ه
ما لم أستطع له فهما في سياسات أطراف النزاع في الإقليم هو الأسس التي يبني عليها الحكام العرب والنخب العربية وإيران المعركة الحاسمة مع الاستعمار وقاعدته في الإقليم أعني إسرائيل والتي تجعلهم هم أداة تحقيق سياسة أمريكا واسرائيل دون أن تكلفهما شيئا يذكر لأن التهديم الذاتي في الحرب الأهلية الشاملة للإقليم تغنيهم عنه.
ولنقل إن لهذه الاطراف الثلاثة أهداف بينة وهي كالتالي:
- إيران تريد استعادة ما تسميه دولتها المتقدمة على الإسلام تحاربه
- الأنظمة العربية خوفا من هذا المشروع وحفظا لوجودهم يستعينون بأمريكا وإسرائيل ويحاربون الإسلام السياسي.
- النخب باسم التحديث الليبرالي أو اليساري يحاربون الإسلام ليس لعلل فلسفية بل لظنهم أن ذلك من علامات الحداثة التي يتصورونها معادية للدين لجهلهم بالحداثة وخاصة التي يتبعونها أعني حداثة النكوص على النقد الكنطي عند هيجل وماركس.
فيكون المشترك بينهم ثلاثتهم الحرب على الإسلام رغم اختلاف الداعي، لدافع عقدي قومي يتأثر بالتشيع لآل البيت في الحالة الأولى ولدافع سياسي لحفظ الأنظمة في الحالة الثانية ولدافع إيديولوجي يدعي التحديث القيمي في الحالة الثالثة. وكل ذلك يخدم استراتيجية سايكس بيكو ثانية امريكية اسرائيلية.
وما أريد فهمه: - هل خطة إيران تطابق مع يدعونه وما يزعم لهم من دهاء وعمق نظر بعيد المدى في ما يتعلق بتعاملهم الاستراتيجي مع الوضعية الحالية في الشرق الأدنى أي هل هم متأكدون أن الفرصة سانحة حقا لتحقيق مشروعهم في استرداد امبراطورية فارس؟
هل أمريكا وإسرائيل تسمحان لها بغير دور تريدانه في مشروعهما وقد حان أوان الاستغناء عنها؟ - وهل الانظمة العربية محقة في توهم أمريكا وإسرائيل تنويان حمايتها مما خططتا له للقضاء على ما لهم من قوة تستمد عادة من شرعية دينية جعلاهم مثل جحا يقطعون الغصن الذي هم جالسون عليه لأن شرعية أي نظام تنتج إما على منجزاته لشعبه أو على معتقدات شعبه. والأولـى شبه معدومة وهم يعدمون الثانية.
- وأخيرا هل النخب التي تدعي التحديث حداثية فعلا أم إن حداثتها قشورية وتتعلق بنتائج الحداثة دون عللها وشروطها تماما كما فعل باشوات مصر من عهد محمد على إلى الآن حيث تعتبر الحداثة بالمقارنة مع من بدأ بعدهم في آسيا-اليابان-النتائج الاستهلاكية بدلا من علل الحضارة الحديثة كما نرى مصر.
لو كانت إيران والأنظمة العربية والنخب العربية قد اختارت سبيلا سالكة لتحقيق ما تهدف إليه لما ناقشت أحدا منهم ولاعتبرتهم يعملون على علم ولكانت النتائج وحدها كافية ومغنية عن الجدل معهم. لكن ما يتبين مما يجري هو أن الأطراف الثلاثة تتصور خططها انتهاز فرصة كل واحد منهم يتصورها سانحة وهي في الحقيقة لا تحقق إلا فرصة لأهداف إسرائيل وأمريكا ضد المسلمين عامة ومسلمي الإقليم خاصة.
فتوهم السنوح هو العلة في التحليل الخاطئ لدى الأطراف الثلاثة. فإسرائيل وأمريكا نالتا غرضهما من توظيف إيران إذ إن الأنظمة العربية استسلمت لهما نهائيا خوفا من إيران. ونالتا غرضهما من توظيف النخب العربية إذ إنهم لم يحققوا شيئا مما يزعمون السعي إليه يساريا أو ليبراليا بل صاروا خدما للاستبداد والفساد. ونالتا غرضهما من إيران لأنها أدت المهمة المنتظرة منها وهي ليست جديدة لأنها كانت كذلك خلال كل تاريخ الإسلام فلها عين الدور: الحلف مع أعداء الإسلام باسم الانتقام من السنة التي قضت على امبراطوريتهم. والمهمة هي الحرب على الإسلام والانتقام من العرب منذ اغتيال الفاروق إلى الحشاشين والحلف مع الصليبيين ومع مغول الشرق ومع البرتغال في حرب الاسترداد إلى الحلف مع مغول الغرب أو أمريكا ومع روسيا وذلك من أجل مشروع مستحيل التحقيق.
فإيران مهما زعمت من قوة ودهاء أوهى من بيت العنكبوت وهي لا تزن ريشة عندما يجد الجد فالعرب وحدهم كافون للقضاء على قوتها فضلا عن الأتراك والأكراد والأمازيغ وسودان افريقيا ومسلمو الهند وجنوب شرق آسيا إلخ….وإيران التي تدعي بالعنتريات أنها حققت هدفها وخاصة عندما فاخر أحد قادتها باسترداد أربع عواصم عربية هي في الحقيقة لم تحقق شيئا ثابتا لذاتها بل هي مهدت الأرضية لإسرائيل بتهشيش الأنظمة العربية التي كانت على وهائها تمثل نوعا من الانضباط في الإقليم فصار الإقليم في وضع أشبه ما يكون بالفوضى الخلاقة التي أرادتها خطة أمريكا. لكن ذلك قد يصبح ذا فائدة للاستئناف كما سنرى.
وعلة عجزي عن فهم هذا المنطق في الحالات الثلاث هي ما يمكن رده إلى سخافات حسنين هيكل في العهدين قبل سقوط السوفيات وبعده. فهو انتهى بعده إلى مضاعفة الحلف الإيراني الروسي بإضافة إيران نظير إسرائيل في الحلف الاسرائيلي الأمريكي ظنا أن السياسة تخضع لمبدأ الثالث المرفوع بين النقيضين. فلماذا أرد الأمر إلى عقم تفكير حسنين هيكل؟
لعلتين: - بسبب دوره في سياسة مصر وخاصة في عهد عبد الناصر بكتابه الدال على الحمق إذ اعتبر فيه الوطن العربي وافريقيا ودار الإسلام مجرد “مجال حيوي” لمصر الفرعونية.
- بسبب ترسيخه لدور إيران التي تدعي المقاومة موهما القراء بأنه-هو وإيران مع المقاومة حقا- في حين أن الحرب على الإسلام بدأت بالإيهام بأنه يحارب رجعية الأنظمة الخليجية وليس الإسلام في حد ذاته.
ذلك أننا أحببنا أم كرهنا ليس للإسلام السني ممثل غير الشكلين الغالبين عليه أعني شكله الموجود في الخليج وشكله الموجود في مصر- طبعا عند الكلام على المنتسبين إلى الجامعة العربية في الإقليم لأن الإسلام خارجها له ممثلون آخرون- وخاصة منذ أن بدأت تركيا تسترد ذاتها وهويتها- ومن ثم فالحرب عليهما هي الشكل الأول من الحرب على الإسلام وخاصة قبل الصراع الحالي بين سلفية الاخوان وسلفية الوهابية.
ولما كانت الثورة قد برهنت على أن الشعوب أقرب إلى الإسلام السياسي غير المقتصر على التعبدي منه (سلفية الوهابية) بل الجامع بين التعبدي والسياسي الاجتماعي (سلفية الاخوان) – وهو الفرق بين الاخواني والوهابي-كان طبيعيا أن يحصل الحلف الحالي بين نظامي الخليج القبليين والعميلين لإسرائيل وأمريكا وبين الأنظمة العسكرية العربية التي تشاركهم نفس العمالة ولم يبق لهم إلا الشوكة وفقدان كل شرعية. ومثلهم الانظمة العربية الحليفة للملالي فهم أيضا يحاربون الإسلام السياسي بالمعنى الجامع بين التعبدي والسياسي.
ولا ننسى أن اقتراح الحل الجزائري -العشرية السوداء-على سوريا يعود إلى هيكل وهو الذي حدد الخطوط الكبرى لسياسة العسكر والنخب المصرية قبل الانقلاب وكان شديد السعادة بحصوله وبحمام الدم الذي حصل بمناسبته وهو إذن من حيث لا يعلم من منظري الحرب على الإسلام السياسي خدمة للعسكر ولما عليه مصر حاليا.
وقد يقال لي: لكن الحل الانقلابي جنب مصر ما كان سيترتب على بقاء الاخوان في الحكم إذ كان ذلك سيؤدي حتما إلى حرب خاطفة إسرائيلية على مصر قد تنهي حكمهم وتعيد مصر إلى القرون الوسطى بنكبة مماثلة لحرب 67. فيكون هيكل قد “نجا” مصر من هذا المصير. وفعلا فلا شك أن إسرائيل كان يمكن أن تتدخل بالحرب العلنية لو فشلت الحرب السرية رغم شبه اليقين بأنها بعد حرب 73 لم يعد لها ما كانت تتوهمه من الانتصار في حرب خاطفة خاصة إذا كانت القيادة إسلامية.
وهنا وصلت إلى بيت القصيد: فما اعتبره علة حكمي على عقم فكر هيكل هو بالذات هذه الحجة. فلكأن هيكل والقائلين بنفس الفكر يفضلون خيار الانهيار اللطيف لبطئه بدلا من المقاومة ولو بـالخيار العنيف الذي كان مآله سيكون الانتصار البطيء لكنه الثابت والحتمي. كانوا يجهلون أن إسرائيل لو تدخلت علنا لخسرت المعركة حتما وأنها تعلم أنها لن تربحها إلا بالشكل الحالي الذي هو استعمال العملاء بالخيار اللطيف. فكان هو منهم حتى وإن لم يكن يدري حتى لا أتهم النوايا (إذ لا يعلم السرائر إلا الله). ولا يمكن للإسلام السياسي أن ينتصر إذا ظل قطريا ولم يسترد دوره الشامل للإقليم كما يفعل اعداؤه: الثورة المضادة اقليمية بل وعالمية ولا يمكن التصدي لها بالقطريات مهما صمدت لأنها إن ظلت قطرية ستتساقط تباعا.
فالربيع العربي -وهذا هو ما يتجاهله المحللون الاستراتيجيون-أفزع اسرائيل وأوروبا وإيران والأنظمة وخاصة أمريكا بعد أن اختار الشعب الإسلام السياسي-هو أنه مسح نهائيا ما خططوا له منذ كامب داود لإخراج مصر من المعركة في الإقليم وحيدوها لكي تبقى إسرائيل تسرح وتمرح وإيهام إيران بالفرصة السانحة. الربيع أعاد لمصر دورها الإقليمي لكن الحمق الاستراتيجي لهيكل وشلته أراد إخراجها من التاريخ وهو الحاصل حاليا لأنها صارت مجرد “جذع نخل خاو”. وهنا يمكن أن نفهم لماذا صار الربيع العربي وتركيا يمثلان الخطر الذي يعتبر وكأنه قد أعاد الوضعية إلى أمرين: - أولا محو آثار سايكس بيكو الأولى.
- ثانيا حال دون سايكس بيكو الثانية.
ما يجري حاليا هو معركة سايكس بيكو بشكليها. فالأول انتهى ببعديه: - أنهى علمنة تركيا
- وأنهى ثبات الحدود.
وفي هذا المضمار حتى داعش أدت دورا لا يقتصر على ما قصد منها في استراتيجية المخابرات التي أحدثتها. ذلك أنها هي التي مثلت رمز القضاء على الحدود على الأقل في الهلال بين سوريا والعراق. لم يكن ذلك قصد صانعيها. فهذا الهدف ملتبس وهو من مكر التاريخ فيمكن أن يسهم في سايكس بيكو الثانية لتغيير الحدود وهو مجرد احتمال لكنه أنهى الحدود التي رسمتها الأولى بالفعل وليس بالاحتمال.
وحتى محاولة تحريك علمانيي الأكراد للانفصال في سوريا والعراق وتركيا وإيران فإنه يخدم الغرضين بنفس الالتباس: فيمكن اعتباره خطوة أولى نحو سايكس بيكو الثانية كما كان توظيف العرب في الأولى بجعلهم يحاربون الخلافة. لكن التجربة العربية من المفروض أن تمثل درسا للأكراد مع وضع قومية الدول على المحك.
فالمسألة الكردية على خطورتها في الإقليم حاليا-مثل المسألة العربية في بداية القرن الماضي-يمكن أن تجعل أهله يتساءلون عن فائدة الرؤية القومية والاثنية للدولة الحديثة إذ حتى من وضعوها في أوروبا بالعنف الموحد لدولهم بفرض عرقية واحدة وثقافة واحدة بدأوا يتخلصون منها لأنها لم تعد ممكنة. وهي لم تعد ممكنة لعلتين:
• لم يعد ممكنا محو الأقليات القومية باسم قومية غالبة.
• ولم تعد أي دولة قومية ذات حجم كاف في عصر العماليق.
ومن ثم فالدول المناسبة لنظام العالم الجديد متعددة القوميات وشبه فدراليات أو هي متجهة إلى هذا الشكل إذا ما استثنيا الصين والهند على الأقل في الظاهر. لماذا على الأقل في الظاهر؟ لأنهما في الحقيقة ليس أي منهمـا من هي ذات قومية واحدة بل هم أقوام متعددة فرضت عليهم الوحدة من قبل الاستعمار في البداية ثم الأنظمة التي تلت الاستعمار حافظت عليها وعمقتها ولا يزال الأمر جاريا كما نرى ذلك في الصين التي تريد ابتلاع العديد من الأقوام بالعنف.
وحتى لا أطيل فهل يوجد “ثالث” لا ينبغي رفعه تكذيبا لتخريف حسنين هيكل-وقد كتبت في ذلك في حياته لا يقال إني أتلكم في ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولم يفعل لأنه كان يتصور نفسه فوق الرد على من هم مثلي ليسوا عملاء كبار مثله-بأن العرب عليهم الاختيار بين إيران وروسيا أو إسرائيل وأمريكا.
وهذا الحل لا أحتاج للإعلان عنه. فالكل يعترف به ويحاربه. إنه الحلف المصيري والوجودي بين الإسلام السياسي واستعادة الدور لأهل الإقليم كلهم دون تفاضل بينهم -سواء في البلاد العربية أو في تركيا بـاستثناء إيران التي لا يختلف منطق قياداتها عن منطق إسرائيل في تقديم تاريخها القومي على وحدة الإقليم. فالحل الثالث هو الذي تحاربه إسرائيل وأمريكا وعملاؤها العرب وإيران وروسيا وعملاؤها العرب. ذلك هو ما سينهي سايكس الأولى ويحول دون الثانية.
والسؤال ليس هل هذا ممكن بل ما هي كلفته وكيف تكون في المتناول وما شروط تحقيقه رغم كونه مستهدفا عالميا. فذلك لا يجعله مستحيلا إذا نحن جعلناه هدفا بمقتضى ما يتطلبه من استراتيجية المطاولة التي لا يمكن أن يخسرها الإسلام إذا اجمعت عليه الأقوام الخمسة التي بنت دولة الإسلام وحافظت عليها.
هذه الأقوام الخمسة هي:
1-قوم مشترك بين آسيا وافريقيا وهم العرب.
2- و 3-قومان من آسيا وهما الأتراك والأكراد.
4-و5 وقومان من أفريقيا وهم الامازيغ وسودان افريقيا.
فهؤلاء يمثلون ثلاثا محيط البحر الأبيض المتوسط وهم الذين حموا الإسلام في حروب الصليب والمغول والاسترداد والاستعمار. وهم في التاريخ الإسلامي أشبه بما مثلته الضفة الجنوبية من الأبيض المتوسط في التاريخ القديم بين قرطاج وروما لكن بثبات أكبر لأن الإسلام لم ينهزم كما انهزمت قرطاجا هزيمة أنهت وجودها بل كانت هزيمته مؤقتة وهو لم يتوقف عن النمو الذي هو الآن بصدد استرداد الندية وذلك هو رهان المعركة الحالية.
واليوم ما يحول دونهم والقيام بنفس الدور هو “فكرة” الدولة القومية أو الاثنية التي هي سر ضعف الجميع لأنها ليست بالحجم الكافي للتنمية المادية والعلمية ومن ثم فهي بالضرورة محميات لا تستطيع أن تمثل قوة قادة على تحقيق شروط القيام المستقل أعني الحماية والرعاية الذاتيتين.
وطبيعي جدا ألا يفهم “الهيكليون” في الاقليم وما أكثرهم أن الأمم تستمد قوتها من أحيازنا الخمسة:
1-و2-من جغرافيتها وثمرتها
3-و4-ومن تاريخها وثمرته
5-ومن المرجعية التي تجعلها تحقق الحجم الكافي من هذه الفروع الأربعة التي هي عين قيام الوحدة المتعالية على الأعراق والأحزاب والطوائف لأنها شرط القيام المستقل للإنسان الحر.
فالذهنية التي جعلت المصري يدعي أنه فرعوني والعراقي أنه بابلي والسوري أنه فينيقي والتونسي أنه قرطاجني والأمازيغي أنه أمازيغي والكردي أنه كردي والتركي أنه تركي هي التي قضت على وحدة الجغرافيا وثمرتها وعلى حدة التاريخ وثمرته ومن ثم فهي التي تمثل البداية الحقيقية في الحرب على المرجعية الواحدة التي يستمدون منها قوتهم وسر دورهم التاريخي الكوني: الإسلام.
لكن الذهنية القومية المنافية للتعالي عليها في المرجعية الواحدة التي يمثلها الإسلام فشلت فشلا ذريعا. فالشعوب لم تتبع تخريف النخب المستلبة. فما هو فرعوني في مصر هو الآثار التي ليس لها ما يحرك الحي في ضمير الشعب المصري ولا يتجاوز دورها العامل السياحي المبتذل. وحقد النخب التي تدعي أن الاسلام استعمار عربي حمق بين. ذلك أن المسلمين من المصريين ليسوا دخلاء على مصر بل هم من أسلم من أهلها.
وقس عليهم الأمازيغ: فالمسلمون منهم أمازيغ مثل من لم يتعرب منهم كمثل من تعرب. وأهل المغرب خمسة أصناف عربي تزغ وأمازيغي تعرب وعربي وأمازيغي ومن لا يدري أيا منهما هو. ومن عرب منهم أمازيغ مثل غيرهم ممن لم يعرب ولا يمكن لمن لم يعرب منهم أن ينفي أمرين يثبتهما التاريخ دون منازع:
كل تاريخ المغرب أمازيغي إسلامي وليس عربيا بمعنى من قدم من الجزيرة العربية لأن هؤلاء قلة لا تكاد تمثل شيئا يذكر من حيث الكم في المغرب. وقبل هذا التاريخ كان الأمازيغ مستعمرين من قرطاج ثم من روما ثم من بيزنطة ولم تكن لهم دول كبرى فضلا عن الامبراطوريات التي تحققت لهم بفضل الإسلام ودورهم السياسي والعلمي فيه.
فقد أصبح لهم-دول بل وخلافة طيلة قرون أمازيغية القوم إسلامية الثقافة. ونفس الأمر يقال عن الأكراد والأتراك وحتى العرب الذين كانوا إما على هامش التاريخ أو مستعمرات فارسية وبيزنطية. فإذن لهم جميعا خاصية مشتركة.
وهذه الخاصية المشتركة هي أنهم لم يكونوا أو لم يبقوا شيئا مذكورا قبل تاريخهم الإسلامي. فمن كان له ذكر في التاريخ فقده بسبب الاحتلال الفارسي أو البيزنطي. ومن لم يكن له تاريخ سابق على الإسلام ذو بعد كوني مثل العرب والأكراد والأتراك والأمازيغ لم يصبح لهم ذلك إلا بفضل تحرير الإسلام لهم من الاستعمارين الفارسي والبيزنطي.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى دول وامبراطوريات افريقيا السوداء فهم جميعا لم يصبحوا ذوي تاريخ كوني إلا بفضل دورهم في حضارة الإسلام. وإذن فالخاصية المشتركة للأقوام الخمسة الذين بنوا دولة الإسلام وحافظوا عليها هي أنهم يدينون بوجودهم التاريخي الكوني للإسلام إما لأن ما قبله انتهى أم ولأنه لم يوجد أصلا. ولا يمكنهم أن يستردوا دورهم في التاريخ الحديث والمستقبل من دون الانطلاق من هذه الحقيقة التاريخية وإلا فإنهم سيختارون بوعي أو بغير وعي التبعية للاستعمار الاوروبي كما كانوا في عهد روما وبيزنطة متنكرين بذلك لأربعة عشر قرنا من تاريخ شعوبهم وثقافتهم.
والشعب الوحيد الذي يدعي الإسلام ويعاديه هو الذي يتوهم أن حضارته قبل الإسلام ما تزال حية لما قضى عليها الفتح وهو يريد استعادتها وتلك هي خاصيته التي تجعله شريكا للصهيونية في الحرب على الإسلام والفرق الوحيد بينه وبينهم هو في كونه لبس زي الإسلام باسم آل البيت ويقصد بيت آل ساسان.
لذلك فالتركي والكردي والأمازيغي والعربي وسود أفريقيا وجودهم التاريخي الحقيقي لم يبدأ إلى مع الاسلام أو على الأقل التاريخ الذي كان لهم فيه دور عالمي. وهم أمام خيار وحيد إما استعادة هويتهم وتاريخهم الإسلامي-كما تحاول تركيا حاليا-أو الاندماج في حضارة المستعمر الذي يمتص دمهم ويعتبرهم عبيد فضلا عن الاحتقار الدفين في حضارته العنصرية: ويكفي قراءة هيجل وماركس ورايهما فيهم حتى يفهموا علام هم مقدمون. ولا يمكن لعاقل أن يقبل الثاني وإذن فالأمر محسوم.