الازمة، سطحها أزمة الخليج وعمقها صفقة العصر- الفصل الثالث

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله

الأزمة

هذا هو الفصل الخامس والأخير بعد فصلي خطاب أمير قطر وفصلي وجهي ازمة الخليج سطحها وعمقها: كيف أتصور القطب الجاذب ونواة الوحدة شرط السيادة.

ذكرت في الفصل السابق أنه لا قطر ولا تركيا يمكنهما بمنطق عصر العماليق أن يكون لهما الحجم والوزن الكافيين للسيادة ما لم يفهما ما فهمته أوروبا.

فللسيادة شرطان هما الحماية والرعاية الذاتيتين ولا أعني الأوتارسي (الاكتفاء الذاتي المطلق) بل شروط الندية في التبادل السلمي والحربي كجماعة.

وحتى لو اجتمعت قطر وتركيا فذلك لا يكفي. فأوروبا وهي قد عملت ما تستطيع من التكامل لم تصل للدفاع الذاتي المستقل عن أمريكا أي المخلص من روسيا.

وما أظن أحدا من قادة قطر وتركيا يجهل ذلك فيحتاج لي لأشرح العلل.

المهم أن الوعي بهذه الحقيقة لم يؤثر بعد في سلوك أي قطر عربي أو مسلم.

وعندما اقترح زعيم الإسلاميين السابق في تركيا ما يشبه التكامل بين ثمانية اقطار إسلامية قضي عليه. لهذا اقترحت خطة علنية برعاية أممية: خطة مارشال.

فكل تعجل وإبراز لنوايا الغاية من البداية سيجعل المهمة شبه مستحيلة لأنه لا أحد من القوى المحيطة بالإقليم أو فيه يسمح للسنة أن تسترد دورها.

والعلة معلومة: فتاريخ العلاقة بين الحضارتين وبالذات عندما يتعلق الأمر بالعرب بداية والأتراك غاية بين للجميع والغرب أكثر شيء يخشاه دورنا.

إذن كخطوة أولى لا بد من عمل اممي في شكل خطة مارشال.

وهي تقريبا مائة مليار دولار تكون مناصفة بين قطر وتركيا نصفها تمويلا ونصفها تجهيزا للنواة.

وإذن فمن البداية يكون العمل مثمرا لكلا الصفين صاحب التمويل والتجهيز القطري والتركي. والتجهير القطري بطاقة الانتاج والتركي بأدوات الإنتاج.

ويكون المشروع متعلقا بالبنية الأساسية وبالأنشطة الأساسية:

1-شروط التواصل والاتصال.

2-شروط التربية والصحة. نموذج التنمية المادية والإنسانية.

وهذا سيحل مشكل البطالة ويزيل دواعي الفوضى والإرهاب ويعيد السلم ويوسع السوق بل هو سيضاعفها حتى لو كان البداية مقصورة على تونس وليبيا مؤقتا.

لكن يمكن ضم السودان وحتى مصر بعد أن يسقط العميل السيسي فنكون بذلك قد حققنا مجموعة متعاونة من حوالي مائتي مليون وهي سوق معتبرة بمشروع بيّن.

وليس هذا من الأعمال المستحيلة لأنه مقدور عليه ماديا وقابل للتحقيق بشكل أممي يقلل من الريبة فيمنع علما وأن منظمات الأمم المتحدة مكلفة بسبب الفساد.

ورغم علمي أن المعوقات الآتية من الأعداء كبيرة وشبه عصية عن العلاج لكني متأكد أن العائق الأكبر والأهم هو التشبث بالقطرية وهي علة التبعية.

فكل الذين الذي أقدموا على حل معضلة السيادة تخصلوا من مرض القطرية وإطلاق الدولة الوطنية ليجدوا وسطا بينها وبين جماعة أكبر متحدة المصالح.

وفي هذا الحل الذي ينتج ما يشبه درجتين من المواطنة قطرية وأوسع منها- ولنا منها مثال المواطنة الأوروبية- لا تنقص السيادة بل تزيد وتتدعم.

ويمكن عندئذ للأقطار الصغرى أن تحتمي بالدرجة الثانية من المواطنة فتكون ذات سيادة أمتن وأضمن وأقدر على الاحتماء بإطار شاركت في صنعه بحرية.

وقد رأينا مثال أزمة اليونان. هل يجد أي بلد عربي-والكثير منهم في حالة اليونان أو أسوأ- من ينجده فيخرجه من كبوته ويحفظ سيادته من تبعية التسول؟

صحيح أن تركيا وقطر يساعدان تونس مثلا. لكنها علاقة ثنائية ولا أرى فرقا بينها وبين علاقتها مع أي بلد أجنبي همه الأول التأثير والربح السريع.

وما ظل الغني العربي أو المسلم يعتبر نفسه في مثل هذه العملية متفضلا وليس مشاركا في أمر يحدده المصير الواحد فهو لم يفهم منطق العصر والسيادة.

وسأضرب مثال الجزائر وليبيا قبل الربيع: كان يمكن لهما في طفرة البترول أن يبنيا المغرب العربي فيزدادا قوة ودورا في العالم. لكنهما خرباه بحمق.

وما أراه يجري حاليا في الخليج لا يقل حمقا عما جرى في المغرب العربي وقبله في الهلال الخصيب الذي صار أجدبا بسبب غباء قيادات عربية من حزب واحد.

ويمكن أن أقول نفس الشيء عن الأتراك: فهم غير دارين بأن ما بين العرب والأتراك من ضغينة نماها الغرب

والحرب تقتضي تجاوزها بسلوك شديد الحذر.

فإذا لم يراعوا أمرين:

1- تاريخ العلاقة المعقدة بين الشعبين العربي والتركي.

2-وحرص أوروبا على بقاء هيمنتها في المغرب العربي فإنهم لن ينجحوا.

الآن أرضيت ضميري واشعر بالراحة: لم أكتب في الموضوع لأكتفي بالوجه الموجب من خطاب الأمير وهو فعلا موجب. لكن لا بد من بيان الفاعلية المستدامة.

فلا أحد يعتقد أن العلاقات الدولية يحكمها القانون وحده. وحتى في نفس الوطن لا يحكم القانون وحده. كلاهما مشروط باستقلال القضاء وقدرة التنفيذ.

والشرطان في الداخل هما سر شرعية الدولة. لكن العالم لا تحكمه دولة لا عادلة ولا ظالمة. تحكمه موازين القوة بين الأمم. وهو يخضع لهوى الأقوياء.

أما عنتريات العرب بعضهم على البعض فمن مهازل الدهر. تراهم عماليق خاصة إذا عوض الإعلام الكاذب عادات صوت العرب وطبالي النخب فترى العجب.

عندما ترى السيسي يستعرض جيشه الذي لا يفلح إلّا في تعذيب شعبه ويخسر أي معركة في ربع ساعة تعجب من هؤلاء القوم ما طينتهم وعلى من يكذبون؟

أما إذا رأيت سخافة التبجح بأن أول طائرة ضربت داعش كانت امرأة ألله أعلم من أي قوم هي فاعلم أنك في مسرح هزلي عربي يبكي حتى يدمي ولا يضحك.

أبعد من هذا هل يمكن أن يعتمد المرء على حكام الثورة المضادة وهم حيث هم بأمر من الحامي ولا يبقون إلا برضاه ثم يتهمون الثورة بمؤامرتها عليهم؟

وتجد من أدعياء الثقافة من يحاول التنظير لهذه المؤامرة وخاصة بين مليشيات القلم الذين يتكلمون باسم القومية الليبرالية ومقاومة الغرب وإسرائيل.

وفي هذا المناخ المسموم ألا يحق لأي مواطن مخلص للأمة أن يعترف لذوي الفضل رغم الوضع الدولي الحاد بدورهم في مساندة الثورة وفلسطين؟

فهذا أقل واجب علينا.

خطونا الخطوة الأولى فكانت أصل كل ما يحدث.

وهي خطوة سياسية وروحية لأن شعارها بيتا الشابي إصلاحا لمفهوم القضاء والقدر.

وبه تستأنف الأمة مسيرتها نحو الحريتين الروحية (لا وساطة بين المؤمن وربه) والسياسية (لا حق إلهي في حكم ا لامة لغير الأمة): أصالة وحداثة.

فإذا حوربت قطر وتركيا لأنهما ساعدتا هذه الثورة التي هي فجر الاستئناف فهما أهل لأن أكتب ما يمليه علي ضمير عرفانا لدورهما حيث عز الصديق.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي