ه
لست مستشارا للأستاذ مورو ولا أريد أن أفرض على أحد رأيي. لكني تابعت المناظرات وتصريح الشيخ راشد الأخير الذي قال فيه إنه لا يستثني أحدا في التوافق (دون احتراز ضد من هم خاضعون لتتبعات عدلية مع علمي بأن المتهم بريء حتى يثبت العكس. لكني أستبعد أن ينطبق هذا المبدأ على من يتقدم للمسؤوليات العليا في الدولة الديموقراطية التي يكفي فيها خدش مهما كان بسيطا لاستبعاد المرشح). كما استمعت إلى بعض مداخلات الاستاذ مورو لذلك فلا يمكن أن أبقى متفرجا ومكتفيا بأحكام عامة دون تحديد ما أعنيه بكامل الدقة والتعيين. فما بقي من زمن الحملة كاف للتصويب إن رأى المترشح الوجاهة في ما ارى من واجبي قوله لعلتين:
- الخوف على انتكاس الثورة لأن خسران الجولة الحالية كليا أو حتى جزئيا سيكون نكبة على البلاد والعباد.
- الخوف على تبعاته على وضعية تونس ورمزية دورها في اخراج العرب من الاستثناء الذي بقي عالقا بنا لأن جل نخبنا النافذة تستمرئ الاستبداد والفساد وتتمعش منه.
لست أدرى من الأستاذ مورو بما يحول دونه والانطلاق في استراتيجية تثبت أنه غير ملتزم بالموقف الدفاعي الذي فرضته النهضة على نفسها إلى حد الآن والذي ينبغي أن يكون هو في حل منه لئلا يقتصر على قاعدتها فيكون مرشحا للطيف الذي يمثل العهد الجديد في تونس.
ورغم أني من البداية حاولت إقناع قيادات النهضة بان موقفهم الدفاعي كان حذرا زائدا عن اللزوم وحاولت أن أقنع بضرورة جعل النظام القديم يعود بسرعة ليرحل بنفس السرعة لأن المعركة مع السبسي أيسر مما يمكن أن يحصل لو أن حكم النهضة مباشرة أو بقاعدتها (المرزوقي الذي ترشح ضده ولهذه كانت معارضتي له شديدة مثلما فعلت أول مرة لما فرضوه رئيسا) سيكون نكبة عليها وعلى الثورة في المدى البعيد وأن السبسي رحمه الله كان أحوج إليهم منهم إليه وذلك كما بينت حينها لعلتين: - لأن سنه لم تكن تسمح له بالدخول في خصومة يعلم أكثر من غيره أن من كانوا أقدر منه وأصغر سنا خاضوها وخسروها.
- لأنه كان يعلم أن حزبه ليس بالمتانة التي يتصورها من لا يعلم أنه كان “كوكتال مولوتوف” وهو أمر لا يخفى عليه وكان يخشى اليسار والاتحاد أكثر من النهضة.
لذلك اقترحت في أول ندوة للمركز الاستراتيجي وخلال تعيين أول رئيس وزراء بعد 2014 بأن يقبلوا بالتوافق الندي على برنامج مشترك وليس بالتوافق التابع الناتج عن الخوف من أمر لا وجود له إلا في أذهان قيادات ملتاعة وهو أمر مفهوم ولذلك لم ألح على نصيحتي.
أعتقد جازما أن الخطأ الاستراتيجي في حملة الأستاذ مورو هو أنه ما يزال يعيش نفس الموقف الدفاعي الناتج ربما عما حصل من توافقات بين قيادة النهضة والشاهد قبل وفاة المرحوم السبسي. وقد كتبت مباشرة بعد وفاته أن كل تلك التوافقات تجاوزها الوضع ولم تعد صالحة ولا بد من استراتيجية بديلة.
واعتقد أن تردد النهضة وتأخرها في حسم ترشيح مورو علته انتظار العصفور الذي لم يجيء أو فرض شروطا مذلة تكتفي بوعود للحصول على التأييد دون التزام.
وهذه هي الوضعية التي تضفي بعض المصداقية على خصوم النهضة من أمراء الحرب السياسية الذين يدعون أن مورو مجرد كمبارس للعبة في الخفاء تنتهي إلى نفس التوافق المغشوش واللاندي بعد الدور الأول من الانتخابات الرئاسية.
فكل من يزايد على الإسلاميين في الثورية هو في الحقيقة من جنس “عريان الطوق وفي يده خاتم”. وأعدهم أنهم إذا واصلوا هذه الحركات سيعودون إلى ما كانوا عليه مجرد ظاهرات صوتية لأنهم لا يمثلون أدنى قوة سياسية.
والدليل ان جلهم يريدون أن يبدأوا من رأس السلم السياسي لكأنهم لم يولدوا إلا ليكونوا رؤساء في حين أنهم “ديكة” يكثرون الصياح في ثورة سيجعلونها زبالة لنشر اجنحتهم فوق أكداسها كل صباح.
أعتقد أنه من الحكمة أن ينتقل الاستاذ مورو من الدفاع إلى الهجوم. والهجوم لا يستهدف أحدا من الصفين صف العائدين وصف القادمين إلى الحكم. الهجوم هو في الموقف الموجب الذي يقترح توافقا نديا بين القوتين السياسيتين الحقيقتين أعني: - النظام القديم الذي يريد أن يعود.
- والنظام الجديد الذي يريد أن يستكمل الانتقال الديموقراطي.
والهجوم إذن يتعلق بجعل الندية بين التوجهين غاية ترشحه وهو ما أعنيه بالصلح العميق بين حجج العائدين المؤثرة فعليا وحجج القادمين المؤثرة فعليا. فغالبية الشعب لا تريد عنتريات الثوريين المزيفين وأصحاب الشعبوية التي لن تحل مشاكل تونس لكنهم مع حجج القلة من الثوار الصادقين بشرط ألا يقعوا في خطأ المطالبة بكل المنشود ولو بتهديم كل الموجود. لذلك فلا بد منه التعاون بين الصفين لإنقاذ تونس من مآزقها التي لا تخفى على أحد.
وواضح أن العائدين لا يستطيعون المجاهرة بنية إلغاء مكاسب الثورة لأن ذلك يقتضي عودة ما لن يستطيعوا استعادته لا محليا ولا اقليميا ولا دوليا. فمن سبقهم إلى استعمال العنف لإرجاع الاستبداد أو منع سقوطه فشل فشلا ذريعا ويكفي أن نرى حال مصر وسوريا.
وواضح كذلك أن القادمين لا يستطيعون نفي وجود قوة سياسية يعسر إلغاؤها من دون جعل الثورة عنيفة وهو أمر لا يقبل به الشعب التونسي الذي يفضل التدرج والعلاج التوافقي والسلمي للحلول الوسطى.
فإذا أعلن مورو عن هذه الاستراتيجية وقدم نفسه على أن هدفه الاساسي هو تحقيق التوافق الندي في الرأس والسعي للتشجيع عليه في السلطة التنفيذية والتشريعية فإن الاستراتيجية ستسكت أعداء الثورة واصدقاءها الزائفين الذين هم في الحقيقة أعداؤها الفعليون لأن المثل يقول “الأفضل في الاقوال عدو الفاضل في الأفعال”Le meilleur est l’ennemi du bien.