اصلاح الدولة، شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي – الفصل الثاني/القسم الرابع

**** اصلاح الدولة شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي

آن أوان الدحض الحاسم للمنطق الجدلي. فهذا هو الميدان الذي من المفروض أن يبدو مطابقا للرؤية الجدلية التي تعتبر القانون العام هو الصراع الروحي (بين أرواح الشعوب والأفراد) أو المادي (بين الطبقات والافراد) وهو ما سأبين أنه يثبت العكس تماما حيث لا يمكن الاستناد إلى أي من الموقفين. فلا يمكن: 1. الفصل بين المادي والروحي ومن ثم فلا هيجل ولا ماركس على حق 2. ولكن قبل ذلك لا يمكن اعتبار أي شيء في العالم ناتجا عن صراع بين قطبين لأن العلاقة الثنائية هي بدورها خاضعة لما يجعلها متجاوزة للقطبية بين اثنين وهي بنيوية بين عدة مقومات وليست جدلية بين نقيضين. ولنبدأ بأول مفهوم يثبت سطحية التحليل الجدلي لعناصر التفاعل الذي يفهم بالجدل أي بوجود قطبين في كل شيء يتصارعان فيه صراعا ينتج التوليف بينهما باعتبار الأول وضعا والثاني رفعا والحصيلة توليفا ومثال هيجل وهو المؤسس هو الوجود والعدم وينتج عنهما الصيرورة. كل شيء قطباه وعدم سرا للتغير. ولو كان ذلك صحيحا لكان الشيء بقطبيه منفصلا عن محيطه ويكون ذلك من طبيعته الذاتية. لكن لو غيرنا المحيط فإن ذلك يتغير وقد لا يحصل فيه ما ظن من طبيعته بمجرد تغير المحيط. وإذن فللمحيط دور في التفاعل بين القطبين ان سلمنا بانهما هما الاصل في التفاعل والمحيط شرط مساعد فسحب. والعلاقة بالمحيط بعد أن عرفنا أن العوالم مختلفة ومحددة لتفاعلات ما يوجد فيها والقوى الاربعة التي توجد في عالمنا وفيزيائه خاصة (الذرية الأكبر والذرية الاصغر والكهربائية المغناطيسية والجاذبية) قد لا توجد في غير عالمنا وحتى في لأن تجاوز جاذبية الأرض تغير الحركة في المكان مثلا. ولننتقل إلى الحياة. فهل يمكن تصور عمل مقومي الانجاب وكل منهما في كائن قائم الذات كلاهما فيه موجب وسالب؟ وهل يمكن حتى بالنسبة إلى الإنجاب أن نعتبر الحيوان المنوي أو البويضة أحدما موجب والثاني سالب؟ وأن العلاقة بنيهما تصادمية؟ طبعا لا في الحالتين. إذن بايولوجيا الجدل لا معنى له. هل اجتماعيا اللقاء بين الناس يخضع لخرافة السيد والعبد؟ هل العلاقة مرسومة في ذاتهما أم هي عرض علته خارجية لا علاقة لها بما يمكن ان يعد من طبيعتهما بل هو من محيط مشاركتها في الوجود والتنافس على شروطه لعدم الوصول إلى حل التقاسم بشروط يحددها التفاهم بينهما الذي هو الحل الأمثل. علاقة السيادة العبودية ليست إذن علاقة مقومة بل علاقة عرضية. لكن إذن نفينا التمييز بين المقوم والعرضي وهو نفي ممكن فهل يمكن حينها أن نقول إن منطق الجدل أو وجود النقيضين في الشيء من مقوماته؟ فإن لم نقل بالمقوم وقلينا بالعرض بات من الواجب أن نعتبر القول بالجدل إطلاقا لأمر عرضي. فنصل حينها إلى استحالة التوقف عند الاثنين المتنافيين في قيام الشيء واعتبار الوجود والعدم وجهان لنفس الشيء والصيرورة حصيلة لهما. ذلك أن نقلة الشيء من لحظة “أ” إلى لحظة “ب” وهو معنى الصيرورة لا يتوسط بينهما عدم وإلا لما كان لكان بين “أ” و”ب” مرحلة هي مغنية عما تقدم عليها وعما تأخر. فتكون كل لحظة كافية ولا حاجة للنقلة إلى ما بعدها ولا حاجة للعنصرين المقومين لها “أ” و”لاأ” أو “ب”. وفي ذلك نفي للغير وليس إثباتا له كما يزعم هيجل. وإذا كان التغير يعني أن يجد جديد لم يكن ثم صار بات من الواجب أن يكون الجديد مختلفا بما جد فيها وإلا لاكتفى القديم بذاته فلا يتغير لكن لو اعتبرنا النقلة من اللحظة “أ” إلى اللحظة “ب” لا تحصل من دون العلاقة بالمحيط المحدد لشروط بقاء الشيء لحظتين متواليتين مع تغيره انتقالا من اللحظة السابقة إلى اللحظة اللاحقة وهو موجود في كل ما بينهما من مسافة زمانية تبين حينها أن الجدل خرافة ولا معنى للجمع بين وجود وعدم. وهبني سلمت الآن أن الشيء مؤلف من النقيضين وأنهما في صراع ينتج التوليف المتجاوز للتناقض فلأبدأ لا تحصل العملية بين شيئين بل لا بد بعد الواحد من خمسة: فعندي الواحد وقطباه “أ”و”لاأ” المتناقضان ثم فعل”أ” في “لاأ” وفعل “لا أ” في “والاتجاهان مختلفان حتى لو أرجع المبدأ كلا منهما للثاني. لكنه لا يحقق ذلك. فالرجل مثلا يحب المرأة وقد لا تحبه والعكس بالعكس المرأة تحب الرجل وقد لا يحبها وإذن فالعلاقة متعدية لكنها اسيميتريك (غير متناظرة) فيكون عندنا خمسة عناصر إن كان متناظرة: الواحد الوجه الأول الوجه الثاني علاقة الاول بالثاني علاقة الثاني بالأول حتى لو كان متناظرة. خذ مثلا علاقة الإنسان بنفسه أو وعيه بذاته. فهو واحد ولنفترض أن ذاته ووعيه وجهان منه ينتج عنهما ذات واعية بذاتها. لكن لما نحلل سنجد أن علاقة ذاته بوعيه غير علاقة وعيه بذاته وسنجد أثرا لوعيه بذاته في ذاته وأثرا لذاته في وعيه بذاته وهما مختلفان تماما. فيكون مخمسا رغم أنفه. وإذن فلا يمكن بعد الواحد الذي هو خصيصة إلهية كل موجود فرد له ابعاد خمسة ذاته وعلاقته بذاته وعلاقة ذاته بعلاقته بذاته وأثر العلاقة الاولى في العلاقة الثانية أثر العلاقة الثانية في العلاقة الاولى وهو إذن بينة مؤلفة من خمسة عناصر وليس من عنصرين متنافيين وحصيلة توليفية. ولنصعد قليلا فننتقل من كيان الفرد المخمس إلى كيان الزوجين امرأة ورجل. فعندك علاقة بين مخمسين وليست بين قطبين. وهي شديد التركيب ومع ذلك فيمكن اعتبارها هي بدورها مخمسة: فعندك الذاتان وصورة كل واحد منهما عن الثاني في واقعه في ما يأمل أن تكون عليه في مثاله. ولكل منهما صورتان عن نفسه ما هو وما يحاول أن يبدو عليه ليستجيب لما ينتظره من الثاني فيكون كل مهما مخمسا: ذاته وصورتاه عنها وصورتاه عن شريكه. وغالبا ما تكون الصور الاربع هي التي تتفاعل حتى تحقق ما بين الذاتين من تكايف متبادل فتلتقي الذاتان حينها التقاء يمكن من السعادة الممكنة. ذلك أن كلا منهما يحاول أن يقرب ما أمكن صورته الواقعية من صورته المثالية بمقتضى ما يتوقع أن شريكه ينتظر منه ما يحلم به فيه. وهذا هو شرط التقارب المتدرج أو التنافر المتدرج بين الشريكين. ومن ثم فخرافة المنطق الجدلي بين حدين أقصيين (التناقض) في نفس الهوية ينتج عنهما صيرورتها وهم. صيرورة الهويات ليس مقصورة عما يجري فيها بل هي مثل الدول صيرورة داخلية وخارجية الوجهان متوالجان لكن توالجهما له اتجاهان عند كل منهما ومن ثم فالعلاقة مخمسة وليس مثلثة. وقد يكون في ذلك دليل على أن التثليث المسيحي الذي لأجله ابتدع هيجل الجدل خاطي وأن المبدأ هو التخميس الإسلامي. فيكون الخلاف بين الجدلي والبنيوي وبين الرؤية المسيحية والرؤية الاسلامية وبين هيجل وبيني ما يثبت أن الأصل في الموقفين وإن عبر عنه فلسفيا يبقى بالجوهر دينيا: لا يمكن تصور أي كان مؤلف من الزوجية أي غير متصف بالوحدة التي هي حكر على الله تكامليا وليس تناقضيا وهو مخمس البينة كما بينت. وتكامل العناصر البنيوية نوعان: في الذات الواحدة ثم في ما يتألف من أكثر من ذات بداية من ذاتين سواء كانتا للزواج بالمعنى الأسري أو للصداقة إما بين ذاتين من نفس الجنس أو بين ذاتين من جنسين مختلفين والزواج الأسري فرع عنها لأن الزواج بهذا المعنى لا يصمد إلى بها: تعاقد بين صديقين. المستوى الأول وهو الأعسر على الفهم هو مستوى البنيوي في الذات الواحدة والذي يمكن اعتباره المخمس الحاصل من مقومين متكاملين بينهما تفاعلان. فوحدة الذات بدن وروح. وللبدن أثر في الروح غير ما للروح من أثر فيه. والقرآن يقول لنا إن الروح غيب من أمر الله. والبدن فيه غير كذلك. ولسنا نعلم هل هما غيب واحد أو غيبان. وأميل إلى أنهما غيب واحد هو سر وحدتهما التي لا نستطيع لها فهما ولا تعريف يمكن اثباته أو نفيه. المهم أن ما نعيه من أبداننا لا يكفي فيه كل علوم الدنيا. أما ما نعيه من أرواحنا فلا يكاد يتجاوز مجاورة الصفر. لكن نعي أن فعليهما مختلفان في إدراكنا. وما بات ثابتا لدي هو تفاعلهما ليس من طبيعة جدلية وأن جعله من طبيعة جدلية علته تحريف ديني هو القول بأن الإنسان شرير بالطبع وبأنه يعاني من الخطيئة الموروثة ويحتاج إلى شفيع يموت من أجله وهي الصورة المحرفة عن المسيح الذي يظن ابن الله وروحه لكأنه هو الإنسان الوحيد. أما المستوى الثاني فهو بالذات هذه المستويات التي سميناها أسواقا والتي نحن بصدد الكلام عليها في كل المحاولة بأجزائها الخمسة والتي يتضمن كل جزء منها خمسة فصول. وهذا الجزء الرابع هو آخرها لأن الخامس هو الأصل وهو الكلام في الدولة وقد اشبعناه درسا خارج هذه المجموعة. لكننا لم ندرس من الدولة الا الدولة الخاصة بجماعة بعينها أما الدولة الكونية فقد تكلمنا عليها بوصفها مشروعا إسلامية لم يتحقق بعد وهو بقية المشروع الإسلامي وهدف الاستئناف. والدولة الكونية التي هي في مرحلتها الأولى كونية كمشروع عينة ينبغي ان تصبح مشروعا شاملا وليس مجرد عينة.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي