اصلاح الدولة، شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي – الفصل الثاني/القسم الخامس

**** اصلاح الدولة شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي

حصل الصدام بين الحضارتين العربية الإسلامية واللاتينية المسيحية في أربع مراحل ختمت بخامسة هي مرحلة الاستعمار التي مثلت أكبر هزيمة للمسلمين كانت اللحظة الفاصلة فيها سقوط الخلافة في الربع الاول من القرن العشرين: 1. الفتح الأول 2. الصليبية 3. الاسترداد 4. الفتح الثاني 5. الإحاطة والاستعمار المرحلة الثالثة والوسطى-الاسترداد-هي التي تمثل لحظة الانقلاب رغم الفتح الثاني الذي كان قوة مادية عسكرية ولم يكن مصحوبا بتأثير فكري وحضاري لأن ذلك حدث وتم بمجرد الانتقال من الصليبية إلى الاسترداد الذي بلغ الذروة في لحظة استرداد الاندلس كاملة واكتشاف العالم الجديد. وقد لاحظ ابن خلدون في عصره ما كان يسيطر على بلاد المسلمين من توجه نحو القاع في العلوم والفلسفة وما بدأ في أوروبا من نهضة فيهما في القرنين الثالث عشر والرابع عشر اللذين مثلا استكمال عملية تجاوز الصدمة والاخذ من الحضارة العربية الاسلامية والعودة إلى المصادر اليونانية في جامعاتها. ومعنى ذلك أن كتابات ابن خلدون في العمل والشرع كتابات ابن تيمية في النظر والعقد والتي كانت بين الربع الاول من القرن الرابع عشر والربع الاخير منه مثلت الوعي بغاية الانحطاط والشروع في مستوى الوعي بضرورة الإصلاح في النظر والعقد (التربية خاصة) وفي العمل والشرع (الحكم خاصة). ولهذه العلة اعتبرت القرن الرابع عشر هو في آن غاية الانحطاط وبداية النهوض على الاقل في مستوى الفكر حتى وإن لم يترتب عليه الشروع في مستوى الفعل التاريخي اجتماعيا وسياسيا بسبب ما كان في فكر الرجلين من ثورة غير معهودة لأنها أول قراءة فلسفية للقرآن النظرية والعقدية والعملية والشرعية. وحرب الاسترداد اكتملت في نهاية القرن الموالي على الاقل في الجانب الغربي من أوروبا حتى وإن ظل الجانب الشرقي منها عاجزا عن الصمود أمام الفتح الإسلامي بقيادة الخلافة العثمانية التي بلغت الذروة بعده في منتصفه (فتح القسطنطينية).لكن الغلبة تأكدت بالاستدارة حول المركز واحتلال الأطراف. وانتقل المسلمون إلى الدفاع في العالم كله وهم لا يزالون كذلك إلى الآن خاصة وأدوات الاستضعاف اكتملت لأن تفتيت الأرض يؤدي إلى العجز المادي وتفتيت التاريخ يؤدي إلى العجز الروحي ولم يبق صامدا بحق إلى المرجعية (القرآن والسنة وحديث أحداث الماضي) التي هي خط الدفاع الأخير. الإصلاح الديني والعملي وثمراته الروحية والسياسية والإصلاح الفلسفي والعلمي وثمراته العلمية والاقتصادية نتجا عن الصدمة بيننا وبينهم خلال هذه المراحل الخمس وبدأ النهوض عندنا متأخرا في المرحلة الوسطى أعني منذ كتابات ابن تيمية وابن خلدون على الاقل في مستوى التشخيص. لكن التشخيص لم يشفع بالتعليل والعلاج واكتفت النخب بالتقليد وهو معنى اعتبارهم النهضة قد بدأت مع مجيء نابليون ونظام محمد علي ولا يزال العرب على الاقل في هذه المرحلة التي لا تتجاوز الصراع بين الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي في حرب أهلية من جنس صدام الحضارات الداخلي. ولا عجب. فأوروبا أيضا لم تخرج من الحرب الاهلية الناتجة عن محاولات الإصلاح وهي حروب مدمرة خرجت منها أوروبا في النهاية مستضعفة وهي الآن بعد أن فقدت مستعمراتها وتحولها إلى محمية أمريكية سوفياتية ثم أمريكية فحسب مكتفين بالرفاه المادي ولو من دون سيادة فعلية لأن المحمي تابع. وبذلك نصل إلى ما توقفنا عنده في الفصل الأخير من المجموعة الرابعة: نظام العالم ذي القطبين الامريكي المتناقص والصيني المتنامي وبينهما اقليمنا وأوروبا أي ملتقى القارات الثلاث حول الأبيض المتوسط الذي كان مهد الحضارات وصار تابعا لأمريكا حاليا وقريبا معها الصين. ومع هذا المربع ذي القطبين الشرق الاقصى (الصين) والغرب الاقصى (الولايات المتحدة) وبينهما نحن وأوروبا يوجد الفريق الخامس وهو إما تابع لأحد القطبين او متأرجح بينهما بما ذلك الهند والبرازيل وروسيا وكل القوى المتوسطة والتي هي أقوى منا ومن أوروبا ودون القطبين. هذا هو نظام العالم الحالي الذي يمثل الدولة العالمية كما تتعين في الأمم المتحدة والتي أداتها التنفيذية هي مجلس الامن ولها فيه 3من 5 وللصين وروسيا 2 من 5 وكل واحد منهم يمكن أن يعطل السلطة ذات القدرة التنفيذية للمجلس. وطبعا فهي “دولة” تخضع لدين العجل والمطلوب نقدها منظور إسلامي. أقول إن لأمريكا فيه 3 من 5 لأن فرنسا وانجلترا صاحبتي الفيتو مثلها ليس لأي منهما القدرة الكافية لأن يكون لدوره الموجب (يمكن أن يكون لهما دور سالب) فاعلية ما لم يشفع بدور أمريكا وهما إذن تابعان لأمريكا وقد لا يأتي منهما الدور السالب إلا بضوء أخضر منها. وغالبا ما يكون التصويت الروسي والصيني متلازمين. أما بقية الأعضاء فهم لا سلطان لهم وقابلون للبيع والشراء في غالب الأحيان. لذلك ففساد “الدولة” العالمية في مقابل مثالها القرآني يمكن اعتباره ممثلا بالأمم المتحدة وبسلطتها التنفيذية التي يمثلها مجلس الأمن وخاصة الفصل السابع. وغياب المسلمين علته الأساسية خيانة الحكام والنخب العربية التي تحول دون كل المبادرات التي تأتي من المسلمين الآخرين لتكوين مجموعة قادرة على ما يجعلهم أندادا. فحتى قبل أردوغان كان شيخه قد اقترح مجموعة الثمانية وخذله العرب ثم قضى العسكر على مبادرته. كل محاولات أردوغان يعارضها عملاء. ويدعون الخوف على العروبة من العثمانيين مع انقسامهم وتظللهم بحماية اعدى أعداء العروبة والإسلام نظامي الصفوية والصهيونية علما وأن حربهم على كل عرى وحدة العرب وصلت حتى إلى تفتيت الخليج نفسه فضلا عن تدخلاتهم في المغرب الكبير كما يفعلون في ليبيا ويحاولون في تونس. يزعمون الخوف على العروبة من العثمانيين ويحالفون الأعداء ثم يفتتونهم فيلغون كل دور لهم في الاقليم بحيث إن الجميع صار يفعل ما يريد في قضايا هي بالجوهر عربية في العراق والشام وفلسطين واليمن وبقية الأقطار التي غالبيتها عربية. والأعداء لم يكونوا يحلمون بأفضل منهم عمالة وخدمة لهم. سيقول القارئ وهو محق: كيف يمكنك في هذه الحالة أن تكون متفائلا وأن تدعي أن الإسلام هو مستقبل الإنسانية؟ بمن سيستأنف دوره ليقدم الخطاب الذي تعتبره جوهر الرسالة الكونية المتحررة من دين العجل والتي ليست ثيوقراطية ولا انثروبوقراطية؟ وهذا هو مربط الفرس. فأولا ليس لهؤلاء العملاء مستقبل وستجرفهم الثورة التي ربحت قلوب شعوبهم وأيامهم معدودة لأن الثورة المضادة أعاننا الله عليها بأزمة أسعار البترول وحلب ترومب لهم وسيفلسون عما قريب لأنه لن يتركهم إلا وقد جفف اضراعهم بقرات حلوب وستعود عليهم حسرة وتثور شعوبهم عليهم. وثانيا الإسلام عاش قرونا من دون العرب حتى لو فرضنا أن المعركة بين الثورة والثورة المضادة ستطول. فالعرب لما نكصوا إلى الأعارب تركهم الإسلام وذهب إلى قوم خيرا منهم خدموه وحموه والعرب خارج التاريخ بعد أن اصابتهم تخمة لهم منها حاليا بقايا ما من الله به عليهم وأفسدوه من ثروة. فهم أشبه بعمالنا المهاجرين في الخارج: كل ما يملكونه يبذرونه في مظاهر الحضارة التي تعبر عن بناء القصور في الصحراء مع البقاء في البداوة التي لا تفهم شروط النهوض الحقيقية والتي لا علاقة لها بالناطحات المستوردة. ثم إن المحميات ليس دولا حتى يكون لها شروط العمل طويل النفس. فكل ما يسمى “دولا” عربية محميات أنشأتها الامبراطوريات الاوروبية بعد حروب الاسترداد ووقوع الأمة في الانحطاط فاستعملوهم لتفتيت جغرافية الاسلام وتشتيت تاريخه وتفريق أمته وهم يحاولون الآن مساعدة الأعداء على المس بمرجعيته القرآنية والسنية طابورا خامسا ضد قيمه وروحه. وجودهم كعدمهم. لا وزن لهم ويكفي أن تنظر في ما يحدث في الإقليم. لكأن الاقليم ليس اقليمهم. وعندما أقرأ بعض ما يتنابزون به أتخيل وكأني أسمع الاطفال يتشاجرون في الأحياء حول خلافات بينهم في العاب الصبيان: هم صبيان لا يعلمون ما يحيط بهم من خطط ستذهب بهم وبكراسيهم لغبائهم وبلادة أذهانهم.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي