لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهاستئناف دولة الاسلام، شرطه الصلح بين من أنشأها (العرب) ومن حماها (الأتراك)
أعلمني مدير مكتبي أن بعض الأصدقاء عابوا على عبارة “تبا لأمة هذه حالها”. وهي نظير “تبت يدا أبي لهب” فالأمة التي حالها كما وصفت سلوكها إزاء الإسلام والعروبة أسوأ من حال ابي لهب وقد قال فيهم القرآن الكريم ما قال في الأمم التي تولي أمرها مترفيها أي مستبديها وفسدتها.
فالمستبدون بحال العرب اليوم من حكم منهم بالعروبة وعارض صار عميلا يحتمي بإيران وحلفائها مليشياتها ومن حكم منهم بالإسلام وعارض صار عميلا يحتمي بإسرائيل كلهم بلا استثناء وكلاهما له مليشيا قلم في كل اقطار الامة يدافعون عن العمالة الصريحة. ومن لا يرى ذلك أعمى البصر والبصيرة.
فلا يزايدن أحد علي في الإسلام ولا خاصة في العروبة. فعندما أسمع من جعل تسعين في المائة سكان بلاده من غير العرب بمعنى أنها دون فلسطين تعريبا يهاجم من لولاهم لاستعادت أوروبا كل ما فقدته بيزنطة وروما من دار الإسلام فضلا عما حوله في حروب الاسترداد لا يمكنني ألا اقضي بما قضيت.
صار سفهاء هذه المليشيات وأغبياء زعماء الثورة المضادة يحاربون تركيا متصورين حربهم باسم العروبة والإسلام وهم يغطون على عمالتهم لايران واسرائيل زاعمين ذلك شرطا لدرء خطرهما عليهم وعلى عمالتهم لهما بالحرب على الصديق الوحيد للعروبة والإسلام حاليا.
ولا أحد يمكن أن ينكر أن يكون لدى بعض الاخوة الأتراك موقفا من العرب له مبرراته التاريخية. ولست بغافل عن ذلك. لكني لا أقبل أن يكون ذلك سببا لإعادة ما حصل في الحرب العالمية الأولى وما تقدم عليه من مؤامرة للفصل بين العرب والخلافة وهي مؤامرة داخلية وخارجية معلومة.
ولإيماني بأن دولة الإسلام أنشأها العرب وحماها الأتراك لما غرق العرب في “حبك درباني” فسقطت الاندلس وبدأت حرب الاسترداد تتجاوز الضفة الشمالية والضفة الجنوبية من الأبيض المتوسط وما يحيط بالشرق الادنى إلى الشرق الاقصى من دول إسلامية تم تمسيحها كالفيلبين مثلا.
ومع ذلك فلم أغفل عن تنبيه الرئيس أردوغان نفسه وفي وجهه بأن عرب اليوم ليسوا عرب القرون الوسطى وأنهم يبحثون عن صديق وليس عن وصي ردا على مقترح وجدته يعبر عن رؤية لتونس فيها الكثير من عدم الاطلاع على حقيقة مستواها التحديثي واستغنائها عن “الخبراء”.
والاحكام المسبقة وثقل التاريخ الحديث في العلاقة بين العرب مؤسسي دولة الإسلام والأتراك حماتها بعد أن كاد أعداء الإسلام يستردون كل داره لا ينبغي أن تبقى المحدد للعلاقة بين العرب والاتراك: فمن دون تحالف تال عن تحاسم لتجاوزها لا يمكن للسنة أن تقوم لها قائمة: وهي المستهدفة بالذات.
فالاحتماء بإيران (لأدعياء القومية العربية) و بإسرائيل (لأدعياء الإسلام) فضلا عما فيهما من غباء سياسي لأن المرء لا يحتمي بعدوه التاريخي الساعي للانتقام من الإسلام ومن العروبة كلاهما دليل انعدام المشروع الذاتي والشهامة التي يعرف بها الأحرار رجالهم ونساؤهم لو كانوا يعلمون.
ومما جعلني اتأكد من خيانة داعش والحركات التي تدعي الجهاد ما عبروا عنه من حقد على الخلافة العثمانية: فهذا دليل على لا وعي بالتاريخ وعلى نزعة قومية منافية للإسلام وقيمه وفيها بصورة بينة عداء لشروط قيام السنة في الإقليم ومنع التواصل بين أساسي دولة الإسلام لصالح عدويها التاريخيين.
فهي حركات لا تختلف في شيء عن الانظمة ونخبها ليس في فكرها الجامد فحسب بل وفي استراتيجية المقاومة التي يزعمونها: حققوا أكثر مما كانت إيران وإسرائيل ترغبان فيه. الوصل بين إيران والابيض المتوسط بالقضاء على مركز الخلافتين الوسطيين الأموية والعباسية للفصل الترابي بين العرب والاتراك.
لذلك فعندي أن كل من لا يمد اليد للحلف مع تركيا مع التحاسم الصريح بخصوص أخطاء الماضي وهي متبادلة لا يمكن حماية ما بقي من قلب دار الإسلام محافظا على شروط الاستئناف بقيادة السنة التي هي الإسلام وكل ما عداهم يثبت التاريخ أنهم كانوا حلفاء أعدائه وطابورا خامسا في دوله.
ولست أفهم خوف العرب من تركيا حتى لو سلمنا بأن لها نزعة عثمانية. فوزن العرب اليوم غير وزنهم لما كان الأتراك سادة دار الإسلام بلا منازع منذ الدولة السلجوقية بل وحتى منذ حكم المعتصم استنادا إلى الحامية التركية. فهم اليوم أغنى من تركيا واكثر عددا وعدة حتى وهم متفرقون فكيف لو تكاملوا.
لكني أعلم علة هذا الخوف: فهم لا يريدون إسلاما تحرريا وديموقراطيا خاصة وفيه نوع من التبشير بما كانت الثورة تسعى اليه ويتوهمون أنهم أوقفوها لغباء ليس له نظير: فالثورة فرضت عليهم أمرين لا مرد لهما. طموح شعوبهم واضطرارهم لتوحيد الثورة المضادة التي ستكون منطلق توحيد الثورة.
وعلى العرب أن يفهموا أن الأتراك يمكن أن يكتفوا بتوحيد اتراك العالم فيكونوا بعدة العرب بل وأكثر وأن يستغنوا عنا فنصبح وحدنا منقسمين بين عرب إيران وعرب إسرائيل والتنافس بين الحليفين التقليديين من عصر نوبخت نصر إلى اليوم لتقاسم المشرق العربي كله ونحن فاغرون الافواه غباء وبلادة.
ومرة أخرى لا أستطيع فهم هذه النزعة العدائية إزاء العثمانيين عند من تحتل إيران جزءا من دويلته التي هي مثل كل الدول العربية محمية أمريكية ومن تسعة أعشار سكانها أجانب ومهددة بأن تصبح هندية. هل يعقل أن يكون ذلك بسبب حس قومي؟ هل يوجد أكثر منه تهديما لشروط التكامل العربي؟
أي معنى لاتهام أحد قادة جيوش الخلافة حمى الحرمين من الانجليز والقبائل التي حالتها لغزو دار الإسلام وتكوين المحميات التي نراها اليوم تدعي القومية والإسلام بكونه سرق المال والرموز وهو لم يفعل غير ما يقتضيه الدفاع الذكي عن الاوطان: هل يتركها للغازي أم يحميها كما فعل؟
هل كان عليه أن يفعل مثلهم فيشتري الأرض المقدسة في فلسطين ليهديها إلى مغتصبيها مقابل حماية نظامه الهش من قبل إسرائيل ولوبياتها الامريكية؟ وفي الحقيقة أنا لا أعجب من إهداء إسرائيل القدس (قرار ترومب بالتشاور معهم) من نفس من حالفوا الانجليز ضد القائد التركي المتهم من عرب إسرائيل.
ولست أدافع علن العثمانيين من منطلق ما تدين به تونس لهم إذ ساعدوا شعبها على التحرر من حرب الاسترداد في القرن السادس عشر (ضد احتلال شارل الخامس) بل لأن بيضة الإسلام كلها بما فيها دار الإسلام في الشرق الاقصى كانت مصانة بفضل اساطيل الخلافة وجيوشها المؤمنة بالرسالة.
لكن الأهم من ذلك هو دافعي الناتج عن فهم الأخطار التي تحيط بقلب دار الإسلام: فكلا المهربين للأنظمة العربية سواء للاحتماء بإيران أو بإسرائيل مآله عودة العرب إلى وضعية المناذرة والغساسنة وإلى الجاهلية في ما يظن اليوم أكثر بلاد العرب ازدهارا بسبب بيع زيت الحجر وبيض البشر.
وأعلم أن الكثير من المرتزقة لا يصارحون حكام العرب الذين يتصورون أنه لا خيار إلا الاحتماء بإيران وحاميها الروسي أو بإسرائيل وحاميها الامريكي بل ويحركون السكين في جروح الماضي بين العرب والأتراك حتى يحولوا دون الحل الثالث. لكني أقول ما اراه صوابا ولا آلو.
وحتى لو أدى ذلك إلى أن يحال دوني وبلاد العرب كلها بسبب انحياز حكامها ونخبها إلى احد التوجهين الانتحاريين (مع إيران أو مع إسرائيل) لأن الحل الوحيد الذي اعتبره حلا يعبر عن سيادة الامة وكرامة الإسلام هو الحلف الصريح بين سنة العرب وسنة الأتراك لأنهما هما عمودا الإسلام وداره.