لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهالاستراتيجيا
بعد أن تكلمنا على الماضي وبيان ما وقع فيه قيادات العرب المؤمنين بالثالث المرفوع في الأفعال حتى وإن قالوا بالحل الثالث الذي سموه الحياد الإيجابي ولم يستفد منه إلا من طبقه فعلا (الهند والصين) حتى صاروا تابعين لتوابع القطبين اللذين فجلوا بلاد العرب محميات لذراع روسيا ولذراع أمريكا.
تكلمت على فلسطين واستراتيجية المقاومة فيها وكيف كان أصحاب البلد أنفسهم موظفي القضية من أجل افعال فوضوية لا تحكمها أدنى استراتيجية بدأت بتحرير القدس يمر بعمان إلى تحرير فلسطين يمر بالمقاومة الإيرانية التي هي في الحقيقة سياسة احتلال بلاد العرب بكذبة تحرير فلسطين.
والآن سأتكلم على لبنان واليمن ذلك أني صرت واثقا من أن جل بلاد العرب بالعدد والعدة أو بالحجم الديموغرافي والاقتصادي انحازوا نهائيا إلى إسرائيل ولو بإنهاء المسألة الفلسطينية ما لم تهزم الثورة المضادة في الحرب الاهلية العربية التي صارت علنية في جل اقطار الوطن.
وفي هذه الحالة يكون السؤال: ما الذي يمكن أن يبقى مع ذلك قابلا للعلاج المتجاوز لهذين الاصطفافين والقائل بأنه ما يزال في قضايا العرب ما يمكن اعتباره من مجال الحل الثالث أي الحل المعد لمشروع عربي متحرر من الاصطفافين أو معد على الأقل لشروط التحرر منه ووضع حجر الأساس لمشروع سني ثالث؟
وطبعا فعندما أذكر كلمة “سني” سأتهم بالطائفية. وهذا من مفعول البروباجندا الإيرانية. السنة هي الاصل في الإسلام وهي الغالبية الكبرى بين المسلمين والطائفة هي الخروج عنها ومن ثم فالتشيع طائفية ولا يحيا إلا بها في حين السنة هي ثقافة غالبية المسلمين وقراءة الإسلام الجامعة غير المانعة.
وحتى لو عاندوا فاعتبروا السنة طائفية لأنها ترفض التشيع فليكن. لا يمكن أن تحاربني بسلاح تمنعه عني. أنت تجمع أشتات التشيع في العالم لتحاربني ولا تريدني أن أحاربك بالسنة التي هي العالم الذي تحاربه بنقيض كل القيم الإسلامية وخاصة الحرية الروحية والحرية السياسة أي ما ينفيه مذهبك.
السنة رغم الانحطاط ما تزال تقول من حيث المبدأ على الاقل أن الفرد ليس بينه وبين ربه وسيط وهذا ما تنفيه الشيعة وأن الجماعة تحكم نفسها بنفسها وهذا ما تنفيه الشيعة: الأئمة وسطاء روحيين ويحكمون بالحق الإلهي. وهذا المبدآن منافيان للإسلام بإطلاق.
ولا أنفي أن واقع الأمر لا يختلف وجوده لدى السنة عنه لدى الشيعة. فكل الأنظمة في العالم الإسلامي مستبدة وفاسدة. لكن السنة تعتبر ذلك أمرا واقعا مناقضا للواجب في حين أن الشيعة مذهبها يؤسس لدكتاتورية المرجعيات روحيا والأئمة سياسيا لأن الحكم لهم بوصية إلهية حسب عقيدتهم: كنسية سياسية.
وإذن فبحثي لا يهتم كثيرا بالسياسة إلى من هذا الوجه الذي يؤدي إلى ان انتصار التشيع في ارض السنة يعني التخلي عن خط الدفاع الاخير لحماية الاسلام نفسه من التحريف الباطني الذي هو جوهر التشيع. ولولا هذا المعنى لكان كلامي في السياسة أمرا لا علاقة له بمحاولاتي في فلسفة الدين والتاريخ.
قضية لبنان وقضية اليمن ما تزالان مما ينبغي أن يكون متعاليا على الاصطفافين: فلا يمكن أن يقال إن منع إيران من الاستحواذ المطلق عليهما علته الحلف مع إسرائيل بمضمر زائف مفاده أن حزب الله والحوثيين يحاربون إسرائيل ومن ثم فمن يحاربهم حليف لها. هذه الخدعة لا تنطلي علي.
موقفي من الحكم السعودي والإماراتي الحالي معلوم. فلست من مؤيديهم وهذا أقل ما يقال لأني في الحقيقة من معارضيهم. ومع ذلك فالموقف في لبنان واليمن ينبغي أن يكون من المجال الثالث وليس من مجال الاصطفافين بل هو عندي متعال حتى على الحرب الاهلية بين الثورة والثورة المضادة.
معارضتي لحكم السعودية والإمارات ينتسب إلى الحرب الاهلية بين الثورة والثورة المضادة: هم يقودون الثورة المضادة وخسارتهم مؤكدة لأن شعوبهم نفسها أصبحت ميالة لأفكار الثورة وهو أمر شبيه بحال الشعوب الأوروبية بعد الثورة الفرنسية. ومن ثم فالأنظمة ستضطر حتما للتغيير ولو ببطء وتدرج.
ولهذه العلة افصل بين معارك الحرب الأهلية العربية التي هي مرحلة متقدمة جدا في نهضة الأمة والنصر فيها بكل تأكيد سيكون للثورة حتى لو هزمت عسكريا وسياسيا مؤقتا. وكلامي على لبنان واليمن بهذا المعنى كلام يتجاوز الاصطفافين (مع إيران أو مع إسرائيل) والحرب الاهلية (مع الثورة أو ضدها).
وابدأ بلبنان: هل قرار النظام السعودي، رغم ما هو عليه، إنهاء تمويل لبنان لتكون سنتها غطاء سياسيا يضفي الشرعية الدولية على اهم سلاحين إيرانيين يعتبر سندا لإسرائيل ضد الامة؟
هذه هي السياسة التي يروج لها طبالة حزب الله وإيران من سفلة القوميين الذين يدافعون عن احتلال إيران لأوطانهم.
لبنان ليس دولة مثله مثل كل المحميات العربية التي تسمى دولا. لكنه يمتاز عنها بخاصيتين:
فهو يعيش على حماية غربية سياسيا منذ أن ضعفت الخلافة العثمانية وصار محمية لفرنسا تحت عنوان المسألة الشرقية.
وعلى رعاية خليجية اقتصاديا منذ بداية الطفرة البترولية: بعمالته وسياحته ونظامه البنكي.
الغرب التقليدي أصبح عاجزا عن حمايته (ضد إيران وإسرائيل) والخليج بقي الرئة الوحيدة لحياته الاقتصادية. وكان يمكن أن نفهم أن ذلك أمر مفيد لو بقي لبنان محايدا وكأنه سويسرا العربية. لكن حزب الله جعله قاعدة إيرانية له دور في كل معاركها وخاصة في سوريا والبحرين والكويت واليمن.
لكنهم يزعمون النأي بالنفس الذي يفرضونه على سنته. يعني حزب الله يحارب من يمول دولة تحميه دبلوماسيا وسياسيا ويراد لمن يمثل السنة ومن يرعاهم من الأنظمة السنية أن يسكتوا عن ذلك رغم أن هذا الحزب يشارك في الحرب عليهم في كل بلاد العرب. من يقبل ذلك؟
يكفي أن تسأل: ما الجامع بين عون وجرو إيران في لبنان؟
حقد ديني عند الأول وحقد طائفي عند الثاني وخوف من دور ممكن للسنة في المستقبل تماما كموقف اليمين الغربي والصهيونية. هم حلفاء اليمين الغربي والصهيونية ضد العرب أصل دولة الإسلام والأتراك حماتها إلى بداية القرن الماضي.
وهذه مسألة تتجاوز الاصطفافين والحرب الاهلية وتصل إلى المسألتين الاخيرتين اللتين وردتا في تعدادنا للمسائل: أعني مسألة الحرب الاهلية ومسألة النهوض من أجل الاستئناف. فهما مسألتان يلتقي فيهما على العرب خاصة والإسلام عامة اعداء الأمة في الداخل والخارج.
ما يجري في لبنان وفي اليمن لا يتعلق بحرب إيران على السعودية بل هي حرب الطائفية الشيعية واليمين الغربي وعملاؤهما في لبنان وفي اليمن ضد الإسلام عامة وتدخلا في الحرب الاهلية بين الثورة والثورة المضادة مساندة لهذه ليس حبا فيها بل لإفشال النهوض والاستئناف.
لبنان واليمن رمزان يبدوان متناقضين لنفس الاعداء ضد نهوض المسلمين ونجاح الثورة. ففي اليمن حرب على الإسلاميين أو الاخوان كما يسمونها وهي من الحرب الاهلية بين الثورة والثورة المضادة وتساند إيران ومليشياتها الثورة المضادة وفي لبننا حرب على الإسلام غربية (عون) وشيعية (جرو إيران).
والقرار بخصوص لبنان لا يكون بحق ذا دلالة استراتيجية إلا إذا وصل إلى الحصار الاقتصادي التام حتى يصبح شعب لبنان بكل طوائفه مخيرا بين الحرية والكرامة والنأي بالنفس عن الحرب الأهلية العربية اي حرب الثورة والثورة المضادة محايدا وكأنه سويسرا العربية. هو الآن قاعدة إيرانية غربية.
وهذه الحرب مضاعفة ورمز مضاعفتها حلف عون ونصر الله: الأول حرب دينية باسم المسيحية اليمينية والثاني حرب طائفية باسم التشيع. وكلاهما يشارك في مساندة الثورة المضادة رغم ما يبدو من حرب ضد السعودية. ذلك أن النظام في السعودية منخرط اليوم في محاربة الثورة ولا يعي مخاطرها عليه.