لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
يخطئ من يتصور أن الأزمة السياسية في تونس مقصورة على حزب النداء.
إنها عامة وشاملة ودالة على مرضين في الأخلاق العامة: الاستبداد والفساد وتردي القيم.
أعلم أني سأغضب القريب والصديق قبل البعيد والخصيم.
لكن الأمر جلل وخطير.
ولنبدأ بالأحزاب التي انقرضت أو تذررت بمنطق القسمة الخلوية رغم أنها هي التي كانت تقاوم في عهد ابن علي أو على الأقل كانت أقل الأحزاب خضوعا لإرادته فبقيت تعبر على الأقل بقول لا.
انقراضها دليل مرض سياسي مضاعف: في الاحزاب التي انقرضت (ثلاثة) وفي الهم السياسي عند الشعب الذي يحمل دورها في 3 سنوات نتائج ستة عقود.
والحقيقة هي أن هذه الأحزاب التي انقرضت كان لدور قياداتها في مرحلة الثورة حكما ومعارضة السهم الأول في علل شطب الشعب لها في تصويته الأخير
وما يحيرني حقا هو الوهم الذي يعيشه الإسلاميون بالظن أنهم بمنأى عن هذه الوضعية.
ذلك أن مجرد البقاء لا يمثل نصرا خاصة إذا كان تنازليا في المعاني المبدئية والمضمونية لا الشكلية.
ولأكن أوضح:
حركة النهضة بخلاف الظاهر في أزمة ولعل أزمتها لا تظهر إلا بسبب طغيان أزمة خصومها السياسيين.
لكن من لا يتقدم يتأخر حتما.
والتقدم لا يكون بمجرد تكرار نفس الألحان:
لا بد من التجديد المناسب لمطالب الثورة وعدم التبرجز.
ذلك أن السؤال في هذه الحالة مضاعف:
- أولا ما كلفة التنازلات في قاعدتك؟
- وثانيا وهو الأهم أين ذهب الناخبون الذين انقرض أحزابهم السابقة؟
هل توجد خطة لاستمالتهم؟
فما حصل عند تكوين جبهة الانقاذ التي دلت على قدرة الجمع لدى خصوم النهضة ستتكرر بلا نهاية إذا كانت النهضة منفرة لا جاذبة لغير قاعدتها التقليدية.
وذلك كله مجال حصاد الخصم.
وهذا يعني أمرين كلاهما حائل دون عودتها إلى الحكم:
- فإما ينفرط عقد النداء فتصبح البلاد في حرب أهلية ولن يحكم أحد.
- أو يسترد قوته فتتراجع النهضة لأن النجاح ينمو.
في الحالة الأولى إذا حكمت تحملت مسؤولية وضع أفسد ألف مرة مما كانت عليه البلاد في عهد ابن علي.
في الحالة الثانية ستصغر قدرتها التعبوية.
والنقص في هذه الحالة يكون من الجانبين:
- من جانب المؤمنين حقا بالإسلام السياسي
- ومن جانب الطامعين في حظوظ النجاح السياسي للحزب تفضيلا للأنجح
خاصة وجل مجالات الحضور المدني والثقافي منعدمة.
لا تعويل على بعض الانتهازيين.
أعلم أن أعيان الحركة كما عهدتهم سيعتبرون هذا الكلام تنظير فلسفي فارغ كما فعلوا سابقا عندما نصحتهم بفعله اختيارا لئلا يفعلوه اضطرارا كالحال الآن.
القول إن الحركة لا تريد أن تحكم الآن ساذج:
- فـأولا إذا صح ذلك فمعناه هروب من تحمل المسؤولية وهو ما يحط من إخلاص الحزب لرسالته.
- وثانيا لا وجود للفرصة حاليا والحركة غير قادرة على الحكم الآن لأنها ترفض أن تجدد الطاقم:
ستعيد نفس الجيل أو جيل بلا خبرة.
والدليل أن الحصول على الأغلبية في أي انتخابات مقبلة شبه مستحيل:
سيعود الجميع للاتحاد ضدها.
فعدم الجاذبية الان قبل معركة الانتخاب سيزداد خلالها دون شك.
إذا لم تنجح الآن في لم شمل الأحزاب التي انقرضت أو تضاءل حجمها مع تزايد التباعد بين نوعي الإسلاميين فإن المنتظر هو الضمور وليس النمو.
ولو كان وزراء النهضة يعملون بحق لتركوا مقاعدهم النيابية للشباب وقاموا بواجب الاستعداد القادم.
قد يكون في تغير المناخ الإقليمي إمكانية لتخطئة هذا التحليل.
وحتى في هذه الحالة فإن ما يمهد الأرضية الحالية في البلاد سيغير المحددات ويعد العدة للتزييف كالعادة.
ذلك أن الانفراج في الإقليم له اتجاهان ممكنان بحسب المنتصر: وحتى لو انتصر الإسلام السياسي فإن الأولوية ستكون لمن جاء بالنصر وليس لغيره.
يعني لو فرضنا أن بشار وحفتر والسيسي سقطوا. فليس النهضة ولا الاخوان هم من سيستفيد من النصر بل بالعكس سيعاملون حينها وكأنهم صحوات.
ولهذه العلة كتبت بعد الانتخابات بأن على النهضة ألا تدخل إلى الحكم أو أن تدخله بمنطق الندية حتى يكون لبرنامج الحكومة حروز تحمي الثورة وإلا فهي تكون قد خانتها لمجرد البقاء في الكرسي.
لكن دخولها بالشكل الحالي لا يدل على حماية الثورة ولا حتى على حماية الحزب لأن تخلي أي حزب على مبادئه الأساسية يفقده ثقة قاعدته الصلبة.
والخوف من التصفية لا يفيد لأن الخصم لو كان يقدر لما احتار في وجود المبررات والأعذار.
ولذلك تساءلت هل يوجد ابتزاز ما؟
يعني أن يشارك حزب في الحكم مع حزب يصفي كل وجود له في الدولة من أدناها إلى اسماها لا بد أن يكون مضطرا بسبب خفي لأنه عاجز حتى عن الاحتجاج.
كلي أمل ألا يتحقق شيء من حدوسي بخلاف ما حصل في المرة الأولى عندما تمت اللامبالاة بكل قواعد الحكمة والدهاء السياسيين بوهم قوة معدومة.
أما إذا الحرب بقيت سجالا في الإقليم فإن التصفية ستنتقل من السياسي إلى الفيزيائي كما حصل مع ابن علي:
ذلك أن الحرب ستعم وستتوحش إلى حد رهيب.
فمن يتصور أن ما يجري في الشام والعراق واليمن وليبيا سيتوقف ينسى أن الحرب في العراق وافغانستان تكاد تتم العقدين ووتيرتها تتزايد يوميا.
العيش الوهمي على أمجاد كاذبة وربت على الأكتاف لا يمكن أن ينطلي إلا على السذج:
لأن أمريكا لا تلعب عندما تحاول إنشاء قواعد وأحلاف.
إذا أردتم اراجيح الأوهام فالنهضة وقياداتها وصلوا إلى المجد المطلق وتهدهدهم حصانة زائفة مما تعرفه الأحزاب الأخرى من أزمات حتى حصول الكارثة.
رأيي أن البلاد على كف عفريت وأن ما يجري في النداء سرطان متمدد وأخشى أن يصل إلى الميتاستاز لأن العلل عامة في الشعب كله:
الفساد والعقم.
تحصين جماعة ضد الاستبداد والفساد ومعركة المافيات لا يكون دفاعيا بل يقتضي خطة إيجابية باستراتيجية تجمع كل القوى التي يتهددها الانهيار حول مشروع.
والمشروع لا يمكن أن يكون برنامج النهضة لأنه لا يجمع بدليل أنه لا يجذب :
لابد من برنامج اجتماعي تحرري يغير لعبة المافيات ظاهرها وباطنها.
كل مهادنة مشاركة.
وكل مشاركة تورط في قانون اللعبة التي جعلت النداء يعيد ما كان سائدا ولكن بصورة أفسد لانعدام القوة الضابطة السابقة.
ما أخشاه وقد كتبته في رسالتي لرئيس الدولة وقلته له مشافهة لما سألني بخصوصها:
اجهزة الدولة السيادية والإدارية يمكن أن تصبح في خطر بسبب النداء.
وليس بسببه وحده بل بسبب ما جعل جبهة الانقاذ تكون ممكنة وجعل بعض المنتسبين إليها لايرون مانعا من التضحية بعشرين ألف تونـسي من أجل الحكم.
وإني أرى الكثير من العلامات التي لا تطمئن.
لا بد من لقاء سريع بين كل القيادات السياسية التي ما يزال لها بعض الرشد للإنقاذ بحق.
الآن.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/