استراتيجية ربح المعركتين – القسم الأول



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



مقدمة

1-لو كنت أولي اعتبارا لردود الفعل على محاولاتي الفهم والإفهام لقررت أن أصمت إلى غير غاية لفرط ما ألحظه من انشغال أغلب القراء العرب بالزبد. لكن شعورا ما بمسؤولية خلقية تفرض علي المواظبة.
2-وأقوى المثبطات الموضوعية فضلا عن الذاتية قانونان يحكمان التواصل بين البشر: الأول يخص نوع الرسالة مضمونا وشكلا والثاني يخص مناخ الإرسال مساعدا على التبليغ أو حائلا دونه. وبتعريف مفعولهما أبدأ الكلام في مأزق سنة العرب.
3-فـمناخ التواصل الذي يعم كل البشر حاليا علته نوع التواصل الحالي: فباثّو الرسائل يكاد عدهم يكون بعدة البشر. التواصل يغمره الضوضاء وتزاحم الرسائل وهما أمران يغلبان التشويش على أي رسالة مهما كانت بسيطة.
4-وشروط بروز الرسالة في الزحام لم يعد مرتبطا بالمضمون ولا بمستواه المعرفي بل بشكلها -عملية تسويق- وبنوع إخراج المضمون وشهرة مصدره وسيطرة أصحابه الإعلامية.
5-فتكون حصيلة القانونين أن تحديد وزن الرسالة لم يعد مرتبطا بجديتها ولا بمطابقتها للحاجة التي يراد سدها بل بكيفية تسويقها : من جنس العلاج بالبلاسبو. فتسيطر الاشاعات والكذب على الوقائع والصدق.
6-ويبقى وعي المتلقي ومعرفته بمعايير التمييز الغربال الوحيد الذي نحتاج إليه – وفي ذلك شيء من الدور لأننا نشترط وجود ما نسعى لتكوينه – وخاصة في التصدي للحرب النفسية أقوى سلاح يستفيد مما أسلفنا من محددات فاعلية التواصل ومشوهاته.
7-وهذا هو عزائي الوحيد في مواصلة ما أعتبره واجبي للإسهام في عمل الشباب بجنسية خلال سعيه لتحقيق شروط نجاح الثورتين: ثورة التحررمن الاستبداد والفساد (بدايتها تونس) وثورة التحرير من الاستضعاف والاستتباع (بدايتها السعودية وعاصفة الحزم).
8-أما القانون الثاني فيمكن ألا يعوق التواصل مع الشعوب بسبب قانون رياضي. لكنه يعوق التواصل مع من بيدهم الحل والعقد في شؤونها العامة لنفس العلة الرياضية.
9-فعدد أفراد الجماعة مهما قل يبقي للتواصل فاعلية رغم القانون الثاني الخاص بأهل الحل والعقد. ذلك أن بعض المتلقين مهما قل عددهم يبقى كثيرا ثم يصبحون هم حوامل التبليغ المباشر المفيد .
10-أما من بيدهم الحل والعقد فهم قلة لأن من حولهم حجاب يحول دونهم والاطلاع على الجوهري بسبب تسويق هذه البطانة لتوطيد سلطانها عليهم بالتعمية. وهؤلاء في الأغلب يخدمون أجندات لا يعلم أسرارها إلا من فرضهم على الحكام.
11-وهذا القانون بين الفاعليتين في المستويين يحدث سرعتين في التواصل المفيد ومن ثم في التأثير الممكن للتوعية والتنوير: فـما تنتخبه البطانة تأثيره مباشر وسريع وما يؤثر في الأعماق بطيء بل وأحيانا تعمل البطانة ما تستطيع لمنع تأثيره.
12-والبطانة ذات مستويين: فهي أولا مافية الفعل (أصحاب المال والمصالح) وهي ثاينا مافية الرمز (خدمهم من الخبراء المزعومين). والضحية هي الشعب وبعض الغافلين من حكامه مهما حسنت نواياهم.
13- وبهذا فإني قد ختمت المقدمة النظرية: فبعد هذه الشروط التي شرحت للمتلقين أريد أن أعالج مسألة غاية في الأهمية والخطورة: كيف تنتصر السنة في مجالات التنافس التي تمكنها من الاستئناف وتحقيق أهداف الثورتين؟

لماذا السنة؟

14-وقبل الغوص فلأشرح لما اخص السنة بالذكر؟ لا أخفي أني اعتقد أن الاستئناف الإسلامي لن يكون بيد غيرهم وأنهم لهذه العلة هم المستهدفون خاصة.
15-ومعنى ذلك أن الغرب وذراعيه (إسرائيل وإيران) ومليشياتهما الخمسة واختراق المقاومات السنية وفساد الأنظمة العميلة ونخبها كل ذلك هدفه هزيمة السنة عامة والعربية خاصة لمنع استئناف المسلمين دورهم : والرمز هو محاربة دولة الإسلام الممكنة.
16-من هذا التشخيص لما يجري في الإقليم يمكن وضع السؤال الجوهري: ما المجالات غير المباشرة التي تضمن انتصار السنة بربح التنافس فيها مع الأعداء سلما وحربا بمعاني الكلمتين الحقيقية والمجازية؟
17-وطبعا فلن أغير أسلوب الكتابة-مهما تذمر القراء من عسره- لأنه أولا ليس متكلفا وثانيا لأن البحث في الأعماق أهم عندي من طلب الانتشار السريع. فما يعنيني هو المضمون وليس الخداع الشكلي. والأمانة توجب عدم التبسيط.
18-كما أني لست معنيا بالتأثير المباشر والسريع فضلا عن كوني أميل إلى طريقة العمل بمنطق بقعة الزيت التي تنتشر في ما حولها بالتدريج المتعامق الذي يستمد مفعوله من فضائل المتأثر به.
19-فإذا اقتنع واحد في الألف من القراء الممكنين وأمكن له اقناع عشرة أفراد أصبح الوعي بشروط الاستئناف تسونامي بطيئا لكنه جارف في الغاية.
20-ولما كنت أريد الجمع بين المنظور الفلسفي بالتحليل والمنظور الديني بالتأويل فإني واثق من أن الشباب بجنسيه سيختار بنفسه ما يمكث في الأرض بحق ويترك الزبد للجارين وراء الموضة ونجوم الشلل.

قاعدة الإنطلاق و مجالات الفعل

21-والآن أبدا. فالجواب عن سؤالي يمكن أن يكون متعلقا بقاعدة الانطلاق أو بمجالات الفعل التي بالاستناد إليه تحقق ما يترتب عليه من مهام واجبة.
22-وقاعدة الانطلاق لا تحتاج لطويل كلام: إنها قيم الإسلام الكونية التي بها تحققت النشأة الأولى والتي يمتنع من دونها تصور الاستئناف ممكنا.
23-فيكون المخاطبون بتحليلي العقلي وتأويلي النقلي نوعين: أولا المؤمنين بالرسالة وبأن أوان استئنافها قد آن وثانيا المؤمنين بأن الإنسانية تنتظر ما هو من نوعها وهم ليسوا بالضرورة مسلمين.
24-ما معنى”تنتظر ما هو من نوعها”؟ معناه أن من بين البشر اليوم كثير من الشباب أصبح مدركا لخطأ هيجل حول امتناع دولة الإسلام وآمن به أعداؤها بـحسن نية أوبسوئها (كما بينا في الكلام عليها بنفيها أو بادعاء استحالتها).
25-فهيجل ظن أن الإسلام قد خرج من التاريخ واعتبر دولته مستحيلة لنزعة التجريد المثالي الغالب على الإسلام: وخاصة اعتباره البشر إخوة (النساء 1) واعتباره أنهم لايتفاضلون إلا بالتقوى (الحجرات 13).
26-هيجل يعتبر فضائل قيم الإسلام حائلة بمثاليتها وتجريدها دون بناء الدولة المستقرة. لكن أغلب شباب العالم يرفض معاييره ويفضل معايير الإسلام وخاصة بعد بروز شرور العولمة التي جعلت البشر كلهم عبيدا لمافيتين: مخدومة(مافية الاقتصاد) وخادمة لها (مافية الثقافة) بما أشرنا إليه (التواصل التسويقي بالشائعات والكذب وتشويه الحقائق).
27-فالمافية الخادمة (مافية الإعلام والثقافة) هي التي بالضوضاء الرمزية تحول دون البشروالتحرر من المافية المخدومة (مافية المال والاقتصاد).
28-لكن هاتين المافيتين تتضاعفان عند سنة العرب مرتين وأحيانا ثلاثا: فالمخدومة والخادمة المحليتين عندنا كلتاهما في خدمة مافيتين تسيطران عليهما مخدومة وخادمة عند أعداء الأمة وغالبا ما يكون ذلك بتمويل من ثرواتها هي (مثل الإعلام وحتى حكومة لبنان التي تغطي عن قاعدة إيران فيها: حزب الله).
29-وليس في هذا الكلام تعقيد ولا تجريد: فيكفي أن نضرب مثالا واحدا. طالح اليمن وبطانته تمتص دم شعب جائع لتضخ قطرات دمه في بنوك سويسرا ومثيلاتها في الخليح.
30-وهو ليس الوحيد. فعندك إذن المخدوم والخادم المحلي. وهما في خدمة مخدوم وخادم دولي. وقد يتضاعف المستوى الثاني للحاجة إلى وسيط إقليمي كإسرائيل وإيران. فتكون المافيات بصنفيها مثلثة المستويات.
31-لنعد إلى الموضوع فقد استطردنا بما يقتضيه التحييز في الظرف العربي السني والتعيين بمثال يشمل كل الأنظمة العربية دون استثناء. ولسنا نبالغ.
32-ودليل هذا الشمول توفر مرتين منذ بداية الثورة: فهو يتمثل في انتشار افكار الثورة انتشار النار في الهشيم في أقل من شهر أولا ويتمثل كذلك في اتحاد الثورة المضادة بنفس النسق وعمومها.
33-وحتى نساعد القارئ فلنذكر خطة التحديد التي نعين بها مجالات التنافس خطة تكون في آن دليلا على خطأ هيجل وسطحية مقلديه من المتكلمين على دولة الإسلام وجودا وإمكانا: مقومات دولة الإسلام المتعضية.
34-سنواصل غدا إن شاء الله بمجموعة أخرى تجيب عن سؤالنا اعتمادا على ما ذكرنا بخصوص مجالات التنافس وعلى تحديد المنافسين بمستوياتهم محليا وإقليميا ودوليا.

الأساس الفلسفي للبحث

35-ولنحدد من الآن الأساس الفلسفي للبحث: فنحن نسلم بأن للاشياء طبائع هي منطلق كل بحث جدي ونرفض الجري وراء الموضة التي تفرضها الشلل المخادعة التي تهول قوة الأعداء وتهون قدرات الأمة.
36-وإذن فمنطلق البحث سيكون مبدئيـن مضمونيين: مجالات التنافس والمنافسيـن. ومبدئيـن منهجييـن: تحديد طبائع الأشياء المعتبرة والموضات المسيطرة التي علينا إهمالها.
37-نوعا المضمون: الأول هو مقومات الدولة والثاني هو محاربو الاستئناف. مقوما المنهج: الأول هو طبائع مجالات التنافس في المقومات والمتنافسين. والثاني هو الموضة السائدة حاليا في أقطار الأمة: معركة كاريكاتور التحديث.
38-وقد سبق فطبقنا هذه المنهجية على ما يقدمه الإعلام ومحلليه الخادمين للخدم في الإقليم بأنه انتصار إيراني أقصد الاتفاق النووي والتخويف منه. فهم بهذيانهم وإخفائهم طبائع الأشياء حولوا الهزيمة النكراء للملالي إلى نصر.
39-والتحليل بطبائع الأشياء يبين أنه هزيمة نكراء ليس بعدها هزيمة: فلا المال الراجع بكاف ولا خاصة الصلح مع الغرب بشاف. فالمال الراجع سيكون نقطة في محيط مؤلف من ثمانين مليون يعانون مما يشبه ما تعاني منه كوريا الشمالية. والسلاح وهم وكذبة لأنه خردة سوفياتية وتقليد دون هذه الخردة كفاءة.
40-وما كان يضمن بقاء نظام الملالي-دعوى القوة العظمى والعنتريات مثل القدافي-افتضح بهزيمتين في البحرين وفي اليمن وزال سر الصمود أعني دعوى معاداة الغرب ومقاومة الصهيونية.
41-ما ينتظر إيران هو ما حصل في الاتحاد السوفياتي. فالتطبيع مع الغرب هو بداية النهاية والشباب الإيراني سيقلد الشباب العربي فيثور للمطالبة بالحرية والكرامة وبكل حقوقه. ومثلهم سيفعل غير الفرس من أقوام إيران.
42-وبذلك تعود كل الجراثيم والفيروسات التي غذتها أوهام الملالي إلى الداخل الإيراني فيفقد النظام أسباب البقاء ولا يبقى إلا عنف المافية مافية حرس الثورة كعسكر مصر.
43-تلك هي طبائع الأشياء: نظام الملالي-الجامع خداعا بين سلطان فعلي للكنسية القروسطية وحرسها وسلطان وهمي للديموقراطية الشكلية- سينتهي مثل نظام السوفيات سلما أو حربا.
44-ولن يطول الأمر: في أقل من مدة الاتفاقية وحتى أقل من نصفها. فكيف استنتجت ذلك؟ إن الدور المطلوب من الملالي انتهى: كان المطلوب منهم أمرين: إحياء الاحقاد بين السنة والشيعة وزرع الجراثيم والفيروسات بالطائفية والمليشيا. وذلك كاف من المنظور الغربي لحماية إسرائيل بتفاعلاته التي ستلهي الأمة عنها.
45-لذلك يخطط الغرب لإطالة الحرب على داعش ثلاثة عقود باختراقها ودفعها للتشويه المطلق: الفوضى -دون استثناء إيران منها- التي يحتاج إليها الغرب لمنع الاستئناف 30 سنة.
46-وهذه الـخطة طبقها ريجن مع السوفيات مستعملا الكنسية في بولوينا مع التطبيع والتعايش السلمي. لم يرد الغرب على عنتريات السوفيات لما سقط النظام. هادنوه وفرضوا عليه سباق التسلح الذي أوصله إلى الإفلاس فالانهيار.
47- والمهادنة مع سباق التسلح حتى مع الخليج -ناهيك مع الغرب-سيجعل إيران إذا واصلت العنتريات ولم تتفرغ لحل مشاكلها الداخلية في علاقة بمن حولها من جنس علاقة كوريا الشمالية بكوريا الجنوبية.
48-ولما كان ميل شباب إيران لنموذج العيش الأمريكي لا يختلف عن ميل شباب السوفيات إليه فإن جاذبية الملالي انتهت مثل جاذبية الحزب الشيوعي السوفياتي وبأسرع منه: 30 سنة بدل 80.
49-ومافية حرس الثورة التي تسيطر على الأرزاق ستحاول ما حاوله عسكر مصر من فرض سلطانها باقصى درجات العنف ما سيكون بداية الثورة الجذرية كالمآل المتوقع لثورة مصر الحالية.
50-لكن مصر-رغم الأقلية القبطية-لا تغلب عليها الطائفية والعرقية لأن أكثر من 90 في المائة عرب العرق أو الثقافة ومن ثم فالثورة لن تفكك مصر. أقصى ما هناك سيحجم استغلال الطائفية القبطية.
51-لكن التغيير إذا لم يحصل سلما فيضمن حقوق الشباب والأعراق فإن الثورة ستكون بداية لتفكك إيران فيتحرر التركي والكردي والعربي والأذري والبلوشي إلخ…
52-طبائع الأشياء تجعل الاتفافية نكبة على إيران حتى لو عاد ثمن البترول إلى مستواه السابق: فشعب ضاق ذرعا بالملالي لن يرضى بضنك العيش وأعراق عانت من استئساد الفرس لن تسكت.
53-فإذا علمت أن إنتاجها لا يتجاوز نصف إنتاج السعودية وسكانها أربعة أضعاف سكانها وكان الشعب متعطشا للعيش الكريم فضلا عن تعدد الأعراق اتضحت معادلة الصراعات المنتظرة بعد أفول دور إيديولوجيا الثورة.
54-لكن الأهم من ذلك كله هو أن ما يسمى بحرس الثورة لا يختلف من حيث الفساد والسلطان على ثروات البلاد عن عسكر مصر ومن ثم فهو سيكون مفجر الصراع القاتل للمحافظة على سلطانه وامتيازاته.
55-وبذلك فإن إيران ستكون في وضع أشبه بوضع مصر الحالي أو ماقبل الثورة بقليل ولن يبقى لها أي إمكانية لسياسة التوسع لأن الشباب لن يتحمل الحرمان والأعراق التبعية للفرس.



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي