إعادة البناء لشروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف – القسم الثالث – الفصل الثاني

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله إعادة البناء لشروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف

القسم الثالث/الفصل الثاني

لكن الصراع السياسي الذي خرب المؤسسات لم يقتصر على هذه الفروع الاربعة التي تدعي تمثيل فهمها للإسلام وكل منها يستثني الباقي ويمرقه من الملة بل إن بقاء عادات الجاهلية وصمود بيزنطة في كل جاهليات الشعوب التي فتحت أرضها ودخلت للإسلام كل ذلك كان له تأثير على هامش هذا المربع وأصله. وحفظا للتناظر بين العوامل التي يدعي اصحابها أنها هي القراءة الصحيحة للإسلام والعوامل التي سأسميها عوامل خارجية يتعرف الجميع أنها لا تمت إلى الإسلام بصلة وليكن أصلها أثر جاهليات متقدمة على الإسلام عند الشعوب التي أصبحت إسلامية وتسترت بأحد هذه الخيارات الاربعة الأصلية. وهذه الخيارات المتنكرة في الاربعة الاول بنفس الذريعة التي تتذرع بها هذه الخيارات يمكن ردها إلى مربع كذلك وأضلعه هي جاهليات الاقليم وأهمها العربية والتركية والأمازيغية والسودانية (بمعنى سودان افريقيا كلهم وليس السودان العربي الحالي) ثم الصليبية ثم المغول. التنكر حصل بعد اسلامهم. لكن اسلامهم وتكوين دويلات والبعض صار امبراطوريات في المشرق وفي المغرب وحتى في الهند وافريقيا ما دون الصحراء كل هؤلاء بقي لتقاليدهم دور في الممارسات السياسية التي هي شديدة البدائية ولعل ازدهار التصوف فيها علته هذه العلاقة بين ميل الأنظمة البدائية للسحر والخرافة وعبادة الأوثان. وأختم بعنصر خامس كان ولا يزال يعتبر منافسا للإسلام ورؤاه بما فيها السياسية أعني الفكر اليوناني الذي نقل إلى العربية والذي كانت مدرسة اخوان الصفاء وجل الفلاسفة في الاسلام يعتبرون رؤى أفلاطون (أرسطو لم تكن فلسفته السياسية معروفة بما يكفي لأن السياسة والدساتير لم يترجما إلى العربية). عشرة عناصر لم يخرج عنها الفكر السياسي الذي كان يصاحب الفوضى التي آل إليها وضع الامبراطورية الإسلامية: الأربعة التي تنسب إلى فاعلية داخلية للمشروع ذاته مع المشروع ثم أربعة خارجية مما تقدم عليه وسيطرت على بعض داره (ولا يمكن أن الداخلية هي بدورها متأثرة ببقايا الخارجية) ثم الفلسفة. والثمانية الفرعية توجد إذن بين قطبين هما مشروع مرجعية الإسلام قرآنا وسنة ومرجعية الفلسفة علم سياسة وممارسة. وكل ما في الثمانية الداخلية والخارجية بالقياس إلى المرجعية الإسلامية فيها من الأصلين ومن أصول مجهولة تعود إلى التفاعل بين الإسلام وما بقي من تراث الشعوب التي اعتنقته. هي إذن شبكة متوالجة شديدة التعقيد ولا يمكن علاجها من دون تجريد يبسط الشبكة دون أن يخل بما هو اساسي فيها والحل هو أن الخارجية كما أسلفت تتدثر بأحد المذاهب الاربعة التي الداخلية حتى تجد لها شرعية في المرجعية التي يدعي الكل تمثيلها لأن الجميع هدفهم الاستحواذ على دار الإسلام كلها. والدليل هو أن كل الباطنيات والثورات على الخلافة كانت تنوي تأسيس خلافة أو إمامة أو دولة خارجية أو وهذا قليل دليل اعتزالية فشل فيها المأمون بفضل صمود احمد بن حنبل وإلا لكانت للمعتزلة دولة. لكنهم سرعان ما أصبحوا في خدمة التشيع. وهذه من المفارقات التي تنفي عنهم العقلانية بإطلاق. فلا يمكن لذي عقل سليم أن يعتقد في 1 في المليون من أكاذيب التشيع والباطنية والتصوف خاصة إذا كان بحق يقول بأن مرجعيته هي القرآن. يمكن أن أفهم يهوديا أو مسيحيا يقبل خرافات التشيع. لكن أن يقبل الوساطة والوصاية مسلم قرأ القرآن فهذا لا يمكن أن يكون صاحبه عقلانيا إلا بالمعنى الاعتزالي. ولعل أهم حصيلة لهذا العالم العجيب للفكر الباطني والشيعي والصوفي من الاغراق في الخيال الجامع الذي يجعل الطبائع والشرائع عديمة القوانين والسنن فلم يبق معنى للعلم ولا للعمل على علم وفي المقابل عالم أغرب للفكر السني الذي تحصر فصار فاقدا لأي ذرة من الخيال وتوهم القشور واقعا. وأكاد أبالغ فأقول انقسم عالم المسلمين إلى عالم الظاهر المطلق الذي هو صحراء بلا روح عدى توهم الخبرة والغفلة عن المعرفة وعالم الباطن المطلق الذي هو مرجل وحل يغلي بلا توقف بلا عمود فقري عدا التخريف حول معجزات آل البيت وكراماتهم التي صارت من جنس عالم آلهة الميثولوجيا الاغريقية. وليس لكلا الوجهين الظاهر والباطن أدن قبضة على شروط القيام التي هي ما يبدعه العقل الإنساني من استرماز علمي وذوقي يساعد على علاج معضلات العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة والعلاقة الافقية بين البشر ولم يبق في الوجود الطبيعي والتاريخي إلى أوهام ما يظن ما بعدا لهما عديم التحديد. وحول هذين القطبين الشيعي والسني أحدهما غلب دوره على المعارضة الدائم والثاني على الحكم الدائم أقصد أن التشيع والتسنن كان ما به تتم المعارضة في الغالب والحكم في الغالب لكن كلا الحزبين يسيطر عليه في سلوكه الفعلي روح الفريق الذي خرج عليه من حيث طرق العلاج العقيم. فعقم العنف المادي سيطر على فنيات المعارضة التي هي الإرهاب لعل ذروته هي الحشاشين وعقم اللطف الرمزي سيطر على فنيات الحكم التي هي النفاق ولعل ذروته ما صار يسمى المدخلية أو فقهاء السلاطين الذين لم يتجاوز العقل عندهم التحيل على الأحكام البينة التي تحدد طبيعة الحكم وأسلوبه. وصار كل من يحاول التحرر من النفاق بالتطبيق الصارم لأخلاق المعرفة في الاجتهاد ولأخلاق المسلم الذي من فروضه العينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلب واللسان يسمى خارجيا فقتلت المعارضة السلمية ولم يبق فيها مجال إلا لأصحاب الإرهاب الفعلي الذي تبناه الحشاشون. وبذلك أصبح الخروج والاعتزال على هامش التاريخ حتى وإن أحدثوا بعض الهرج في أطراف الدولة وكون بعض الخوارج دويلات أصبحت وديعة واقتربت من التسنن في الكثير من سلوكاتها ومن الاعتزال في الكثير من افكارها ربما لأن ممارسة الحكم تضفي عليهما شيئا من البراغماتية. ولما أصبح للشيعة دولة وخاصة منذ نشأة الدولة الصفوية -بفضل نفس مليشيات الجبل أو بقايا الدولة الفاطمية أصبح الصراع ليس بين من يمثل المعارضة والحكم بل بين حكمين يتنازعان أرض الإسلام منذئذ إلى الآن. لكن انفراط عقد الخلافة ترك الحبل على الغارب في أرض السنة وصارت اليد الطولى للعملاء. وهؤلاء العملاء صنفان: مليشيات الدولة الشيعية في الأرض السنية قبل الاستعمار الأوروبي وبعد تكونه مليشيات الاستعمار الذين استوردوا الفتنة الصغرى أو الدولة الوطنية ذات التوجه العلماني والتي مثلتها كل الانظمة التي تدير الاستعمار غير المباشر: فاجتمعت الفتنتان الكبرى والصغرى. وهذه هي الخريطة السياسية لدار الإسلام حاليا. وواضح أن نفس الدور الذي يكلف به الغزاة نكوص بعض من يدعون الإسلام إلى ما قبله هو العامل الاساسي في هذه المعادلة. ولا يظنن أحد أني اقصد التشيع وحده. فكل الانظمة العربية القبلية والعسكرية كلها لم تعد تعتبر الإسلام أساس شرعيتها السياسية. ومن المفارقات أن الأنظمة العربية القبلية التي تدعي هذه الشرعية هي في الحقيقة كلها بلا استثناء “مبدعات” انجليزية وشرعيتها هي الحماية الانجليزية التي أصبحت امريكية بعد أن سقطت الامبراطورية البريطانية. وكل الأنظمة العسكرية التي تدعي القومية العربية خاصة طائفية من الفتنتين. لذلك فجميعها بحثت عن شرعية متقدمة على الإسلام بحيث إنها تحاول أن تجمع بين تفتيت الجغرافيا الذي فرضه الاستعمار (سايكس بيكو) وتشتيت التاريخ فصارت البعثي العراقي يستمد كل كيانه الرمزي مما قبل الإسلام مفاخرا بتاريخ ما بين النهرين ومثله البعثي السوري فينيقيا والمصري فرعونيا. واليوم أصبحت الانظمة القبلية العربية نفسها تبحث عن جذور ما قبل إسلامية لتحلق بالأنظمة العسكرية في غسل اليد من التاريخ الواحد حتى تعلل الجغرافيا المفتتة. وما حربهم على ثورة الشباب بجنسيه (ألح على كلمة بجنسيه لأن المرأة استعادت دورها السياسي في الميدان دورها الذي تعلمناه من الصدر). ذلك أن هذه الثورة وإن لم يكن الشعب قد بادر إليها بوصفه مسلما عاد إليه الطموح التاريخي فإن دعوتها إلى الفاعلية الشعبية بمنطق الديموقراطية جعل الغالبية التي كانت صامتة تنطق. فكان ما يسمى بالإسلام السياسي صاحب الدور الأول والقاعدة الجارفة في مقاومة الادواء للخروج من حالة الطوارئ. وقد دخل المعادلة عامل ثابت يمثل الفتنة الصغرى أو قاعدة للفتنة الصغرى (إسرائيل) نظير قاعدة احياء الفتنة الكبرى (إيران) فصيغت المعادلة العربية والإقليمية على أنها مؤلفة من ذراعين عاميتين لأهل الإقليم الذي غالبيته عربية بالاسم لأنه لم يعد أحد منهم يعرف نفسه بالعروبة ولا بالإسلام. ودون ان أنفي أن لهذين الذراعين اجندات خاصة بهما لا ينكرها إلا معاند لأنهما ليسا ذراعين فحسب بل لهما طموح استعادة امبراطورية سابقة عن الاسلام ساسانية وتلمودية فإن دورهما الوظيفي هو الغالب حاليا في ما يحدث في الاقليم رغم أن لتنافسهما علاقة بأجندتهما الذاتية. وليس هذا الذي يعنيني. ما يهمني هو طبيعة ما يزعمه عرب العسكر من حلف مع إيران ضد اسرائيل وما يزعمه عرب القبائل من حلف ما إسرائيل ضد إيران وما تتوزع عليه النخب من خدمة لهؤلاء أو لأولئك كله كذب في كذب لأن ما يتحالفون جميعا ضده هو عودة الشعوب للفاعلية السياسية. وليس بالصدفة أن كانت هذه العودة رمزها البلدان اللذان جربا الفتنة الصغرى طيلة عقود وتبين أنها لم تفلح في القضاء على لب الحصانة الروحية لهذه الأمة: تركيا وتونس. فهما البلدان المسلمان الوحيدان اللذان علما بالتجربة ما تغني الفتنة الصغرى ورمزها أتاتورك وبورقيبة. ومن حسن حظ لب الحصانة أو ما يتهم بالإسلام السياسي أنه أصبح رمز النجاح في الجمع بين قيم الإسلام الكونية وقيم الحداثة الكونية وتجاوز الكاريكاتورين كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث ليستأنف دور الجماعة الحية التي لم تعد تعتبر الإسلام هو تراث عصره المنحط بل إبداع نشأته الاولى. وهذا هو لب اللحظة الاستراتيجي. حاولت بنظرة خاطفة وشاملة تحديد تكوينيتها ولم أطل الكلام على مراحل الوصول إلى هذا الوعي التاريخي لدى شباب الأمة بجنسيه ودلالة البدء من تونس وتركيا وتركيز الاعداء جميعا على ما يتوقعونه من هذا الاستئناف من لحظة ظنهم القضاء على سر حيويته: الإسلام.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي