لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
تمهيد:
هذه محاولة في تعريف مفهوم الإسلام السياسي ليس بالتصورات المجردة بل بالتحقق التاريخي الفعلي قياسا لاستئناف دوره على نشأته الأولى من وجهين:
- الأول هو وجه الأحداث التي يتحقق فيها المفهوم لأنه ليس مجرد فكرة بالمعنى النفسي للكلمة بل بالمعنى الوجودي الذي يجعلها حقيقة متعينة في الوجود الفعلي كما تتجلى بالأفعال ولا تقتصر على الأقوال.
- والثاني هو وجه الوعي بالاحداث لدى الجيل الذي يمثل المستقبل فيها أعني الشباب بجنسيه إذ ينتقل من مجرد العقد الفكري إلى التحقيق الفعلي للعقد فيتحرر من جيل الذين يصح فيهم قوله جل وعلا “كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.
وعندما يتردد القول “الشباب بجنسيه” فينبغي فهم ذلك من منطلق الخطاب القرآني: فهو النص الديني الوحيد الذي لا يخاطب الرجال وحدهم بل يخاطب الرجال والنساء معا.
وذلك يتكرر تقريبا في كل مخاطبة تكليفية أو تقييمية لأفعال المؤمنين والمؤمنات.
ولما كان التعريف تحققا بالفعل لمدلول الإسلام السياسي وليس تصورا فحسب فإن الوصول إلى التعريف يأتي في غاية المحاولة التي تتدرج بتدرج هذا التحقق فلا يكون التعريف المفهومي في الغاية إلا وصفا أمينا لما تحقق في المسار من البداية إلى النهاية في المسار التاريخي الناقل من النشأة الأولى عند نزول القرآن إلى النشأة الثانية الحالية أو الاستئناف: وكلتاهما ثورة كونية تشمل البشرية كلها.
كان شعار ثورة النشأة في حروب الفتح بفضل القرآن الكريم هو”جئنا لتحرير الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد”
- فهل ما يزال لهذا معنى؟
- وما علاقة الإسلام السياسي الذي يحاربه الأعداء وعملاؤهم بهذا المعنى؟
وسؤالي عن محافظة الشعار على معناه يقتضي جوابين:
- الأول هو ماذا يعبد العباد اليوم رب العباد أم العباد؟
- والثاني هل لثورة الشباب هذا السقف العالي؟
والأول يشمل البشرية كلها والثاني يشمل كل من يريد تحريرها بدءا بشبابنا بجنسيه.
وبين أن وجه المسألة الأولى ما يزال كما كان في النشأة الأولى: جاهلية داخلية واستعمار اجنبي.
فالشعار أجاب به رسول جيش الفتح عن سؤال رستم الذي كان يعتبر العرب كلابا حتى علموه أنهم سادة لا يركعون لغير الله.
نظير رستم اليوم يتصور نفسه غازيا لا مغزوا أما العرب المتفرقة هي نفسها تعاني من عبادة العباد بدل عبادة رب العباد.
لذلك فالسؤال حول جوهر رسالة الأمة الحالية في مرحلة الاستئناف جدير بالوضع.
لما بدأت الثورة من تونس كان شعارها قريبا من شعار “تحرير الإنسان من عبادة العباد لئلا يعبد إلا رب العباد” إذ كان المطلوب الحرية والكرامة بمنطق يحرر الأمة من الفهم المنحط للقضاء والقدر والعودة إلى دلالته القرآنية المؤسسة لمسؤولية التكليف.
ولا حرية او كرامة للجميع إلا إذا طبق الشرط القرآني الوارد في الآية 256 من البقرة: فمن يؤمن بالله لا بد أن يكون كافرا بالطاغوت بمعنييه.
فالطاغوت هو عبادة العباد بدل رب العباد بمعنيين:
- تحكمهم في الرزق المادي (الطعام والأمن)
- ومصدر الرزق الروحي (الفكر والدين):
تأله الحكام للعبث بالأنام.
وتلك هي العلة في كون الآية 256 تعلقت بتبين الرشد وحرية العبادة أو عدم الإكراه فيها واشترطت للإيمان الحر الكفر بالطاغوت بـالمعنيين التاليين.
فهذا الطاغوت المضاعف ليس محليا فحسب بل هو محلي وإقليمي ودولي وكله مسلط على من كانت نشأتهم الاولى شعار القضاء على العبودية لغير الله.
حروب الاستنئاف تضعنا في تحد تاريخي أشد من الذي جابهته الأمة في حروب لنشأة الأولى والفتح: تحرير أنفسنا محليا وتحرير الإقليم والعالم.
وليس في ذلك وهم تضخم الذات:
فلا يمكن أن نتحرر محليا من دون تحرير الإقليم من جبروت أداتي الاستعمار وهذان لا يغلبان ما لم يهزم حاميهما.
وهو مهزوم لا محالة رغم السخفاء الذين يتصورون توقعي حول بوتين وهما.
والايام تثبت أنه بدأ مسعى الهروب.
فعندما هزم بشار وحزب الزمارة وكل الأحزاب التي من جنسه ومعهم زوروات إيران جيء بفضلة السوفيات وقائد الكا-جي-بي لعله ينصرهم وسيلحق بهم.
لكن قبل ذلك ألم يهزم جيش أمريكا ويجعل قياداتها تحجم على خوض أي حرب في دار الإسلام إلى شباب السنة في افغانستان وفي فلوجة العراق البطلة.
وحتى تخليص جيش بوش من العراق فإنه كان بحيلة انخدع بها بعض شباب السنة من الصحوات الذين نأمل ألا يكرروها مرة أخرى مع إيران التي تحتلهم.
ولن يكررها ذوو الألباب.
وما يجري من صراع بين حركات المقاومة بكل تطرفاتها هو أشبه بما كان يجري في جاهلية العرب من اقتتال لعله كان فرصة تكوين الرجال للمشروع الثوري للأمة الوسط.
لما جاء المشروع وجد الرجال الذين فتحوا به العالم لتحرير البشر بهذا الشعار الذي رد به رسول الفتح على رستم المعجب الذي يعتبر العرب كلابا.
وهو وصف يصح دون شك على مليشيات إيران العربية: هدمت بلادها لخدمة مستعبدها.
عادت لإيران عنجهية رستم وينبغي تأديبها وعادت لإسرائيل عنجهية عبادة العجل ورضاعة قوة العصر:
وقوة العصر لن تفيدها فعزم الشباب لا يقهر.
أين المشكل إذن؟
ولم أنت واثق من النصر؟
المشكل هو صوغ المشروع الذي يتعالى على كل الخلافات ويوحد الأمة حول الاستئناف.
الثقة؟
الله لا يخلف.
فكل ما يحدث الآن يثبت أن الأمر يتجه الوجهة الصحيحة: فالعدو المحلي(الاستبداد والفساد) والإقليمي والدولي (الاستضعاف والاستتباع) في أزمة بلا مخرج عدا تحقيق العدل والمساواة والأمن للجميع:
وذلك هو مطلب الإسلام السياسي.
الاستبداد والفساد الداخليين والاستضعاف والاستتباع الخارجيين بلغت الحد ولم يبق أي شيء مخفيا للوعي الشعبي وخاصة الوعي الشبابي الذي يطلب الشهادة غاية للعبادة التي تحرر الإنسان وتضفي المعنى على الكيان.
ولا يمكن لأمة قلبها العرب (نصف مليار) وجناحاها يمتدان من اندونيسيا إلى المغرب (مليار) ومعها شباب العالم أن تهزم مهما طالت المعركة بل إن طولها هو سر النصر فيها لأنه يعود إلى أصله : الصبر لأنه جوهر الإيمان.
نعم شباب العالم مع المسلمين وحتى النزهاء من كهوله وشيوخه: فالجميع لم يعد يقبل أن يعبد العباد العباد وذلك هو جوهر العولمة المادية التي بات الجميع من ضحاياها.
كل البشرية الواعية بدأت تفهم ما ظنه هيجل سر ضعف الدولة الإسلامية:
- الأخوة البشرية (النساء 1)
- والمساواة (الحجرات 13) أي العولمة الإنسانية.
وما يطمئنني هو أن نتيجة المعركة الداخلية ضد الاستبداد والفساد اصبحت تحصيل حاصل: لم يعد أي حاكم عربي ضامنا لبقائه بغير إرادة الشعب لأن الحماة لم يعودوا بمنجاة من بأس الثوار محرري الإنسان والديار.
صحيح أن المعركة الداخلية لم تحسم بعد.لكن علامتيها هما سوريا ومصر.ففي سوريا نحن في ربع الساعة الأخير وفي مصر الانتخابات الأخيرة كافية.
لكن أهم شيء في الانتصار على الاستبداد والفساد هو فرز الصفوف:
تبين أن التحديث الأصيل إسلامي خالص لأن بقية النخب انحازت إلى الطغيان.
وذلك هو معنى الإسلام السياسي بالأفعال لا بالأقوال في بعده الاجتماعي والحقوقي والمدني.
فالصامدون في مصر والمقاومون في سوريا هم الإسلاميون دون نفي أن بعض الخلص من غيرهم -وهم قلة- أدركوا الرهان فانحازوا إلى صف الحق والعدل .
تبين أن بلاد العرب من الخليج إلى المحيط ما يزال فيها الكثير من الخير:
فالنخب الإسلامية حافظت على الأصالة وحازت خير ما في الحداثة علما وعملا متحررين من القشور والبثور.
لذلك فهي قد جمعت بين قيم القرآن وقيم الحداثة السوية فلم تخلط بين الأولى والنكوص إلى الجاهلية ولا بين الثانية والعقلية الاستعمارية.
بعد الثورة لن يحكم العرب لا القبائل ولا العسكر بل الشعب هو الذي سيختار من يحكمه ويبقيه تحت مراقبته حتى يتحرر الإنسان فلايعبد إلا الله الذي لا معبود سواه.
والشعب الذي تحرر من الاستبداد والفساد لايمكن أن يقبل بالاستضعاف والاستتباع بل هو سيجمع بين التحرر الداخلي والتحرير الخارجي ليكون سيدا.
ولما كان يعلم أن لذلك شروطا أهمها الحجم المناسب للعصر فهو سيعمل على تحقيق أول هذه الشروط وقد بدأ ذلك في المقاومة نفسها: وحدة الأمة.
فشرط التحرر والتحرير الثورة العلمية والتقنية ولها كلفة تقتضي الحجم وشرط السيادة الحماية والرعاية ولهما كلفة تقتضي الحجم. إذن الوحدة.
وما يطمئنني على المعركة الإقليمية هو أن عنتريات إيران أوصلتها إلى حد الإفلاس بمعنييه.
- فكريا تعرى مشروعها فلم يعد يؤمن به إلا الأغبياء وخاصة بين مليشياتها العربية : افلاس فكري.
- وافلست إيران ماديا لأن دخلها الخام يكاد يرتد إلى نصف الدخل القومي الخام لدولة عربية واحدة (السعودية) وشعبها يناهز المائة مليون ولن يرضى بالقهر ومن ثم فستصل إليه ثورة الحرية والكرامة: إفلاس مادي.
والمفلس فكريا وماديا لا يمكن أن يبقى له غير النباح.
ما فعل الملالي بإيران لا يختلف كثيرا عما فعله العسكر بمصر: وهم العظمة الكاذب.
إعلام إيران ومليشياتها لا يختلف عن إعلام السيسي وزبانيته: فبعد أن أرجعوا إيران ومصر إلى وزن الريشة يريدون أن يوهموا شعبيهم بالعظمة.
لكن الشعوب يمكن أن تصبر قليلا على الفقر والجوع والإهمال بأرجوحة وهم العظمة: ولما تجوع لن تطيق صبرا وستثور والدائرة ستدور على الغرور.
ويبقى المستوى الأخير من الطاغوت: الدولي.
وهذا علاجه بين.
أمريكا لم تعد تجرؤ على محاربة المسلمين.
روسيا وهم كاذب.
الخوف من القوى الصاعدة.
وهذه لا يمكن مقاومتها إلا بشيء واحد:
لا يمكن أن تحمي جنوب شرقي آسيا وافريقيا من الصين والخليج من الهند من دون قوة إسلامية متضامنة.
الغرب لم يفهم بعد أن المسلمين ليسوا خطرا عليه وأن وهم استعمال ثرواتهم وأرضهم للتصدي للاقطاب الصاعدة لن ينجيه لأننا لم نعد فرائس له.
لو فهم ما يجري حقا لمال إلى السلم معنا والتحالف من أجل حماية القيم المشتركة التي أهمها الحرية والكرامة والمساواة مما يهددها وهو معلوم.
وطبعا فهذا يقتضي أن يتحرر الغرب من مرضين:
- الأول هو مرض تكرار الماضي
- والثاني هو مرض تصديق إسرائيل.
بلا التحرر منهما سيخلفه الشرق الأقصى.
ونحن المسلمين لا يمكن أن نقبل لا بأخلاق الشرق الأقصى حيث ليس للإنسان قيمة ولا بأخلاق الغرب الأقصى حيث لا قيمة إلا للعنف والقوة: الأمة الوسط.
نحن الزيتونة التي هي لا شرقية ولا غربية.
نحن النور الذي كلفه الله جل وعلا بالشهادة على العالمين أي بتحرير البشر من غير عبادة الله.
وكل ما ذكرته في هذه المحاولة يظن أعداؤه أنهم يحطون من شأنه عندما يصفونه بـ”الإسلام السياسي”.
وطبعا لا يدرون أن إسلام وحدها تعني ذلك.
وهذه فرصة لإفادة الداعي لإضافة الوصف سياسي لإسلام النهوض الإسلامي.
فعند أعداء الأمة هو يعني أن المسلمين يجمعون بين الدين والثورة عليهم.
وحينئذ فالإسلام السياسي عند أصحاب الاستبداد والفساد داخليا والاستضعاف والاستتباع خارجيا يمثل سبة لأنهم يريدون إسلام عبيدهم المستسلمين لقشور الأصالة (الأنظمة القبلية وبعض نخبها) أو لقشور الحداثة (الأنظمة العسكرية وجل نخبها) .
لكنه عند اصحابه هو يعني أمرين:
- أولا هو العودة إلى مفهوم الإسلام الحقيقي أي تحقيق قيم القرآن في التاريخ الفعلي بسياسة وتربية على أخلاقه.
وأخلاق القرآن ليست عبادات فحسب بل هي معاملات ورأس المعاملات هي سياسة الشأن العام بالعدل والمساواة والتربية على القيم والعلم والشجاعة.
- والأمر الثاني هو تحقيق شرطي منع الفساد في الأرض: تحقيق حرية العبادة للجميع ونجدة المستضعفين في العالم كله وإذن فالأمة في خدمة القرآن.
وطبعا فهذا لا يعجب اصحاب الاستبداد والفساد في الداخل واصحاب الاستضعاف والاستتباع في الخارج.
فتحالفوا على ما يسمونه الإسلام السياسي.
لكني أبشرهم بالهزيمة النكراء: لن يستطيعوا بعد فهم الشباب بجنسيه قيمة الحياة الجديرة بهم أن يوقفوا المسيرة نحو تحقيق الكرامة والحرية.
وإذا تصور الأمريكيون أنفسهم أذكياء بالسعي لمنع المسلمين من النهوض فعليهم أن يفهموا أن في ذلك نهايتهم. ولن يستطيعوا ذلك وقد تأكدوا بالتجربة.
لذلك فهم ما زالوا ملعوبا بهم من المافية المسيحية الصهيونية.
البشرية كلها بمن فيهم الشعب الأمريكي سيفهم بالتدريج أنه لا مفر من الصلح مع قيم القرآن. فهي لا تتنافى مع حقوق الأنسان التي تبقي على إنسانيته وليس التي تفرض التسيب باسم رده إلى الحيوانية.
وحقوق الإنسان التي تبقي على الإنسانية هي التي تحقق شروط استعماره في الأرض دون أن يفسد فيها بالتلويثين المادي للطبيعة والخلقي للثقافة : وذلك هو ما يمكنهم منه فهم قيم القرآن.
فحتى بالأسلوب الأمثولي يقدم القرآن مهمة الإنسان في وجوده التاريخي بوصفها امتحانا لتغلبه على نوازع الفساد في الأرض وسفك الدماء كما أفادت الملائكة علىى استخلافه.
ما يعني أن مهمة الدين هي منع هذين المرضين : الفساد في الارض وسفك الدماء وكلاهما علته التلويثان من أجل عبادة العجل (ماديا) والأخلاد إلى الارض (روحيا) : وتلك هي العولمة الراسمالية التي قانونها هو قانون الانتخاب الطبيعي.
والإسلام هو الرسالة الخاتمة التي تشخص علل هذين المرضين وتقدم لها العلاج الشافي والمتمثل في المبدأين التاليين :
- النساء 1 أو الاخوة البشرية
- والحجرات 13 أو المساواة وحصر التفاضل في التقوى أي في احترام القيم والأخلاق والقوانين العادلة.
ولما كانت غالبية البشر العظمى متعطشين للعدل والمساواة بعد أن ذاقوا الظلم والتمييز الطبقي والعنصري فإن ما يطلبه الإسلام هو مستقبل الإنسانية بخلاف ما يتوهم هيجل الذي يعتبر هذين القيمتين من علامات استحالة الدولة الإسلامية.
لكن فشل الدول المبنية على نفي الأخوة البشرية (الطبقية والعنصرية) ونفي المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات قد تحقق وتأكد في كلا الحلين الغربيين (الشيوعية والراسمالية) فإنه لم يبق من حل إلا الحل الإسلامي وذلك هو المفهوم الأسمي للإسلام دون حاجة لإضافة السياسي أو بأضافتها لمن يريد قول نفس الشيء مرتين.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/