اصلاح الدولة، شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي – الفصل الرابع/القسم الثالث

**** اصلاح الدولة شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي

وعدت بالانتقال إلى بيان وظائف الأسرة بالمقارنة مع وظائف الدولة التي هي الحد الأقصى للجماعة الواحدة بمستوياتها من الاسرة إلى القرية أو الاسرة الأوسع إلى المدينة وهي الدولة بلغة الاصطلاح الفلسفي وهي التي يتعين فيها فساد معاني الإنسانية بالمعنى الخلدوني لأن ما وراءها لا دولة له. فالأمم المتحدة ليست دولة بل مجموعة دول ومجلس الأمن ليس حكومة الإنسانية بل هو طغيان الخمسة الذين لهم حق الفيتو. ولو كانت الإنسانية لها دولة لكانت المقارنة بين الاسرة وهذه الدولة هي ما ينبغي القيام به. لذلك اضطررت للمقارنة مع الدولة الخاصة بالأمة والتي هي كونية مبدئيا بكونية الرسالة. ذلك أني لما وضعت نظرية الدولة ووظائفها لم يكن كلامي على الدول بمعناها السائد بل بمعناها عندما تكون كاملة كما يحدد القرآن مقوماتها وشروط شرعيتها. ولذلك فلست مجانبا لما انطلقت منه في هذه المجموعة الثالثة عندما وصلت بين الاسرة والدولة ثم بين مجموعة القطاع الواحد ومجموعة القطاعات. والآن أبدأ الكلام في الوصل أو بصورة أدق في تأسيس هذا الوصل وهو شديد التعقيد لأنه جسر بين مقومات الذات الإنسانية التي هي في آن مقومات نظام النخب في أي جماعة من جهة والقيم التي ذكرتها عندما حدد ما يترتب على مفهوم العقد في العلاقة بين الجنسين من حيث هما أحرار. أذكر بمقومات الذات الإنسانية الخمسة: الإرادة والعلم والقدرة والحياة(الذوق)والوجود (الرؤى). وهي نفسها معيار تنيف النخب في كل جماعة: نخبة الإرادة هم الساسة ونخبة العلم هم المبدعون في المعرفة ونخبة القدرة هم منتجو الثروة ونخبة الحياة أو الذوق هم الفنانون ونخبة الوجود هم اصحاب الرؤى. وأذكر بالقيم الموجبة: الحرية والحقيقة والخير والجمال والجليل وسوالبها العبودية والباطل والشر والقبح والذليل. وقد بينت العلاقة بين العلاقة التعاقدية التي أساسها حرية المتعاقدين فيترتب على ذلك أن العلاقة بينهما اساسها الحرية وثمراتها الاربع أي حب الحقيقة والخير والجمال وجلال. ولو سألت أي الجنسين شئت هل يرد أن يكون زوجه عبدا وكاذبا وشريرا وقبيحا وذليلا فماذا تنتظر جوابا؟ لا يهم إن كان صادقا في جوابه أو كاذبا لأنه حتى عندما يكذب فهو يعترف بأن الجواب الثاني أي حر وصادق وخير وجميل وجليل هو الذي لا بد أن يظهره على الاقل إن لم يؤمن به لأنه يستحي من العكس. فلا توجد امرأة في الدنيا تريد شريكا في حياتها يكون عبدا (حتى لها) وكذابا وشريرا وقبيحا وخاصة ذليلا. فلا شيء تحتقره المرأة في الرجل أكثر من الذل. ودون شك فلو كان المسلمون مسلمين بحق ولم يعتمدوا على علوم مزيفة لكان الرجل أيضا لا يحب امراة جارية وكذابة وشريرة وقبيحة وخاصة ذليلة. لكن فساد علوم الملة المحرفة جعلهم يعتبرون هذه الصفات السالبة هي حقيقة المرأة فجعلوها أمة وكذابة وشريرة وقبيحة وخاصة ذليلة. ولست أدري كيف يمكن للمرأة إذا صارت في هذا الوضع الذي هو عين فساد معاني الإنسانية أن تربي أجيالا لهم العزة ومعاني الإنسانية كما يأمر الإسلام؟ ولا بد هنا أن أورد فائدة لغوية في شكل استطراد قد لا يرضى عنه اللغويون: “فعبيد” ينبغي أن تفهم في دلالتها المفردة بمعنى صيغة مبالغة من عابد وليس جمعا لمفرد العبودية مثل عليم ما عالم وحكيم من حاكم إلخ. وينبغي أن نميز بين المعنيين: فعبيد مبالغة من عابد وعبيد جمع من عبد لغير الله. فـ”عبيد” مبالغة من عبد لله من العبادة و”عبيد” جمع من عبد لغير الله من العبودية. وعبيد في المعنى الأول هي حقيقة الجن والانس قرآنيا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. لكن الخلط بين المعنيين خطأ شائع وغير بريء. فهو من نتائج تحريف علوم الملة. فعباد الله صاروا عبيد الوسطاء والأوصياء. جمع عبد الله هو عباد الله وجمع عبد الوثن هم العبيد. ومفرد عابد في صيغة المبالغة هو “عبيد” و”عبيد” جمع لعبد غير الله. وهذه الفائدة اللغوية ضرورية وهي تنتج حتما عن تحرير الإنسان روحيا من الوسطاء وتحريره سياسيا من الاوصياء. فلا يمكن أن يكون عبد الله ذليلا بل عزيز يعبد الجليل. فلنستكمل الجسر بين الاسرة والدولة من حيث الوظائف. فلو قارنا قائمة مقومات الذات وأجناس النخب مع قائمة القيم. فسنجد امرا عجيبا مبهر حقا. فالإرادة فضيلتها الحرية والعلم فضيلته الحقيقة والقدرة فضيلتها الخير والحياة (الذوق) فضيلتها الجمال والوجود (الرؤى دينا وفلسفة) فضيلته الجلال. فتكون القيم الموجبة هي فضائل المقومات والنخب وتكون القيم السالبة هي رذائل المقومات والنخب ومن ثم فقد بات من اليسير ان نفهم وضع العرب والمسلمين الحالي وأن ندرك الطريق إلى الإصلاح بدأ بالأسرة وختما بالدولة الكونية التي هي الآن صورتها القرآنية وأومن حق اليقين أنها مستقبل البشر وبالمناسبة فإن نظرية الجدل الهيجلية تتأسس على أمرين ينكرهما الإسلام شديد الإنكار: 1. أن الإنسان شرير بالطبع 2. أن البداية هي العبودية وليس الحرية وأن جدل العبد والسيد هو القانون الوجودي في رؤيته للوجودين الطبيعي والتاريخ لأن المنطق الجدلي عند هيجل هو في آن ميتافيزيقاه. وقد لا ينتبه القارئ لعلاقة هذا الفهم الهجيلي لمنطق الوجود. فهو يبنيه على نظرية الخطيئة الموروثة Die Erbsünde التي تقتضي أن يوجد شفيع يضحي من اجل الإنسانية وهو أساس الكنسية التي تنوبه لتعطي شهادات الغفران. أما الإسلام ينفي الخطيئة والموروثة وآدم تلقى كلما فعفا عنه ربه واجتباه. كل اللعبة أساسها عقيدة محرفة أفسدت الوجود الإنساني بخرافة الخطيئة الموروثة وتدنيس الجنس الذي اعتبر أصلا لهذه الخطيئة وقد بينت سابقا أن السوأة التي أراد آدم وحواء سترها لا تتعلق بالجنس وإلا لكان خلق حواء عبثا بل تتعلق بما القاذورات التي نتجت عن الاكل من الشحرة الخبيثة. فآدم وحواء لم يكونا اعميين لئلا يريا ما لديهما من أعضاء تناسلية فلم يرياهما إلا بعد الاكل. ما رأياه لم يكن موجودا قبله وهو القاذورات التي تخرج من الإنسان بعد أكل من الشجرة الخبيثة التي أمرا بعدم الاكل منها. وهذا التأويل ليس كلاما في الغيب فالعفو انهي كذبة الخطيئة الموروثة. وهذا رد لكتاب (القرآن) ينقد كتابا محرفا (التوراة) وردت فيه قصة تجريم الجنس والمعرفة وأسست للخطيئة الموروثة وتأليه المسيح الذي يعتبر ابن الله الشفيع بما ضحى به من أجل الإنسانية في حين ان القرآن ينفي أن يكون المسيح ابن الله وأنه ضحى من أجل البشر ليشفع فيهم ولم يصلب أصلا. وهذا الرد على كتاب بكتاب لكني رددت على الجدل في عدة محاولات فلسفيا وخاصة في كتاب الشعر ولعل بيان سخف الجدل في تفسير الطبيعة والتاريخ كاف. وما كان الامر يتطلب كل هذا الرد لو لم يكن الجدل اساس الإيديولوجيا التي تؤثر في المعتقدات وتقلب كل القيم فيصبح النظام لنفس السلم بين الموجودات. الجسر تم والحمد لله: فالمقومات التي في ذات الفرد ومعيار تصنيف النخب وهي عين المقومات التي يحدد كل مقوم منها نخبة تجمع من يغلب عليهم ذلك المقوم لأن الجميع لهم نفس المقومات الخمسة مع غلبة أحدها وهو شبه تخصص طبيعي في طبائع البشر يؤهلهم للانتساب إلى نخبة معينة. ومجموع النخب-السياسية والعلمية والاقتصادية والفنية والرؤيوية (وهي مضاعفة دينية وفلسفية) هو الذي يجعل الجماعة وكأنها فرد له المقومات الخمس لكنها موزعة على النخب فإذا صلحت هذه النخب الخمس صلحت الجماعة وإذا فسدت فسدت الجماعة لأنها هي التي تفسد الجماعة بالتربية والحكم العنيفين. وجوهر الفساد هو غلبة الرذائل على الفضائل اللتين وصفت في كلامي على القيم التي هي فروع القيمة الأعلى والتي من أجلها كان الإنسان أهلا للاستخلاف أعني قيمة الحرية: فالله استخلف آدم في القرآن لأن خلقه حرا عابدا بل “عبيدا” صيغة مبالغة من عابد على وزن عليم من عالم. والإنسان عبيد بمعنى صيغة المبالغة من عابد لأن حقيقته هي عبادة الله دون سواه وإذا عبد غيره سماء القرآن مشركا ولكن أعطاه أسما آخر أكثر دلالة وهو فعل “يعدلون” بربهم وثنا ما يعني أنهم يقعون في خطأ في معرفة المعبود. ولهذا لعلة جاء التذكير لأن الله رحيم ولا يعذب إلا بعد النذير. ومعنى ذلك أن الإنسان جوهره العبادة لكن مستعبديه يحرفان الدين فيدخلان بينه وبين ربه وسيطا ووصيا يصبحان هما الشريك الذي يتحكم في الإنسان المستعبد بالسلطان الذي لهم على حاجاته المادية (رمز الفعل=العملة) وحاجاته الروحية (فعل الرمز=الكلمة): دين العجل أو عبادة المال والأيديولوجيا.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي