأمازيغ.

والأعداء يلعبون على خلافات هذه الشعوب الاربعة بجرثومة القومية والطائفية. الذراع المباشرة اللاعبة على الطائفية هي إيران ولا تستطيع أن تلعب ورقة القومية لأنها متعددة القوميات. والذراع المباشرة اللاعبة على القومية هي إسرائيل ولا تستطيع أن تلعب ورقة الطائفية لأنها تبرر وجودها دينيا.

وكل علاج شرطه البدء بالتشخيص والتشخيص يحدد علل الأدواء فيمكن من وصف الدواء. ما أحاول بيانه هو المعادلة الجيواستراتيجية والهسترواستراتيجية: فالاكتفاء بالمكان لا يمكن من فهم الداء لا بد من عنصر الزمان الذي حدد مع المكان معادلة الإقليم الجيوسياسية. وعلينا الانطلاق منها.

ذلك أن السياسة مدارها تنافس البشر على المكان اساسا للثروة وعلى الزمان أساسا للتراث. والأول شرط البقاء العضوي والثاني شرط البقاء الروحي ومن ثم فالأمم المتجاورة في تنافس دائم على الشرطين. ولا يفلح من أن ينسى أحدهما وخاصة الثاني لأنه هو الذي يبدع الثروتين المادية والثقافية للجماعة.

ولا يمكن لأمة أن تقوم إذا لم تحقق السلم في الداخل لتستطيع المنافسة في الخارج. لذلك فكل من عجز عن تحقيق السلم في الداخل صار لقمة سائغة لأجواره. وهذه هي الحقيقة التي يجهلها أو يتجاهلها قادة العرب في المحميات القبلية والعسكرية التي دخلت في حرب اهلية مضاعفة: في كل قطر وبين الأقطار.

اتعدت عن السياسة المباشرة ولست منتسبا إلى أي حزب إسلامي أو قومي أو يساري أو ليبرالي. همي التفرغ لتحليل الوضعيات الاستراتيجية التي توجد فيها الأمة مع بيان التحديات على أسس موضوعية تنطلق من مصدريها أي الجغرافيا والثروة والموقع من الأرض أولا ثم التاريخ والتراث والموقع من الحضارة.

وكل تحليل لا يعتمد هذه الأبعاد الأربعة التي هي أحياز الوجود الفرعية (المكان والثروة والزمان والتراث) وينسى عامل توحيدها القبلي (المرجعية) والبعدي (القدرة على المنافسة) لا يمكن أن يعتد برأيه في فهم الحكمة السياسة والنجاعة الاستراتيجية في السلم وفي الحرب على حد سواء.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي