ابن خلدون أو علل تعثر الإسلام السياسي

****

ابن خلدون أو علل تعثر الإسلام السياسي

تمهيد:

هذه محاولة لقراءة الأحداث الجارية في تونس بالاعتماد على قوانين فن السياسة كما حاول التنظير له ابن خلدون مع تأويل كلمة عصبية باللحمة الرابطة الجامعة للقوة السياسية وهي في عصرنا الحزب دينيا كان أو علمانيا مع إضافات يقتضيها التحييز في الظرف والاطلاع على ما لم يكن متوفرا في عصر ابن خلدون من فلسفة السياسة بعد أن اصبحت الديموقراطية أو شروط الحكم الذي يقدم الشرعية الشعبية على الشوكة من ثقافة العصر الحديث.
• القانون الأول: في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم (المقدمة ااا.6).
• القانون الثاني: في الدعوة الدينية تزيد (…) قوة على قوة العصبية (المقدمة ااا.5).

الفصل الأول

أبديت رأيي بكامل الصراحة في الحكومة الحالية واعتبرتها غير شرعية بل وانقلابية بمقتضى المبدأ الأول في الديموقراطية وهو أن شرعية الأغلبية لا تتغير بالأمر الواقع بل بالأمر الواجب الذي ينتج عن الانتخابات التي تنقل ا لأول إلى الثاني.
لكني لم أحملها وحدها المسؤولية في تعليل هذا المآل.
وقد بدا رأيي وكأن فيه ظلما للإسلاميين خاصة -وأنا أحسب عليهم حتى وإن لم يكن ذلك بسبب انتساب حزبي إذ الجميع يعلم أني لست منتسبا إلى أي حزب-ولكن بسب توجه فكري ليس تاليا عن الثورة بل هو منذ حياتي الطالبية-لكن فيه تحميلا للمسؤولية باعتبارهم هم الأمل الوحيد في تحقيق أهداف الثورة.
ذلك أن تحقيقها ليس اختيارا بالنسبة إليهم بل هو ضرورة وجودية. فمن دون الاستقلال الفعلي من التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسية في أي جماعة عامة وإسلامية خاصة لا يمكن تصور التنمية المستقلة في أي مجال ممكن فضلا عن حقوق الإنسان وأولهما الحرية والكرامة مطلبي الثورة.
ولو كانت المعركة بينهم وبين أعداء هذه الأهداف محلية أو حتى إقليمية لكانت من أيسر المعارك لأن هذين النوعين من أعداء ليس لهم لا الجماهيرية ولا القدرة على النضال المخلص للأهداف النبيلة بحيث يمكن أن يخافهم المرء لأنهم غير قادرين على تهديد الثورة وقيمها وأهدافها وأسلوبها الديموقراطي الذي لم يتجذر بعد فيصبح من ثقافة الجماعة والقوى السياسية.
وحتى في هذه الحالة فلا يمكن تصور سياسة مبنية على التكتيك ضربة بضربة أو بمنطق “دعها حتى تقع” بل لابد فيها استراتيجية المطاولة كما حددها ابن خلدون بمعنى أن الاستبدال لا يقع بيسر إذ ليس يمكن تغيير النخب التي استبدت وفسدت وصارت تابعة بالجوهر بل لا بد من طول النفس والحذر الشديد.
أما والمعركة ليست محلية ولا إقليمية فحسب بل هي عالمية.
فمحليا لدينا النخب التي نصبها الاستعمار وأنبتت عروقا في كل أنشطة الدولة والمجتمع فجعلت كل النخب السياسة والمعرفية والاقتصادية الفنية والفلسفية والدينية من عملائها وهذه هي العقبة الاولى التي تعوق نجاح الثورة بسبب امتيازاتهم.
وإقليميا بمعنييه في الشرق الأوسط وفي الأنظمة الغربية التي استعمرتنا مباشرة وما تزال تستعمرنا بصورة غير مباشرة بتوسط اصحاب العقبة المحلية توجد قوتان هما إسرائيل وإيران لهما طموحات إمبراطورية وكل منهما له اختراق شديد التأثير سيادي في القوى السياسية والأنظمة العربية العميلة مشرقا ومغربا.
ودوليا توجد قوتان لهما تأثير أكبر وهو متحالف مع التأثير السابق أعني روسا وراء إيران وأمريكا وراء إسرائيل (بل إن هذه تستفيد من الاثنين) وكذلك القوى الاستعمارية التي استعمرتنا مباشرة والتي ما تزال تستعمرنا بصورة غير مباشرة بتوسط ما وصفنا في كلامنا على المستوى المحلي.
فإذا حللت ما يجري وجدت الجبهة التي تصد كل تغيير يحقق شروط التنمية المستقلة التي من دونها لا يمكن الكلام لا على الكرامة ولا على الحرية ولا خاصة على إمكانية استئناف دور للمسلمين في التاريخ وجدت الجبهة المضادة للإسلاميين تجمع كل من ذكرت. وحتى لما يهادنوهم فلتدجينهم واستتباعهم.
وهذا مناط كلامي على مسؤولية الإسلاميين -النهضة-في ما حصل في الانقلاب الذي قاده الشاهد وساندته بحجة المحافظة على الاستقرار من أجل الاستحقاقات الوطنية والالتزامات الدولية.
فالحجتان لم تقنعاني ولا أعتقد حقا أنهما هما العلة الفعلية لأن الأمر نفسه حصل مع رئيس الحكومة السابق ولم تحضر الحجتان ومن ثم فالحجة الحقيقية هي الخوف على الانتخابات المقبلة والتسرع ربما في تكرار ما حصل في البلديات وهو ما أخشاه لأنه سيكون بداية تمصير تونس بنفس الخطأ.
وقصدي أن ذلك سيكون نجاحا في الظاهر وهو بداية النكبة في الواقع كما حدث في الجزائر في العشرية الاخيرة من القرن الماضي وكما حدث في مصر بعد الثورة.
وما أظنني بحاجة للتذكير بأني قد توقعت ما حصل للوزير ألأول السابق في أول مشاركة لي في مركز البحوث الاستراتيجية عندما اعتبرته تعيينه دليل على ما توقعته له من أن يعزله الحزب الذي اختاره من خارج الاغلبية النيابية حتى يمرر به ومعه النهضة سياسة الاستحواذ على الدولة وإذا رفض سيعزلونه وهو ما حصل.
وكان كلامي موجها إلى قيادات النهضة حتى لا تدخل في شراكة يغيب فيه التعاقد الصريح والمعلن كما يحصل في أي حكومة مؤلفة من حركات سياسية تتعاقد على برنامج يلزم الجميع وليس على مشاركة “في المغموطة”.
لم يكن ما حصل صحيا وما نتج عنه لرئيس الحكومة بداية ما نراه الآن.
وكلامي لم يكن القصد منه رفض الحكومة الائتلافية بل رفض الائتلاف الذي في المغموطة.
ومعنى ذلك أن النهضة لو اشترطت التعاقد حتى لو رفض شرطها وبقيت في المعارضة لكان ذلك أسلم لأن السبسي لم يلجأ إلى النهضة حبا في تحقيق مصالحة صادقة في تونس بل خوفا من اليسار على أمرين.
كان يعلم أنه أسقط تجربة الترويكا بهم وبالاتحاد. وكان يعلم أنهم مسيطرون على حزبه وراغبون في نيل ما يتصوروه ثمرة عملهم المضاعف: فهم يزعمون أنهم هم الذين أسقطوا ابن علي وكان ينبغي أن تكون الثمرة لهم وليس للإسلاميين.
ونفس الأمر معه. ولو حكم معهم لفعلوا به ما فعل الزين ببورقيبة.
وليس صحيحا أن انفراط حزبه علته غباء ابنه فحسب-صحيح أن غباء ابنه له دور كبير في ذلك-ولكن العلة الأعمق هي ما ذكرت: كان مرزوق يتصور أنه سيكون الوريث المباشر لظنه أن أيام السبسي لن تطول وأن الحكم سيصبح تماما بين أيديهم حتى وإن كان اليسار فيه من عدد الجنرالات مع يجعله مجرد جيش مكسيكي.
النهضة ظلت خائفة فتوهمت أن “عنتريات السبسي” وابتزازاته لهم تدل على قوة وموقفهم مفهوم بعد ما حصل في كل بلاد الربيع العربي ولذلك لم ألمهم كثير عن خياراتهم الاستراتيجية.
ما ألومه عليهم هو تغيير هذا الخيار الآن: هل حدث ما يجعلهم مطمئنين لقوة قادرة على مجابهة ما وصفت من عقبات؟
رأيي الشخصي أن الواجب كان يقتضي الا يغتروا بالبلديات وهي نفسها حذرتهم من خوضها بتلك الطريقة لأنها كانت بداية الأزمة الحقيقة التي نعيشها الآن.
فقد مثلت نسخة مما حصل في الجزائر قبل النكبة ومما حصل في مصر خاصة وقد اشتم من قيادات النهضة ميل البعض لما يشبه غلطة مصر: “سنحكم وحدنا”.
فلا أحد في المحل ولا في الاقليم ولا في العالم يمكن أن يسمح للإسلاميين بالحكم وحدهم ولا حتى بالأغلبية في حكم توالفي مع أحزاب أخرى كما حدث في الترويكا بدأ من الجزائر وختما بفرنسا فضلا عن الانظمة العربية المعادية للثورة وللإسلاميين وللقيم الكونية التي يشترك فيها الإسلام والحداثة.
فكانت الاستراتيجية الوحيدة التي يفرضها العقل والعلم بما أسلفت هي عكس استراتيجية الاسلاميين منذ قرن: بدلا من السعي إلى الحكم بالاقتصار على التربية الدينية والاستراتيجيات الساذجة التي تتصور الكلام على القيم قيما كان ينبغي تحقيق شروطها الاقتصادية والثقافية دون عقلية الفرق الدينية.
فالسياسي لا يمكن أن يبقى أعرج: يمشي على رجل واحدة هي الروحي والخلقي بل لا بد له من الرجل الثانية.
فالقرآن لا يعرف الإنسان بمهمة الاستخلاف الروحي والخلقي فحسب بل يعرفه كذلك بمهمة الاستعمار في الارض. والاستعمار في الأرض ليس الحكم بل شروطه المادية والفكرية وثقافة الإبداع فيهما.
وهذا القول ليس جديدا فعليه يبني ابن خلدون نقده للحركات الدينية التي تتصور الكلام في القيم والدعوة كافيتين ومغنيتين عن أسباب القوة التي تتأسس عليها “عصبية” الحكم أو القدرة على حماية الاستراتيجية التي تمكن حزبا ما من الحكم الفعلي وليس الإسمي كالذي حصل في مصر أو في تونس بعد الثورة.
وقد كتب في ذلك فصلين: في الدعوى الدينية من غير عصبية لا تتم ثم في الدعوة الدينية تزيد العصبية قوة.
فاذا كانت الحركات الإسلامية من حيث هي أحزاب عصبيات ليس بالدم بل بالعقيدة فإن الدعوة الدينية هي مرجعية فكرها السياسي المحقق لوظائف السياسة أعني شروط الحماية والرعاية وليس العبادات.
ولما كان ذلك لم يتغير في الاحداث ولا في الأحاديث -إذ حتى قصة الشيخ مورو المتعلقة بالعلوم الإنسانية-فهو دليل عدم فهم علة الفشل لأن الإسلاميين ليسوا أولا مبدعين في العلوم الطبيعية وليس ذلك لو كان كذلك يكون عيبا أو معيقا إلا لأنه يتصور أن السياسة هي الدجل الإيديولوجي وما هم بناقصيه.
المفقود لدى الإسلاميين هو:
• شروط القوة المادية (ليس لهم وجود يذكر في الاقتصاد لا المادي ولا المعرفي)
• وشروط القوة الرمزية (ليس لهم وجود في الإنتاج الثقافي لا العلمي والفني ولا العملي)
وخاصة في مؤسساتهما أعني أن ثماني سنوات لم ينشئوا فيها مؤسسة علمية واحدة في تونس مثلا.
ما ورثوه عن حركة الاخوان من رعاية اجتماعية لا اعتبرها مهمة الأحزاب السياسية إلا إذا اعتبرت رشوة انتخابية. لكنها لا تمثل أساسا لبناء قوة سياسية قادرة على الفعل الذي يحقق التشابك مع أساسيات الاستعمار في الأرض بعلوم الطبيعة المطبقة وبعلوم التاريخ المطبقة بل هي دعوة دينية عاجزة.

الفصل الثاني

ومع كل ما ذكرت فلست خائفا على الإسلام السياسي مهما تعدد أعداؤه إلا من أهله وقد ينتصحون فيصبح في عافية لن يضيرها تحالف الاعداء عليه لأن الإسلام لا يغلب أبدا.
أما ما أخاف عليه حقا فهو التجربة الديموقراطية ذلك أن بقاء الإسلام السياسي الحركة المنظمة الوحيدة خطر على البلاد والعباد.
ولهذه العلة ومنذ اليوم الأول في أول كلمة ألقيتها في سيدي بوزيد افتتاحا لحملة الانتخابات الأولى بعد الثورة ناديت بضرورة الصلح بين فرعي الحركة الوطنية -الثعالبية والبورقيبية-شرطا لإنجاح الثورة أولا وللتداول على الحكم ثانيا لأن ما عداهما كل الاحزاب مجمع زعامات برؤى زائفة وقاصرة.
ولما فشلت محاولة الباجي في تأسيس حزب يجمع فيه فتات هذه الحزيبات -اليسارية والقومية والابن علوية-مدعيا أنه باعث البورقيبية لم نجد في حزبه بورقيبيين بل هم بدورهم صاروا ذوي فتات حزبي بلغ عشرة أحزاب.
وقد أكثرت من دعوة النهضة لمساعدتهم في استرجاع وحدتهم شرطا في أمن البلاد.
ولا أخاف من النقابات على ما أعيبه عليها سواء كانت نقابات العمال أو نقابات أرباب العمل. ذلك أنهم يعلمون أنهم يعيشون من البقرة التي يحلبونها أي “شبه” الدولة التي هي محمية فرنسية وقريبا إسرائيلية وإيرانية وسعودية وإماراتية بسبب ما عليه حال القوى السياسية التي تجاوزت حدود المعقول.
أعلم أنهم يلعبون لعبة حرف الهاوية حتى يصبح لهم نفس الدور الذي أدوه سنة 2013 ليكونوا وسطاء في حوار يبقي لها البقرة للحلب.
وإذن فلست خائفا على المحمية.
ثم إنهم حتى لو تهوروا وأرادوا أكثر من ذلك فإن اسيادهم وأسياد القوى السياسية التي تحركهم سيوقفونهم وليس ذلك حبا في تونس.
فأوروبا تعلم أمرين قد يجهلها هؤلاء الحمقى:

  1. ما فشل فيه بورقيبة وابن علي لن ينجح فيه لا السبسي ولا الفروخ الذين يريدون الثأر منه فيركبونهم هذه المرة كما ركبهم في المرة السابقة.
  2. ويعملون أن الفوضى لو عمت في تونس فإن المغرب العربي كله سيتزلزل مثل ليبيا وأكثر لأنها ستصل إلى الجزائر.
    ما سيمنع هؤلاء الحمقى من المغامرة بحرب أهلية في تونس مثل ليبيا هو ما حدث في ليبيا وما قد يحدث في الجزائر خاصة إذا واصل أحمق السعودية في تنزيل ثمن البترول الذي هو المورد الوحيد للجزائر والتي هي في وضع حرج لأن جروح العقد الأخير من القرن الماضي لم تندمل بعد.
    وبعبارة تبدو شديدة المفارقة فإن قوة السبسي التدميرية الحالية هي ضعفه واستعداده للانتقام ولو بتهديد التجربة رغم علمه أنه سيخرج من المعركة خروج ما يسميه المصريون من المولد بلا حمص: فهو أعلم الناس بغباء ابنه وهو أعلم الناس بأن من بقي معه ليسوا مخلصين للوطن بل بقايا مافية ابن علي.
    وأنا على معرفة بالكثير منهم أعني أولئك الذين أدخلهم إلى السياسة المرزوقي عندما أراد أن يشارك في الانتخابات بمن هب ودب إذ ليس له قاعدة شعبية ثم بعض اليساريين ممن كانوا يدعون محاربة بورقيبة ثم صاروا زبانية ابن علي في الإعلام وفي الأمن وخاصة في « القوادة » بالمناضلين. لم أر أحدا من الدستوريين الذين أعرفهم ذا صيت في حزبه.
    ما يخيفني إذن هو الفراغ السياسي حول حزب النهضة وفقدان الاستراتيجيا بعيدة النظر في حزب النهضة وآمل أن تراجع القيادات التي شاخت مواقفها وتسمح لشباب الحركة بالمساهمة في تحديد آفاق الآجل لأن لهم القدرة على الانتظار وعدم التعجل في قطف ثمرة هي بالأحرى حصرم.
    والثمرة ليست الحكم كيفما كان وبشروط فرنسا (السيطرة على ثروات تونس) وإسرائيل (التطبيع) بل هي شروط النجاح الانتقال الديموقراطي وأهمها الاعداد للتداول على الحكم ومن ثم المساهمة في تكوين الجناح الثاني من الحركة الوطنية وحلف بين الجناحين لمدة معلومة في حكم ائتلافي تليه مرحلة التداول على الحكم.
    ولأمر الآن إلى الإشكالية الأخطر وهي مؤلفة من فكي افتراض حول الانتخابات المقبلة:
  3. ما قد يحول دونها ونتائجه وفيهما فرعان
  4. ما قد يمكن من تحقيقها وما ينتج عنه وفيه فرعان.
    والفرع الخامس هو الخطر الذي تشترك فيه الفروع الأربعة هذه. فلأشرح ذلك وبه أنهي المحاولة.
    إذا واصل السبسي في حقده على النهضة وحاول بمناورات يسميه من مقومات دوره في الحفظ على أمن الدولة وسلامة الدستور فخاض معركة تكسير العظام مع النهضة -وهو ما أستبعده لكونه يعلم أن ذلك يتطلب أن يعيش عشرين سنة أخرى-فالبلاد قد تصبح عاجزة على خوض الانتخابات.
    وإذا فهم استحالة ربح المعركة في ما بقي بين الآن والانتخابات فستجري الانتخابات ربما بشروط هما مصدر الفرعين:
  5. فإما أن الشاهد لا يغدر بالنهضة فتجري الانتخابات بصورة عادية وقد يتقاسم السلط مع النهضة وهذه هي الحالة الافضل لتونس حينها.
  6. وقد يغدر فيعود إلى “سربه” فيزيف الانتخابات بقوة الدولة وبمال المافيات الفاسد.
    وحينها يكون الشاهد “ابن علي” الثاني مع حزب من جنس النداء ولكن هذه المرة بطابع يساري قومي فيه رائحة بقايا حزب الشابي وهو ما يعني أن النهضة التي أهملت الصلح مع البورقيبيين ستعود إلى وضع ما قبل الثورة وهي بداية الانتكاسة وتوقف الانتقال الديموقراطي: فليس أعدى للديموقراطية من أدعيائها.
    فابن علي نفسه برر انقلابه على بورقيبة بأهلية الشعب التونسي للديموقراطية لا ننسى ذلك واعتمد على القوميين واليساريين في السنوات الثلاث الأولى لتمرير الهدف وهو الاستبداد والفساد المطلقين اللذين سيطرا نهائيا حتى وإن كانا قد بدآ منذ خرف الرئيس بورقيبة والسبسي الآن خرف مثله أو لن يتأخر خرفه.
    لكن إذا عاند السبسي ودخل المعركة متوهما أنه سيربحها قبل الانتخابات بسجن القيادات وتفكيك الحركة فهو حالم حقا. حتى لو جمع كل زبانية الحزيبات وفاوضها على قسمة التورتة كما يقول المصريون وحتى بمساعدة الاتحاد فإن ما كان عسيرا في العهود السابقة صار مستحيلا بعد الثورة.
    وحينها ستكون تونس على ابواب الفرعين اللذين الآخرين:
  7. إما ترك الفوضى تعم بسبب الاجراءات القمعية التي سيحاول السبسي وجماعته القيام بها بعد الاعداد لها بفوضى الشارع في النقابيات لإيقاف الحياة العادية والوصول بتونس إلى الافلاس أو
  8. اضطرار الجيش والأمن للتدخل من أجل منع ذلك.
    وكل تدخل للجيش والأمن في هذه الحالات قلما يكون مؤقتا فالمثال السوداني الذي مات صاحبه-سوار الذهب- نادر الوقوع ومن ثم فتونس ستمصر. وهي النكبة التي ليس بعدها نكبة. وأملي أن يوجد بين قيادات الجيش والأمن في مجلس الامن القومي عقلاء يحذرون الرئيس من هذا المآل الممكن لمناورته الأخيرة.
    والداء الجامع لهذه الفروع الاربعة وهو أصلها هو غياب الاستراتيجية السياسية لدى الطرفين: فما يريده النداء وما تريده النهضة قابل للتحقيق بالتفاوض الصريح حول الحكم الائتلافي لعدة دورات حول برنامج سياسي لها هدفان:
  9. العاجل شروط استقرار الاقتصاد والأمن.
  10. الآجل شروط استقرار الديموقراطية.
    والتفاوض يدور حول أمرين:
  11. اقتسام بنسب متقاربة للدوائر الانتخابية بصورة تجعل كلاهما حاضرا فيها جميعا مع المناصفة نصفها تكون فيه الاغلبية للنهضة ونصفها تكون فيه الأغلبية للنداء مع الابقاء على الأحزاب القادرة على تجاوز العتبة (5 في المائة) حتى لا ينفردا بالمجلس النيابي.
    ثم:
  12. التفاوض حول تكوين الحكومة ببرنامج حول هذين الأمرين أي الآجل والعاجل. ذلك أنه من دون علاج المشكل الاقتصادي والامني لا يمكن تحقيق الانتقال الديموقراطي والانتقال الديموقراطي لا يصبح ديموقراطية إلا بفضل الاستقرار الذي يجعله شبه أخلاق جديدة للحكم والحكمة والحكامة.
    وهذا يعني الخروج مما مورس في الدورة الحالية التي كان فيها السبسي وكأنه يتفضل على النهضة بالمشاركة معه في الحكم في حين أن الجميع يعلم أو يتجاهل أن السبسي كان أحوج إلى النهضة من النهضة إليه لأنه لو حكم مع اليسار لحصل الانقلاب الأبيض عليه ربما بعد أقل من سنة ولصار مجرد صورة.
    وأول شيء يجعل التفاوضين جديين هو الاتفاق من الآن على مرشح للرئاسة توافقي بين كل القوى السياسية أو على الأقل بين النداء والنهضة ومعهما أهم أحزاب الدستور وأهم الأحزاب التي تدعي أنها مستعدة للحكم ومن فالمفروض ان تكون فاهمة لشروط الحكم في مرحلة الانتقال الديموقراطية.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي