الاستراتيجيا، شرط الفعل السياسي المحرر من رد الفعل – الفصل الثالث

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الاستراتيجيا

اعتقد جازما أن اللبنانيين هم اليوم أمام فرصة ذهبية للإجماع على تحييد بلدهم في الصراعات الإقليمية وحتى في الحرب الأهلية العربية لتكون كما نتمنى سويسرا العرب. وهي كذلك فرصة لتحرير دولتهم التي هي مجرد غطاء لدولة حزب الله وإيران تضفي على مشاركته شرعية الحزب السياسي وهو مليشيا فاشية.

وعندما أسمع اعلامهم يتكلم على السيادة أكاد اختنق من الضحك: لا توجد دولة عربية واحدة ذات سيادة ناهيك عن لبنان. كل الحكام العرب طراطير وهم حيوانات مفترسة لشعوبهم فقط. فليجرب أي واحد منهم أن يلمس شعرة من أي مواطن غربي حتى لو خرب كل بلادهم. يكفي كذبا وضحكا على أنفسنا.

سفير فرنسا في تونس مثلا هو سيد الكل. أرباب الرزق من مافيات مرسيليا (وجلها صهيونية) وبنوك أوروبا يتحكمون في كل شاردة وواردة في من يسمون رجال أعمال ورجال سياسة من بلاد المغرب العربي بحيث إن مافيات العرب ليست إلى صبيان مافيات الغرب. ولا ينكر ذلك إلا من كان منهم.

لذلك وللإنصاف فإن مطالبة اللبنانيين بتحييد بلادهم لتكون سويسرا فيها الكثير من ظلمهم: ذلك أن تحييد سويسرا لم يكن من مستطاع السويسريين بل كان ذلك باتفاق القوى الأوروبية المتصارعة من حولها حسموا أمرها لتكون جنة مسروقاتهم ومهرب كبار مجرميهم وربما مبدعيهم.

لكن الفرصة الحالية مفيدة جدا للبنان حتى تتحرر من الاخطبوط الإيراني وتصبح بلدا مفتوحا لكل العرب فضلا عمن عداهم من العالم فتستأنف دورها الحضاري ولا تبقى مجرد قاعدة لمليشيات إيران التي فرخت في كل بلاد العرب وخاصة في اليمن بتوسط الحوثيين وأفسد حكام العرب طالح اليمن.

لم يكفهم تهديم الهلال كله هاهم في الطريق إلى تهديم الخليج كله وهم يسعون إلى تهديم المغرب كله ومن ثم فالمعركة مع جراثيم إيران ليست نتيجة لحلف مع إسرائيل بل هي ربما علة لحلف الخوارين من العرب الذين رفضوا الحل الثالث واستكانوا للحماية الإسرائيلية.

الهرب من إيران إلى إسرائيل أو من إسرائيل إلى إيران ليس سياسة قوم لهم كرامه بل هو دليل جبن من قيادات لا كرامة لها ولا يمكن أن يعتمد عليها في مشروع الاستئناف: لذلك فكل حركات المقاومة العربية وخاصة تلك التي اختارها الشعب لما عاش لحظة حرية تكون تخون الامانة إذا لم تسع للحل الثالث.

وقد اعتبرت حرب داعش على تركيا الدليل القاطع على أنها أداة إيرانية وإسرائيلية ولا علاقة لها بالإسلام فضلا عن الاستئناف الذي تسعى إليه الأمة بثورة مطالبها الحرية والكرامة والتحديث المستقل لأمة لا يمكن أن تستأنف دورها بخرافات ما يسمى بعلوم الملة التي بينت عقمها النظري والعملي.

ذلك أن الحل الثالث الوحيد هو الحلف بين من أنشأوا دولة الاسلام الكبرى (العرب) ومن حافظوا عليها إلى الخمس الأول من القرن الماضي (الأتراك) خاصة بعد أن شرعوا بجد لاستعادة التناغم بين سياستهم الحديثة وتراث وطنهم الإسلامي. ومن لم يفهم هذه الضرورة فهو خارج منطق العصر.

وتركيا حتى لو ارادت ليس لها ما يمكنها من ذلك لأن عرب اليوم ليسوا عرب القرون الوسطى فهم عدة وعتادا أقوى من تركيا على الأقل خمس مرات لو كان لهم ما ينبغي أن يكون لهم من فهم لمنطق العصر الذي لم يعد منطق الأقزام والدويلات المحميات ماديا وثقافيا.

وهذا هو الشرط الذي يمكن لبنان من الحياد لتكون سويسرا الإقليم العربي التركي المتحرر من خطط ذراعي الاستعمار الروسي والأمريكي فيه أعنى إيران وإسرائيل. العرب والأتراك لهم من الوزن المادي والروحي بمنطق العصر ما يمكنهم من حماية الإقليم من هذين السرطانين.

ولهم خاصة ما يحقق شروط الندية مع أوروبا لأن هذه رغم مواقف يمينها الذي لم ينس الماضي والمماثل موقفهم لموقف الأغبياء من يدعون الإحياء لم تعد سيدة العالم بل هي بدورها في نفس الوضع الذي عليه بلادنا حتى وإن بدت حاليا محميتها أقل بروزا من محميتنا: إنها توابع أمريكا وقريبا إسرائيل.

ذلك أن إسرائيل باعتبار ما يجري حاليا ستكون سيدة الإقليم ومن ثم فهي مع أمريكا قادرة على خنق أوروبا التي تسيطر أولا على نخبها وفكرها وسياستها واقتصادها ثم تصبح لها القدرة العلنية على جعل هذه السيطرة بيد دويلة إسرائيل التي تكون قد أصبحت امبراطورية الشرق.

وتلك هي العلة التي ارى أنها قربت ضرب إيران بعد أن انتهت مهمة التجريف المعد لهذا الدور الإسرائيلي ومن ثم فيمكن للعرب والأتراك إذا كان لهم من له دهاء معاوية أن يستعدوا لهذه اللحظة حتى لا يضربوا مع إيران بدعوى استعمالهم -وخاصة العرب-للمشاركة في ضربها.

وبدلا من المشاركة في أمر يمكنهم أن يستفيدوا منه أكثر ممن يريد استعمالهم بارود حربه عليهم أن يستعدوا لما بعده حتى يستطيعوا منع ما لأجله سيقع: خطة أمريكا وإسرائيل هي استعمال إيران للتجريف فتصبح عدوة لأهل الإقليم ثم استعمال هؤلاء لضرب إيران والنتيجة ضرب الجميع بعضهم ببعض.

فالمعلوم أن خطة أمريكا وإسرائيل لن تكتمل إلا بضرب من جعلوه بعبعا يخيف الانظمة العربية ثم ضربه الخائفين من العرب تمويلا وتجنيدا كما فعلوا مع الاتحاد السوفياتي في افغانستان مع فارق الحجم بين السوفيات وإيران. وخطة الحل الثالث ليست حلفا مع إيران بل استعدادا لما بعد ضربها الحاصل حتما.

لا أحد من العرب ولا من الاتراك يستطيع وحده تمثيل هذا الحل الثالث ومساعدة لبنان وغيرها من بلاد الإقليم الصغيرة في السعي للحياد بالممكن من مستوياته. ومن ثم فمطالبة اللبنانيين بالحياد مثلا يقتضي إزالة قاعدة إيران فيه وليس في ذلك أي خدمة لإسرائيل فهو مع إيران الأخدم لها من أي أحد.

فلا هو ولا نظام المجرم ولا إيران يمكن أن يزعجوا إسرائيل خاصة إذا تحقق لإيران ما ترجوه من صفقة الاتفاق النووي والاستعداد لاستئنافه حتى يصبح رادعا: فمن يستعمل المقاومة ورقة تفاوض لا يسعى إلى تحقيقها غايتها المتجاوزة لهذا الدور. ومن لم يفهم ذلك يجهل دور المساومات السياسية.

والنخبة السياسية اللبنانية تشبه أعضاء مجالس التشريع الروماني: فهم أخبث سياسيين في العالم لا أحد يشكك في قدرتهم على المناورة التي لا حد لها وهم إذا فرض عليهم ما يؤدي إلى النهوض ضد دولة حزب الله فلا أشك لحظة واحدة في أنهم قادرون على ذلك. يكفي أن يعروه من شرعية حزب مشارك في الحكم.

ذلك أن شيعة لبنان بشر لهم عقول تدرك مصالح طائفتهم وليسوا مجرد دمى تستخدمهم مليشيا حزب الله وخاصة بعد أن أفهمتهم تدخلاته في سوريا كلفة سياسته على حياة أبنائهم وما يمكن أن تفهمهم كلفة تدخلاته في الخليج وهي الأكثر إيلاما إذا طبقت بصرامة: فهم أعلم من الجميع بما يدينون به للخليج.

صحيح أن إيران تمول المليشيا بشهادة رئيسها لكنها لم تعط شيئا للشعب اللبناني عدى ما قد يجره سلوك المليشيا عليه من دمار وخراب فضلا عن تغيير ثقافته المنفتحة والمتقدمة والتي كانت تعتبر مصدر الريادة في كل بلاد العرب. وهو ما ستخسره لبنان إذا تواصلت دكتاتورية دولة حزب الله فيه.

أعتقد اذن أن أمام اللبنانيين فرصة لتحرير بلادهم من القاعدة الإيرانية التي صارت الدولة الفعلية ومن يسمونهم رئيس الحكومة ليس إلا دور موظف بلدية يدير الحياة اليومية لعبيد حزب الله صاحب السلطة الفعلية التي ألغت كل سيادة لما يسمونه دولة وهو مجرد محمية مليشياوية إيرانية.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي