**** اصلاح الدولة شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي
فما البنية الواحدة التي توجد في مستويات السوق الخمسة كما تتبين من المستوى الثالث أعني مستوى وحدة القطاعات كسوق واحدة تتفاعل فيها وتتكامل فيكون كل قطاع مصدر للبقية ومورد منها في نفس الجماعة وهو شرط كل قاعدة اقتصادية يكون أصحابها ذوي سيادة ويكون ما عده من فضل الزيادة. فأي اقتصاد ليس له قاعدة داخلية للبقاء يمكن أن ينهار بسرعة باي حصار يفرض عليه. القاعدة الأساسية لأي اقتصاد في جماعة حرة هي ما يجعل الجماعة قادرة على البقاء بإمكاناتها الخاصة حتى لو حاصرها جميع اجوارها. وهذا الشرط غير متوفر لأي بلد عربي ولذلك فهم جميعا توابع في الرعاية والحماية. ولا يظنن أحد أني أتكلم على الأوتارسي (الاكتفاء المطلق المغني عن التبادل الخارجي) بل الاكتفاء الكافي المحرر من الاعتماد على الغير وخاصة في الحالات الاقصى من الحروب والحصار. وفي زمن العولمة لا يكاد أحد يحصل على الأوتارسي الكاملة باستثناء الصين (حجم الاستهلاك)وامريكا (حجم الابداع). بدأنا بعد في الكلام على عناصر البنية: حجم الاستهلاك وحجم الإبداع والقاعدة الشارطة لعدم التبعية المطلقة. لكن لم نبدأ في تعيين البنية تعيينا ذا منطق يجعل عناصرها محددة جمعا ومنعا أي لا نترك شيئا منها خارجها ولا ندخل فيها شيئا من خارجها وهو معنى الحد الذي يطابق المحدود في النظرية. وأقول يطابقه في النظرية وليس في الوجود إذ من المعلوم أني أنفي أن يكون العلم بالشيء مطابقا لحقيقة الشيء مطابقة تامة بل هو مقاربة مما تتصوره النظرية مقوما للشيء في حدود ما ندركه منه بحسب مستوى أدوات الإدراك التي هي في تكامل دائم ولا توجد لحظة يمكن أن ندعي أن الشيء يرد إلى إدراكه. العناصر خمسة: 1. قلبها التمويل 2. وقبله الاستثمار 3. وفكرة المنتج الذي يسد حاجة 4. وبعده العمل انجازا وإدارة لعلمية الإنتاج الفعلي لما يسد الحاجة 5. والاستهلاك الذي يطلب المنتج بضاعة كان أو خدمة. تكل مقومات الفعل اقتصادي وبنيته هي نظام علاقات هذه العناصر المقومة للفعل الاقتصادي. والتقويم هنا ذاتي للفعل لكن الفعل يجري في شروط هو من دونها مستحيل وهي الشروط السياسية التي تتعلق بالتربية والحكم داخليا بشروط السيادة خارجيا وبالقاعدة الاقتصادية التي تجعله قادرا على البقاء في حالة عدم القدرة على التبادل الخارجي (السوق الثانية وقبلها 1 و2 وبعدها 4و5). فينتج من ثم أن القلب في كل اقتصاد هو التمويل أو الادخار ومن ثم فهو النظام البنكي والعملة. وهنا نحن قد وصلنا إلى مركز الاقتصاد بمعناه الحديث. لا يمكن تصور اقتصاد من دون نظام للادخار من اجل التمويل بتسييل الملكية وجعلها جماعية للجمع بين التمويل (فينانس) والتعميل(موني). وهذا القلب أو المركز الذي يمول الاستثمار الذي ينقل الفكرة إلى بضاعة أو خدمة والذي يستخدم العمل لإنتاج البضاعة او الخدمة ويديرها من بدايتها إلى نهايتها عند المستهلك هو الأساس الذي يسيل الملكية فتكون العملة محددة لقيمته التبادلية في الداخل والخارج أساس الاقتصاد السليم أو الفاسد. والمشكل هو كيف يمكن لأهم عناصر الفعل الاقتصادي أن يكون فاقدا لما يجعله إقتصاديا: كيف يمكن للادخار المشروط ي الاستثمار المشروط في نقل الفكرة إلى من مجرد فكرة إلى بضاعة أو خدمة (الاقتصادية) وبالعمل الكامل من الفكرة غلى سد حاجة طالبها (الاستهلاك) ألا يكون هو بدوره خدمة ذات مقابل؟ هل تحريم الربا يبقي للاقتصاد الذي قبله التمويل بالادخار اي امكان فعلي لكي يحقق مشروعات كبرى في شارطة لسد الحاجات أو مشروكة بها؟ والسؤال الثاني هل لا حل إلا بالربا؟ وهل التحيل بتغيير اسم الربا بكلمة الفائدة أو بكل الحيل التي تستعمل في ما يسمى البنوك الإسلامية تمثل حلولا فعلية؟ هذا هو المشكل وسأحاول تقديم الحل ليس من مدخل الفتاوى الدينية فهذا ليس مجالي بل من مدخل العملية الاقتصادية نفسها ونوعي التمويل الممكنين: إما بتسييل الملكية التي تصبح أسهما خفية الاسم أو مباشرة بالقرض البنكي. ما أنوي بيانه هو أن المركز في الاقتصاد غني عن الربا وغني عن التفاقه. ذلك أن الحاجة إلى الربا الصريح أو التفاقه الذي يغير الاسم فحسب أو يشترط ما يلغي التمييز بين المقومات الخمسة أي الفكرة والاستثمار فيها وتموليها بمقابل للأول والثاني وللرابع وللأخير بمعنى أن بالادخار او بالمشاركة في الملكية السائلة كلها يمثلان ما لا شيء يقع من دونه في الاقتصاد. إذا حللنا طبيعة هذا الأمر فإن الحل سيكون ميسورا ومغنيا عن الربا الصريح أو عما هو بديل فاسد منه بالخلط بين المقومات الخمسة كأن نطلب من الممول أن يصبح شريكا للمستثمر وهو لا يريد لأن له خدمة مثل أي خدمة ولا يقبل ألا يكون لها ثمن إلا بهذا الشرط. فيصبح المشكل كله هو “مفهوم الممول” بفرعيه أي المدخر الذي لا يريد أن يشارك في الملكية السائلة بالأسهم غير الاسمية في الشركات والمشارك في هذا التمويل بشراء الاسهم وليس بـ”كراء” إدخاره دون الدخول في مغامرات البورصة للأسهم التي هي ملكية سائلة وغير اسمية. رأينا أن التمويل هو المركز والقلب ولا شيء من المقومات الأربعة الاخرى ممكنه من دونه: هو إذن شرط إمكان نقل الفكرة إلى الاستثمار إلى الانجاز في العمل حتى تصل البضاعة أو الخدمة للمستهلك. لكن هناك من دوره أعم من دوره وهو شامل للجميع بمن فيهم الممول: إنه المستهلك. فصاحب الفكرة المستثمر والممول والعامل من البداية إلى الغاية إنجازا وإدارة كلهم يشارك في الاقتصاد بصفة جامعة لا تميزه عن غيره هي الاستهلاك. الجميع مستهلك. والجميع مسهم في الاقتصاد بالاستهلاك وحتى بالادخار لأن الادخار نوعان: إرادي وغير إرادي. في الاول الادخار ليس شاملا بخلاف الثاني ما سميته تحايلا فقهيا على الربا هو أيضا ربا لأنه مبني على بديل من جنسه ولا فرق إلا بالاسم. أما ما سأقدمه فهو ينفي الربا وكل بدائله التي من جنسه والتي هي مثله مبنية على أن عدم اعتبار الادخار هو الرديف الدائم للاستهلاك. ومن ثم فالادخار الخالص والادخار في الملكية السائلة شاملان. ماذا أعني كلاهما شامل؟ لولا الاستهلاك لما وجدت العملية الاقتصادية وهو في الحقيقة المحرك الفعلي لكل نقل للفكرة من مجرد فكرة إلى مشروع يستثمر فيه صاحب أعمال فيستعمل تمويلا ليستخدم من ينتج البضاعة أو الخدمة استجابة لحاجة المستهلك. فيكفي أن يكون التمويل ملكية جماعية لهؤلاء جميعا. لماذا؟ لأن الادخار هو الفرق بين الاستهلاك الممكن والاستهلاك الحاصل باستعمال الدخل. وهو كما أسلفت فهو نوعان. ما منه إرادي عند لأن الدخل يسمع به طوعا وما منه غير إرادي وهو الحرمان من الاستهلاك الممكن بسب قلة الدخل. فيكون الحرمان المضطر أيضا جزءا من الادخار العام العائد للدولة. وهذا الفرق بين الاستهلاك والدخل سواء كان إراديا أو اضطراريا يجعل الادخار ملكية بعضها خاص وبعضها عام (المضطر) فيكون الثاني ملكية عامة الأول ملكية خاصة. ولا يمكن أن يعامل الامران بنفس المنطق بل يجمع الخاص في نظام ينطبق على كل أصحاب الاعمال من المستثمرين في مؤسسة للتمويل التعاوني. فيكون التمويل نوعين: عام ويشمل الجميع لان من يكون الفرق بين دخله واستهلاكه موجبا يسهم كذلك مثل من يكون الفرق عنده سالبا وله من ثم سهم في الادخار المضطر ثم له سهم في الادخار الحر الذي قلنا إنه ينبغي أن يصبح تعاونيا بين أصحاب الاعمال. فيكونوا ممولين للاستثمار المستقبلي. ويكون ذلك من جنس المساهمة في الملكية السائلة لأن الادخار ملكية يمكن أيضا أن يصبح ملكية سائلة مثل المشاركة في أي مشروع أو مؤسسة اقتصادية عن طريق الأسهم اللااسمية في البورصة. بمعنى ما أقترح أن نؤسس لبورصة الادخار الذي يصبح هو بدوره مشروعا وليس بنكا يملكه زيد أو عمرو. الفكرة التي أحاول صوغها ليست بعد ناضجة لكنها مبدئيا تحل المشكل نهائيا وتلغي الربا دون بديل من جنسه. أما الادغار العام فمشكله سهل جدا. ذلك أن الدولة تقدم خدمات من اجل الحماية والرعاية وتقدم خدمات من اجل أن يكون الاقتصاد ممكنا اقتصاديا وليس سياسيا وأعني دورها في القاعدة الأساسية. والقاعدة الأساسية تتألف من الشروط التالية: شروط المواصلات وشروط الاتصالات وشروط الخامات وشروط المساواة في الفرص بين المشاركين في العملية الاقتصادية مع تكوين الكفاءات بمشاركة أصحاب الاعمال وخاصة وهذا هو الأهم في العولمة حماية المنتج الوطني في التبادل الدولي وحماية العملة. وتبقى الشروط الأساسية للفاعلية الاقتصادية متعلقة بالأحياز: فلا بد من الحجم المكاني شرط الثروة الأول والحجم الزماني شرط التراث الاول والتميز الحضاري شرطها جميعا لأن البلاد الفاقدة لهذه الشروط ليس لها القاعدة الدنيا للاقتصاد والقبلي الثقافي للإبداع (البحث العلمي) والبعدي للتسويق.