**** اصلاح الدولة شرطه نظرية في الانتاجين الاقتصادي والثقافي
فيم يتقابل مفهوم دولة المثال الكونية التي أنسبها إلى الإسلام و”دولة” الامر الواقع التي انسبها إلى العولمة والتي تمثلها الأمم المتحدة ومجلس الامن؟ ولنبدأ فنعرف دولة الأول الواقع. هل هي أمم متحدة؟ وهل هي مجلس أمن؟ أم إن هذين الوصفين أداتا خداع للتغطية على جرائم مافيات العجل؟ هل الحاضرون في الامم المتحدة يمثلون أمما أم المافيات المسيطرة على الأمم؟ هي من جنس الجامعة العربية هي جامعة الحكام المستبدين والفاسدين وليس جامعة ممثلين للشعوب. وهل هي متحدة أم هي في صراع دائم الحق فيها هو حق القوة وليس قوة الحق؟ سيقال “خير من بلاش”. نعم. وهو القصد بالأمر الواقع. فصاحب هذا الجواب لا يختلف عمن يقول إنها ناد للمافيات القوية يحقق التسويات بينهم ويستمدون من حضور الضعفاء شبه شرعية الكلام باسم الإنسانية التي لا يتجاوز حضورها الشكليات كأن تسمي دولا محميات أولئك الأقوياء ودورهم كمبارس في ما يسمى الشرعية الدولية التي هي عين اللاشرعية. ولا أنكر أنها كذلك ناد للمستضعفين لأنهم يتلاقون ويتشاكون همومهم فيكون حضورهم كحضور كل الشعوب المضطهدة في المعمورة أمام قضاة هم في آن الخصم والحكم. ذلك أن مجلس الامن لا يحقق أمنا للمستضعفين بل هو في حالة التوافق بين أصحاب الفيتو يفرض ظلمهم بأن يضفي عليه شرعة لا تنطبق إلى عليهم. وأدرى الناس بذلك هم نحن. لم يطبق مجلس الأمن من داخله أو من خارجه بتعلات تغني عن حكمه إلا علينا لكن كل ما يتعلق بإسرائيل التي هي حبيتهم جميعا مستثنى من القانون الدولي الذي لا يتجاوز مرحلة الحبر. ومثالنا ما نراه في سوريا عندما لا يتفق صفاه في العلن ويتفقان على القبول بعدم الاتفاق. فسكوت أمريكا على فيتوات روسيا مثلا دليل رضا وليس دليل رفض لأن رفضها عندما يكون حقيقيا يجعلها تتجاوز قرارات مجلس الأمن وفيتواتيه كما تفعل عندما لا تكون راضية بحق: فمثال العراق شاهد لا جدال فيه ومثله ما حصل في حرب كوريا. وطبعا فلست أشكو من الأمر الواقع بل اكتفي ببيانه. ما يعنيني هو أن ما يسمى بالقانون الدولي هو الصورة الأوضح في بيان طبيعة القانون وطنيا كان أو دوليا بوصفه معبرا عن علاقات موازين القوى وليس عن شرعية الحقوق. وطبعا لا أحد يجهل ذلك ومن ثم فإثباتي إياه لا يقتصر على الاثبات فقط بل الغاية هي بيان إن الأجماع عليه يفيد عدم انطلاء الخدعة. وعدم انطلاء الخدعة دليل نهاية كذبة الشرعية التي يضفيها انطلاؤها بل وأكثر من ذلك فكلما بدا المجلس وكأنه يحق الحق كان الهدف التغطية لإضفاء المصداقية على الخدعة. وهذا هو المستوى الذي بلغه الأمر بحيث إنه لم يعد مقصورا على شكوى المستضعفين بل تجاوزه إلى عموم الاستضعاف حتى بين المافيات وهذا الذي نقوله على القانون الدولي تشريعا وتنفيذا وقضاء بين التشريع والتشريع والتنفيذ بمراحله الثلاثة هو عينه ما يجري في القوانين الوطنية وهو ما يعني أن المستضعفين الذي يتزايد عددهم بتآكل المافيات في ما بينها وتناقصها لأنها تخضع لمنطق العجل وأكل الكبير للصغير يخضعون للظلمين. وحينئذ نصل إلى مرحلة ظهور الحقيقة التي يخفيها نظام الانثروبوقراطيا أي نظام العجل كما حصل مع نظام الثيوقراطيا الذي كانت الانثروبوقراطيا تدعي الثورة عليه. وفي الحقيقة فالنظام واحد هو نظام العجل استعمل التنكر الثيوقراطي فأفلس واستعمل التنكر الانثروبوقراطي فأفلس: اللحظة الراهنة. فإذا غسلت الإنسانية أيديها من الانثروبوقراطيا وفهمت أنها ابيسيوقراطيا متنكرة نكون في لحظة يطلب فيها الجميع دين الله الذي هو الديني في كل دين والفلسفي في كل فلسفة أي محاولة التحرر من الوساطة والوصاية وتحرير الإنسان روحيا وسياسيا. وهي لحظة الاستئناف الإسلامي التي تعنيني. فانهيار الانثروبوقراطيا الرأسمالية تأخر عن انهيار الانثروبوقراطيا الشيوعية لكنه سيليها حتما كما تأخر انهيار الثيوقراطيا البيزنطية عن انهيار الثيوقراطيا الفارسية. والثيوقراطيا الصفوية والانثروبوقراطيا الصهيونية هما الرمزان في الاقليم وذراعا قطبي العالم فيه ولكن لأجل قصير. وقصدي أن طبيعة الاستئناف الإسلامي ليست عندي مجرد معتقد بل هي الحل الوحيد ليس لنا وحدنا بل للإنسانية كلها لأن ما وصلت إليه العولمة يثبت فشل الانثروبوقراطيا كما فشلت الثيوقراطيا وتبينت طبيعتهما الأبيسيوقراطية بمعنى أنها تحكم وتربي بمنطق العجل وخواره أي المال والأعلام الفاسدين. فكلامي لا يتعلق بعقيدة فحسب بل بحقيقة تاريخية ماثلة للعيان. الاستئناف الإسلامي حاجة كونية شبيهة راهنة شبيهة بالحاجة الكونية في النشأة الأولى. والنشأة الاولى كانت لتحقيق الحرية الروحية بالتخلص من وساطة الكنسية والحرية السياسية بالتخلص من وصاية الحكم بالحق الإلهي. والاستئناف سيكون لتحقيق الحرية الروحية بالتخلص من وساطة الكنسية الانثروبوقراطية البديل من وساطة الكنسية الثيوقراطية (الإعلام وملاهي هوليوود المربية على التزييف والكذب) ومن وصاية سلطان المال البديل من الحق الإلهي في الثيوقراطيا (البنوك والربا): بينت أن جميع البشر اليوم عبيد لهما. وما الحرب على الإسلام إلى دليل مضاعف على ما أقول: فلو لم تكن مافيات العالم المساندة للذراعين (الصفوية والصهيونية) والمشاركة مباشرة في الحرب على الإسلام لظن ما أقوله تهويل في دور الإسلام الذي هو دين مثل أي دين. لكنه ليس دينا مثل اي دين إنه الديني في كل دين لم يحرف: دين الله. وهو لم يأت بدين جديد بل هو يذكر بالديني الذي هو مرسوم في كيان الإنسان العضوي والروحي. فالعضوي يدرك حدوده والروحي بدأ يدركها لما علم الإنسان أن إرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجودها كلها شديدة المحدودية وأن وهمه في إطلاقها هو علة مرض الجدل الصراعي الذي صار ثقافة العالم. والغريب أن هذا المرض لم يبق مقصورا على من تبناه من أصحاب كاريكاتور التحديث بل أصابت العدوى أصحاب كاريكاتور التأصيل الذين صاروا يقولون بالتدافع وهو ترجمة سخيفة لمنطق الصراع الجدلي عمن حرف القرآن فجعل دفع الله الناس بعضهم ببعض تدافعا ونسوا أن الدافع هو الله. والغريب أن هذا المرض لم يبق مقصورا على من تبناه من أصحاب كاريكاتور التحديث بل أصابت العدوى أصحاب كاريكاتور التأصيل الذين صاروا يقولون التدافع وهو ترجمة سخيفة لمنطق الصراع الجدلي عند من حرفوا القرآن فجعلوا دفع الله الناس بعضهم ببعض تدافعا ونسوا أن الدافع الوحيد هو الله. وكلامي هذا يصح حتى على الطبيعة. فالقوى الأربع التي هي الذرية الكبرى والذرية الصغرى والكهرومغناطيسية والجاذبية ليست فاعلة بذاتها بل بما يجعلها متفاعلة تفاعلا هو نظام العالم الذي هو بنية خفية وغيبية والا لما حدث عنها نظام عالمنا الذي ليست قوانينه إلا من آياته هذا المبدأ الخفي. ولو كانت مافيات العالم لا تأخذ إمكانية الاستئناف الإسلامي مأخذ الجد لما تجندت له وجندت الذراعين لمحاربة أصحاب نشأة دولة الإسلام الأولى وأصحاب حماية دولة الإسلام الاخيرة إلى حدود الحرب العالمية الاولى والسعي لتهديم كل إمكانية لتعاونهما فضلا عن السعي لتهديم أي قوة تحدث فيهما. هذا في الحرب العنيفة. أما في الحرب اللطيفة فمن يأخذ هذا الرؤية مأخذ الجد استعمل طريقتين لمنع الاستنئاف. الاولى هي تشوبه دولة الإسلام باصطناع شكل مشوه منها سموة الخلافة أو داعش حتى يصبح الاسم نفسه منفرا ويستعمل لتجنيد شعوب الغرب ضد الاستئناف بما يقترفونه باسمه من شنائع. أما الطريقة الثانية فهي ما يفرض على الأنظمة العميلة وطباليهم من الكاريكاتورين مدعي التأصيل ومدعي التحديث من تحريف الإسلام حتى يرضي أعداءه الذين هم حماة طراطير العرب الذين يتصورون أنفسهم حكاما وأمراء وهم عبيد وغفراء في محميات يسمونها دولا وهي توابع ذليلة. لكن رب ضارة نافعة. فلا أحد يصدق أن الخلافة هي الصورة التي تعطيها داعش منها. ولا أحد يصدق أن الإسلام هو الصورة التي يمثلها السيسي وحزب النور أو مراهقا الخليج ودجاليهم من الليبراليين الأميين في الخليج. والحرب على الإسلام وعلى دولته تحييان احداث الماضي وأحاديثه في تربية الشباب. وأهم فائدة ثورية لم ينتبه إليها أعداء الاستئناف هو توحيد مسرح المعركة: ما يجري حاليا أنهى سايكس بيكو مثلا لأن الهلال كله صار مسرحا واحدا لنفس المعركة. وهذا التوحيد مهم جدا لأنه هو المرحلة الجنينية من الاستئناف الذي يقع في الأذهان وهو حتما سننتقل إلى الأعيان. وحتى فوضى الحروب والاقتتال فحصيلتها ستكون بخلاف ما يتوهم أعداء الأمة شديدة الإيجابية. فالنشأة الأولى ما كانت لتكون بتلك السرعة لو لم يكن الشباب العربي قبل الاسلام قد تمهر في الحرب والشجاعة وتحرر مما سماه ابن خلدون فساد معاني الإنسانية: الإسلام بدأ بالشباب بجنسيه ويستأنف بهما.