لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهاستراتيجية الاستعداد الامريكي الاسرائيلي المتوقع
أي استراتيجي على دراية بتشابك الوضعيات الاستراتيجية وترابطها يعي أولى المعضلات وهي طريق ردع العدو إلى أن تحين الفرصة لضربه. لكن التشابك يجعل الردع عسير بسبب اختيار بداية الضربة الرادعة التي تقتضي تريب الاعداء بمنطق قوة سلسلة الدومينو.
يعني اختيار الضربة التي يتوالى فعلها ويزداد قوة بمجرد أن يكون الترتيب موازيا لترتيب قوى الأعداء وتأثير الضربة الأولى في الأعداء المتوالين بمفعول تراكم قوة حبات الدومينو المتوالية فيكون أثر سقوط ما تقدم منها على ما تلاها متزايد القوة بتناسب مع قوى الأعداء المرتبة.
وبمثال بسيط يمكن القول إن ضرب كوريا الشمالية الآن شبه مستحيل لعلتين أولا لأن تراخي الضربة إلى الآن مكنها من التحصيل على إمكانية الرد الموجع ليس لأمريكا في عقر دارها لأنه لم تصل بعد لهذه المرحلة التي تجعلها لا تخاف الرد الحاسم بل هي قادرة على ضرب حلفائها في الإقليم.
لذلك إذا كانت امريكا عازمة على ردع يمكنها من حسم المسألة الكورية فينبغي أن تضرب عدوا آخر لم يصل إلى هذه المرحلة لمنعها أولا من الوصول إليها ولمنع كوريا الشمالية من تجاوز ما وصلت إليه بل والتفكير في الرجوع عنه بتوافق شبيه بتوافق كوبا ولكن هذه المرة مع الصين وليس مع السوفيات.
ولما كنت أعتقد أن إيران قد قامت بما كان ينتظره منها الأمريكان والإسرائيليون ولم يعودوا بحاجة إليها بعد أدت أجوارها العرب إلى الارتماء في حجرهم فإنهم لم يعودوا بحاجة إلى دور التجريف الذي أدته في الإقليم أحسن أداء ومن ثم فلا من البدء بها. لذلك فأنا أتوقع أن ضرب إيران شبه مؤكد.
والداعي إليه بالإضافة إلى انتهاء دورها المطلوب منها ليس تهور ترومب بل أجل الاتفاق النووي: ما لن تسمح به أمريكا وإسرائيل هو استئناف البرنامج النووي. ومن ثم فسيتحينون الفرصة لضرب إيران قبل نهاية الاتفاق سواء أعطتهم التعلة أو لم تعطهم: فهم قادرون على إيجاد الفرصة.
وليس من المؤكد أن يكون ذلك في ولاية ترومب لكن ذلك محتمل لأن ترومب يريد إنجازا ما واسرائيل محتاجة إلى هذا الإنجاز ليس خوفا من قنيبلة إيران فلها أضعاف أضعافها بل لكيلا يقاسهما شرطي ثان سلطانها على الإقليم الذي استسلم نهائيا لحمايتها وحماية حاميها.
وعجز العرب عن الاستفادة ممن يدعون محالفته -لا السعودية استفادت من حلفها المزعوم مع امريكا ولا مصر من السوفيات في النظام العالمي الذي انتهى. ولن يفعل أحد من العرب شيئا يتجاوز ما حصل فيه بل سيكون عملهم دون ذلك بكثير: الغباء يجعلهم يكتفون بالحماية.
سيقال إن اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية هي في هذا الوضع من حيث الحاجة للحماية الأمريكية: ما ينساه المعترض هو كل هؤلاء بوسعهم تحقيق ذلك عند اللزوم في لمح البصر لأن الشروط كلها متوفرة ولم يبق إلا وضعها حيز التنفيذ وهم ممكن بسرعة لمن حاز العلم والتقنية الضرورية والقوة الاقتصادية.
ما يزعجني حقا هو أن العرب الذين يحتمون بأمريكا وإسرائيل سيكون دورهم من جنس دورهم فيما سموه الثورة العربية الكبرى: حشو مدافع العدو وطائراته لا أكثر ليصبحوا بعده بلادا خاضعة للانتداب كما حصل في المرة الاولى لكنها سيكون هذه المرة نهائيا لأنهم سيفتتونهم.
وحتى الأكراد إذا ساعدهم الامريكان والإسرائيليون فسيكون وضعهم من جنس وضع العرب فيما سموه الثورة العربية الكبرى. لن تكون كردستان التي يريدونها دولة مستقلة ومنضوية في مصلحة الاقليم بل هي ستكون مجرد قاعدة للخطة التي حاولت وصفها هنا: البدء بإيران لعملية ردع عالمية.
ولا يعني ذلك أن إيران تخيف إسرائيل وأمريكا أكثر من كوريا الشمالية بل لأن البدء منها سيحقق ما تكلمت عليه في وصف الموقف الاستراتيجي المضاد لما نصحت به الشرق الادنى لتجاوز علاقته العدائية بالغرب الأدنى: ذلك ما لا تريده أمريكا وإسرائيل. ضرب إيران بعد أن خضع العرب لن يبقي إلا تركيا.
وتركيا وحدها لا تستطيع شيئا فردع إيران سيخيفها وستبقى بين فكي كماشة ألمانيا وإسرائيل والروس لن يتجرؤوا على أمريكا وإسرائيل بسبب قوة الاولى العسكرية والاقتصادية وقوة الثانية التي لها صلات عميقة مع مافيات روسيا ونخبها الفكرية والادبية وأسواقها المالية.
ولولا هذا التشابك والمآل الخطير الذي غرق في العرب وقد يغرق تركيا وأوروبا للخضوع التام لسلطان أمريكا وإسرائيل لكان ضرب إيران كبداية للردع مما احبذه. لكنه لن يكون مقصورا على إيران بل هو سيشمل كل الإقليم بعد أن يزيل كل محاولات التخلص من السلطان الأمريكي الإسرائيل.
وهذا السلطان الذي هو مطلوب من أجل نظام العالم الجديد استعدادا لصعود الشرق الاقصى سينهي كل إمكانية لبقاء أي شرط من شروط الاستئناف بثورة إسلامية شاملة لا تمثلها إيران بل كانت من مخربيها لأن المنتصرين في عملية الردع لن يبقوا على أي دولة حتى بحجم المحميات بل سيفتتونها إلى أقصى حد.
والتمهيد لهذا التفتيت هو الدور الذي قامت به إيران طمعا في استعادة امبراطورية فارس المتقدمة على الإسلام وهو وهم خطط له قادة ايران الذي يزعمون أذكياء ودهاة وهم لا يشعرون بأنهم بذلك أعدوا لتفكيك إيران مثلها مثل غيرها من شعوب الإقليم ودوله وهي أكثر هشاشة من العرب والأتراك.
كان أملي أن يكون للعرب خيار ثالث: لا مع إسرائيل ولا مع إيران وألا ينقسموا إلى صفين محتم بإيران ومحتم بإسرائيل. لكن يبدو أنهم جميعا ميالون لتطبيق الثالث المرفوع في السياسة. وهو دائما من علامات الجهل بها وبالاستراتيجية. فمن ليس له مشروع بحجم تاريخه لا يمكن أن يصبح أو أن يبقى سيدا.
وقد نصحت بأن يكون الحل الثالث حلفا بين من أنشأوا دولة الإسلام (العرب) ومن حافظوا عليها على الاقل رمزيا إلى الربع الاول من القرن الماضي (الأتراك). لكن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا وقد بينت في المحاولة السابقة أنهم اليوم أكثر تفتتا مما كانوا عليه في بداية النهضة (القرن التاسع عشر).
فتكون الخطة الأمريكية الإسرائيلية السيطرة الكلية على الشرق الادنى والغرب الأدنى قاعدة انطلاق للسيطرة على العالم كله لقرن كامل على الأقل بعد حيازة جل طاقة العام وأهم أحياز الجيواستراتيجيا العالمية حتى يردعوا الصين وتوابعها. أما روسيا حينها فتعود إلى رتبة الدولة من العالم الثالث.
ذلك أن اقتصادها المعتمد على البترول والغاز يمكن أن ينهار بمجرد المناورة على أسعارهما ممن يكونوا قد حازوا الجزء الاكبر من سوقهما العالمية وعندا لن تستطيع مجاراتهما في سباق التسلح الحديث فتصبح ترسانتها خردة لا تساوي شيئا في عالم التسلح المناسب للعصر الجديد.