اعادة الانتخابات، العودة الى الشعب بخفي حنين


لما أسمع الأحزاب كبيرها وصغيرها تردد عنتريات عدم الخوف من اعادة الانتخابات أو العودة إلى الشعب لا يمكنني أن أصدق أحدا منهم إلا إذا صدقت ما يعتقدونه من أن الشعب ما زال ينصت إلى أحد منهم أو يطيق سماعهم.

ففي العالم كله القوى السياسية التي تحترم الشعب وتحترم نفسها لا تعود إلى الشعب في انتخابات قبل أوانها إلا في حالتين مع بيلان وليس بخفي حنين قبل الشروع في الحكم الذي يصحبه بيلان:

1-الحالة الأولى تخص الحزب الحاكم عندما يفقد اغلبيته قبل نهاية المدة التي انتخب للحكم خلالها فلم يعد قادرا على تطبيق برنامجه وأراد أن يثبت الثقة التي فقدها حتى يواصل الحكم بشرعية تمكنه من سن القوانين التي بمقتضاها ينجز برنامجه.

2-الحالة الثانية تخص الوطن عامة عندما يخيم عليه خطر داهم سواء كان داخليا أو خارجيا مثل حدث طارئ يخرج عن المألوف في سياسته ويحتاج إلى تفويض شعبي أوسع من اغلبيته بحلف أوسع.

وكلتا الحالتين تستندان إلى كشف حساب.
• أولهما يعيد عرض انجازات الحزب الذي فقد الأغلبية في البرلمان لاستعادة الأغلبية وربما لتوسيعها.
• والثاني يطالب بأغلبية أوسع على أساس برنامج معدل يتناسب مع حالة الحرب الممكنة مثلا.
لكن الحالتين قابلتان للعلاج بمفاوضات قد تغني عن الاعادة

أما إذا تعذر تشكيل حكومة مباشرة بعد الانتخابات دون الشروع في الحكم فإنه لا يوجد بيلان سيعرض على الشعب. فلا يمكن حينها أن تكون ا لعودة بكشف حساب الانجازات. إنها ستكون بكشف عدمها ويعوضها حساب الصراعات على الحكم بين الاحزاب.

فتكون الحملة التي تسبق الانتخابات المعادة مقصورة على تبادل التهم بين الأحزاب لتعليل امتناع تكوين الحكومة ويكون كل طرف قاصرا حملته على تحميل مسؤولية الفشل على الأحزاب المنافسة.

وهذا يعني حربا أهلية باردة قد تتحول إلى حارة مباشرة بين الانتخابات المعادة وليس إلى تحقيق الاستقرار. وهو ما يعني أن الدافع لن يكون بعد اعادة الانتخابات غير الدافع قبلها حتى لو تغيرت الموازين بين الاحزاب.

والمنتظر أنها لن تتغير بقدر كبير وكمي إلى مستوى التحول الكيفي فيها-بسبب نظام الانتخاب- ما يعني أن ما كان تهاوشا سلميا بين الأحزاب قد يصبح تناتشا يقرب من الصراع الحربي وتصبح المؤامرات بين الاحزاب قابلة لأن تستعمل ما استعمل خلال حكم الترويكا أي الاغتيالات.

لذلك فكلام الأحزاب على عدم الخوف من الإعادة سواء ما كان منها يطمع في زيادة وزنه أو الذي ينوي -وهو الأخطر- التعفين وتكريه الشعب في الديموقراطية التمثيلية وأدواتها الحزبية كما هو بين من مشروع الرئيس يعني أمرين مخيفين حقا:

1-فهم أولا لم يحسبوا حساب ما سيترتب على دولة تبقى ما يقرب من سنة في وضعية يحكمها من فشل في إدارتها خلال ثلاث سنوات وسيواصل تخريبها ليسيطر على كل مفاصلها بالتلغيم.

2-وهم ثانيا لم يحسبوا حساب مثل هذه العودة إلى مناخ السنة الثالثة بعد الثورة سنة الاغتيالات والتهديد بالحرب الأهلية التي عبر عنها عاشوا الارز بالفاكية والتهديد بالمسار المصري.

ولست أفهم حقا هذه المواقف اللامسؤولة من الجميع. فالعودة لن تكون عودة إلى الشعب لحل مشاكله بل عودة إليه للمشاركة في مناوشات الاحزاب. فيصبح ما كان مقصورا على عبث القيادات غير الراشدة مناوشات في القواعد الحزبي. وهي ستكون شبه تسخين لما قد يؤول إلى ما كانت عليه الحال في السنة الثالثة من الثورة.

وهذا هو ما يسعى إليه الرئيس لتحقيق مشروعه الذي اختار أقل الناس قدرة على تشكيل الحكومة بخلاف ما يطلب الدستور، فـ”ـالأقدر” في نص الدستور ليس في الخنيفري أو في السباق أو في تمثيل ملك الجمال في تونس. إنه الأقدر على تكوين حكومة قادرة على تحقيق قاعدة تشريعية لإنجاز الإصلاحات الكبرى.

ولا يكون من اختياره الشخصي بل حصيلة التشاور مع الأحزاب الممثلة في المجلس والضمني أن يكون من القوى السياسية ذات الحضور على الاقل في الشارع إن لم تكن في البرلمان.

ومن المفروض أن يكون حاصلا على ما يؤهله لتحقيق ما فشلت فيه التجربة التي تعتبر هذه محاولة لتجاوزها. لكنه اقل حظوظا من الذي فشل قبله في تشكل الحكومة لأن هذا ينطلق من قاعدة فيها ما يقرب من نصاب الثقة في حين أن هذا ليس له منه إلا الربع إذا حسبنا مقترحيه.

لذلك فالرئيس مطالب بإظهار الالتزام الذي أمضاه الفخفاخ ليعينه بوصفه ملتزما بمشروعه-لأن الفخفاخ ليس كذابا حتى وإن لم يستعمل كلمة مشروع بل كلمة قيم الدور الثاني من الرئاسية- حتى يتبين من المسؤول إلى الأزمة الحالية. فإذا كانت تتضمن ما صرح به الفخفاخ فالمسؤول على الأزمة هو رئيس الدولة فصار “الحزاز” جزءا من المعركة وليس حكما بين المتعاركين.

وهذا دليل على مدى أهليته ليكون رئيس التونسيين كلهم وليس طرفا في مناوشاتهم لأنه يريد “تخميج “الوضعية ليحقق مشروعه الذي لم يعد خافيا إلا على السذج. وقد بدأت بعض الكلاب النابحة تهدد بأن الاعادة سيكون معها شيء آخر يفاجئ الجميع:

ولست من المتنبئين لكن هذا الكلام لا يحتاج إلى نبوءات يكفي لنعلم دلالته وصله بما صرح به الرئيس في ماويتة -التنسيقيات- وما أعنه أخوه و”كاريكاتور لينين ” الذي يعتبر دعوتي للرئيس بالتبرؤ منه كراهية لكان بينه وبيني حرثة أو ورثة.

لكن تونس لها رب يحميها. فإن لم يعد شاهد العقل للأحزاب التي تقودها “مفرخة” تتلاعب بخرافات حياتها الطالبية الفاشلة في التحيل في التكوين وحتى في معنى خدمة المصلحة العامة التي هي جوهر السياسة فإن الشعب لن يتبع حماقاتهم.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي