**** إهانة حكام العرب كلهم في الهوى سواء: عبيد محميات
صحيح أن ترومب وقح. وصحيح أن ولي العهد السعودي غبي. لكن الأصح من ذلك كله هو أن كل الحكام العرب في وضع حكام السعودية لأن كل بلاد العرب محميات. كل ما في الامر هو أن ولي العهد السعودي أوصل الحكم إلى الوضعية التي أوصل إليها بشار سوريا والسيسي مصر: تبعية علنية وصريحة.
ولست ممن يدافع على أحد. وخاصة على ولي العهد السعودي أو بشار أو السيسي. فالجميع يعلم موقفي منهم. لكن العلة واحدة.من لم يصل إلى الإهانات التي عاشها هؤلاء الثلاثة سيصلها حتما إذا احتاج حاميهم لهذه المعاملة.فمن لم يكن من العرب محميا بإيران أو باسرائيل فهو بمستعمر الأمس أو بالأمريكان.
وما أعجب له هو الشماتة التي أراها في الكثير من الفضائيات وخاصة في الجزيرة التي كنت أتصورها أرفع من غيرها في أمر لا يمكن أن يتوهم أحد أن بلاد العرب الاخرى وليس بلاد الخليج كلها كلهم في الهوى سواء. ولا يحق لعربي أن يفاخر بأدنى قدر من السيادة فهذا وهم: كلهم بلا سيادة فعلية.
وبدلا من التشامت أو التنابز فليكونوا حقا في مستوى المسؤولية التي فهمتها قيادات أوروبا ومع ذلك فهي إلى الآن ليست محصنة ضد تهور ترومب.فهو أسمع حكامها وشركائه في الحلف الأطلسي وإن بطريقة مخففة ما أسمعه لحكام السعودية واليابان وكوريا الشمالية وهو محق: فحمايتهم لا ينبغي أن تكون ببلاش.
نحن في عصر العماليق. ومن أراد أن يزعم الاقزام ذوي سيادة إما ساذج فيتصور أن القانون الدولي مختلف عن قانون الغاب أو هو يكذب على نفسه ويغالط شعبه فيزعم أنه مستقل أو ذو سيادة. ولا حاجة لعميق استدلال: فمن يضطر للاستنجاد بقواعد عسكرية أجنبية لا يمكن أن يزعم أنه ذو سيادة.
ما يحزنني شخصيا ليس ما يقوله ترومب. فهذا اعتبره مفيدا ومفيدا جدا. فقد يحرك ذلك في بعض قيادات العرب شيئا من الرجولة والفحولة فيقبلوا بما بينهم من خلافات ولا يقدموها على شروط السيادة فيصح كل شيخ قبيلة يزعم أنه أميرأو ملد أو سلطان أو ملك وهم جميعا أقل من غفير على محمية من الأعداء.
ولن أعجب إذا رد علي البعض بالقول إن ا لسيادة درجات. وردي أنه لا يوجد بلد عربي واحد له أدنى حق ممكن تصوره من السيادة إلى حرية التنكيل بشعبه وتبذير ثرواته على مغامرات لن تحقق أدنى شيء لأن من له المال ليس له الحجم ومن له الحجم ليس له المال ولا أحد منهما كاف لتحقيق السيادة.
والحقيقة أن كلام بعض العرب عن الثروة دليل جهل مطبق. فبعض الشركات أغنى من أغنى دول العرب والثراء ليس ببيع المواد الخام بل بالابداع العلمي والتقني وكلاهما ممتنعان على جماعة تفتت فصارت قبائل وعساكر توابع للملالي والحاخامت وأقزام ذراعي الأستعمارين الروسي والأمريكي.
ترى حكام العرب مستعدين لإعلان الحرب بينهم على كلمة أو حتى زلة لسان من عربي آخر لكنهم أذل من الخدم أمام إيران وإسرائيل فضلا عن روسيا وأمريكا. وعندما تسمعهم يتهاجون ويتبادلون التهديد والفخر بعضهم على بعض تظنهم أباطرة أصحاب جيوش جرارة وأكبرهم لم يربح حربا في حياته.
لذلك فإني فعلا آلم من سماع ما أكثر ترديده الإعلام العربي حول أقوال ترومب. كلهم بلا استثناء في نفس الوضع وأحيانا أكثر. فلا يمكن لمحميات “ذرية” أن تكون ذات سيادة. إذا كانت ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وحتى فرنسا رغم عنتريات رمزها (الديك) قبلت بالحد من سيادتها لتوحيد أوروبا.
إلا العرب فإنهم لم يكفهم تهديم كل صروحهم أو ما كان يمكن أن يصد عنهم عنجهية إيران وإسرائيل ولم يكفهم القضا ء الجامعة رغم وهنا حطموا حتى التجمعات الاقليمية بدأ بالهلال والخليج والمغرب والنيل والقرنين (بين اليمن والصومال) فلم يبق عربي جارا لعربي لا يعتبره عدوا ألد من كل الاعداء.
لما أسمع الجبير -وهو مسكين لا سلطان له على الخارجية بل مجرد بيدق وبوق لرعونة أميري الثورة المضادة وغبائهم -يزعم أن محاصرة قطر يمكن أن تدون خمسين سنة ولا يدري أن سلوك هذين الغبيين قد ينهي المحميتين في أقل من عقد إذا واصلوا الخنوع والحرب الأهلية العربية والنكوص الى الجاهلية.
ولأختم بالقول إن ما كان يمكن أن يمد بلاد الحرمين بقوة رمزية في غياب القوة المادية لأن جيشا هزمه الحفاة العراة من الحوثيين لا يمكن أن يحمي دولة ما يمكن ترومب أن يقول ما قال وقد يقول بالالتوماتوم في القريب من الزمان خسرته بأن بحربها على الإسلام وتخليها عن حماية الحرم الثلاثة.
فلا يمكن أن يصدق أحد أحدا يحمل لقب “خادم الحرمين” بعد أن صار ولي عهده هادم الحرمين وبائع الحرم الثالث بفكره المراهق وباتباع أغبى ليبراليين عرفهم التاريخ الإنساني. ذلك أنه حتى لو صدقنا أن العلمانية ستنجح على أيدي أميرين غبيين وهي قد فشلت في تركيا وتونس فسيسبقها الانهيار.
ولا يوجد إلا من يوصف بـ”صم بكم عمي فهم لا يعقلون” يتصورأن إسرائيل يمكن أن تحميه من شيء وهي التي تخوفه بإيران حتى يستسلم لها دون قتال. فلو اتحد حتى الخليج وحده دون بقية العرب لكانوا ألف مرة أقوى من إيران لأن قوتهم المادية وقوة الحرمين الرمزية تجعل كل المسلمين معهم.
لكن من يحارب كل المسلمين وخاصة كل العرب السنة ويحارب أملا كان يمكن أن يكون سفينة النجاة حتى لنظامه بمجرد القبول بإصلاحات طفيفة صار يفكر كما يفرك غبي دمشق الذي هدم سوريا من أجل أن يكون مجرد ورقة دبلوماسية تزعم إيران ومليشياتها وبوتين أنهم جاءوا بطلب من حاكم شرعي.
لكن هذا “الحاكم الشرعي” شكلا بمقتضى القانون الدولي ليس له حتى حق الكلام في مصير البلاد التي يدعي أنه حاكمها الشرعي. فالجميع يتكلم على سوريا إلا هو. وهذا ما بدأ يحصل في اليمن لأن رئيسها الشرعي سجين لدى دمية سجينة عند صهر ترومب يعني عند أكبر صهيوني في الإدارة الأمريكية.
هذا هو الداء. الكلام في الاعراض أعني إهانة ترومب بطلبه دفع الجزية عرض لمرض هو نكوص العرب إلى عقلية الجاهلية وغرقهم في حروب داحس والغبراء. وإذن فالداء هو فساد النخب الخمس: النخبة السياسية والنخبة المعرفية والنخبة الاقتصادية -الثقافية والنخبة الفنية والنخبة التي تعبر عن الرؤى.
والحاكمان الراشدان-قطر وتركيا- قد يضطرهما هذا الوضع لما يفرض عليهما نفس الوضع. ذلك أنهما صارا مستهدفين من كل أعداء الإسلام في الاقليم وخارجه بتحريض من هذين الأميرين الأحمقين اللذين يفسدان كل محاولة للخروج من استراتيجية تسعى إلى استكمال ما لم تحققه الحرب العالمية الأولى.
فهم يريدون المزيد من التفتيت حتى يحققوا إسرائيل الكبرى ويعتقدون أن الحصن الوحيد الباقي هو تركيا لأن قطر بلد صغير لا حول له ولا قوة وهو محاصر ما اضطره للتعامل مع إيران بشروط الوضع الذي آل إليه فلم يعد بوسعه أن يستغني عن المنافذ الوحيدة التي تمر بها جوا وبحرا لضرورات العيش.