اصلاح الدولة، شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي – الفصل الخامس/القسم الثالث

**** اصلاح الدولة شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي

الفصل الأخير يتعلق بالوظائف: هل للأسرة مثل الدولة وظيفة حماية داخلية وخارجية وجهاز عصبي مركزي يجعلها تعمل على علم؟ وهل لها مثل الدولة وظيفة رعاية تكوينية وتموينية وجهاز عصبي مركزي يجعلها تعمل على علم؟ وكيف تعمل هذه الوظائف وهي ليس لها جهاز عصبي مركزي يشرف عليها؟ فهذه الوظائف العشر (خمس للحماية وخمس للرعاية) تشرف عليها هيئة إدارة سdاسية هي الحكومة بالفعل (الحكومة) والحكومة بالقوة (المعارضة) لأن الشعب لم يختار الحزب أو التكتل الحاكم لا يختاره وحده بل يختار من سيعارضه ليكون شبه حكومة ظل تراقب باسم قاعدتها وقد تفوز في الدورة المقبلة. وهذا الجهاز المدير هو المفقود في الأسرة. وهو ما يشبه بالضبط غياب الحكومة في النظام العالمي ما ييسر الابقاء على الصراع في الاسرة كالذي يقع في العالم. كلاهما “مقطوع الرأس” ليس للأسرة حكومة شرعية وليس للإنسانية حكومة شرعية يختارها المحكومون الحاكمون بالتناوب. وقبل الكلام في حل المشكل فلأذكر بفروع وظيفة الحماية في الدولة: فالحماية الداخلية لها بعدان بعد رمزي هو القضاء وبعد فعلي هو الامن. والحماية الخارجية لها بعدان بعد رمزي هو الدبلوماسية وبعد فعلي هو الدفاع. والجهاز العصبي المركزي هو الاستعلام والإعلام السياسي. أما فروع وظيفة الرعاية في الدولة فهي: الرعاية التكوينية وبعداها الرمزي هو التربية النظامية والفعلي هو التربية الاجتماعية. والرعاية التموينية بعداها الرمزي هو الانتاج الثقافي والفعلي هو الإنتاج الاقتصادي. ولها جهاز عصبي مركزي هو البحث والأعلام العلميان. والحكومة بالفعل هي التي تشرف على هذه الوظائف وتديرها والحكومة بالقوة أو المعارضة هي التي تراقب وتنقد عمل الحكومة فتكون حكومة ظل تستعد لمناوبة. تلك هي وظائف الدولة فهل للأسرة منها نصيب؟ في الحقيقة ينبغي أن تكون هذه الوظائف عاملة بين مواطنين أحرار حتى تصح المقارنة. لذلك فالامر يتعلق بحكومة عالمية فوق الدول التي تعتبر السيادة فيها الدليل حرية شعوبها وعدم تبعيتها. وعندئذ نسأل هل توجد هذه الوظائف والهيئة المشرفة عليها حكما ومعارضة؟ هنا يتبين التماثل. طبعا المجتمع الدولي يسعى لأن يحقق ذلك فيحاول إيجاد نفس هذه الوظائف في الدولة العالمية المنشودة. ونفس السعي هو المطلوب في الأسرة: هل توجد هذه الوظائف العشر وسلطة حاكمة ومعارضة تشرف عليها وتديرها كما في الدولة الوطنية عندما نعترف بأن الأسرة هي الدولة الأصغر والإنسانية هل الدولة الاكبر تبعا للجماعة الاصغر والجماعة الأكبر؟ هذا هو موضوع المقارنة والبحث. مرة أخرى كان أثر علوم الملة المحرفة هو جعل الاسرة الاصغر مثل الاسرة الأكبر خالية من شرط تحقيق هذه الوظائف وخاصة الوظيفة الأعلى التي تشرف عليها حكما ومعارضة أو حكما بالفعل وحكما بالقوة والأول يحكمه الموجود والثاني يحكمه المنشود وليس منطق الجدل والصراع بالمعنى الهيجلي. والمقابلة بين الموجود الغالب على الحاكم بالفعل والمنشود الغالب على الحاكم بالقوة ليس جدليا ولا صراعيا بل هو علاقة بين “الواقع” و”المثال”. كلاهما يستسلم بما يحدد معايير الفعل دون اعتبار منطق العمل الفعلي والعمل الفرضي: الفرق بينهما هو الفرق بين “الواقع” و”المثال”. ولابد منهما معا. وهما لا يتنافيان بل هما وجها التواصي بالحق والتواصي بالصبر إذا كان الحاكم والمعارض يعملان بصدق لصالح الشعب الذي انتخبهما لأن المعارض أيضا منتخب ولا ينقصه إلى الاغلبية وليس الشرعية الشعبية. كلاهما له الشرعية الشعبية لكن شرط الأغلبية هو لمقتضيات القرار في الحكم تشريعا وتنفيذا. نعود الآن إلى الأسرة. هي أشبه بالنظام الدولي في غياب هذا الحل. يصبح الامر وكأنه تغالب الاقوى هو الذي يفرض حكمه على الاضعف. وهنا ولن أكشف سرا فغالبا ما يتوهم الناس أن الرجل هو الاقوى وأن المرأة هي الاضعف. وهي من اكاذيب الظاهر لأن الباطن عكسها تماما خاصة إذا كانت المرأة ذكية. كيف ذلك؟ ذكاؤها هو علة قوتها فقوتها لا نزاع فيها بل هو علة عدم منازعتها فيها. فإذا ارادت أن تجعل قوتها علنية أفقدت الرجل وهم القوة نهائيا وهو لا يحتاج إلا إلى وهم القوة “على عنين الناس” كما يقال. في الحقيقة قوة المرأة من سرية نفوذها وليس من علنيتها. وهذا في جميع المجتمعات. ويمكن أن أقول إن الإسلام قد وضع بداية الحل للأسرة ويمكن أن يقاس عليه الحل للبشرية لما بينا من تواز تام بين الأسرة الأصغر والاسرة الأكبر. فهو وضع نظرية الحكمين واحد من اهل المرأة والثاني من أهل الرجل عندما يحصل بينهما ما يخيف أحدهما من نشوز الثاني. وهنا أيضا نجد تحريف علوم الملة. فالقرآن في الحالتين لا يتكلم على نشوز المرأة أو نشوز الرجل بل على الخوف من حصوله وإذن فالقضية لا تتعلق بعلاج النشوز لأن إذا حصل لا علاج له بل هي تتعلق بالوقاية منه ومعنى معنى “وإن خفتم. وما أن يفشل الحكمان حتى يكون الفراق لأن فشلهما يعني أن الداء استفحل وكما أسلفت العلاج مستحيل. ويمكن القول إن “حكومة” دولية تعتبر تعاقد بين الدول وهي إذن علاقة بين حريات وليست ملزمة إلا بنفس النظام أي بالتحكمي الطوعي. وينبغي أن يكون حكم من المتنازعين بمعنى من عقلاء الجماعتين الخائفتين من الحرب الممكنة بينهما. فمثلا الخليج يمكن أن يحسم خلافه بحكماء من الأطراف المتنازعة. كما أن الجزائر والمغرب يمكن أن يحسما الأمر لتجنب الحرب التي تهدد بالوقوع بينهما بالاحتكام إلى حكما من الشعبين. والمعلوم أن الحكماء من الشعبين ينبغي أن يحصل بين المتخاصمين على أنهما حكماء بالمعنى القرآني أي أنهما يشهدان بالحق حتى على أنفسهما. لن يشفي غليل القراء إلا فهم علة اعتباري المرأة أقوى من الرجل إذا كانت ذكية في التمييز بين الظاهر والباطن ونسبة الأول لقوة الرجل ونسبة الثاني لقوة المرأة. فحتى بدنيا قوة الرجل عضلات وقوة المرأة لمسات. أما ما وراء ذلك فلا أحتاج لقوله. والتأثير اللطيف أقوى من التأثير العنيف. فحتى في الحروب بين الدول من يربح الحرب اللطيفة يضمن الانتصار في الحرب العنيفة. ذلك أن الحروب ليست بالسلاح المادي وحده بل هي بالسلاح الروحي. هذا ينبغي أن يتقدم فـ”يهشس” السلاح المادي. المقاتل ليس السلاح بل الجندي فإذا غلب روحيا صار عاجزا عن النصر ماديا. وهذا من أسرار كيان الإنسان. فإذا كان ذلك كذلك في الحروب بين الأعداء فكيف بالأمر بين “وقد أفضى بعضكم لبعض” بمعنى أن كلا الزوجين مطلعان على أعمق أسرار بعضهما البعض ومن ثم فالمودة وحتى تبادل التنازلات يجعل المسألة ليست صداما بين قوتين من طبيعة مادية بل معنوية لحفظ لماء الوجه لكل منهما. والحكمان في القرآن ليس لهما سلطان آخر غير السلطان المعنوي على طرفي النزاع الذي يجعل أحد الطرفين يؤول بعض السلوك بما يخيفه من نشوز ممكن فيسارع للوقاية منه لأن النشوز إذا حصل فعلا لم يبق بعده عيش مشترك ممكن. وهنا لا بد من فهم علة النشوز في الحالتين. فالعلة علامة تدعو إلى الخوف من النشوز وهي إذن علة الخوف من النشوز وليست علته هو. والقرآن أورد العلامة التي يؤولها الرجل تأويلا يخيفه من النشوز وهو إذن ما يزال محبا لصاحبته وإلا لما خاف من النشوز ولفارقه. وبالمقابل مع المرأة تؤول علامة دالة على إمكانية النشوز. وقد أطنبت في شرح ذلك في محاولات سابقة لكني أوجز هنا: فما يؤول على أنه علامة تخيف الرجل من نشوز زوجة ما يزال يحبها هو عدم حفظ الأسرار. وما يؤول على أنه علامة تخيف المرأة من نشوز زوج ما تزال تحبه هو عدم الإنفاق عليها بما تراه مناسبا لكرامتها. كلاهما يؤول أمرا له علاقة بالكرامة. وها أنا قد وصلت إلى بيت القصيد لأثبت ضرر علوم الملة المزيفة. فلا يمكن أولا أن يكون أحد طرفي الخصومة -تأويل علامة النشوز-خصما حكما في نفس الوقت. ومن ثم فما تأمر به الآيتان (نشوز المرأة ونشوز الرجل) من أفعال لتجنب النشوز المخاف منه موجه لأحد الطرفين. ولا يمكن خاصة أن يكون الأمر بالضرب يعني أن الرجل الذي يخاف نشوز صاحبته يحبها وإلا لما خاف من نشوزها ولسرحها بمعروف. ومن ثم فالضرب فهم بدويا وليس قرآنيا. ذلك أن الضرب بالمعنى المادي يصحبه دائما إما أداة الضرب أو المحل المضروب وعندما يكون الفعل متعديا خاصة: كضرب الرقاب. الضرب المرسل دون أداة الضرب والمحل المضروب لا وجود له أصلا في القرآن ومن ثم فلا يمكن أن يفهم بمعنى الضرب المادي بل بمعنى الضرب الرمزي الذي يتعلق إما بإعادة التكوين والتربية وأو بالترك بمعنى ضرب عنه صفحا. ذلك أن عدم كتمان السر ليس علة للضرب بل علة لإعادة التربية على كتمانه. هذا ملخص الحل وهو الوحيد الذي لا يناقض قيم القرآن وخاصة اعتبار الزواج عقدا بين ذاتين حرتين ينتج عن حريتهما القدرة على اللقاء والفراق بمقتضى القيم التي هي بنود العقد: الصدق والخير والجمال والجلال. وعندما تزول هذه القيم لا يبقى للقاء معنى. وكل صراع بعد ذلك استحوان وليس استخلاف.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي