لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
تقديم
التزام الحياد في معركة النداء لا يعني نكران حق كل تونسي أن يتحير مما يجري في ما كان يمكن أن يتطور في اتجاه قد يكون مفيدا للتجربة الديموقراطية.
فوجود حزب ثان له قاعدة شعبية محترمة كميا يمكن أن يعتبر شرطا من شروط التدوال على الحكم تداولا سلميا.
ذلك هو شرط انتقال الحكم من الاستبداد والفساد إلى الحكم بالإرادة الشعبية التي تتحرر من الاستبداد وتمنع الفساد.
ذلك أن تذرر القوى السياسية يمكن أن يكون مفهوما بعد استبداد الحزب الواحد.
وتفرد قوة سياسية وحيدة بتمثيل إرادة الشعب بعد الثورة ليس صحيا.
فهو لا يساعد على إرساء الديموقراطية خاصة بعد تجربة العقود الستة التي أثبتت فشل تجربة الحزب الواحد وبينت أن مفهوم الوحدة الوطنية كان مغشوشا.
فقد كان ينبغي أن تكون الوحدة الوطنية مبنية على توحيد محدد المعالم للمتعدد والمتنوع بالطبع في كل جماعة.
فهو بذلك يكون توحيدا معتمدا على ما يضمن اللقاء التعاقدي الصريح بين قوى سياسية متنوعة.
لذلك فعندي أن ما يحدث اليوم في نداء تونس خطير من حيث الدلالة التاريخية (إذا أدى إلى زوال القوة السياسية الثانية مع الإسلامية) وخطر من حيث ما يمكن أن يؤول إليه إذا كان سببا في نكوص البلاد إلى ما تقدم على الثورة.
فلو قسنا الامر بظاهرتين حدثتا في تاريخ البلاد السياسي لتبين لنا الخطر ماذا يمكن أن يكون.
والظاهرتان كانتا منفصلتين قبل الثورة لكنهما أصبحتا الآن مجتمعتين :
أولى الظاهرتين تتعلق بالأزمة الحزبية : وقد مرت بمرحلتين كلتاهما مضاعفة :
- المرحلة الأولى قبل الثورة بين بداية الحزب الدستوري ووصوله إلى الاستقلال. وهي قد تكررت مرتين في نفس الحزب الذي اصابه الانقسام وكاد يؤول إلى حرب أهلية طاحنة حتى وإن لم تلغ تماما لأنها ظلت متقدة تحت الرماد:
- الأزمة في الصراع بين الثعالبي وبورقيبة : الانفصال الأول.
- والأزمة الثانية بين بورقيبة وابن يوسف : الانفصال الثاني.
لكن الظاهرة الثانية لم تكن منفصلة عن المرحلة الثانية من الظاهرة الأولى :إنها إشكالية الخلافة.
- فالمرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد الثورة بين بداية حزب النداء ووصوله إلى الحكم.
وهي أيضا تكررت مرتين في نفس الحزب الذي أصابه الانقسام ونخشى أن يعيد الكرة فيوجد حربا أهلية من طبيعة مختلفة ليس بين التأصيلي والتحديثي بل بين التصالحي والاستئصالي.
كما أنها تعقدت أكثر لأنها جمعت بين أزمة الحزب وأزمة الخلافة بخلاف المرحلة الأولى التي كانت أزمة الخلافة فيها منفصلة عن أزمة الحزب :
- أزمة الصراع بين السبسي ومحاولات ترميم التجمع : الانفصال الأول
- وأزمة الصراع بين شقي النداء حتى قبل تأسيسه القانوني : الانفصال الثاني.
وإذا كانت المرحلة الأولى بأزمتيها قد حسمت في المرتين لصالح بورقيبة الذي
- استعمل في أولاهما الشعب العادي ضد النخب التقليدية
- واستعمل في الثانية منهما الاتحاد ضد اليوسفية.
فإن العامل الخفي الذي ساهم في انتصار بورقيبة مرتين هو السند البين للقوة المستعمرة للبلاد وتدخلها العلني في الثانية والخفي في الأولى.
المرحلة الثانية بأزمتيها أكثر تعقيدا من المرحلة الأولى بأزمتيها :
إنها إشكالية الخلافة التي كانت المرحلة الأولى متحررة منها في كلتا أزمتيها.
وهي مضاعفة كذلك :
- فأولا كان على السبسي أن يحسم لصالحه مسألة خلافة الحزب الذي كان حاكما والذي منع قانونا وأراد أصحابه بعثه ففشلوا واستطاع السبسي خلافته بمعونة عاملين هما أولا سخافة كل الأحزاب التي انضمت إليه في ما سمي بجبهة الانقاذ فاستعملها بصورة أنهت وجودها.
- وثانيا خلافة الباجي نفسه التي ما أظنه غافلا عنها بل هو يحاول أن ينظمها حتى وإن بدا للكثير أنه عاجز في إيجاد الحل :
- إما لأنه لم يجد بعد الوريث المناسب وهو ما قد يؤدي إلى سيناريو خلافة بورقيبة إذا لا قدر الله جاء الأجل قبل الحل.
- أو لأنه وجد الحل ولم يقدم عليه بعد لأنه يريد أن يرتب له الظرف وربما لأنه يريد أن يمارس الحكم لمدة ترضي طموحه التاريخي.
ورأيي أن الفرضية الثانية هي الأولى بالتصور المناسب لخبرة الرجل في الظاهرة الأولى التي مارس منها الكثير وخاصة أزمتها الثانية فضلا عن كونه يعلم مآل خلافة بورقيبة.
فما هو هذا السيناريو الذي أرجحه؟
الفروق بين وضعيتي بورقيبة والسبسي
لم يكن بورقيبة في وضعية الازمتين في الحزب لديه وسائل كثيرة للحسم في الأزمتين ولا في الخلافة.
ففي أزمتي الحزب لم يكن لديه جيش ولا أمن ولا حتى قدرة فائقة على الاتصال كالحال الآن بالنسبة السبسي في عصر الاتصالات الفعالة.
لذلك فهو قد استعمل الموجود أي الشعب والاتحاد.
كما أنه في مسألة الخلافة حسمت وهو شبه غائب عن الوعي.
فقد كان فاقدا لكل قدرة على ادارة الشأن العام بسبب مشاكله الصحية البدنية والنفسية.
أما السبسي فلديه كل هذه الوسائل.
ومن ثم فالأمر بالنسبة إلى الحل يبدو أيسر بل اعتبره شبه محسوم.
ولم يبق إلا ما سأحاول بيانه بخصوص أدوات الحسم وتحديد العامل الرئيس فيها.
ذلك أنه لا شيء يثبت أن هذه العوامل الثالثة التي ذكرتها -أي الجيش والداخلية والإدارة السياسية مثل الولاة والمعتمدين وكل أجهزة الحكم- التي صارت موجودة هي بعد فوضى الثورة مما يمكن الاعتماد عليه اعتمادا كليا في الحسم من دون حسبان ثلاثة عوامل أخرى هي :
- أولا القوى السياسة المحلية بصنفيها (الشعب والأحزاب).
- ثانيا القوى الاجتماعية بصنفيها (العمال والأعراف).
- ثالثا القوى السياسية الاجنبية (الإقليم والعالم).
وتوجد قوة أخرى لكنها غير محددة المعالم والخيارات. فهي يمكن أن تكون في آن قوة سياسية أو أداة من أدوات القوى السياسية المتصارعة بل وهذه الأنواع الثلاثة المذكورة قبلها.
فما يطلق عليه اسم الإرهاب سواء كان سياسيا أو إجراميا (المهربين ومافيات المخدرات) لا ندري بالدقة اللازمة أي كفة يمكن أن ترجح.
السيناريو الذي أتوقعه
القوى السياسية المحلية:
أعتقد أن المنشقين على السبسي ليس لهم سند سياسي قوي بين القوى السياسية المحلية باستثناء بعض مكونات الجبهة.
أما الاحزاب الأخرى -إذا ما استثنينا النهضة- فلم يعد لها وزن يذكر ولكن يمكن أن تساعد كما حصل في الجبهة.
لذلك فسند السبسي السياسي هو الأكبر لأن الإسلاميين لا يمكن أن يميلوا إلى المنشقين الذين يمثلون حزب الاستئصال.
القوى الاجتماعية :
أعتقد كذلك أن المنشقين على السبسي ليس لهم سند اجتماعي قوي بخلاف ما يظن.
ذلك أن المنظمتين لا تحيان إلا برضع الدولة وقادتهما يعلمان أن الدولة ستفلس حتما لو أن اليسار استحوذ على قيادة الشأن العام.
لذلك فسند السبسي بين القوي الاجتماعية هو الأكبر لأن مصالح المنظمتين مع الاستقرار وابقاء الدولة على النموذج التنموي الحالي الذي هو مصدر رزقهما.
القوى السياسية الأجنبية :
سواء القوى الأجنبية الغربية أو الإقليمية (الجزائر والمغرب خاصة وحتى الخليج ممن يعادي الإسلاميين. فعسير أن يساندوا الاستئصالين لأنهم لا يجهلون أنهم ليس لهم دولة عميقة بقوة ما للسيسي أو بشار أو صالح أو حتى حفتر).
وإذن فالقوى الأجنبية لن تفضل المنشقين حتى وإن كانت لا ترضى بالسبسي.
وعدم رضاها على السبسي يمكن أن يوجهها إلى البحث عن وريث من شقه ومن الدستوريين نكاية في الإسلاميين وليس حبا فيهم.
الوريث الممكن إذا صحت هذه الفرضيات
وبذلك فإن المشكل ليس أزمة الحزب بل أزمة الحكم أي مشكل الخلافة لكأننا عدنا إلى مسألة خلافة بورقيبة :
- فحينها العامل الأجنبي كان المحدد لتعيين الخليفة
- وقد اختاروه جامعا بين الجيش والأمن لتجنب الصراع بين الجهازين.
ذلك أنه حتى لو لم تحدث الأزمة في الحزب فإن المشكل بالنسبة إلى القوى الأجنبية هو مشكل الخلافة للحاجة إلى الاستقرار في تونس بسبب ما يجري في ليبيا والوضع غير المريح في الجزائر :
والقوى الأجنبية مطلعة على أوزان القوى السياسية ولا يمكن أن يكون الوريث من صف المنشقين لعلمهم بأنهم لا وزن لهم إلا بشرطين قد يكونا مكلفين :
- الأول ويتحدد في الجبهة الاجتماعية أي رجال الأعمال والنقابات. وهنا يبدو أن التوازن موجود وهو ليس لصالح المنشقين بسبب حاجة الجبهة الاجتماعية للاستقرار وخوفها من أن يتحد الحزبان الدستوري والنهضوي ضدهم فيخسرون كل شيء خاصة والنموذج المصري فشل فشلا ذريعا.
- الثاني ويتحدد في جبهة الجهازين العسكري والأمني. وأتصور أن هذين الجهازين ما يزالان دون المستوى الذي يمكن أن تعتمد عليه القوى الخارجية -كما تفعل في مصر وسوريا واليمن وليبيا- بسبب عدم وجود تقاليد حكم عسكري في تونس حتى في عهد ابن علي. ثم هم يعلمون استحالة أن يعود النظام الأمني الذي كان بيد ابن علي. فشرطه كان الحد من قوة الجيش. لكن الجيش تطور بصورة لم تكن موجود في عهده. ومن ثم فالتوازن بين الجيش والأمن يستبعد هذه الإمكانية.
تفاؤل بالحل الذي دعوت إليه
منذ بداية الحملة الانتخابية سنة 2011 ناديت في سيدي بوزيد في افتتاحها بضرورة الوصل بين الحركة الدستورية الأولى والثورة واعتبرت من شروط السلم المدنية في تونس الوصل بين المراحل.
ثم بعد ذلك ناديت بضرورة الصلح بين الثعالبية والبورقيبية كتابة وشفاهة في ندوات علمية وفي اجتماعات سياسية.
وأعتقد أن الحل يتجه هذه الوجهة التي ستجعل تونس أول بلد عربي ينجح في تحقيق شروط الديموقراطية وهو ما يقتضي هاذين التوجهين :
- فالإسلاميون ابتعدوا عن الثعالبية عندما تجاوزوا اعتدال حركة الإصلاح التأصيلي ومالوا إلى ما أدى إليه رد الفعل على ما نالهم خلال حكم العلمانيين والعسكر في جل أقطار الوطن العربي.
- والعلمانيون ابتعدوا عن البورقيبية عندما تجاوزوا اعتدال التحديث والإصلاح التحديثي بسبب انضمام اليسار الاستئصالي في عهد ابن علي وخاصة بعد الثورة في بداية تكوين النداء رد فعل على وصول الإسلاميين للحكم.
والإسلاميون بعد أن فشلوا في التفرد بالحكم اقتنعوا بأن الحل هو التوافق على صلح بين التأصيل والتحديث يتقارب فيه الإصلاح التأصيلي ويستبعد الغلو الإسلاموي والإصلاح التحديثي ويستبعد الغلو اليساروي لكي يستقر الأمر لبناء دولة ديموقراطية مدنية دولة القانون الذي يبقي الباب مفتوحا لكل من يتخلى عن غلوه لينضم لحركة التاريخ التي بدأت مع الثورة.
ذلك أني أربأ بالنخب التونسية أن تبقى كما نرى بعض المهوسين بالحكم والكراسي يبحثون عن سند أجنبي لحسم الخلافات السياسية سواء في الحزب الواحد أو بين الأحزاب.
لا بد من حسم خلافاتنا بحرية واستقلال عن قوى الأقليم والغرب لأن الشعب الذي اطلق شرارة ثورة الحرية والكرامة لا ينبغي أن يفقد السيادة لأن نخبته السياسية صارت بيادق سواء بيد الأجوار أو الأغيار.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/