لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله
الأزمة
انتهيت إلى أن المقاومة صارت كلها شعبية: فحتى نظامي الإسناد -تركيا وقطر-لم يحمهما إلا الشعب: أدرك أن الجهاد فرض عين والدولة يحميها شعبها. فصارت المعركة بين أربعة شعوب وضدهم، شرعت في المقاومة بمنطق المطاولة: شعب الربيع وشعب فلسطين وشعب تركيا وشعب قطر: شعب توحده كرامة الإنسان.
والسؤال هو ما شروط المطاولة؟
عين ما به تتوثق الوحدة أعني تحقيق شروط الحرية والكرامة بما استردت أوروبا به دورها بعد الحرب الثانية: خطة مارشال.
فالأعداء يعلمون أن شعب الربيع وشعب فلسطين لهما قدم أخيل يجعلهما هشين لأن حصارهما من أيسر الأمور عند من يتحكمون في أرزاقهما بما لا يطاق.
ولما كان الله قد أنعم على السندين -قطر وتركيا- ما يمكن من فك الحصار بصورة استراتيجية وليس بالصدقات والمعونات أصبح تحقيق خطة تمكن من الاستقلال المادي في المتناول.
فمافيات بلدان الربيع يعلمون ما يترتب على هذه الهشاشة ولا تحرر من سلطانهم إلا بتحقيق طويل النفس للتحرر من التبعية. فأوروبا تعافت بخطة مارشال.
وأفهم قطر وتركيا إذ يخافان من فساد الدول العميقة في بلاد الربيع ومن حصار العرب وإسرائيل لهم ولفلسطين لكني أعتقد أنهما سيجدان الحل لذلك.
وينبغي ألا يكون الأمر سريا أو متعلقا بحزب معين أو بجماعة معينة دون أن أنفي الحاجة لمثلها بل عن طريق خطة علنية وبرعاية منظمات الأمم المتحدة.
ذلك أن أي خطة سرية غير مضمونة. ولا يعتمد على الأحزاب والهيئات ففيها من يأكل الأخضر واليابس بل لا بد من خطة علنية قابلة للمراقبة والمتابعة.
والهدف في مرحلة أولى هو تثبيت حصيلة الربيع وتقوية صف فلسطين بعمل يكون ذا ترويج دولي بخلاف عمل الثورة المضادة الذي هو تآمري وتخريبي.
وهذه الخطة تحقق السند وتبرئ النوايا ومن العسير أن ترفضه المنظمات التابعة للأمم المتحدة: التربية والصحة والشركات الصغرى لمقاومة البطالة.
ويراعى في ذلك المعايير الاقتصادية التي لا تكون عملا خيريا بل عمل ذو مردود يكون فيه ممول الاستثمار مستفيدا ومفيدا منذ المرحلة الأولى.
وبعد مرحلة تثبيت الحصيلة تأتي مرحلة الفائدة الكبرى: فالسوق ستضاعف التبادل بين الشعوب الأربعة: قطر وتركيا والربيع وفلسطين. وستكون جاذبة للبقية.
ومزية هذه الخطة أنها تعد لأهداف بعيدة ليس من الضروري كشفها من البداية: تحقق ما حققته أوروبا فتغني عن التبعية وتحقق الندية بشروط السيادة.
وحتى أكون صريحا لأن كل عمل جماعي إذا لم يتوفر فيه عامل الندية يمكن أن يؤول إلى عدم اطمئنان أطراف العمل فيما بينهم: فقطر ليست بحجم تركيا.
لذلك فمن حظ قطر أن الربيع وفلسطين عرب مثلها فيحصل الترادع شرط الندية بين الأتراك والعرب أي بين البداية والغاية بين المنشئين العرب والمحافظين الأتراك.
وبذلك لن يستطيع أعداء الحلف الساعي للحرية والكرامة اتهام قطر بأنها صارت محمية تركية أو اتهام تركيا بأنها ذات نزعة عثمانية للهيمنة عليها.
ومن يغفل عن حسبان دعاية الاعداء قد يوفر لهم شرط التنغيص الذي قد يعطل مشروع بناء نواة تركية عربية قادرة على تحقيق ندية نسبية مع الأعداء.
وعندما ينجح هذا القطب ويصبح جذابا ستصبح الطريق معبدة -مقاومة المطاولة- ويمكن للاستئناف أن يصبح في المتناول فنسهم في بناء نظام العالم الجديد.
وأختم بكلمة: فبلاد العربي مليئة بالكفاءات التي لا يبرز دورها لعلتين: فقدان الامكانات المادية والمشروع المولد لحماسة العمل المبدع.
فإذا توفرت الإمكانات بمشروع جنيس لمشروع مارشال بخطة علنية وعلمية نشأ التنافس بين المبدعين فأمكن في أجل غير طويل تحقيق المعجزات الفعلية.
لكن إذا بقيت المقاومة مقصورة على رد الفعل فإن الأعداء في جعبتهم ألف انقلاب ومؤامرة ولهم من الإمكانات والخيانات بيننا ما لا قدر الله يهزمنا.
فالسياسة الرشيدة تهدف إلى تحقيق المصالح البعيدة أي شروط السيادة وهي سلبا التحرر من التعبية حماية ورعاية. وهي تتجاوز حجم قطر أو حتى تركيا.
ألمانيا قد فهمت -وهي ما نعلم- أنها بحاجة إلى قلب الصفحة مع فرنسا وأن أوروبا قد تخرج من التاريخ إذا أبقت على أحقاد الماضي والدولة القطرية.
فمتى نفهم؟
جنوب شرق آسيا فهم.
أمريكا اللاتينية فهمت.
العالم كله فهم ما يقتضيه عصر العماليق.
فمتى نفهم ذلك؟
ومتى نعمل على تحقيقه بدل الأماني والأغاني؟
أدعو امير قطر ورئيس تركيا لوضع لبنات أولى لمشروع مارشال بينهم وبين الربيع وفلسطين علنا وبتوسط المنظمات الأممية تجنبا لتهم المتربصين بهما.
فإلى متى سيبقى العرب كل قبيلة تكون دولة بالاسم وهي في الحقيقة محمية لا حول لها ولا قوة يتقاذفها الأعداء وأصحاب البلاء باسم الإخاء؟
باسم سيادة وهمية الكل يعلم أنها ممتنعة إلا بشروط الحماية والرعاية الذاتيتين نفقد السعي الحقيقي لتحقيقها بمسلك الفاهمين لروح العصر.
ما بال العرب يوهمون أنفسهم بالمستحيل في حين أن الحلول التي جربتها كل الأمم لا تتنافى مع السيادة القطرية بمظلة توفر شروط الحماية والرعاية؟
هل توجد دولة عربية واحدة حتى لو كانت بالعدد الذي يفاخر به غبي مصر لها ما لأي ولاية أمريكية من القدرات والإمكانات؟
كفى كذبا على الذات. فلنع.
المانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر تأخرت على بقية أوروبا وظلت متأخرة حتى منتصف القرن التاسع عشر ولم تصبح قوة إلّا بعد الوحدة.
وكان فيها من الدويلات والإمارات ما يفوق عدد محميات الجامعة العربية. لكنهم بسبب الوعي بما يفعل بهم تشرذمهم اجتمعوا فأصبحوا أول قوة أوروبية.
سيكتب التاريخ لمن يبادر من العرب بالطرق السلمية التي وصفت وبعكس دكتاتورية البعث والناصرية إلى بناء شروط السيادة علنا وبخطة كخطة مارشال.
ولا يحتاج ذلك للعنتريات ولا للتضحية فالكل سيكون رابحا فحصانة الدول أساسها انتشار ما لديها من قوة لطيفة قبل العنيفة: الاقتصاد والثقافة.
ومن حسن الحظ أن الثقافة واحدة.
لكن التعاون الاقتصادي ما يزال علاقة ثنائية وليس خطة لنواة كما بدأها دوغول وأديناور لاستعادة سيادة أوروبا.
أزمة الخليج اعتبرها منبها لكل ذي بصيرة بأن العرب كلهم ما يزالون خاضعين لغيرهم مضطرين للعب على حبال ترضية هذا أو ذاك في شكل محميات تابعة.
الكتيب