الأبيسيوقراطيا، دين العجل وشروط تحرير الانسان منه – الفصل العاشر

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله الأبيسيوقراطيا دين العجل وشروط تحرير الانسان منه

سؤالان في الفصل الاخير: 1. ما طبيعة النفس وهل هي شيء له قيام ذاتي غير كونها محل التفاعل العضوي والاجتماعي أو المادي والرمزي أي هل هي مجرد محل انفعال بهما أم لها من ذاتها دور فاعل؟ 2. وما حصيلة الدلالتين في تكوينية شخصية الفرد الإنساني لتكون موضوع درسها العلمي والعلاجي؟ ولست بحاجة للكلام على حضور الميثولوجيا اليونانية في الكلام على فرويد لأن عقدة أوديب وحدها تكفي ولا على علاقة فكره الغامضة مع العلم لأن النظرية كلها تدعي علاج ما يعجز عنه الطب العضوي ومن ثم فمن المفروض ان تكون النفس إما ليست عضوية وإما لها فاعلية عضوية لا تعالج عضويا. فنكون في الحالتين محقين على طرح سؤالينا: إن لم تكن عضوية فما طبيعتها وإن كانت عضوية فكيف تعالج بغير ما يعالج به العضوي ما قد يعني أنها من جنس تأثير السحر في المؤمن به أو بوهم المريض كما في البلاسيبو وهو ما ينفي حقيقة العلاج النفسي لأنهما كلاهما أشبه بمفعول شبه سحري مجهول الطبيعة. لكن المشكل أعمق لأن ما ينسب إلى العلاج النفسي بالتحليل يرد إلى ما ينسب إلى فاعلية النفسي في تكوين الشخصية وهو السؤال الثاني تكوينا هو في الاغلب سلبيا حتى عندما يكون من جنس المناعي في العضوي وهو ما يسمى آليات الدفاع النفسي الذي يخفي المرض النفسي خلال تكون الشخصية. ذلك أن العلاج يرد في الغاية إلى تمريز هذه الآليات الدفاعية إلى الوعي من اللاوعي مرورا بما بينهما من مرحلة وسطى بين اللاوعي والوعي ليس بأدوية مادية بل بالتوارد في ما يشبه عملية التذكير التوليدي لما تخفيه آليات الدفاع أو آليات المناعة النفسية إن قسناها على دفاع البدن بجهاز المناعة. وهكذا نصل إلى بيت القصيد: بنية النفس التي تعلل المرض وتعلل العلاج في آن والاعراض التي تثبت المرض. فبنية النفس المثلثة: الأنا والهو والأنا الاعلى تطرح مشكل المشاكل. إذا اعتبرنا الهو عضويا والانا الأعلى اجتماعيا أو رمزيا فما حقيقة الأنا الذي يتكون بما بينهما ونبيه من علاقات؟ وإذا كانت وحدة بنية النفس التي تجعل هذه العناصر الثلاثة تكون علة شخصية الفرد حصيلة لتفاعلاته فالسؤال هو هل لتفاعل العناصر وحدة سابقة على التفاعل المنتج للحصيلة (نفسية الشخص) أم هي تالية وهي عين الحصيلة فيكون التفاعل في هذه الحالة الثانية تحكميا وليس له قانون هو نظام البنية؟ وهكذا نجد أنفسها مباشرة أمام ما سميناه القفزة التي تحقق الوحدة بين غاية ما في الاذهان التي نفترض أننا بلغنا إليها وغاية ما في الأعيان التي نفترض أننا وصلنا إليها ثم نقفز إلى وحدتهما فيكون الهو العضوي والأنا الأعلى الاجتماعي متحدين في هوية الأنا بالوحدة الجدلية “أ” و “لا أ” شيء واحد. فالأنا باعتباره هوية الشخص الذي يتنازعه العضوي المادي والاجتماعي الرمزي (اللسان ولا كان) وكأنه التعين الفعلي لهذه القفزة لأن الأنا يشعر بوحدته وخاصة إذا كان سويا لكن عندما يفتت إلى وعي ولا وعي ووسط بينهما فهو يصبح دليلا على عكسها فالهوية الواحدة للأنا وهم لعله أعمق أسرار الوجود. ولأني اعتبر العلم غير قادر على ما يقبل الشهادة ولا يستطيع النفاذ إلى ما في الوجود من أسرار الغيب وهو معنى كونه غير محيط فإني لا أتصور شيئا قابلا للعلم من الأناصحة ومرضا إلا ما له أصل في اجهزته العضوية وأن التحليل النفسي من جنس العلوم الزائفة التي نتجت عن تخلف طب الدماغ والأعصاب. ولا أنفي الامراض النفسية التي لا تعالج بالأدوية المادية بل بعلاج سلوكي لما يعتبره مجتمع معين شذوذا سلوكيا فيكون العلاج من جنسه إما بإعادة تنشئة -نوع من الفرماتاج الجديد-وحينها يكون المرض نوعا من عدم التكيف مع تربية معينة يمكن أن يكون لها أثار مرضية ذات اعراض بدنية. وحتى الاعراض التي يعتمدها فرويد كثيرا مثل زلات اللسان ودلالاتها فهي أعراض بدنية وسلوكية لا تحتاج لتفسير باللاوعي لأن انفصال العادة عن خصوصية علاقتها بالوعي قبل التعود عليها كافية لتفسيرها ويكفي ان نقارن بين من يبدأ في تعلم السياقة وبعد التعود عليها: فالبدن له ذاكرة هي العادة. ومن يتعلم الرقن مثلا دون قواعد الفن فإنه يمكن أن يبقى طيلة حياته يضغط على حرف مكان حرف خطأ يتكرر دون أن يكون لذلك علة لا واعية بل العلة هي سلوكية وهي العادة الفاسدة التي رسخت في حركة أصابعه عندما تعلم دون انضباط فني للرقن. وقس عليه كل الزلات التي يعتبرها فرويد دليل تدخل اللاوعي. وحاصل القول أني لا أنفي أن للنفس التي اجهل طبيعتها ربما دور وأن اللاوعي هو فعلها الذي من جنس ما يحصل في النوم والذي يذكره صاحبه عندما يستيقظ. لكن ذلك يمكن أن يفسر عضويا ما لم نعلم حقيقة النفس ماهي لأني لا أقبل أن أفسر بما لا اعلم طبيعته فيكون كلامي قولا في مجهول على أساس مجهول. وهذا هو شرطي لعدم مثلجة العلمي والديني فأكتفي بالشاهد من الوجود دون زعم رد الوجود إلى الإدراك مهما تطور. وهذا هو معنى الغيب. الأنا الذي ليس هو العضوي المادي (الهو) وليس هو الاجتماعي الرمزي هو عندي سر الأسرار لأني حقا لا أدري ما الـ”أنا” ولا يمكن أن يرد العضوي فضلا عن الاجتماعي. ذلك أني أرفض القفزة أو وهم وحدة غاية الذاتي وغاية الموضوعي وكأنهما حاصلتين لان الذهاب إلى الغاية في اللأمتناهي حتى لو صح أنه ممكن في الرياضيات فهو ممكن فيها بوصفها مقدرات ذهنية ولا يمكن في الطبيعيات إلا بقيسها عليها مع استحالة اعتبار معرفتها كلية كما بين ابن تيمية. فما يقبل التفسير من الشاهد بالشاهد يكفي العلم وما يحتاج إلى قيس الغائب (وهو غير الغيب لأنه تعميم المشهود الحاصل على المشهود الممكن) على الشاهد يبقى دائما فرضيا. أما قيس الغيب على الشاهد فهو أولا مستحيل عقلا ونقلا وهو كذلك من الفرضيات التي قد تقبل في رؤى الوجود مثلجة للعلمي والديني. ومثلجة العلمي هي اساس الانثروبوقراطيا ومثلجة الديني هي أساس الثيوقراطيا وهما في العمق ابيسيوقراطيا أي تحويل قيمة المستخلف والخليفة إلى صراع بين متمانعين بسبب الاستعاضة عنهما في الحالتين ببعدي العجل وجعلهما مجرد غطاء نفاقي في الاولى وإيديولوجي في الثانية: إنهما دين وعلم زائفان. وذلك هو غرضي من المحاولة: بيان أن الماركسية والفرويدية كلتاهما علم زائف أساسه مثلجة الديني والعلمي في ما بعد الكنطية من المثالية الجرمانية في الفلسفة الحديثة وفي ما بعد السقراطية في الفلسفة القديمة. فافلاطون وأرسطو أفسدا محاولة سقراط للحد من المثلجة افساد هيجل وشلنج محاولة كنط. وقبل ذلك يمكن القول إن ابن رشد وابن عربي والسهروردي والرازي أفسدوا محاولة الغزالي (علما أنه هو بدوره نكص بتبني السينوية) فكانت مدرسيتهم عائقا أمام الاثمار التام في ثورة ابن التيمية في النظر والعقد وثورة ابن خلدون في العمل والشرع وهما ثورتان ضد المثلجة في فكرنا الإسلامي. ولذلك فقد عادت المثلجة بل والميثولوجيا ذاتها بحكم سيطرة استبداد الوسطاء من التصوف والفقه على المجتمع والتربية (عبادة الاوثان والقبور) وسيطرة استبداد الأوصياء من الحكام والحاميات على الدولة والحكم ويشتركان في الفساد الذي يغطي عليه عند الوسطاء والاوصياء النفاق الديني. وذلك ما ألغى كل مفعول لثورة ابن تيمية النظرية والعقدية على الإصلاح الاجتماعي والتربوي وكل مفعول لثورة ابن خلدون العملية الشرعية على الاصلاح السياسي والحكمي لأن الانحطاط وسيطرة المدرسية المؤلفة من ابن رشد وابن عربي (عادا إلى أرسطو) والسهروردي والرازي (عادا إلى أفلاطون). ومثلما حدث النكوص بسبب المدرسية المربعة التي ذكرتها (ابن رشد وابن عربي والسهروردي والرازي) التي مثلجت الديني العلمي فلسفيا وكلاميا وفقيها وصوفيا بدعوى بالنكوص إلى ما قبل الغزالي والقول بالمطابقة افلاطونيا وأرسطيا بتوسط الأفلوطيينة نرى اليوم تأثير المدرسة الجديدة. والتطبيق ماركسي للهيجلية وفرودي للشلنجية (مع شيء من فشت) ليس هو إلا مثلجة للعلمي تدعي انها تحررت من الديني وهي في الحقيقة دينية إلى الاذقان كما بينت ليس بوصفها متأثرة بالمناخ الروحي السائد فحسب بل لأن أساسها هو البنية العميقة الانتروبوقراطيا التي تدعي التخلص من الثيوقراطيا. وبذلك فهي أصحبت تفسر التاريخ والإنسان كما بينا بما يرد إلى البنية العميقة لهذين السلطانين أعني دين العجل. ولكن هذه المرة بصورة دقيقة وصريحة: فماركس يفسر التاريخ بفن المائدة أي برد الإنسان إلى الغاذي منه (فن المائدة) وفرويد يفسر الإنسان بفن السرير الجانس منه (فن السرير). ومعنى ذلك أن كلا الرجلين ينفيان من يتعالى على الحيواني في الإنسان بما فيها من الإنساني الذي لا ينافي الحيواني لأن الغذاء والجنس هما شرطا الاستعمار لكن للإنسان شرطي الاستخلاف وهما النظر والعقد والعمل والشرع إذ يخدمان الاولين بالقيم التي سمها القر “من الأمر” عند الكلام على الروح. وكلاهما يشتركان فماركس الذي يفسر التاريخ بالمادية الجدلية يحدد منزلة الجنس فبجعله مثل الملكية مشاعا وفرويد يفسر الإنسان بالجنس يحدد منزلة التاريخ وأدوات إبداعه أي النظر والعقد والعمل والشرع فيعتبرها مجرد تصعيد للجنس وخاصة للحرمان منه بالضوابط العلمية والدينية.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي