الآية 60 من الأنفال أو حاجة الأمة لثورتين وتطبيقاتهما للحماية والرعاية

تونس في  15 – 05 – 2015

1-سألنا أستاذنا بعد الاستماع إلى ثرثرة البيت الأبيض حول العلاقة بالخليج: هل من سبيل لتدارك عدم العمل إلى حد الآن بالآية 60 من الأنفال؟ وهل هذه السبيل قابلة للاختزال كما نشهد في نصائح الارتجال الاستراتيجي؟
2-فأجاب: بدأنا نسمع من يطلب تعميم عاصفة الحزم على كل اختراقات إيران في الوطن العربي بل ومن ينصح بلد الحرمين بالإقدام على برنامج للتسلح النووي هكذا دفعة واحدة بعصى سحرية.
3-وهذا لعمري ليس نصحا بل هو عين التغرير. وما أظن القيادة الحالية وقد جمعت بين حكمة الشيوخ وطموح الشباب بسامعة لما لا يطابق المنطق الاستراتيجي فضلا عن قابلية التحقق بما يكفي من السرعة للتصدي للخطر الآزف.
4-فليس بالوسع تحقيق برنامج نووي بين عشية وضحاها. وليس بالوسع التصدي لاختراق تحقق خلال عمل دؤوب دام ثلاثين سنة والعرب نيام أو متواطئين ولا يزالون : مشكلة من يتصورون أنفسهم كبارا ودولا بحق ليس علاج المشكل بل منع علاجه ليصبح الغير مضطرا لهم علما وأنهم خسروا كل الحروب التي خاضوها.
5-وما أقول ذلك للتثبيط أو لاعتقاد بعدم توفر الإمكانات بل لعلتين:1-فلكل مشروع إيقاع موضوعي لا بد من احترامه 2-وأول ما ينبغي الانتباه اليه أن التعاون العربي شبه مستحيل لأن الـمخرب الأول لأي عمل العربي عرب. فلا شيء يزعج العربي إلا نجاح العربي: تنافس صبياني على الظهور ليس بالإيجاب بل بالسلب.
6-ولنسأل أولا كيف تمكنت إيران من الوصول إلى ما يخافه العرب دون مبرر موضوعي لو لم يناموا. فما بلغت إليه إيران في المشروع النووي عمره أكثر من نصف قرن: بدأ مع الشاه. وما حققته من اختراق عمره ثلاثة عقود: بدأ مع الخمينية.
7ولنسأل ثانيا كيف آل وضع العرب إلى مآله الحالي؟ أليس عدم التعلم من خمسة حروب خاضوها بارتجال فخسروها؟ أربعة بينهم وبين إسرائيل (التقسيم و56 و67 و73) وواحدة بينهم بدأت باليمن وعادت إليه بعد الكويت.
8-وهذه الحرب التي بدأت باليمن وعادت إليه بعد حرب الكويت لم تتوقف بل هي استمرت إلى أن حدثت الثورة فجمعت بين حرب التحرر(الربيع العربي: الثورة على الاستبداد والفساد) والتحرير (عاصفة الحزم: الثورة على تمدد إيران).
9-وهذه الحرب أظهرت علل الفشل في الحروب الأربعة مع إسرائيل وخاصة في بدايتها وأهمها الحرب الأهلية العربية التي كانت خفية وأصبحت علنية بعد الثورة والتي لا يمكن الخروج منها إلا بصلحين بين الأنظمة العربية ثم بينها وبين شعوبها.
10-وهذه العلة الأهم هي التي استفاد منها التغلغل الإيراني والتهاون العربي: فأنظمة العسكر الانقلابية أقدمت بحمق أحيانا وبتآمر أخرى على استراتيجيات نزعت سلاح الأمة الحقيقي : وحدتها الروحية.
11-فأدخلت الأمة في حرب أهلية بين الإسلاميين والقوميين وتركت الإسلام ومقاومة اسرائيل يتحولان إلى غرضي الدعاية الإيرانية فتحقق التغلغل.
12-فسيطر على المسرح السياسي مليشيات الأقليات الطائفية الخمس وهُجر الإسلام: الباطنية و الصليبية والشيوعية والليبرالية بعنوان القومية الفاشية.
13-وهجْر الإسلام من القوى السياسية المهيمنة يعني إلغاء دور الشعب الذي يمثل الأغلبية الخاضعة لسلطان الأقليات العميلة لشرطي الغرب ومساعده.
14-لذلك فأول خطوة ينبغي البدء بها هي حسم الحرب الأهلية الحالية بالصلح بين الأنظمة المهددة في وجودها (أنظمة الخليج خاصة) والمقاومة التي ينبغي أن تصبح أداتها الضاربة في مقاومة التمدد الإيراني.
15-فلا يمكن التصدي لأذرع إيران وإسرائيل بالحرب النظامية لأنها -حتى لو فرضنا الخليج قادرا عليها وهو مستبعد- ستبدو عدوانا من دول على دول بل لا بد من أذرع من جنسها أقوى منها لشعبيتها.
16-لن يخرج إيران من العراق وسوريا ولبنان واليمن إلا مقاومة أبناء هذه البلدان بمساعدة من دول الخليج صريحة وعلنية دون خوف كما تفعل إيران : فتهمة الإرهاب والتكفير ما لم تعمم على كل التدخلات الخارجية لم تعد تنطلي على أحد.
17-وطبعا هذا يقتضي تطهير هذه المقاومة من الاختراق الإيراني والإسرائيلي والغربي أعني علة دعوشة البعض منها: وتلك وظيفة الاستعلامات العربية التي تمثل اساس خطة العمل.
18-وفي ذلك سيجد العرب من تركيا كل العون ليس بدافع إسلامي -حتى وإن سلمنا بوجوده- بل حرصا على وحدة تركيا: فالعلوية والكردية خطران يهددانها.
19-وأقصى ما يمكن أن تفعله إيران هو إرسال بعض الرجال والمليشيات وهو الحاصل بعد. لذلك فلا بد من إعداد نخبة كومندو عسكرية للتدخل الصامت بنفس المنطق في اللحظات والأماكن المفصلية.
20-وعندي يقين أن إيران لن تصمد أمام هذه الخطة لأن إمكاناتها محدودة بالقياس إلى إمكانات الخليج المادية والبشرية (جل الشباب العربي متطوع للمهمة): ستهزم شر هزيمة. علما وأن الاتفاق مع الغرب ليس هدية بل هو خطة مجانسة لخطته مع السوفيات: هدنة تجريع السم. ولولا ذلك لما ترك اللوبي اليهودي الاتفاقية تمر.
21-ذلك أن بقاء النظام سببه المجابهة مع الغرب. لذلك فالهدنة ستلغي كل الحجج وسيثور الشباب الإيراني والأقليات غير الإيرانية للمطالبة بالحقوق.
22-وفي خلال ذلك يكون التدارك المتعلق بالآية 60 من الأنفال ممكنا: فمهلة العشرة أعوام التي يعطل فيها المشروع الإيراني كافية للبنية الأساسية.
23-وأهم عناصر البنية تكوين الكوادر القادرة على البرنامج النووي على أن تكون من الوطنيين الحقيقيين لأن أهم عامل فيها هو ما يحيط بها من سر. والمعلوم أن الابتعاث العربي الحالي غير مجد لأن أغلبه في الإنسانيات وعلى أقصى تقدير في التقنيات الدنيا.
24-والجامعات العربية -ان صح القياس مع تونس- عقيمة لا تنتج مؤهلين لهذا الدور. ولا ينبغي أن نكذب على أنفسنا: فأكبر دليل هو تخلف الطب عندنا.
25-والمعلوم أن الطب أهم معيار للتقدم العلمي لعلتين: أولا لأن عناية الإنسان بصحته أهم همومه وثانيا لأن بنيته الأساسية أقل كلفة من التسلح. فمن لم يقدر عليها لن يقدر على بنية التسلح النووي.
26-فمنذ القدم لا توجد حضارة تقدمت علميا ولم يكن تقدمها الأبرز في مجالين:الطب والفلك. بسبب عناية البشر بصحتهم وبشروط معاشهم.ولهما شرطان.
27-فلا تقدم في الطب من دون طبيعيات ولا تقدم في الفلك من دون رياضيات.وبهذا المعنى فعرب اليوم ما زالوا متخلفين حتى على عرب التاريخ الوسيط
28-وإذن فالبداية ليست البرنامج النووي بل البرنامج التربوي: لا بد من إصلاح تربوي جذري يركز على العلوم الاساسية وتطبيقاتها وعلى النخبوية لا على ديموقراطية سخيفة تحوله إلى محو للأمية.
29-ديموقراطية التربية لا تعني ديماغوجيا التربية المتماثلة والمجانية: لا بد من سياقات مختلفة بحسب استعدادات المتعلمين وإمكانات الجماعة وأهداف التنمية والدفاع.
30-وهنا لا بد من إشارة أساسية: حصر الابتعاث في قلة تكون صفوة منتخبة لتكوين أساتذة في تعليم العلوم الأساسية لجامعات عربية متحررة من الاغتراب. وكلفة هذا الحل دون كلفة الابتعاث مع الفارق الجوهري في تحقيق الأهداف في الأعيان ولا يقتصر عليها في الأذهان التي قد تبقى في الغرب إذا كانت مما يعتبره الغرب مفيدا له.
31-الابتعاث التحضيري الحالي -لأنه يغير نمط العيش دون تغيير علله-تهديم ذاتي. فهو يقلب العلاقة بين العلة والمعلول: التحضر إذا لم يكن ثمرة النمو الذاتي يكون مجرد محاكاة قشرية وهي مرض
32-والتربية العربية الحالية محو للأمية بل دون ذلك إذ أغلب الخريجين أميون وليست تكوينا للكفاءات. والمبالغة في الإنسانيات والدينيات عبث بالإنسان والدين فلا غاية بدون وسيلة.
33-التكوين يقتصي تقديم الوسائل على الغايات لئلا تنقلب هذه إلى ثرثرة تعبر عن مواقف دجالين ومشعوذين: للجهل بالرياضيات واللسانيات والطبيعيات والإحيائيات أي بالعلوم التي تمكن من استعمار الإنسان في الأرض ليجعلها مطية الآخرة بقيم الاستخلاف.
34-ويكفي لأي ملاحظ منصف أن يسمع للحوارات بين المثقفين العرب حتى يدرك أن جل الفوضى الروحية علتها الكلام المشعوذ في الغايات مع الجهل بالأدوات وانتفاخ الأوداج في الكيفيات والعنتريات.
35-ولولا تجنب العداوات لضربت من الأمثلة ما تقشعر منه الأبدان وتشيب بسببه الولدان: والظاهرة من أهم أغراض فلسفة أفلاطون وهي العلة التي لأجهلا حكم على سقراط بالإعدام.
36-من أسخف ما أسمع أن البعض من المتثاقفين يقيس علة قتل السهروردي على قتل سقراط: فهذا قتل لأنه أراد التحرير من الشعوذة بتأسيس تربية علمية نقدية وذاك قتل لأنه أراد إعادة الأمة إليها بادعاء ما ختمه القرآن.
37-ومن ذلك أيضا الزعم بأن الرشدية هي السبيل إلى نهوض الأمة بالحل السحري العلماني والفلسفة الأرسطية (خرافة اليسار الأرسطي): أي إن النهوض ينبغي أن يكون جعل العلم الفلسفي مثل العلم الديني شرح نصوص ومضع جدليات.
38-والغريب أن هذه الظنون والشعوذات هي مقالات الطائفيات الخمس التي ذكرنا: فقد جعلوا الغزالي مميز العلم عن الميتافيزيقا ظلاميا ونصبوا ابن رشد الشارع اللفظي للميتافيزيقا تقدميا.
39-وصار السني الذي يعتبر الحكم بالاختيار دون الشيعي الذي يعتبره حقا إلهيا موصى به. فينحاز إليه النخب التي تدعي أنها تقدمية وديموقراطية وترقص مع الصوفية وتتعبد بخزعبلات المعممين.
40-هل يستطيع أن يتجنب نقمة ابواق المليشيات من يقول كما أقول إن الغزالي ابن تيمية وابن خلدون هم من ينبغي أن يعلمونا شروط التحرر الفعلي بما يمكننا منه من أدوات وطرائق تحقق الثورتين العلمية والسياسية؟
41-فالغزالي حدد شروط العلم الحقيقي فحصرها في الرياضيات والمنطق (مقدمات تهافت الفلاسفة) وشروط السياسة الحق فحصرها في الاخيار الديموقراطي(جدل فضائح الباطنية).
42-وبذلك فهو قد وضع شرطي التنمية والتقدم بأداتي العلم العقلي السوي (المنطق والرياضيات) والعمل السياسي السوي (انتخاب ذوي المهابة والشوكة).
43-وابن تيمية أتم المهمة المتعلقة بالعلم السوي فأعاد تأسيس دورالمنطق والرياضيات لتخليصه من ميتافيزيقا (ضد التحليلات الأواخر) وصلا بالتجربة العلمية النسبية.
44-وابن خلدون أتم مهمة العمل السوي فأعاد تأسيس دور السياسة بوضع نظرية الدولة التي يكون فيها الحكم والتربية بمثابة الصورة وتكون الثقافة والاقتصاد بمثابة المادة وتلك هي شروط التنمية التي يسميها عمرانا واجتماعا.
45-وإذن فالغزالي وابن تيمية وابن خلدون قد وضعوا اسس تحقيق الآية 60 من الأنفال بالشروط التي هي شروط الثورة العلمية والثورة السياسية وتطبيقاتهما: التنمية أي قوة العلوم وتطبيقاتها وقوة السياسة وتطبيقاتها.
46-والآن هل نحزن أم نفرح بموقف أمريكا من أمن الخليج؟ أنا شخصيا أفرح شديد الفرح : فلكأن التراخي العربي وصل إلى “آخر ظهر الحمار” حسب المثل التونسي.
47-فإن لم يعتمد العرب عامة والخليجيون خاصة على أنفسهم فكل ما يحصل لهم يكونون هم الذين جنوه على أنفسهم : فالمتغطي بغطاء الغير عريان. ومن لم يحم نفسه لم يحمه أحد. وإذا لم يفهموا اللغة الدبلوماسية فلنترجم بعضها :
48- أولا : نحميكم من التدخل الخارجي يعني نطلق يد مليشيات إيران العربية -أي كل أحزاب الله المزعومة في كل أقطار الوطن العربي وفي الخليج خاصة- لأنها ليست تدخلا خارجيا بالمنطق الأمريكي: وهي أداة كل تدخل إيراني.
49- ثانيا : ثم زادوا ذلك تأكيدا فوضحوا بأنهم لن يتدخلوا في المسائل الداخلية وهو تشجيع غير مباشر للتحركات الداخلية الممكنة. يشجعونها إن كانت تمردات لصالحهم. ويشجعون الانقلاب عليها إن لم تكن لصالحهم.
50-وأضافوا النصح بمنظومة أمنية واحدة وهو ما يعني أمرين : أن تكون تحت إمرة أمريكا لحماية مصالحها في الخليج. وهذا يسير التحقيق لعلمهم ألا عربي يثق في عربي ليجعله مسؤولا عنها.
51- وأن يكون التسليح من أمريكا بما يعني سلب الثروات العربية لحماية المصالح الأمريكية فتكون المظلة لحماية مصالح أمريكا ويكون التمويل على من يتصورونها لحمايتهم وهي لن تتدخل لأن كل ما سيحصل سيجعلونه أمرا داخليا لا يقتضي تدخلا منهم كما اشاروا من البداية.


الآية 60 من الأنفال أو حاجة الأمة لثورتين وتطبيقاتهما للحماية والرعاية – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي