****،
لثاني مرة أكتب كلاما في ائتلاف الكرامة.
كانت الأولى بالقياس إلى بروز الخلقي الفاعل سياسيا في ثقافة الجاهلية قبل أن يصبح للعرب دورا كونيا.
وهذه المرة اكتب فيهم بالقياس إلى ما أعتقد أنه ارهاصات عودة الخلقي الفاعل سياسيا في ثقافة ما بعد الانحطاط والشروع في استئناف دور الأمة الكوني.
اخترت وصفا للوضعية الأولى يعرف بالقطيعة مع الجاهلية على المستوى الخلقي الفاعل بصورة جماعية ما يعني أنه صار سياسة.
واخترت وصفا للوضعية الثانية يعرف بالقطيعة مع النكوص إليها بسبب الانحطاط على المستوى الخلقي الفاعل بصورة جماعية ما يعني أنه صار سياسيا.
اعلم أن اعداء الوصفين وسموا ائتلاف الكرامة باسم دفاعي هو “باراشوك النهضة”.
وهذا دليل على حمق المنابزين لأنهم تصوروها دفاعية وفي خدمة حركة غنية عمن يدافع عنها.
تجاهلوا أن النهضة في غنى عمن يدافع عنها بدليل أن كل من حاربها اندثر حتى صار معارضوها يتصفون بصفتين تجعلهم لا يقومون إلا بغيرهم:
فكلهم من جماعة صفر فاصل في تقييم الشعب لأهليتهم السياسية بحيث إن احزابهم ليس فيها إلا من نجح بالإسعاف أو “رشا-البقايا”.
وهم جميعا من بقايا الصبابة والقوادة وخدم الاستعمار والثورة المضادة العربية بصنفيها التابع لإيران والتابع لإسرائيل.
لذلك فلا النهضة بحاجة إلى باراشوك ولا خاصة الائتلاف ذو موقف دفاعي.
ولو كان ذا موقف دفاعي لما تحرج منه أهم قوتي فساد في البلاد بل لاستهانوا به.
لكن ما نلاحظه هو أن كل استراتيجيتهم الحالية هي التي تتصف برد الفعل على شروع الائتلاف في وضع القضايا التي طال السكوت عنها.
ويمكن تصنيف هؤلاء الذين انتقلوا للدفاع اليائس إلى النوعين التاليين أعني السياسي والاستراتيجي الذي يدير المعركة مع الاستئناف والأداتي الذي يستخدم الشارع ويعطل الآلة الاقتصادية لتعطيل الثورة:
• صنف التخطيط السياسي:
المافية التي حكمتها-ومعهم اليسار والقوميين الذين استعملهم السبسي وخلفه- بعد اسقاط الترويكا دون أهلية ممن يستمدون سلطانهم من التدخل الاجنبي المنافي للشرعية الديموقراطية.
حتى صار ثلاثة من أربعة تعاقبوا على سلطتها التنفيذية محتمين بجنسية المستعمر ليس الماضي لأنه ما يزال حاضرا. والاحزاب التي تحكم الآن لا تمثل الشعب بل هي تستند إلى شرعية مقدوحة اساسها سند أجنبي مؤكد.
• صنف التنفيذ الأداتي:
المافية التي سيطرت على النقابات سواء كانت نقابات العمال أو نقابات أرباب العمل أو النقابات التي بدأت تخرب أدوات تنفيذ القانون التي من المفروض أن تكون بمعزل عن الصراعات السياسية والنقابية.
والمسيطرون في الصنف الثاني توابع للصنف الأول وهم أدواتهم الشارعية والاقتصادية. فهذا بين بالنسبة إلى نقابات أرباب العمل. وقد صار بينا بالنسبة نقابات العمال بل وصريحا منذ الثورة: جائزة نوبل هي في الحقيقة جائزة فرنسا.
وطبعا كلا الصنفين تابع مباشرة للمخطط الفعلي من وراء حجات وهو كان وحيدا ثم تضاعف لما أوصلت المؤامرة الأخيرة دمية قرطاج فأصبح التخطيط ذا رأسين “بيسيفال”:
- رأس فرنسية يمثلها الاقرع المقيم العام الفرنسي.
- ورأس إيرانية يمثلها الاجدع المقيم العام الإيراني.
وكل من يتعامى عن هذه الحقيقة لا يريد تدارك الأمر قبل فوات الفوت. وكنت قد لمت شباب الائتلاف – وعذرتهم في آن بسبب قلة خبرتهم السياسية – عن موقفهم من حزب البسكلات وحزب البراميل.
وقد تعجبت أكثر من تمسكهم بالاعتراف بشرعية دمية قرطاج إذ تصوروه من صف الثورة والاستئناف.
وكنت أعجب من تعجبهم من موقف الحزبين والدمية.
لكني اعتقد أنهم تجاوزوا هذه المرحلة وأدركوا أنهم كانوا على خطأ لما فهموا علة موقف من كانوا يتصورونهم مع الثورة إذ تبين لهم أنهم ألد أعدائها لأن من يحركهم يخشاها ليس لأنها ثورة محلية بل لأنها صارت ثورة أمة تستأنف دورها.
والآن أليست عبارة “مخالب الاستئناف” فيها معنيان متناقضان؟
فقد يذهب البعض إلى وسم كلمة مخالب بأنها عدوانية وكملة استئناف بكونها استرداد منزلة وهي ليست بالجوهر عدوانية؟
المخالب استعارة للدلالة على قدرة الكائن على حماية نفسه. فهي نفي لكونه اعزلا في غابة الحيوانات المفترسة.
وهو وصف يدل على علة الانحطاط ومعلوله: فلو كانت الأمة منذ حرب الاسترداد الأوروبية قادرة على حماية نفسها هل كنا ننحط إلى ذلك الحد؟
ولكن لو لم نكن منحطين قبل هذه الحرب هل كان الغرب يستطيع التجرؤ علينا واستعمارنا؟
هل تستطيع فرنسا الآن مثلا احتلال الجزائر رغم أن الجزائر ما تزال بالقياس إليها متخلفة؟
المشكل هو في تناسب القوى وليس بالضرورة في توازنها العيني.
ماذا أعني؟
أعني أن فرنسا في الثلث الاول من القرن التاسع عشر لما غزت الجزائر كان الفرق في التقدم العلمي والتقني بلغ درجة صار فيها المسلمون من عصر والغرب من عصر آخر. وكان الصمود الجزائري روحيا من دون أدواته التي حددتها الأنفال 60.
اليوم يمكن القول إن المسلمين بوسعهم القول إنهم قد تداركوا الكثير مما فاتهم. ويمكن الجمع بين الصمود الروحي وشروط الانفال 60 ولذلك فلن تستطيع فرنسا محاربة الجزائر أو تونس أو ليبيا إلا بالخونة من أبنائها: وهنا يكمن دور ائتلاف الكرامة وأمثاله كثير في كل أقطار دار الإسلام وما هم إلا عينة ممن أعني.
كلامي إذن ليس على ائتلاف الكرامة في تونس وحدها.
فلو لم يكن في ليبيا مثله لما هزم حفتر وكل المليشيات والمافيات التي حاربتهم.
ولولا مثلهم في الجزائر لما سقط بقايا الحركيين الذين استولوا على ثورة الجزائر الكبرى. وقس عليهما كل أقطار الاقليم التي ثار شبابها.
ومصر ستلحق وقريبتا جدا. ذلك أن الاهبل بلحة يبحث عن مهرب يلهي به الشعب عن مشكل المشاكل المصرية أعني شرط بقائها -مشكل النيل- وقد يكون هروبه إلى حتفه.
فمكر الله الخير أراد أن يعود بنا إلى ما يشبه الموقف الذي عرفناه في حرب الاسترداد ولكن من موقع القوة في بعدي الصمود. لم نعد عزلا ولم تبقى تركيا رجل أوروبا المريض:
البعد الأول هو أن شعوب الضفة الجنوبية من الابيض المتوسط أي المغرب والجزائر وتونس وليبيا خاصة: شعوبنا اليوم هم كما وصفت الجزائر
لم يبق وضعنا كما كنا في القرن السادس عشر بل إن الهوة العلمية والتقنية تضاءلت وهي على الاقل بالقوة تجاوزت الفرق النوعي وصارت كمية.البعد الثاني هو قوة تركيا.
صحيح أنها لم تعد خلافة. لكنها مع ذلك تدرك أن مصلحتها العليا في الحلف معنا وليس تفضلا علينا.
فهو من شروط بقائها مستقلة عما يحيط بها من الأعداء أن تكون معنا ليس لحمايتنا بل لأن حمايتها تحتاج إلينا احتياج حمايتنا لها.
فلو لا قدر الله وقع الفصل بين الضفة الجنوبية وتركيا لصارت تركيا محاصرة بحريا وأرضيا ولسهل تطبيق سايكس بيكو الثانية.
وهي لو حصلت لكان سهم روسيا فيها استرداد جزئها الأوروبي وسهم إسرائيل وإيران تقاسم الهلال ولانتهت كل شروط بقاء تركيا فيحصل لها ما حصل للخلافة.
من لم يفهم ذلك قد يتصور تركيا بما تفعله في ليبيا تتفضل على الليبيين لظنهم أن قيادتها بحمقهم.
هي تفهم أن كرامة تركيا وحريتها لا تقبل الفصل عن كرامتنا وحريتنا.
فكرامة كل أهل الاقليم وحريتهم وخاصة المسلمين السنة لأن الشيعة والأقليات الاخرى تتعامل مع الاقليم بذهنية ما قبل الإسلام تماما كما تفعل إسرائيل.
ذلك هو معنى مخالب الاستئناف الذي اتجرأ فأصف به ائتلاف الكرامة. وطبعا لا ادعي النطق باسمهم. لكن أنطق باسم أي ظاهرة ذات دلالة في المعركة.
وكنت وما زلت إلى أن يأخذ الله أمانته اعتبر نفسي جنديا فيها منذ نعومة أظافري ووهبت لها كل جهدي بما في ذلك حياتي الاكاديمية.
ذلك أني لا أعتقد أنه توجد ثورة قادرة على استئناف رسالة الإسلام في التاريخ من دون مستوى نظري يليق بها فيجعلها قادرة على جبر الكسور التاريخي بما يحقق اندمال الجروح الروحية والعقلية في كيانها الحضاري.
واندمال الجروح الروحية وجبر الكسور التاريخي يفيدان عودة نسغ الحياة لكيان الأمة وهو معنى الاستئناف. فالاستئناف خروج من السبات الشتوي الذي دام قرونا حتى فسدت فيها “معاني الإنسانية” (ابن خلدون).
وتلك هي معركة ائتلاف الكرامة التي تجعلهم أهلا للوصفين ليس في تونس وحدها بل في كل أقطار دار الإسلام من اندونيسيا إلى المغرب:
- حلف الفضول ثورة الإسلام الكونية الأولى على الجاهلية في العالم كله.
- مخالب استئناف ثورته الكونية الحالية على فساد معاني الإنسانية في العالم كله