اضاءات حول مقال ”التصوف ليس حلا بل هو تشويه للإسلام مثله مثل الإرهاب“ للدكتور أبي يعرب المرزوقي – مصطفى المسلكي

ه

تشويه للإسلام مثله مثل الإرهاب“

مصطفى المسلكي

في مقالة الأستاذ أبو يعرب المرزوقي عن التصوف (التصوف ليس حلا بل هو تشويه للإسلام مثله مثل الإرهاب)، التي أثارت جدلا بين مجموعة من الأصدقاء في صفحتي، مما بدا صادما من تشبيه التصوف بالإرهاب دون تبين علة هذا التشبيه، والذي سأحاول بيانه من خلال ما ورد في المقالة وما سبقها:

في المقالة إشارة في الفقرة الأولى إلى أن ما سيتناوله الأستاذ هو استكمال لما سبق من مقالات تناولت تحريف علوم الملة الآلية والغائية، وأن التصوف مثله مثل الفقه قرينه في نظرية العمل والشرع، تعرض للتحريف، بهذا المعنى المقالة أكدت من البداية أنها ستتناول تحريف التصوف ضمن تحريف عام أصاب علوم الملة برمتها، وهو مجال اشتغال الأستاذ لمدة ليست بالقصيرة، الاطلاع على ما انتهت إليه من أعمال شرط في الفهم وليس بالضرورة الاقتناع بما وصلت إليه من نتائج.

هكذا نلاحظ من البداية أن هناك تحريف لشيء (علم التصوف)، وأن هذا التحريف لشيء، هذا الشيء الذي نقر أنه سوي وبريء ابتداء لو لم يحصل التحريف، هو بحث في علم مزيف يدعي للتجربة الذوقية أو العرفان ما هو مستحيل من خلال نظرية الإنسان في القرآن، الانسان لا يعلم الغيب، في حين المتصوفة دون غيرهم يزعمون علمه بالكشف أو العلم اللدني، يدعون التحكم في الطبيعة بالكرامات وفي التاريخ بالرؤيا، وهو في الحقيقة تعويض عن كشف أسرار الطبيعة بالعلوم الحقة التي ينجزها العلماء الحقيقيون، الفيزيائيون والرياضيون والبيولوجيون إلخ… وتعويض عن كشف سنن التاريخ والقفز عليها بادعاء معارف غير قابلة للاختبار ما علينا إلا الانتظار، وتصبح بديلة عن العلوم الإنسانية التي ينجزها كبار العلماء الذين يمهدون الطريق لتحقيقها من كبار رجالات السياسة والتربية والاجتماع.

وهكذا فالأستاذ المرزوقي ينتقد التحريف الذي أصاب علوم الملة علما علما، التصوف والفقه، الفلسفة والكلام، وما يعتبره أصلها جميعا علم التفسير، هو نقد لمنظومة وليس مواجهة لمتصوفين وفقهاء، وفلاسفة ومتكلمين وما تتضمنه هذه الفروع الاربعة من نموذج تفسيري أو تأويلي للقرآن، هو محاولة جواب عن سؤال هو كيف يمكن أن تكون هذه العلوم سوية ونحن كل هذه القرون في الانحطاط؟ السؤال أكثر أهمية في نظري مما يبدو أنه مواجهة مع ممثلي هاته المدارس، والتي قد يحتمها ظرفيات العلاج، ما لم نفرق بين العلاج ذاته وظرفياته لن نتقدم في فهم عمل فلسفي بالحجم الذي أنجزه المرزوقي.

والآن لنحاول أن نفهم تشبيه التصوف بالإرهاب، العنوان يقول أنهما يشتركان في خاصية أساسية هي التشويه، لكن تشويه ماذا؟ إنه تشويه حركة الأمة في استئناف دورها التاريخي، كلاهما يعملان على تأخير هذا الدور، الارهاب يأخر الاستئناف بتشويه أخلاق القوة (القوة عامة والقوة العسكرية خاصة) فيعتقد أن الجهاد ممكن بغير اجتهاد (صورة بدائية عن الجهاد والخلافة) والتصوف (حاشا التصوف المقاوم) يأخره بتشويه الأخلاق وليس أخلاق القوة فقط والدخول في عطالة تاريخية وهو أقرب حليف للاستبداد، وكونهما يتسمان بهذا الانحراف يجد فيهما الاستعمار أذكى طريقة فيما قلنا أنه تأخير للاستئناف، الارهاب والتصوف مخترقان إلى النخاع، ولهذا يضخمان في حديث الاعلام، خاصة حينما يقدم التصوف على أنه متسامح حلا بديلا للإرهاب، فبدل الاعتراف للأمم بحقها في ولوج كل أسباب القوة، الاستقلال الاقتصادي والسياسي يخيرونها بين الفوضى والسبات، الأول يحققه بنجاعة الارهاب والثاني بنفس الفاعلية أو أكثر التصوف خاصة حينما يلغي فرادة الاسلام في الوصل بين الوجود الدنيوي والاخروي وهو معنى الفاعلية التاريخية بمنظور من يؤمن باليوم الآخر.

وبالتالي المقالة تخلص إل نتيجة أن التصوف إن أراد أن يمثل بالفعل أخلاق الإسلام ورسوله لا يمكن أن ينصرف عن معركة بناء المجتمع العادل والدولة العادلة، لا يمكن للتصوف أن يتفانى في خدمة الله وينصرف عن البشر وإن فعل فهو يائس والروح التي تيأس لا مكان فيها لله.
يتبع

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي