لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
علمت ولم أستغرب أن الاحتفال باستقلال تونس هذه السنة يراد له أن يكون دفنا للثورة باعادة “صنم” بورقيبة إلى ميدان الحرية والكرامة في رمزها.
وسمعت كذلك أن من كانوا يكفرون باسمه أصبحوا يسهمون في تمويل اصنامه.
ولا أعجب كذلك.
فلإغراء الكراسي ما لا حد له من المآسي
.لكن ذلك بين العلة.
فلا يمكن لحبس ان خلدون وما يرمز إليه أن لا يستتم بحابس هذا الرمز يرمز إليه:
تاريخ الأمة بذاته وبعمله ومقابلة لفتة المستقبل بلفتة الماضي.
فابن خلدون يتلفت إلى بزوغ الشمس والمستقبل
والصنم المسترجع يلتفت إلى غروبها والماضي.
ولتتم الصورة ينبغي وصلها بجناحين يخنقان ابن خلدون حوله.
فعلى يمينه ما يزال رمز الاستعمار السياسي جاثما على قلب العاصمة وساحة الثورة بداية وغاية أي مظاهرات شباب 8 أفريل 1939 وشباب 14 جانفي 2011.
وعلى يساره ما يزال رمز الاستعمار الروحي -المؤتمر الأفخارستي- جاثما على قلب العاصمة وساحة الثورة بداية وغاية أي ما تعنيه مظاهرات الاستقلالين.
أما لماذا ابن خلدون يمثل بعمله وبذاته وحدة الامة فبين لمن يعرف العمل والرجل.
والرجل حضرمي تونس مغربي جزائري أندلسي مصري شامي كل ذلك في آن.
وعمله كوني يجمع كل شعوب الأمة ليتدبر تاريخها حتى وإن كان العمل في عنوانه يبدو مقصورا على العرب والأمازيغ.
لكنه يتجاوزه إلى الإنسانية كلها.
يقابله عقل المحلي بالقطع مع مصادر الذات والعنفوان ببديل التبعية لمصادر مستعمرها والعنف.
إنها استعادة صنم لدفن الثورة برموز الاستبداد والفساد.
والمثل التونسي يقول: “ما خص المشنوق إلا ماكلة الحلوى”
الشعب مشنوق لأنه آخر هموم الكرسيين وهم يقدمون له استعادة أصنام رابط الحبل حول عنقه.
قد لا يفهم أخوتنا العرب القصد بما على يمين ابن خلدون وما على يساره:
سفارة فرنسا والكنيسة الثانية الرامزة للاحتلال الثقافي المؤتمر الأفخارستي.
طبعا لست ضد التمثيل الدبلوماسي الفرنسي لكني لا أفهم أن تحتل السفارة قلب العاصمة فتعطل كل الحياة فيها وخاصة في موقع مظاهرة 8 أفريل الشهيرة.
فهي ليست ممثلية عادية لدولة اجنبية في دولة مستقلة بل هي نفس مركز المقيم العام الذي كان -ولا يزال نظيره- يحكم تونس:
الفرق هو الحجاب الشفاف الحالي والشركاء من السفارات الأخرى.
ولست ضد وجود الكنائس في تونس.
لكني ضد استفرادها بأهم شوارع العاصمة فما يقرب منها مجرد مسجد صغير لا يكاد يرى إلى جانب مغازة تكاد تخفيه عن الأنظار.
فأكبر معلم هو الكاتدرائية التي تمثل المؤتمر الافخارستي.
ولست ضد وجود المعلم بل ضد ما يرمز إليه وخاصة لما بني من مقاصد تحقق الكثير منها وإن بشكل علماني في الظاهر.
وقد سعيت مرتين على الأقل لتحقيق بعض الندية المعلمية في شارع محمد الخامس إلى جانب دار الثقافة المعطلة منذ سقوط ابن علي فلم أجد آذانا صاغية من أصحاب الكراسي.
حاولت لما كانت وزيرا مستشارا فلم أسمع وعرضت على الرئيس الحالي المشروع لما دعاني في مناقشة الأمور الأخرى على أهميتها دون معالم عدم التبعية.
كم أكره المخلدين إلى الأرض اللاهثين وراء الكراسي:
فمن لا يؤمن بأن الأمم بمعالهما الحضارية الروحية والجمالية والعلمية لا يفهم معنى الحرية والكرامة
قيمتي الثورة.
وما كنت لأقبل المشاركة في العمل السياسي أصلا لو لم يكن القصد هو جعل قيم الثورة تصبح ذات قيام فعلي بما تحققه من معالم رامزة لخلقيتها.
استعادة الأصنام في الظرف الحالي يعني إرجاع المعالم التي تنافي ما كان ينبغي أن يسترجع من المعالم لتكون الثورة رامزة للاستقلال وعدم التبعية.
ورموز الاستقلال وعدم التبعية تتعلق إما بشروطهما أي عودة تونس لدورها في حضارتها أو بمشروعهما أي اسهام تونس في تحقيق شروط الحماية والرعاية.
ولست أنا الذي يريد ذلك بل الشباب الذي فجر ثورة ألغت ما فرضه الاستعمار من حدود بين أقطار الأمة تحول دون عودة تونس إلى حاضنتها الحضارية التي تجعلها سيدة.
فتونس المسلمة كانت من أهم عواصم الإسلام قيادة ودورا وإبداعا أدبيا وعلميا وإشعاعا عالميا.
وتونس المتغربة كانت مستعمرة رومانية وبيزنطية واسبانية وفرنسية على التوالي.
وتونس الثورة بدأت تستعيد منزلتها بعودتها إلى دورها الروحي المتجاوز لحجمها المادي:
اصبحت رمز ثورة الاستقلال الثاني من الاستعمار غير المباشر بأيدي خونة ثورتها الأولى.
ذلك هو دافعي لكتابة هذا النص.
فلست معاديا لبورقيبة.
ولا أنفي أني في شبابي كان لي بعض من محاولة الجمع بين المحلية والقومية والإسلامية.
فكان لبورقيبة حضور في فكري السياسي.
لكني كنت في البعض الآخر غير راض عن التغريب لأني كنت مؤمنا بأن في ذلك عداء مبطن للأمة ومحاولة للقطع مع التراث واستبداله بالتبعية الثقافية.
لكن عدم رضاي عن التغريب لا يعني أني أرفض الثقافة الغربية جملة وتفصيلا.
فجزء كبير من ثقافتي غربي.
لكن ثقافتي الروحية والخلقية عربية إسلامية حتى النخاع.
ولهذه العلة لم احصر الثقافة الغربية في النافذة الفرنسية الضيقة بل اهتممت بأهم مصادرها اليونانية والألمانية.
فالقصد التواصل لا القبول بالمثاقفة التي هي انثقاف.
وأذكر أن أحد المدرسين الفرنسيين -زميل في الجامعة- سخر بعنجهية من الثقافة العربية ظنا أنها ثقافة شعوب متخلفة فلقنته درسا لن ينساه ما ظل حيا إن كان له بعض حياء.
وكان سبب ذلك أني كنت دائما أرد على تحيته بالعربية.
فعجب لذلك.
وكان ردي بالسؤال المقابل:
ألست عائشا بيننا منذ عشرين سنة فلم لم تتعلم العربية؟
وقلت له إن أول نصيص فرنسي كتب سنة 808 لتعليم بدائي.
لكن الثقافة التي لم تتعلمها وأنت بيننا منذ عشرين سنة لاحتقارك إياها كانت حينها قد ترجمت جل أعمال اليونان العلمية والفلسفية.
وهي ما تزال أوسع انتشارا من الثقافة الفرنسية في العالم فضلا عن عدد أهلها الأصليين الذين يعتبرونها لغتهم القومية.
ولعل عقدة الاحتقار الذي زرعه الاستعمار من أهم عقد الكثير من النخب المغتربة التي تحتقر الثقافة العربية
تباهي بقشور ما تعلمته من الثقافة الفرنسية لجهلهم بعظمة ثقافتهم.
ولو كانوا بحق يعلمون عظمة ثقافة فرنسا لما استهانوا بعظمة ثقافتهم:
فالثقافات العظيمة تتبادل التقدير.
والمثقفون من أهلها إذا كانوا مثقفين بحق لا يتجاهلون عظمة الثقافات الأخرى.
ولعل المنزلة التي أولتها حضارتنا للحضارات الأخرى بينة في آثارها وفي حفظها للتراث الإنساني الذي كان لمن تقدم عليها بالزمان أو لمن عاصرها.
ولا تزال.
يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/