ه
شرطه التخلص من “ربح بو العتاتق”
من الأخطاء الشائعة تقدم السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية واعتبار هذه أداة تلك. والحقيقة هي العكس تماما وقد بينت ذلك في محاولات سابقة. ذلك ان السلطة التنفيذية هي عادة القوة السياسية التي ربحت الانتخاب والتي تستعمل سلطة تشريعية لتحقيق برنامجها الذي بمقتضاه اختارها الشعب لتحقيق ما وعدت به فيه.
فتكون السلطة التشريعية في هذه الحالة هي أداة نقل البرنامج من مقترحات قوة سياسية نوبها الشعب إلى إرادة جامعة ذات شرعية قانونية تجعلها قابلة للتنفيذ.
وبهذا المعنى فما يقدمونه حاليا من نتائج الأمس دليل قاطع على أن النهضة تخلت على أن تكون صاحبة السلطة التنفيذية حقا ولن تستطيع تحقيق أي برنامج وذلك لعلتين:
- لأن الجمع بين باردو والقصبة سيعتبر تغولا لن تقبل به القوى السياسية الأخرى بما في ذلك القوة التي توافقت معها على تقسيم مركز رئيس السلطة التشريعية ونائبيه.
- ولأن الرئاسة البرلمانية من دون أغلبية لا فائدة منها ومن ثم فالانتصار فيها دليل فشل وليست دليل نجاح بسبب ما سيترتب عليها تقوية الحجة الأولى التي هي ‘ربح بو العتاتق’ لأنها عديمة الصلاحيات لا في التشريع ولا في التنفيذ ودورها يكاد يقتصر على التراتيب الإدارية لتنفيذ النظام الداخلي في المجلس.
ومن ثم فالكلام على فصل المسارين النيابي والحكومي حماقة لا معنى لها إلا لمواصلة الخداع الذي هو تذاك يضر بصاحبه أكثر مما يضر بخصومه.
وكان يمكن أن يكون الحل معكوسا لو بني على الوصل الضروري بين المسارين:
فتتنازل النهضة على رئاسة المجلس للحزب الثاني
مقابل تأييده تشكيل الحكومة برئاسة النهضة
وتقاسم السلطة التنفيذية بالتناسب مع أوزان القوى السياسية المشاركة فيه ممن يقبل أن يعمل معهما في خدمة برنامج مشترك.
ولا يمكن إنجاز أي برنامج سياسي من دون التأييد النيابي الثابت والتناسق الحكومي إذا كان القصد التصدي الصبور لقضايا تحتاج إلى قرارات مؤلمة وعاجلة
لإنقاذ البلاد من الافلاس
وإصلاح الدولة التي هي “امرأة مريضة” بلغ مرضها الأساسي مرحلة الميتاستاز
إذ هي تحولت ومعها كل دورها في الاقتصاد بشركاتها ومؤسساتها إلى “تكية” لتوظيف العاطلين في النخبتين السياسية والنقابية ومن هو من زبائنهما برؤية للدولة هي رؤية الدولة الحاضنة التي هي مافيوزية وماركسية متخفية ترضعها مافيات سياسية ونقابية من الصنفين العمال والأعراف.
وهذا هو الفساد الحقيقي.
لكن ما حدث ويتوهم اصحابه أنه انتصار على الحزيبين المتنطعين لا يستحق كله هذه ‘الهيلولة’ لأن هذين الحزيبين لا يمثلان أكثر من عدد النواب الذين نجحوا دون اسعاف يعني ثلاثة أفراد ديكة تقود الزوابع في فنجان.
وإذا صح الكلام على انتصار فهو في معركة داخلية في النهضة أي انتصار صف على صف آخر وليس انتصارا لا للنهضة ولا للثورة ولا للوطن خاصة وائتلاف الكرامة اعلن أنه لن يشارك في الحكومة إذا شارك فيها قلب تونس.
ومن دون قلب تونس لا يمكن تشكيل حكومة ذات حزام سياسي وتشريعي كاف لإدارة المرحلة التي قد تتحول إلى صراع بين قرطاج والقصبة خاصة والمنظر المتمركس اعتبر المعارضة التي في المجلس ستكون حليفة الرئيس في علاقته بالقصبة وباردو.
وبصراحة أنا لا أفهم هذا الموقف من قلب تونس لا في خطاب قيادات النهضة المخادع ولا خاصة في ردود فعل ائتلاف الكرامة الذي يخلط بين شخص القروي والحزب الذي يترأسه.
ولا ينبغي أن ننسى أن الائتلاف متهم بأكثر مما يتهم به القروي إذا صدقنا الحكم بتهمة الإرهاب من أدعياء الطهرية والثورية على الصادقين في الدفاع عن قيم الثورة وهوية الأمة.
فالقانون التونسي لم يمنع من بقاء الحزب الذي ترأسه وما ينسب إلى رئيسه من فساد مسؤولية فردية لا تشمل الحزب كله بمعنى أنه حتى لو حصل الحكم البات بإدانة رئيسه فإنه يمكن للحزب أن يبقى وأن ينتخب رئيسا بديلا وقد يقبل بهذا الحل حتى قبل الحكم عليه لأنه شديد البراجماتية والبلاد بحاجة إلى الانقاذ السريع قبل الغرق الذي لن يسهل الخروج منه.
وكل ما قيل في القروي على فرض صحته لا يجعله استثناء لأني اعتقد أن غالب الأحزاب القائمة لا تقل عنه فسادا والفرق الوحيد هو أن فساده صار علنيا والبقية ما يزال فسادها مستورا.
وله على الأقل مزيتان:
- اكتشف مجال فعل سياسي مؤثر هو علة نجاحه في أن يختار مواطنون تونسيون لا فرق بينهم وبين غيرهم من جعل حزبه الحزب الثاني لأن اكتشافه سد ثغرة أهملها غيره.
- شارك بفاعلية في اخراج تونس مما كان سيؤدي إلى حرب أهلية عندما كانت جبهة الانقاذ مستعدة للتضحية بعشرين ألفا من التونسيين من أجل الإطاحة بالشرعية في نهاية 2013 وهو ما جعل المسار الديموقراطي يتواصل وجعل النهضة تصبح ما وصفته بسفينة نوح.
وبعض من هؤلاء الطهريين والثوريين كانوا من بين أكلة الرز ولعلهم صاروا من محبي الفستق ولا تعنيهم تونس ومستقبلها.
ويمكن لحزب قلب تونس أن يواصل عمله إذا أثبت الرجل براءته أو تصالح مع وزارة المالية وتخلى عما يوصف به وأعلن تبنيه خطة لإنقاذ تونس فإن ذلك يجب ما قبله.
وإذا لم يحصل ذلك فيمكن أن يتخلى عن رئاسة الحزب لغيره عند الحكم عليه حكما نهائيا فيمثل ذلك فرصة لمواصلة المسار الديموقراطي السلمي وتحرير البلاد من لعب “الذري” الذين يدعون الثورية في تونس ويتحالفون مع أعتى المجرمين في ليبيا وسوريا ومصر ولعلهم يتربحون من تمويل الثورة المضادة بشقيها العربي والفارسي.
ولو تعامل الإسلام مع أعدائه في الجاهلية ولم يقبل منهم الانتساب إليه لاستحال أن يحقق شيئا مما نفخر به اليوم.