استراتيجية الاستئناف، بين رد الفعل العقيم والفعل العظيم

من يحاول أن يفهم ما يجري في الإقليم بمنطق ديني لكأن الغرب مهتم بالحرب على الإسلام كدين لا يمكنه أن يفهم ما يجري بمنطق الاستراتيجيا التي تعتمد على دورس التاريخ التي استمدها الغرب بشقيه والذي صرا ممثلا بروسيا وأمريكا بعد أن فقدت امبراطورياته ما قبل الحرب الاخيرة دورها. لا أنفي أن يكون فيها للدين دور لكنه حسب رأيي يقتصر على توظيفه حافزا معنويا كالحال في كل الحروب بين الشعوب لأن الحروب ذات صلة بالموت مباشرة ومن ثم فهي مجال التوظيف الديني الأهم في جعل المقاتلين يقدمون على الموت لكن دوافع الحروب الحقيقية من وراء ذلك. سأحاول بيان هذه الدوافع التي تتدثر بالدين حافزا لأفعال ليس الدين هو الدافع إليها على الأقل عند الغرب الحالي ممثلا بالروس أو الأمريكان وبذراعيهما في الإقليم أعني إيران وروسيا وكلا ممثلي الغرب في هذه الحالة يتبنون كلتا الذراعية في الحرب كما نبين عند تحليل الدوافع التي لم تعد خفية. وهذه الدوافع هي نفسها الدوافع التي كانت في اجندة الامبراطوريات الاوربية التقليدية خلال الحرب العالمية الأولى والتي يعتبر ممثلا الغرب الحاليين أنها أجندة لم تستوف أغراضها وأن إمكانية عودة أهل الإقليم الذين يحاربونهم استعادة دورهم الذي لهم معه تاريخ معلوم طيلة أربعة عشر قرنا. وحتى يكون كلامي مفهوما فإن المستهدف ليس الأنظمة التي أحدثها خطة الحرب العالمية الاولى بل الشعوب التي بدأت تستيقظ وإمكانية استعادة المبادرة في بعض بلاد الإقليم الذين لهم معهم تجربة تاريخية هي أساس كل الاستراتيجية التي نراهم يطبقونها حاليا على الأرض مباشرة وبالذراعين. وأبدأ بالسياق العام الذي يجعل الدوافع تكون عدوانية من الغرب إزاء الشعبين الاكبرين في الإقليم واللذين كان لهما مع الغرب تاريخ طويل من الصدام الاستراتيجي أوهما بدأ لما تكونت دولة المسلمين والثاني بدأ لما احتاجت للحماية من شعب كان آخر من حاولوا القضاء على دوره في الحرب الأولى. وكان في استراتيجية هذه المواجهة لمنع استئناف هذين الشعبين دوريهما بدأوا أولا بفتنة بينها كما يفعلون الآن بمحاولة خلق فتنة بين الشعب الثاني وجاره بتوظيف بعض علمانيي الأكراد وخلق فتنة بين الشعب الأول وجاره بتوظيف بعض علمانيي الأمازيغ. هذا داخليا، أما خارجيا فالذراعان بينان. أحيوا العدوين التاريخيين لهذين الشعبين: الفتنة الكبرى أو الباطنية ممثلة بالانتقام الصفوي والفتنة الصغرى ممثلة بالانتقام الصهيوني. وكان لبقايا الدولة الباطنية التي هاجرت إلى موطن الصراع الحالي في الاقليم-جبال الشام الكبير-دور القادح لأحياء الباطنية في إيران والسعي لفرضها على الهلال. كل محاولات السعي لفهم ما يجري في الاقليم ضد العرب والاتراك بالذات -وهم الغالبية التي صادف ان كانت سنة وكان الخطة تكون نفس الخطة لو لم يكونوا سنة وحتى لم يكونوا مسلمين لأن الامر كما أسلفت ليس جديدا في الاقليم فهذا هو منطقه منذ ما قبل أديانه ثم خلاله وإلى الآن. فما يجري في الإقليم من حيث أحداث التاريخ يشبه في خطوط الزلازل في الأرض من مناطق زلزالية تتحرك دائما لأنها لقاء بين أرضين تحرك تلك بوصفها مناطق زلزالية تتحكر دائما لأنها لقاء بين نظامين حضاريين مختلفين يتنازعان السلطان على الإقليم جيئة وذهابا وحربا سجالا بينهما. لكن الاهتزازات الحضارية بخلاف الاهتزازات الزلزالية تخضع لخطط قصدية هي استراتيجيات علتها ما سأصف من دوافع للتنافس بين الشعوب وعلل السعي للاستحواذ على شروط القيام العضوي والحضاري للجماعات البشرية. وهي علل ترد إلى ما وضعت له نظرية الاحياز الخمسة. وكل كلام في الاستراتيجيات السياسية الشاملة لكل أنشطة الإنسان في مجالي العلاقتين بالطبيعة وبالتاريخ لا يعتمد على دور الأحياز لغو من الكلام وهو كلام على أحوال النفس عند الفاعلين التاريخيين وليس كلاما على دوافعهم الموضوعية التي تبنى عليها الاستراتيجيات بعيدة المدى وطويلة النفس. وهذان الصفتان للاستراتيجيات السياسية -بعيدة المدى وطويلة النفس-هما ما هو مطلق الغياب في النخب العربية الحاكمة والمساعدة لها في كل وظائف الدولة باعتباره “ذات” الجماعة أو وعيها بأحوالها وجهازها العصبي الذي يطلع على أوضاعها فيعالجها فعلا وليس رد فعل. وطبعا لا مانع عندي إذا وجد من يعتبر المسألة دينية ولا يمكن في كل الأحوال منع استعمال الدين محفزا للمقاومة وللشجاعة لأن الحروب كما اسلفت في علاقة مباشرة بأخطر تجارب الوجود الموت ومن ثم فلا يمكن أن تخلو من العالم الديني. وهو صادق عند المؤمنين لكن مخططي السياسة أغلبهم ليس مؤمنا وأقصد أنه غير مؤمن بدين الله بل هو مؤمن بدين العجل. ومن ثم فهو يستعمل الدين كإديولوجيا. وعندما ترى أمراء العرب يقتتلون على الاسلاب فيما بينهم وعدم تطبيق أخلاق الحرب الإسلامية فاعلم أنهم مثل الحكام منا ومن الغرب لا دين لهم ولا ملة أو دينهم محرف أو هم يقصدون تشويه الإسلام. فما هي الدوافع بالاعتماد على نظرية الأحياز؟ الحيز الأول هو الجغرافيا التي هي مصدر الثروة بما فيها ومصدر الوصول إليها بموقعها في الأرض. وهذان دافعان للعداوة بين الشعوب لأنهما سر التنافس على الثروة وعلى الطرق الموصلة إليها. وبين أن الاقليم غالبيته عرب وأتراك وأكراد وأمازيغ. وهذه الشعوب الاربعة تاريخها العالمي بدأ مع الإسلام وكان بمقتضى الجوار وبمقتضى اجلائه لمستعمريه الغربيين وهم بالأساس البيزنطيين أصبح يمثل ضديد الغرب وظل التاريخ حربا سجالا بين هذه الشعوب الاربعة -وجلها سنة-والغرب القديم الذي يمثله الآن الروس والأمريكان (وهما حام وتهديد). أما الذراعان فدورهما ليس جديد بل هو متلازم مع هذا الصراع: فمنذ الحروب الصليبية والحلف مع المغول كان الذراعان رديفين لكل غزو للإقليم توهما بأنهما يمكن أن يستردا دورا سابقا على الإسلام في الاقليم. لكن هيهات لأن سيديهما يستعملانهما أداتين لا غير حتى لو توهموا غير ذلك. فلا أحد يصدق أن بلفور وعد الصهيونية حبا في اليهود. فهؤلاء خلال كل تاريخهم لم يحمهم غير المسلمين. فالجميع اضطهدهم وحتى إذا تعاملوا معهم فمنطق العجل الذهبي وخاصة عندما كان البنك حكرا على اليهود في العالم باعتبار المسيحية قبل الإصلاح كانت تحرم الربا والبنك مثلنا. ولا أحد يصدق أن جيسكار داستان لما أرسل الخميني في طائرة فرنسية خاصة كان حبا في الحضارة الفارسية المزعومة بل هو كان يفعل ما فعلت أمريكا مع ابن لادن: التصدي للسوفيات الذين كانوا قد احتلوا افغانستان وكانت إيران على عتبة السقوط لأن الشاه لم يعد كافيا لتصدي للثورة. فهما لا يزالان كما كانا مجرد ذراعين هدفهما منع المارد الذي بدا يطل براسه منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى: فالخلافة العثمانية بخلاف كل أكاذيب النخب العربية التي كانت من بقايا الصليبية أومن بقايا الباطنية هي التي ادعت انها كانت شديدة التخلف ونسوا أن روسيا لم تكن في وضع أفضل. ونسوا أن تعاونها مع ألمانيا مثل بداية نهضة لو تعامل الغرب معها تعامله مع روسيا التي لم يخربوها كما خربوا الخلافة لنمت مثل روسيا بل وربما أفضل بسبب ما لها ثورات لا وجه للمقارنة بينها وبين روسيا حينها. ولنمر الآن إلى الحيزين الآخرين وهما أيضا من الدوافع الأفعل. فإذا كانت الجغرافية حيزا دافعا بثروته وبموقعه الفاصل بين طالب الثروة وما وراء أرض الخصم الذي يريد إزاحته فإن التاريخ له تراث هو ثروة رمزية بل أساس الثروة المادية لكونه شرط علاج العلاقتين مع الطبيعة وما البشر وهو له دور الفاضل في الزمان فصل الجغرافيا في المكان. فكل مقدسات الغرب -سواء كانت دينية أو فلسفية -مستمدة من هذا الإقليم الذي فقد السلطان عليه بسبب الإسلام والمسلمين وبالذات بسبب هذه الشعوب الاربعة: العرب بداية والاتراك غاية والكرد والامازيغ بين البداية والغاية: هؤلاء هم ممثلو علاقة الشرق بالغرب منذ نزول القرآن إلى اليوم. صحيح أن عصر الاكتشافات الكبرى لتجاوز الفاصل الذي يمثله الإقليم قد قلل من هذا الدول لكنه لم يلغه أولا ولم يلغ ثرواته وتراثه ثم إن اتساع دار الإسلام جعل المروح من خارجها إلى الشرق الأقصى لم يعد ممكنا لأنها صارت حاضرة في الممرات الواصلة بين المحيطين الأطلسي والهادي. والجميع يعلم ولا يمكن أن يجهل أن دار الإسلام يمكن ان تستأنف دورها كاملة من مندناو إلى المغرب إذا تمكن قطباها في قلبها أعني العرب والأتراك وسنداها أعني الكرد والأمازيغ من استعادة للحمة بينهم وبناء القطب الذي سيسهم باقتدار في تحديد نظام العالم الجديد مع غيره من الأقطاب. ولما كانت هذه الاحياز الأربعة تستمد وحدتها الروحية والرمزية من الحيز الأسمى أو المرجعية الإسلامية وبوسعها أن تستعيد وحدتها المادية بفضله كانت الحرب عليه. وإذن فأعداء الإسلام لا يحاربون بدافع ديني إذ دينهم هو دين العجل الذهبي بدافع دنيوي: إنه عندهم موحد الأحياز الاربعة. كتبت هذا الفصل اليتيم حتى لا يواصل بعض المخرفين في تحويل أنظار الامة عن الحل فيبقيها في حديث يفسد دلالة الأحداث فلا يمكنها من بناء استراتيجية تعد للاستئناف وتبقى الأمة في رد الفعل الذي هو علة خسران كل المعارك لأن راد الفعل ينتظر فعل الأعداء فيكون تدخله دائما متأخرا بمعركة.

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي